
"لم يقتلني السرطان، ولكن قد أموت من الجوع"، نساء وأطفال يخاطرون بأرواحهم للحصول على فتات الطعام في غزة
فحتى النساء والأطفال، الذين أضعفتهم قسوة الجوع وأرهقتهم أوضاعهم الصحية، يقطعون مسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وينتظرون لساعات طويلة في ظل قصف مستمر وإطلاق نار كثيف، على أمل العودة بكيس طحين أو بعض المكرونة لأحبائهم. إلا أن الكثيرين منهم قد لا يعودون إلى منازلهم، مخاطرين بحياتهم في سبيل لقمة عيش تكاد تكون بعيدة المنال.
ومن هؤلاء سمية البالغة من العمر 34 عامًا، التي تحمل إلى جانب إصابتها بمرض السرطان، مهمة إطعام أطفالها الخمسة، لأن زوجها مصاب ولا يستطيع الحركة، فبعد أن كان أكبر همها استكمال علاجها خارج قطاع غزة، أصبحت لا تفكر سوى في تأمين الغذاء لأطفالها.
فتقول سمية باكية: "من أجل أطفالي الجوعى ونظراتهم الصعبة وعيونهم التي تُبكي الحجر والضمائر الحية، أحاول أن أقدم لهم أي شيء قبل أن أموت حتى لا أرى هذه النظرات بعيونهم، أنا مريضة سرطان في مرحلته الرابعة، ولم يقتلني السرطان حتى الآن لكن قد أموت من الجوع في أي لحظة".
وفقا لبرنامج الأغذية العالمي في 21 يوليو/تموز الجاري، فإن نحو 90 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 22 يوليو/تموز الجاري، فقد بلغ العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 101 حالة وفاة بينهم 80 طفلًا.
رحلة سمية للحصول على المساعدات ليست كغيرها، فهي مصابة أيضًا في قدمها منذ بداية الحرب أثناء قصف منزل مجاور لها، وأثرت الإصابة على حركتها بشكل كبير.
ولكي تذهب سمية إلى أماكن المساعدات باتجاه معبرِ زيكيم شمالَ غربي غزة، تضطر أن تستقل عربة كارو، أو أن يحملها بعض الشباب على ظهورهم لعدة ساعات مشيًا، حتى تصل إلى نقطة معينة تتجمع فيها الحشود لانتظار مرور شاحنات المساعدات القادمة مما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية، التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل.
وتصف سمية المشهد قائلةً: " في أغلب الوقت نكون منبطحين ونفترش الأرض فترة طويلة، لنحاول تفادي الرصاص الحي المتناثر فوق رؤوسنا، أماكن الحصول على المساعدات فعلًا مصيدة موت، لأن الاحتمال الأكبر أن أموت ولا أعود لأطفالي، أحيانا يتناثر علينا دم، فنتخيل أننا قٌتلنا ثم نكتشف أن هذا دم لأشخاص بجوارنا".
ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 20 يوليو/تموز الجاري، فإن إجمالي ضحايا انتظار المساعدات بلغ 922 شخصا وأكثر من 5861 إصابة.
مصيدة موت لجمع الفتات فقط
وبحسب سمية، تكون الشاحنات على مقربة من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يطلقون النار، ولكن يضطر الجائعون إلى الاقتراب من الشاحنات رغم خطورة الوضع.
ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه لم يطلق النار على مدنيين داخل أو قرب مراكز توزيع المساعدات، ويتهم حماس باستغلال معاناة المدنيين، لا سيما عبر نهب المساعدات الإنسانية أو عبر إطلاق النار على منتظري المساعدات، بينما تُحمل "مؤسسة غزة الإنسانية" حماس المسؤولية عن الوضع الإنساني في القطاع.
تضيف سمية: "حشود كثيرة جدا تهجم على المساعدات، ويقومون بضرب بعضهم ليحصلوا عليها، أنا لا أحصل على مساعدات، أنا أحصل على الفتات لأطعم أطفالي، فأنا لا أستطيع الوقوف كرجل شديد أو امرأة معافاة، أحاول فقط تعبئة الفتات الذي يتساقط من الناس، أو انتظر لتعطف على بعض النساء ويعطوني جزءًا بسيطًا، آخذ الفتات وأجمعه وأنظفه من الرمال لكي نأكله أنا وأولادي".
ورغم كل ما تواجهه سمية، لم تتوقف عن الذهاب للحصول على المساعدات لأجل أطفالها، وتتذكر أصعب يوم مر عليها، حيث جرحها أحد الأشخاص بآلة حادة ليستولي على الطحين من يدها حيث تقول: "توسلت إليه أن يترك كيلو واحد لأطفالي لكنه لم يستجب، ونٌقلت إلى مستشفى الشفاء وتم إجراء الخياطة ليدي بدون مخدر، وما زالت غرز الخياطة في يدي حتى اليوم، تمنيت الموت يومها لأني لم أستطع أن أطعم أطفالي".
تلامس جسدي مع الرجال أثناء التزاحم
ليس فقط العنف الجسدي هو ما تواجهه نساء غزة لتأمين قوتهن وقوت أسرهن، حيث يتعرضن لمواقف محرجة أثناء التزاحم للحصول على المساعدات أو أثناء الانبطاح على الأرض لحماية أنفسهن من الرصاص، فالجوع أزال الحواجز بين النساء والرجال كما تحكي سمية.
تشرح سمية بخجل شديد:" أثناء انتظار المساعدات نتعرض لمواقف صعبة لا نستطيع أن نصفها أمام أحد ولا أمام أزواجنا، ما يضيف علينا ضغطًا نفسيًا، فنحن نسر في أنفسنا ولا نحكي، فمثلا أثناء الانبطاح لنحتمي من الرصاص، يكون الرجال فوق النساء والنساء فوق الرجال، أو عندما يحملني شاب على ظهره لأني مريضة، أشعر بخجل شديد لكني مضطرة للحصول على لقمة العيش".
وتضيف: "مهما صرخت المرأة ومهما بكت ومهما قالت ابعدوا عني، لا يسمعها أحد، فهذا تحرش غير متعمد، ولكنه تلامس تلقائي بسبب التزاحم والتسارع على لقمة العيش، كل شخص هناك لا يفكر في مشاعر الإنسان الآخر، الكل يريد الطعام."
لا مساعدات للصغار
رغم خطورة الأوضاع الأمنية والإنسانية، يتوجه العديد من الأطفال لمراكز المساعدات التابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيًا لتأمين الغذاء لأسرهم.
يذهب الطفل سامي ماهر البالغ من العمر 13 عامًا، النازح في منطقة اليرموك بمدينة غزة دائما مع أخيه الأكبر إلى مركز المساعدات في رفح جنوب القطاع ليساعد إخوته العشرة ووالدته، حيث يتواجد والده خارج القطاع مرافقًا لحفيده الذي يُعالج في إيطاليا جراء إصابته في الحرب.
ولكي يوفر سامي المقابل المادي لعربة الكارو التي يستقلها إلى مركز المساعدات، يعمل في جمع الحطب وبيعه.
يفترق سامي عند الوصول لنقطة توزيع المساعدات عن أخيه وسط الزحام، وينتظر مع الحشود ساعات في الشمس، وبعد فتح الطريق يجري حوالي 2 كيلو مترًا ليصل إلى المساعدات التي يسرع إليها الآلاف في غزة.
يشرح سامي معاناته للحصول على المساعدات: "تزاحم مع ناس أكبر مني في العمر، يقفزون فوقي ويتم دهسي، وأحيانا يضربوني ليأخذوا منى الطعام الذي جمعتها، لكن أصعب شيء هي مشاهدتي الجثث التي تتساقط على الأرض بسبب إطلاق النار".
كميات قليلة جدا من الطحين أو الأرز أو العدس قد يعود بها سامي لأسرته، وأيام أخرى يعود بلا شيء، وهذا أقسى شعور يمر عليه، حيث يضيف: "سأظل أعرض حياتي للخطر لكي أحصل على لقمة العيش، فلا أستطيع أن أرى إخوتي يموتون من الجوع ولا أساعدهم."
وعن أخطر المواقف التي تعرض لها يقول سامي: "بعض الأشخاص وضعوا سكينًا على رقبتي لترك حقيبتي وأخذ المساعدات مني، حدث ذلك معي 3 مرات، لم أستطع أن أدافع عن نفسي لأنهم أكثر من شخص، شعرت يومها برعب وخوف، وبصغر سني مقابل هؤلاء الأشخاص."
وسجلت الأمم المتحدة حتى 21 يوليو/تموز الجاري مقتل 1054 شخصًا في غزة أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، منهم 766 قُتلوا بالقرب من مراكز توزيع مؤسسة غزة الإنسانية، و288 قُتلوا بالقرب من قوافل مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى.
وكانت المؤسسة التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل قد بدأت عملها في القطاع في 27 مايو أيار الماضي، وترفض عملها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 4 أيام
- BBC عربية
دراسة حديثة تكشف عن معدل جديد للمشي اليومي، يقلل خطر إصابتك بالأمراض
توصلت دراسة واسعة نُشرت في مجلة The Lancet Public Health إلى أن المشي 7 آلاف خطوة يومياً قد يكون كافياً لتعزيز قدراتك العقلية والمساعدة في الحماية من مجموعة متنوعة من الأمراض. وقد يكون عدد الخطوات هذا هدفاً أكثر واقعية من 10 آلاف خطوة، التي لطالما اعتُبرت معياراً للمشي الصحي الذي ينصح به يومياً. ووجدت الدراسة أن تقليل عدد الخطوات اليومية لم يُضعف من التأثير الوقائي ضد مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك السرطان والخرف وأمراض القلب. ويقول الباحثون إن هذه النتائج قد تُشجع المزيد من الناس على تتبع خطواتهم كوسيلة عملية لتحسين صحتهم. وتقول الدكتورة، ميلودي دينغ، الباحثة الرئيسية في لدراسة: "لدينا هذا التصور بأننا يجب أن نمشي 10 آلاف خطوة يومياً، لكن هذا التصور غير قائم على أدلة علمية". وترجع أصول رقم 10 آلاف خطوة إلى حملة تسويقية في اليابان خلال ستينيات القرن الماضي. قبيل دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 1964، إذ طُرح ورُوّج لنوع جديد من جهاز عداد الخطوات يُسمى "مانبو-كي"، والذي يُترجم إلى "عداد 10 آلاف خطوة". تقول الدكتور ميلودي دينغ إن هذا الرقم "أُخرج عن سياقه" وأصبح دليلاً إرشادياً غير رسمي، ولا تزال العديد من أجهزة تتبع اللياقة البدنية والتطبيقات توصي به. وقد حلّلت الدراسة الجديدة بيانات حول صحة ونشاط أكثر من 160 ألف بالغ حول العالم. ووجدت الدراسة أن المشي حوالي 7 آلاف خطوة يومياً يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب (بنسبة 25 في المئة)، والسرطان (بنسبة 6 في المئة)، والخرف (بنسبة 38 بالمئة) والاكتئاب (بنسبة 22 في المئة). ومع ذلك، يقول الباحثون إن بعض هذه النتائج تستند إلى عدد قليل من الدراسات، وليس من الواضح مدى دقتها. وتشير الدراستهم الأخيرة إلى أنه حتى عدد الخطوات المتوسط، 4,000 خطوة يومياً، يرتبط بصحة أفضل مقارنةً بالنشاط المنخفض جداً، نحو 2,000 خطوة يومياَ. وفي معظم الحالات الصحية، تميل الفوائد إلى الظهور والاستقرار بشكل ملحوظ عند عتبة 7,000 خطوة، لكنَّ المشي لمسافات أطول لا يزال يقدم مزيداً من الفوائد لصحة القلب. وحالياً، تُركز معظم الإرشادات الرسمية حول التمارين الرياضية اليومية المُوصى بها على عدد الدقائق المُخصصة لممارسة النشاط بدلاً من عدد الخطوات المتبعة. فعلى سبيل المثال، تُوصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط الهوائي المعتدل، أو 75 دقيقة من النشاط الهوائي المكثف أسبوعياً. وتقول الدكتورة ميلودي دينغ، إن هذه النصائح قد يصعب على الناس قياسها، على الرغم من أن الإرشادات الحالية لا تزال تُؤدي غرضاً مهماً. وتُوضح قائلةً: "هناك أشخاص يسبحون أو يركبون الدراجات أو لديهم إعاقات جسدية لا تسمح لهم بالمشي". لكنها تقول إنه يُمكن إضافة توصية بشأن عدد الخطوات التي يجب على الناس اتخاذها كـ "إضافة" من شأنها "حث الناس على التفكير في توزيع أنشطتهم البدنية على مدار اليوم". ويقول الدكتور دانيال بيلي، خبير السلوكيات المستقرة والصحة من جامعة برونيل بلندن، إن الدراسة تدحض "الخرافة" القائلة بضرورة المشي 10 آلاف خطوة يومياً. ومع أن هذا الهدف مناسب لمن يمارسون نشاطاً بدنياً أكثر، إلا أن الدكتور بيلي يقول إن وضع هدف 5 إلى 7 آلاف خطوة يومياً قد يكون "هدفاً أكثر واقعية وقابلية للتحقيق" للآخرين. ويتفق د. أندرو سكوت، المحاضر الأول في فسيولوجيا التمارين السريرية بجامعة بورتسموث، مع هذا الطرح، مؤكداً أن "المزيد دائماً أفضل"، ولا ينبغي للأشخاص القلق بشأن الوصول إلى رقم دقيق، خاصة في الأيام التي تقل فيها مستويات النشاط.


BBC عربية
منذ 4 أيام
- BBC عربية
"لم يقتلني السرطان، ولكن قد أموت من الجوع"، نساء وأطفال يخاطرون بأرواحهم للحصول على فتات الطعام في غزة
تشهد غزة مستويات غير مسبوقة من الجوع، ما دفع أعداداً كبيرة من السكان إلى المخاطرة بحياتهم من أجل تأمين وجبة واحدة أو حتى ما يمكن وصفه بـ "شبه وجبة". فحتى النساء والأطفال، الذين أضعفتهم قسوة الجوع وأرهقتهم أوضاعهم الصحية، يقطعون مسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وينتظرون لساعات طويلة في ظل قصف مستمر وإطلاق نار كثيف، على أمل العودة بكيس طحين أو بعض المكرونة لأحبائهم. إلا أن الكثيرين منهم قد لا يعودون إلى منازلهم، مخاطرين بحياتهم في سبيل لقمة عيش تكاد تكون بعيدة المنال. ومن هؤلاء سمية البالغة من العمر 34 عامًا، التي تحمل إلى جانب إصابتها بمرض السرطان، مهمة إطعام أطفالها الخمسة، لأن زوجها مصاب ولا يستطيع الحركة، فبعد أن كان أكبر همها استكمال علاجها خارج قطاع غزة، أصبحت لا تفكر سوى في تأمين الغذاء لأطفالها. فتقول سمية باكية: "من أجل أطفالي الجوعى ونظراتهم الصعبة وعيونهم التي تُبكي الحجر والضمائر الحية، أحاول أن أقدم لهم أي شيء قبل أن أموت حتى لا أرى هذه النظرات بعيونهم، أنا مريضة سرطان في مرحلته الرابعة، ولم يقتلني السرطان حتى الآن لكن قد أموت من الجوع في أي لحظة". وفقا لبرنامج الأغذية العالمي في 21 يوليو/تموز الجاري، فإن نحو 90 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 22 يوليو/تموز الجاري، فقد بلغ العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 101 حالة وفاة بينهم 80 طفلًا. رحلة سمية للحصول على المساعدات ليست كغيرها، فهي مصابة أيضًا في قدمها منذ بداية الحرب أثناء قصف منزل مجاور لها، وأثرت الإصابة على حركتها بشكل كبير. ولكي تذهب سمية إلى أماكن المساعدات باتجاه معبرِ زيكيم شمالَ غربي غزة، تضطر أن تستقل عربة كارو، أو أن يحملها بعض الشباب على ظهورهم لعدة ساعات مشيًا، حتى تصل إلى نقطة معينة تتجمع فيها الحشود لانتظار مرور شاحنات المساعدات القادمة مما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية، التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل. وتصف سمية المشهد قائلةً: " في أغلب الوقت نكون منبطحين ونفترش الأرض فترة طويلة، لنحاول تفادي الرصاص الحي المتناثر فوق رؤوسنا، أماكن الحصول على المساعدات فعلًا مصيدة موت، لأن الاحتمال الأكبر أن أموت ولا أعود لأطفالي، أحيانا يتناثر علينا دم، فنتخيل أننا قٌتلنا ثم نكتشف أن هذا دم لأشخاص بجوارنا". ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 20 يوليو/تموز الجاري، فإن إجمالي ضحايا انتظار المساعدات بلغ 922 شخصا وأكثر من 5861 إصابة. مصيدة موت لجمع الفتات فقط وبحسب سمية، تكون الشاحنات على مقربة من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يطلقون النار، ولكن يضطر الجائعون إلى الاقتراب من الشاحنات رغم خطورة الوضع. ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه لم يطلق النار على مدنيين داخل أو قرب مراكز توزيع المساعدات، ويتهم حماس باستغلال معاناة المدنيين، لا سيما عبر نهب المساعدات الإنسانية أو عبر إطلاق النار على منتظري المساعدات، بينما تُحمل "مؤسسة غزة الإنسانية" حماس المسؤولية عن الوضع الإنساني في القطاع. تضيف سمية: "حشود كثيرة جدا تهجم على المساعدات، ويقومون بضرب بعضهم ليحصلوا عليها، أنا لا أحصل على مساعدات، أنا أحصل على الفتات لأطعم أطفالي، فأنا لا أستطيع الوقوف كرجل شديد أو امرأة معافاة، أحاول فقط تعبئة الفتات الذي يتساقط من الناس، أو انتظر لتعطف على بعض النساء ويعطوني جزءًا بسيطًا، آخذ الفتات وأجمعه وأنظفه من الرمال لكي نأكله أنا وأولادي". ورغم كل ما تواجهه سمية، لم تتوقف عن الذهاب للحصول على المساعدات لأجل أطفالها، وتتذكر أصعب يوم مر عليها، حيث جرحها أحد الأشخاص بآلة حادة ليستولي على الطحين من يدها حيث تقول: "توسلت إليه أن يترك كيلو واحد لأطفالي لكنه لم يستجب، ونٌقلت إلى مستشفى الشفاء وتم إجراء الخياطة ليدي بدون مخدر، وما زالت غرز الخياطة في يدي حتى اليوم، تمنيت الموت يومها لأني لم أستطع أن أطعم أطفالي". تلامس جسدي مع الرجال أثناء التزاحم ليس فقط العنف الجسدي هو ما تواجهه نساء غزة لتأمين قوتهن وقوت أسرهن، حيث يتعرضن لمواقف محرجة أثناء التزاحم للحصول على المساعدات أو أثناء الانبطاح على الأرض لحماية أنفسهن من الرصاص، فالجوع أزال الحواجز بين النساء والرجال كما تحكي سمية. تشرح سمية بخجل شديد:" أثناء انتظار المساعدات نتعرض لمواقف صعبة لا نستطيع أن نصفها أمام أحد ولا أمام أزواجنا، ما يضيف علينا ضغطًا نفسيًا، فنحن نسر في أنفسنا ولا نحكي، فمثلا أثناء الانبطاح لنحتمي من الرصاص، يكون الرجال فوق النساء والنساء فوق الرجال، أو عندما يحملني شاب على ظهره لأني مريضة، أشعر بخجل شديد لكني مضطرة للحصول على لقمة العيش". وتضيف: "مهما صرخت المرأة ومهما بكت ومهما قالت ابعدوا عني، لا يسمعها أحد، فهذا تحرش غير متعمد، ولكنه تلامس تلقائي بسبب التزاحم والتسارع على لقمة العيش، كل شخص هناك لا يفكر في مشاعر الإنسان الآخر، الكل يريد الطعام." لا مساعدات للصغار رغم خطورة الأوضاع الأمنية والإنسانية، يتوجه العديد من الأطفال لمراكز المساعدات التابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيًا لتأمين الغذاء لأسرهم. يذهب الطفل سامي ماهر البالغ من العمر 13 عامًا، النازح في منطقة اليرموك بمدينة غزة دائما مع أخيه الأكبر إلى مركز المساعدات في رفح جنوب القطاع ليساعد إخوته العشرة ووالدته، حيث يتواجد والده خارج القطاع مرافقًا لحفيده الذي يُعالج في إيطاليا جراء إصابته في الحرب. ولكي يوفر سامي المقابل المادي لعربة الكارو التي يستقلها إلى مركز المساعدات، يعمل في جمع الحطب وبيعه. يفترق سامي عند الوصول لنقطة توزيع المساعدات عن أخيه وسط الزحام، وينتظر مع الحشود ساعات في الشمس، وبعد فتح الطريق يجري حوالي 2 كيلو مترًا ليصل إلى المساعدات التي يسرع إليها الآلاف في غزة. يشرح سامي معاناته للحصول على المساعدات: "تزاحم مع ناس أكبر مني في العمر، يقفزون فوقي ويتم دهسي، وأحيانا يضربوني ليأخذوا منى الطعام الذي جمعتها، لكن أصعب شيء هي مشاهدتي الجثث التي تتساقط على الأرض بسبب إطلاق النار". كميات قليلة جدا من الطحين أو الأرز أو العدس قد يعود بها سامي لأسرته، وأيام أخرى يعود بلا شيء، وهذا أقسى شعور يمر عليه، حيث يضيف: "سأظل أعرض حياتي للخطر لكي أحصل على لقمة العيش، فلا أستطيع أن أرى إخوتي يموتون من الجوع ولا أساعدهم." وعن أخطر المواقف التي تعرض لها يقول سامي: "بعض الأشخاص وضعوا سكينًا على رقبتي لترك حقيبتي وأخذ المساعدات مني، حدث ذلك معي 3 مرات، لم أستطع أن أدافع عن نفسي لأنهم أكثر من شخص، شعرت يومها برعب وخوف، وبصغر سني مقابل هؤلاء الأشخاص." وسجلت الأمم المتحدة حتى 21 يوليو/تموز الجاري مقتل 1054 شخصًا في غزة أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، منهم 766 قُتلوا بالقرب من مراكز توزيع مؤسسة غزة الإنسانية، و288 قُتلوا بالقرب من قوافل مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى. وكانت المؤسسة التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل قد بدأت عملها في القطاع في 27 مايو أيار الماضي، وترفض عملها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.


BBC عربية
منذ 5 أيام
- BBC عربية
3 أسئلة تشرح المجاعة
الملايين من الناس حول العالم على شفا المجاعة وهم يواجهون صعوبة في الحصول على الغذاء. حيث تجتمع الصراعات وتغير المناخ وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي لخلق أزمات الجوع في كل أنحاء العالم. يتحول السودان إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم، في حين تشمل النقاط الساخنة الأخرى المتضررة بشدة غزة، واليمن والسودان وتشاد وهايتي. فما هو تعريف المجاعة؟