logo
#

أحدث الأخبار مع #رواية

محمد الفولي يروي تجربته في النقل عن الإسبانية
محمد الفولي يروي تجربته في النقل عن الإسبانية

الشرق الأوسط

timeمنذ 5 أيام

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

محمد الفولي يروي تجربته في النقل عن الإسبانية

يروي المترجم محمد الفولي في كتابه «النص الأصلي - عن الترجمة ومسارات الحياة» الصادر عن دار «الكرمة» بالقاهرة فصولاً من كواليس وخفايا الترجمة الأدبية بين اللذة والمعاناة، انطلاقاً من تجربته الشخصية كمترجم قدّم للمكتبة العربية 28 كتاباً عن الإسبانية، فضلاً عن 4 كتب قيد النشر. ويضرب الفولي مثالاً شديد الدلالة بأزمة المترجم مع السياق العام، الذي قد يبدو غامضاً أحياناً، فيتسبب الأمر في مشكلات كارثية، مشيراً إلى أن «أفضل مثال مبدئي يمكنني طرحه لإيضاح قدرة السياق على تحديد المعنى المقصود في الترجمة هو رواية (العصامي) للكاتب التشيلي إيرنان ربييرا ليتيلير، التي تدور أحداثها كأغلب رواياته في مستوطنات الملح الصخري في صحراء (أتاكاما) التشيلية». ويضيف: «حين عرض الناشر على الفولي الاشتغال على الرواية، طلب كالعادة مهلة زمنية لقراءتها كي يحدد أولاً ما إذا كانت ستروقه أم لا، وثانياً لمعرفة ماهية الصعوبات التي قد تعرقله أثناء هذه المهمة، وبناء على هذا تحديد المهلة الزمنية المتوقعة لتسليم الترجمة». النصّ وسياق الحياة الغريب أنه حين بدأ الفولي القراءة شعر بعجز تام أمام النصّ حتى إنه لم يفهم نسبة تكاد تقارب الربع من مفرداته، التي لم تتوافق قط مع السياق الذي ظهرت فيه داخل الكتاب. وليس مرد الأمر تقعير لغوي مبالغ فيه استخدمه المؤلف التشيلي، ولا إلى وجود تركيبات طويلة من الفقرات الملأى بجمل اعتراضية، يصعب معها استشفاف المعاني. بل ارتبطت المسألة برمتها، كما يوضح، بسياق الحياة الاجتماعي والتاريخي في هذه المستوطنات التي تبعثرت هنا وهناك، وسط صحراء «أتاكاما» الشاسعة، «وهذا لم يخلق لهجة أو لغة جديدة فحسب، بل سياقاً لغوياً اكتسبت فيه الكلمات معاني مختلفة عن معانيها الأصلية ومفردات جديدة تماماً. حدث كل هذا طبعاً على أرض الواقع، وتعمد ليتيلير أن ينقله كما هو إلى صفحات أغلب رواياته، التي تتناول الحياة في هذا العالم». لم يستسلم الفولي لإحساسه بالعجز، بل بدأ العمل بهدوء بعد تلاشي آثار الصدمة، وتحديد دوائر البحث الأولية. وفي الوقت نفسه، بدأ عملية البحث في المصادر التاريخية التشيلية لمعرفة كيف ظهرت صناعة الملح الصخري؟ ولماذا استمرت هذه المدة؟ وكيف انتهت؟ ولماذا بُنيت هذه المستوطنات أصلاً في وسط الصحراء؟ بعد بحث مضنٍ وطويل، تضمن تجربة عدد لا بأس به من الكلمات المفتاحية المحتملة، انفتحت أبواب «الفردوس الإلكتروني» حين ظهر له رابط سحري قاده إلى تحميل نسخة ضوئية رقمية لقاموس صادر عن جامعة تشيلي عام 1934. وحين اطلع على الملف، تهللت أساريره، لأن عنوانه هو مفردات الملح الصخري. كان عجزه منطقياً، فقد خلق عالم مستوطنات الملح الصخري سياقه اللغوي الخاص، إلى درجة أن جامعة تشيلية كلّفت نفسها عناء إصدار قاموس يوضح معانيه. هكذا تمكن محمد الفولي، عبر هذا القاموس السحري، من حلّ الأزمة، وتبين على سبيل المثال لا الحصر أن كلمة «buque» التي إن بحث المرء عنها في أي قاموس من الإسبانية إلى العربية، أو أي قاموس أحادي اللغة، بما فيها قاموس «الأكاديمية الملكية الإسبانية»، فسيجد أن معناها «سفينة» أو «باخرة» أو «مركب»، لكن هنا وتحديداً في السياق اللغوي لمستوطنات الملح الصخري يغدو معناها «سكن العُزاب». هكذا تمنطق كل ما بدا شاذاً، فمن المستحيل وفقاً للسياق أن يعيش بطل العمل ومن معه في سفينة أو باخرة وسط الصحراء، لكن أن يعيشوا في سكن للعزاب أمر يقبله العقل. كذلك، عرف أيضاً أن كلمة «oficina » التي إن بحث عنها المرء في أي قاموس وفقاً لكل التصنيفات التي ذكرناها سلفاً، فسيجد أن معناها «مكتب»، لكن معنى هذه الكلمة داخل هذا السياق اللغوي مختلف، فالمقصود هنا «المستوطنات» التي عاش وعمل فيها هؤلاء القوم الذين جابهوا حرّ الصحراء وشمسها القاسية وزوابع رمالها نهاراً وبرودة خلائها ليلاً. تلك الأماكن التي أنشئت فيها مدارس ومقاصف ومطاعم وأماكن ترفيه بدائية، بما فيها السينما، وكانت تفكك مع انتهاء العمل في كل منجم يجاورها لتنقل العائلات التي سكّنتها إلى مكان آخر تماماً في وسط الصحراء قرب أي منجم جديد. من المفترض بالنسبة للمحرر الأدبي الجيد ألا يتدخل في النص المترجم إلا إذا استدعت الحاجة تدخل المحرر الأدبي ويشير الفولي إلى نقطة أخرى، تتعلق بعمل المحرر الأدبي، وهو يعتقد أنه «من المفترض بالنسبة للمحرر الجيد، الذي يعمل لدى الناشر، ويشتغل على نسخة المترجم، ألا يتدخل في النص المترجم إلا إذا استدعت الحاجة، وألا يمارس (تغييرات صبيانية) من دون داعٍ، لكن ما يحدث على أرض الواقع يأتي أحياناً عكس ذلك». ويذكر أنه شاهد هراء كثيراً في «تحرير» بعض من ترجماته، ومنها أشياء كادت تصيبه بالجنون، وتعلقت بإدخال تغييرات من دون أي سبب أو منطق واضح، فهي تغييرات لمجرد التغيير! على سبيل المثال، يغير محرر ما جملة «من جهة أخرى» إلى «من جانب آخر»، فيقول الفولي: «حسناً ربما هذه صيغته المفضلة. وذات مرة، استخدم المترجم عبارة «شُغل عيال» التي تنتمي إلى العامية المصرية، لكن يمكن قراءتها بالفصحى ومفهومة من المحيط إلى الخليج، لكن المحرر قام بتعديلها إلى «أفعال صبيانية»، مع أنها وردت في النص الأصلي بمصطلح دارج يوازي في طبقته اللغوية كلمتي «شغل عيال». ويتوجه الفولي في نهاية الكتاب بعدة نصائح أو رسائل من واقع تجربته العملية إلى المترجمين الشبان، مؤكداً أن الفشل من ثوابت الحياة. ليس عثرة، إنه جزء من الطريق، بل الطريق الوحيد نحو النجاح. ويضيف قائلاً: «قد تفشلون في فهم المعاني وفي تقديم أفكاركم وفي صياغة عروضكم أمام الناشرين، ومع كل مرة تلعنون فيها أنفسكم أو العالم ستضعون أياديكم على مكمن الخطأ، ستقبضون عليه بأصابعكم المرتعشة من فرط الندم أو الغضب. هكذا فحسب ستعرفونه وستعترفون به، وحينئذ لن تكرروه. لا أحد يفوز دائماً. الأفضل هو من يخسر وينهض ويقاوم، لأن من يستمر في المقاومة لا ينهزم أبداً».

الدكتور سلطان القاسمي يكتب: تِيْهُ الغَرَام
الدكتور سلطان القاسمي يكتب: تِيْهُ الغَرَام

صحيفة الخليج

timeمنذ 5 أيام

  • سياسة
  • صحيفة الخليج

الدكتور سلطان القاسمي يكتب: تِيْهُ الغَرَام

الدكتور سلطان بن محمد القاسمي تِيْهُ الغَرَام، هي رواية حقيقيّة موثَّقة، توثيقاً مُحْكماً، وهي تروي أحداث بعثة محمد رضا بيك، إلى فرنسا. تبدأ هذه الرواية من حيث انتهت رواية الجريئة، ماري كلود بِتي «Marie Claude Petit»، التي انتهت بالفشل، لعدم الحصول على مساعدة من فرنسا لمقاومة نشاط العمانيين في الخليج العربي. إخفاق الفرس مراراً وتكراراً في الحصول على أيّ مساعدة بَحريّة من الإنجليز أو الهولنديين، لمقاومة عودة نشاط العمانيين على نطاق أوسع، أدى بهم إلى السعي مرة أخرى إلى الحصول على هذا النوع من المساعدة من فرنسا، وكانت النتيجة هي أن الحكومة الفارسية قررت إرسال مبعوث إلى البلاط الفرنسي. (1) محمد رضا بيك مبعوث شاه فارس إلى فرنسا عزم الشاه إرسال رد غير مستحسن إلى الملك لويس الرابع عشر «Louis XIV»، وكذلك البابا عن طريق آبيه جان ريتشارد 1 «Abbe Jean Richard». بما أن آبيه جان ريتشارد كان في ذلك الوقت (شهر مايو عام 1713م) على وشك العودة إلى فرنسا، فقد استأمنه الشاه سلطان حسين على الهدايا التي أرسلها إلى لويس الرابع عشر، وأوصاه بتسليمها إلى محمد خان، حاكم بلدة يريفان 1 «Erivan»، عندما يصل إليها. أرسل في الوقت نفسه أوامر إلى محمد خان باختيار شخص مناسب، ليكون مبعوثًا إلى فرنسا. عندما تلقى محمد خان هذه الأوامر، وقع اختياره على قائد الفرسان المحلي، لكنه رفض الذهاب. عند ذلك طلب من محمد رضا بيك، عمدة يريفان وثالث أهم شخص هناك، أن يتولى هذه المهمة. رغم علمه بأن الرحلة إلى فرنسا كانت طويلة، ومن المحتمل أن تكون خطرة، فقد قبلها محمد رضا بيك، وقد غادر السفير الذي تم تعيينه حديثاً، يريفان سرّاً في شهر مارس من عام 1714م. كان محمد رضا بيك قد أرسل الهدايا المرسلة إلى لويس الرابع عشر قبله، وأخفاها بحرص بين أكوام من الحرير، وسبب هذه الحيطة هو خشيته من أن يُمنع من دخول تركيا إن انطلق مفصحاً عن وجهته، فالصعوبات التي واجهها جين بابتيست فابر1 «Jean – Baptiste Fabre» وغيره من المبعوثين على الأراضي التركية كانت لا تزال في الذاكرة. لا حاجة إلى ذكر مغامرات محمد رضا بيك في تركيا بأي شيء من التفصيل. يكفينا القول إن محمد رضا بيك رغم احتياطاته الشديدة قد شك فيه الأتراك مرة تلو الأخرى، وفي النهاية اعتقلوه ورموه في السجن، وقد حصل على حريته من خلال احتجاجه بأنه مجرد حاج في طريقه إلى مكة، ولكن السلطات التركية بعد أن أخذت بكلامه، وضعته على متن سفينة حجاج. تمكن محمد رضا بيك من الهرب، وركب على متن سفينة فرنسية منطلقة من مدينة الإسكندرونة في تركيا، وقد استغرق ما يقارب الستة أشهر لعبور تركيا. وصل محمد رضا بيك إلى مرسيليا في الثالث والعشرين من شهر أكتوبر عام 1714م، وقد قضى شهرين في مرسيليا، ورحلته الممتدة إلى باريس، وما تسببت فيه نزواته الغريبة، وثورات غضبه المفاجئة من مصاعب لتعيسي الحظ، الذين تم تكليفهم بمقابلته ومرافقته إلى العاصمة الفرنسية. بعد طلبه شرفاً استثنائياً بدخول المدن الكبرى التي مر بها وحصوله عليه، وصل محمد رضا بيك إلى باريس في السابع من شهر فبراير عام 1715م، وأثار دخوله إلى المدينة الكثير من فضول العامة. (2) محمد رضا بيك في قصر فرساي «Versailles» بعد وصول موكب محمد رضا بيك إلى باريس، أخذ الموكب طريقه إلى فندق السفراء حيث سيقيم محمد رضا بيك. لم تدم تلك الإقامة أكثر من عشرة أيام، حتى تقرر يوم استقبال الملك الفرنسي لويس الرابع عشر لمحمد رضا بيك، في التاسع عشر من شهر فبراير عام 1715م. قام الملك لويس الرابع عشر باستقبال السفير الفارسي، محمد رضا بيك، رسمياً في قصر فرساي «Versailles». أظهر العاهل الكهل لويس الرابع عشر تقديره لمجاملة الشاه، بإرساله محمد رضا بيك، من خلال ظهوره على عرشه في الصالة العظيمة في فرساي للمرة الأولى منذ سبع وأربعين سنة. بدا السفير مبهوراً بعض الشيء من المشهد الجليل، وقدّم احترامه للملك وسلّمه رسالة اعتماده. بعدها وُضع الصندوق الذي به هدايا الشاه أمام الملك لويس الرابع عشر وتم فتحه، وقد نتج عن طبيعة تلك الهدايا المتواضعة ذات القيمة الضئيلة نسبياً شعورٌ مخيّب للآمال. رسالة الشاه إلى الملك لويس الرابع عشر، ورسالة أخرى من حاكم يريفان إلى ماركيز دي تورسي «Marquis de Torcy»، وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، ومعهما شهادة آبيه جان ريتشارد، كفيلة بأن تقنع الملك ووزراءه بصدق بعثة محمد رضا بيك. رغم ذلك استجوبت السلطات الفرنسية ماري بِتي بشأن ماضي السفير، فأخبرتهم أنها عرفت محمد رضا بيك عندما كانت في يريفان، وأنه كان فعلاً كالندار (عمدة) تلك البلدة. كان هناك اعتقاد في البلاط الفرنسي بأن المفاوضات مع محمد رضا بيك لن تستغرق مدّة طويلة. بعد المقابلة التي جرت في التاسع عشر من شهر فبراير عام 1715م مباشرةً، قام لويس الرابع عشر بتعيين ماركيز دي تورسي، وزير الشؤون الخارجية، وبونتشارترين «Pontchartrain» وزير البحرية، ونيكولاس ديماريتس «Nicolas Desmarets» مراقب الحسابات المالية، ليفاوضوا من طرفه محمد رضا بيك. كان اختيار ثلاثة أشخاص رفيعي المستوى مثل هؤلاء له أهمية لسببين، أولاً أن ذلك يشير بوضوح إلى الأهمية التي أعطاها الملك للمفاوضات القادمة، وثانياً أن الوزراء الثلاثة جميعاً كانوا مقتنعين بضرورة العثور على منافذ للتجارة الفرنسية وراء البحار، ويفضل أن تكون على حساب الأمم المعادية أو المنافسة. (3) محمد رضا بيك بين السياسة والغرام في فندق السفراء، حيث يقيم محمد رضا بيك، وفي شهر مايو عام 1715م، كانت السيدة دي روسي «de Roussy» مع ابنتها الآنسة ديبينه «d'Epinay» تتناولان وجبة الغداء مع المترجمين الفوريين لقصر فرساي، وهم السادة: السيد بادري «Padery»، والسيد غودرو «Gudru»، والسيد ريتشارد «Richard». في تلك الفترة وصل محمد رضا بيك إلى طاولتهم، فأجلسوه بجانب المترجم بادري، وقبالة الآنسة ديبينه. منذ أن وقعت عيناه على الآنسة ديبينه لم تفارق عيناه وجهها الجميل، وقوامها الرشيق. أخذ محمد رضا بيك يتحدث، وكأنه يتحدث إليها، وعندما يقوم بادري بالترجمة، يبقى محمد رضا بيك واجماً ومسلطاً عينيه على الآنسة ديبينه. استأذن محمد رضا بيك من الجميع، لأن أكله كان يأتيه من خارج الفندق إلى غرفته، من مطعم يقدم الأكل الحلال، كما يدعي. طلب محمد رضا بيك من بادري أن يذهب معه إلى طاولة أخرى، وهناك سأله عن تلك البنت الجميلة فقال: إنها ديبينه، ابنة إحدى السيدات، السيدة دي روسي، وتبلغ ديبينه من العمر سبعة عشر عاماً، وهي جميلة للغاية. نشأت في مجتمع راقٍ إلى حد ما، اعتادت على ملذات باريس، وهي مسيحية الديانة، ومحتشمة ومعروفة بأنها ليست لعوباً ولا فاسقة. قال بادري: إن الملك يطلب من الوزراء الفرنسيين إتمام المفاوضات، والإسراع بتوقيع محمد رضا بيك على الاتفاقية. قال محمد رضا بيك: كيف أوقع على اتفاقية كتبت باللغة الفرنسية؟ لا بدّ من ترجمة الاتفاقية إلى اللغة الفارسية لأستطيع فهم ما بها. ذهب بادري لترجمة الاتفاقية، وذهب محمد رضا بيك لترتيب لقاء مع الآنسة ديبينه. تعلّم محمد رضا بيك بعض الكلمات الفرنسية، وهي دعوة السيدة دي روسي مع ابنتها الآنسة ديبينه إلى غرفته مساءً. كان محمد رضا بيك يحصل على وجباته الغذائية في نفس غرفته، وشيئاً فشيئاً قام بترويض تلك الجميلة، ونجح في إبقائها معه طوال المساء حتى منتصف الليل أو الساعة الثانية صباحاً. خلال النهار، وضعت هذه الصغيرة وأمها السيدة دي روسي حذاءيهما على حافة سجادة سعادته، وجلستا على وسائد في الجزء الخلفي من غرفة محمد رضا بيك، على غرار ما يحدث مع الحريم من بلاد فارس. لم تشعرا بالخجل من هذا الوضع، بل قامتا بتقديم عرض لكل أولئك الذين جاءوا لزيارة الضيف الفارسي، محمد رضا بيك، رجالاً ونساءً. وعند الساعة الثامنة مساءً، أغلقت الشقة، وظلت الأم والابنة وحيدتين بداخلها مع محمد رضا بيك. استمرت المفاوضات لمدة شهرين، واستمر محمد رضا بيك في اعتراضه على كل مادة في الاتفاقية حتى تطول مدة الغرام الذي وقعت فيه الآنسة ديبينه، ومحمد رضا بيك. بينما لم يُذكر أبداً الهدف الحقيقي من بعثة محمد رضا بيك، ألا وهو التحالف ضد مسقط. في المقابل وفقاً لبادري (الذي لطالما كان يؤيد بقوة مشروع مسقط)، فقد تم الترتيب شفهياً بأن يذهب قائد بحري فرنسي اسمه جيرالدين «Geraldin» إلى أصفهان بصفته سفيراً ليس ليضمن تصديق الشاه على الاتفاقية الجديدة فَحَسْب، بل ليدرس كذلك البلد بعناية، ويدرس الترتيبات التي يجب إعدادها لتنفيذ مشروع مسقط، وهكذا إن كان سيتم البدء في ذلك المشروع فسيتم ذلك كما ينبغي. تم الاتفاق كذلك على أن يذهب بادري إلى فارس أولاً برفقة محمد رضا بيك، لكي يقوم بالترتيبات اللازمة لوصول بعثة جيرالدين. في الثالث عشر من شهر أغسطس عام 1715م، تمّ التوقيع على المعاهدة في قصر فرساي. بعد توقيع الاتفاقية في قصر فرساي، قام محمد رضا بيك بتوديع الملك لويس الرابع عشر. أصدر الملك لويس الرابع عشر، بتاريخ الثاني والعشرين من شهر أغسطس عام 1715م أوامره بخصوص السماح بسفر السفير محمد رضا بيك، وكذلك التوجيهات الصادرة إلى الولاة والنواب وغيرهم من المسؤولين، لتكريم محمد رضا بيك وفقاً للأعراف الرسمية، وتوفير ودفع تكاليف جميع المركبات التي ستقله من باريس إلى ميناء لوهافر «Le Havre» في الشمال الفارسي. (4) صندوق الكتب الدينية في الثلاثين من شهر أغسطس عام 1715م، غادر محمد رضا بيك باريس، في طريقه إلى ميناء لوهافر باستخدام القوارب، وقد تمّ تجهيز ثلاثة قوارب، أحدها للسفير محمد رضا بيك، والثاني للأشخاص المرافقين، في حين تمّ تخصيص الصندوق الثالث للأمتعة، ومن بينها صندوق الكتب الدينية. في صباح يوم الحادي والثلاثين من شهر أغسطس عام 1715م، وصلت السيدة دي روسي إلى منزل السيد بادري مترجم الملك لويس الرابع عشر، وأخبرته عمّا جرى لابنتها ديبينه، في الليلة الماضية، فما كان من السيد بادري إلّا أن كتب رسالة إلى الملك لويس الرابع عشر، جاء فيها: باريس، الحادي والثلاثون من شهر أغسطس عام 1715م، «سيدي، حضرت إليّ السيدة دي روسي هذا الصباح وهي في حالة يرثى لها، وأبلغتني (بعد أن كتبت لي بالأمس) أن السفير الفارسي قد اختطف ابنتها، وأنها غادرت المنزل تحت جنح الظلام دون أن تأخذ معها أياً من الملابس. ثم حاولت السيدة إقناعي بأن ابنتها تقيّة تتمتع بأخلاق رفيعة لدرجة لا تسمح لها بمنح نفسها لمسلم، لكن السفير جعل من نفسه مسيحياً لكي يتزوجها، وتم تعميده سراً بمساعدة قسيس أرمني أحضرته هي. مع ذلك، أكدت لي الأم أنها ستحرص على عدم اتباعهم، وأنها تعتقد أن ابنتها تفضل التقاعد في الدير، بدلاً من تسليم نفسها لسلوك هذا الغريب الذي عرفت عنفه وسوء مزاجه، لذلك، أعتقد أنه، وبناءً على التقرير الذي يشرفني أن أقدمه لك عن هذه التناقضات والأكاذيب ستجدون من المناسب أن تكتب إلى السيد روجولت «Roujault»، المفتش العام في روان «Rouen»، حتى يتمكن من احتجاز الابنة والأم هناك، إذا أمكن الوصول إليهما. مع فائق الاحترام. خادمك الأكثر تواضعاً وطاعة». جاءت الأوامر من قبل الملك لويس الرابع عشر، للسيد بادري مترجم الملك، بإلقاء القبض على الآنسة ديبينه، ونقلها إلى مكان مناسب وآمن، حتى يتلقى أوامر أكثر تحديداً في ذلك الشأن. في يوم الثلاثين من شهر أغسطس، كان محمد رضا بيك قد شرع في رحلته، ووصل إلى روان في مساء يوم الثاني من شهر سبتمبر، فأقام في المدينة حيث كان معه صندوق الكتب الدينية في مقر إقامته، وبعض الوزراء من حوله الذين جاءوا لوداعه. أما المرسلون من قبل الحكومة الفرنسية لإلقاء القبض على الآنسة ديبينه، فلم يصلوا إلى مدينة روان حيث لم تصدر لهم الأوامر، لانشغال الجميع بوفاة الملك لويس الرابع عشر. رجع الوزراء وبعض المسؤولين الفرنسيين، الذين كانوا في وداع محمد رضا بيك في مدينة روان إلى باريس، وانشغلوا بالمصاب الجلل وهو وفاة ملك فرنسا لويس الرابع عشر، تاركين محمد رضا بيك يستمتع بقراءة كتبه الخاصة بالعبادة. كان محمد رضا بيك يستمتع بقراءة الكتب الدينية، كما كان يتحدث مع المرافقين له من المسؤولين الفرنسيين، وإذا الأمر قد جاء بالانتقال إلى ميناء لوهافر، حيث قبطان السفينة التي ستنقلهم إلى بطرسبورغ «Petersburg» يتطلع للإبحار بسبب الموسم القادم، حيث تكثر فيه العواصف ما يجعل الوقت ثميناً. من مدينة روان ركب الجميع في السفينة الفرقاطة الملكية أستري «Astree» التي ستنقلهم إلى بطرسبورغ دون النزول في ميناء لوهافر، في الثاني عشر من شهر سبتمبر عام 1715م، حيث قام محمد رضا بيك بوضع صندوق الكتب الدينية في الحجرة المخصصة له في السفينة. في عرض البحر، ضربت العاصفة السفينة أستري، فوقع محمد رضا بيك على سطح السفينة وتدحرجت عمامته، فقام بعض البحارة لمساعدته، وإذا بصوت استغاثة يأتي من الحجرة الخاصة بالسفير الفارسي محمد رضا بيك. أسرعوا إلى هناك حيث وجدوا صندوق الكتب الدينية الخاصة بمحمد رضا بيك، قد انقلب وأصبح عاليه إلى الأسفل، وصوت أنين يأتي من داخله. قام البحارة وأخرجوا الصندوق إلى خارج الحجرة الخاصة. عند محاولة البحارة فتح الصندوق، أسرع محمد رضا بيك لمنعهم من ذلك، لكن البحارة فتحوا الصندوق، وإذا به الآنسة ديبينه عشيقة محمد رضا بيك. وصل الخبر إلى السيد بادري مترجم الملك، الذي تمّ تعيينه قنصلاً في شيراز، والمكلف بإلقاء القبض على الآنسة ديبينه، والمسؤولون الفرنسيون وجميع من بالسفينة، يحدقون بالصندوق، وإذا بصوت السفير الفرنسي بادري يقول لمحمد رضا بيك: «هذا فراق بيني وبينك، لن أرافقك في هذه الرحلة». كان محمد رضا بيك قد أعدّ صندوقاً في مدينة شايلو «Chaillot»، وبه ثقوب للتنفس ووضع به مَرْتبة ومخدة، وأدخل الآنسة ديبينه بداخله، وأغلقه عليها، بمعاونة رئيس التشريفات، وأربعة من الفرس المرافقين له. بعد أن وصلت السفينة الفرقاطة إلى كوبنهاغن «Copenhagen» تفرق ذلك الجمع، ليعود محمد رضا بيك وعشيقته إلى فارس. (5) عودة محمد رضا بيك وحبيبته إلى فارس بعد رحلة استغرقت واحداً وعشرين شهراً مليئة بالمغامرات والأحداث، وصل محمد رضا بيك إلى أصفهان في شهر مايو عام 1717م. عندما وطأت قدما محمد رضا بيك في النهاية تراب وطنه من جديد، وجد أن سيده ورئيسه السابق محمد خان قد أقيل من منصب حاكم يريفان، الذي كان يتولاه، وحل محله أحد أبناء أخي فتح علي خان الداغستاني، اعتماد الدولة. شعر السفير أنه سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تقديم تبرير مقبول لمماطلته، وأدرك تماماً أخيراً أنه قد تجاوز صلاحياته كثيراً في عقد المعاهدة مع فرنسا، لذلك لم يجرؤ على الذهاب إلى أصفهان، وإنما ذهب إلى مسقط رأسه، بلدة يريفان، فوصل إلى هناك في نهاية شهر مايو عام 1717م. مما كان يدعو للقلق كذلك أنه اضطر إلى بيع عدد من هدايا الملك لويس الرابع عشر، التي أرسلها إلى الشاه من أجل الحصول على مال يغطي نفقات سفره. وقد أقضّت هذه الأمور مضجعه، إلى درجة أنه سمّم نفسه بعد ثلاثة أسابيع من وصوله إلى يريفان، وبذلك بادر بنفسه وتجنب المصير الذي كان ينتظره حتماً فيما لو ذهب إلى العاصمة. أما بالنسبة إلى الآنسة ديبينه، فقد اعتنقت الإسلام بعد انتحار محمد رضا بيك، ويقال إنها تزوجت أخاه، وقد نفّذت أحد واجبات السفير الراحل، حيث أخذت إلى البلاط الفارسي كُلَّ ما بقي من الهدايا التي عُهد إليه بها في باريس.

'حصيفة.. عالمة النبات الدمشقية' جديد المركز القومي للترجمة.
'حصيفة.. عالمة النبات الدمشقية' جديد المركز القومي للترجمة.

أخبار السياحة

timeمنذ 6 أيام

  • علوم
  • أخبار السياحة

'حصيفة.. عالمة النبات الدمشقية' جديد المركز القومي للترجمة.

صدر حديثًا عن المركز القومي للترجمة برئاسة الدكتورة كرمة سامي الطبعة العربية من رواية 'حصيفة.. عالمة النبات الدمشقية' تأليف سيمون لافلوريل – زَكرٍي، وقام بترجمتها عن اللغة الفرنسية عاصم عبد ربه. تأخذنا هذه الرواية التاريخية إلى رحاب دمشق في القرن الثالث عشر الميلادي في قلب شرق أدنى مضطرب تهزه حروب وغزوات متتالية، تبدأ الأحداث في جو من سلام مسلح مع الفرنجة، باستقبال طبيب دمشقي ضرير لطبيب مورسكي طرد من الأندلس إثر استعادة الملوك الكاثوليك الإسبان لها، وهو ابن البيطار. هذا العالم الصيدلي (بالمفهوم الحديث) يقوم بجمع النباتات وتصنيفها ومقارنة ملاحظاته بما دونه ديسقوريدس وجالينوس، ليُعد كتابه 'الأدوية المفردة'، مصححًا الأخطاء التي غالبًا ما تناقلها زملاؤه، ومضيفًا إليه ما يتعلمه يوميًا في المستشفى وعند الطبيب الضرير. وكثيرًا ما يستقبلون لاجنين آخرين، وينخرطون في نقاشات طويلة في الأمسيات، تقدم لهم الخدمة حصيفة، يساعدها أحيانًا أحد أبنانها الثلاثة. ينغمس القارئ هنا في أجواء مطبخ شهي بروائح التوابل الممتزجة مع العبير الرقيق للفواكه والمشروبات الباردة، ومتعة ترك الحبوب العطرية تنساب بين يديه. ويكتشف بريق الأقمشة، والحرير المتقن الصنع والمخمل المطرز، الذي تتعامل معه بطلة الرواية بشغف في تجارة زوجها.

تشيّن دراغي من وجه غلاف إلى فتى رواية سعودية
تشيّن دراغي من وجه غلاف إلى فتى رواية سعودية

عكاظ

timeمنذ 7 أيام

  • ترفيه
  • عكاظ

تشيّن دراغي من وجه غلاف إلى فتى رواية سعودية

تحوّل عارض الأزياء الإسباني تشيّن دراغي، من فتى الغلاف إلى فتى الرواية، بعد أن اختارته الكاتبة السعودية فاطمة آل عمرو، ليكون وجه غلاف روايتها «سماء أصلان»، في تجربة غير مألوفة في النشر العربي، تمزج بين السرد الأدبي والصورة البصرية بروح سينمائية. تقول الكاتبة آل عمرو، إن ملامح دراغي تعكس «خليطاً من البراءة والقوة والتناقض»، وهي الصفات التي أرادت تجسيدها في بطلها الروائي، مؤكدة أن حضور الشخصية على الغلاف ليس مجرد زخرفة، بل جزء من بناء درامي يعزز الصورة الذهنية لدى القارئ. الرواية، التي عُرضت ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة، قُدّمت نسختها الأولى كهدية خاصة للممثل العالمي أندرو غارفيلد، وفقاً لصحيفة إيطالية، في إشارة إلى الطموح بتقديم تجربة سردية عربية بروح عابرة للحدود. أخبار ذات صلة

السرد يراقب الأرض من الخارج في «المدار»
السرد يراقب الأرض من الخارج في «المدار»

صحيفة الخليج

time٢١-٠٦-٢٠٢٥

  • علوم
  • صحيفة الخليج

السرد يراقب الأرض من الخارج في «المدار»

صدر عن الدار العربية للعلوم ـــ ناشرون، ترجمة رواية «المدار»، من تأليف الكاتبة سامانثا هارفي وترجمة زينة إدريس. «المدار» رواية قصيرة ذات طابع ملحمي، حائزة جائزة بوكر لعام 2024. تصوّر لنا ببراعة يوماً واحداً من حياة ستة أشخاص من رجال ونساء يسافرون في الفضاء. اختير هؤلاء الرواد، الآتين من أمريكا وروسيا وبريطانيا واليابان، لإنجاز إحدى آخر مهام المحطة الفضائية قبل إنهاء البرنامج، وقد تركوا حياتهم وراءهم ليسافروا بسرعة تزيد على سبعة عشر ألف ميل في الساعة. وبينما تدور الأرض تحتهم، نلقي نظرة خاطفة على لحظات من حياتهم على الأرض من خلال اتصالاتهم القصيرة مع عائلاتهم، وصورهم، ومقتنياتهم. نشاهدهم وهم يُحضرون وجبات مجففة، وينامون عائمين، ويمارسون تمارين رياضية صارمة تمنع عضلاتهم من الضمور، كما نشاهدهم وهم يُكوّنون روابط ستحول بينهم وبين العزلة المطلقة، والأهم من ذلك كله أننا نرافقهم وهم يراقبون كوكبهم الأزرق الصامت، ويوثّقون معلومات عنه. وتعتبر تجاربهم مع ستة عشر شروقاً وغروباً، ومع الكويكبات المتلألئة في رحاب المجرّة، مزيجاً مدهشاً من العظمة المبهرة والعاطفة غير المتوقعة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store