
فايننشال تايمز: هكذا أعادت إسرائيل إحياء القومية الإيرانية
واستقت الصحيفة آراء شخصيات بارزة دأبت على معارضة النظام الحاكم في إيران لكنها مع شن الهجوم الإسرائيلي، وما تلاه من تدخل عسكري أميركي، تحلّت بالروح الوطنية والقومية وأصبحت في صف واحد للدفاع عن إيران.
وأوردت الصحيفة آراء رضا كيانيان، وهو ممثل إيراني حائز على عدة جوائز ومعارض للنظام الحاكم في البلاد، ولاحظت أنه غيّر مواقفه على وقع الهجوم الإسرائيلي وأصبح إلى جانب معارضين آخرين، من الذين احتشدوا للدفاع عن البلاد التي يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة.
حدث العكس
وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية سعى لاستغلال غضب بعض الإيرانيين من نظامهم للدعوة إلى الثورة ضد حكام البلاد، لكن العكس هو ما حصل إذ إن "أشد معارضي النظام تخلّوا مؤقتا عن انتقاداتهم، وأصبحوا يعتبرون أن إسرائيل تهاجم إيران وليس النظام الحاكم".
ونشرت الصحيفة فحوى تدوينة للممثل كيانيان على إنستغرام بمثابة رد على نتنياهو جاء فيها أنه "لا يمكن لشخص واحد يجلس خارج إيران أن يأمر أمة بالثورة.. إيران بلدي. سأقرر ما يجب فعله، ولن أنتظر أن تُملي عليّ ما يجب فعله في بلدي".
ولاحظت الصحيفة أن انتعاش الروح القومية في إيران يأتي بعد عقود من حالة الاستقطاب السياسي العميق في البلاد، إذ طالما حاول النظام الحاكم التصدي بالقوة للمطالب والمظاهرات الداعية للتغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وطيلة الحرب التي بدأت في 13 يونيو/حزيران بهجوم إسرائيلي واسع النطاق واستمرت 12 يوما، مخلّفة 627 قتيلا بإيران و28 قتيلا بإسرائيل، حاول النظام الإيراني التشديد على عامل الوحدة في التصدي لإسرائيل وأشاد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بـ"الوحدة الاستثنائية" في الأوقات الحرجة.
معارضو النظام تخلّوا مؤقتا عن انتقاداتهم، وأصبحوا يعتبرون أن إسرائيل تهاجم إيران وليس النظام الحاكم.
الروح القومية
كما لاحظت الصحفية أن الحرب، عززت، ولو في الوقت الراهن على الأقل، دعم الإيرانيين لعدد من الخطط والسياسات الحكومية وعلى رأسها النظام الصاروخي الباليستي والبرنامج النووي والحملة على المتعاونين مع إسرائيل.
وخلصت الصحيفة البريطانية إلى أن الحفاظ على هذه الروح القومية في إيران ليس سهلا وأن كثيرا من المواطنين يرون أنه لا يجب على حكومة بلادهم أن تتجاهل هذه الروح القومية ويجب أن تراجع سياساتها المثيرة للانقسام والغضب.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي الإصلاحي فياض زاهد، قوله إن إيران تجاوزت هذه المحنة بفضل تاريخها العريق وتجاربها الطويلة في التصدي للغزاة الأجانب من قبيل الإسكندر المقدوني والمغول وغيرهم وإن التغيير الحقيقي في إيران "لن يأتي إلا من الداخل".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
حكومة السودان تنصب فخًا للدعم السريع
وافقَ رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان يوم الجمعة الماضي على هدنة إنسانية مدتها أسبوع واحد في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وفق ما أعلن عن ذلك مجلس السيادة الانتقالي في بيان صحفي. ووفق البيان الصحفي فإن البرهان تلقى اتصالًا هاتفيًا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبر فيه عن ترحيبه بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء للفترة الانتقالية، ودعا خلال الاتصال البرهان إلى إعلان هدنة إنسانية مؤقتة مدتها أسبوع في مدينة الفاشر، وذلك دعمًا لجهود الأمم المتحدة الرامية لتسهيل وصول الإغاثة للآلاف من المواطنين المحاصرين هناك من قبل مليشيا الدعم السريع منذ أكثر من عام. موافقة البرهان على الهدنة الإنسانية المؤقتة جاءت سريعة لكنها مشروطة، حيث شدد البرهان على ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة في هذا الخصوص، وأشهرها القرار (2736) الذي يدعو فيه المجلس مليشيا الدعم السريع صراحة لوقف حصارها الذي تضربه على مدينة الفاشر، ووقف قصف معسكرات النازحين واستهداف المدنيين والمرافق الحيوية. إلى جانب دعوة الأطراف لوقف فوري للقتال وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها، وسحب كل القوات. لكن مليشيا الدعم السريع لم تلتزم بتنفيذ القرار، واستمرت في إحكام حصارها على الفاشر واستمرارها في قصف المدينة والمرافق الحيوية بها. وتصر مليشيا الدعم السريع على حصار الفاشر من أجل الاستيلاء عليها؛ حيث إنها المدينة الوحيدة في إقليم دارفور التي يسيطر عليها الجيش السوداني والقوات المساندة له ولم تستطع مليشيا الدعم السريع إسقاطها. إن موافقة الحكومة السودانية على الهدنة الإنسانية المؤقتة تعتبر تطورًا إيجابيًا في موقفها ويحسب لها ويضيف ثقلًا مهمًا سيؤدي حتمًا لترجيح كفتها. فالوضع الإنساني الصعب بالمدينة والذي استمرّ لأكثر من عام وصل إلى ذروته بحيث وضع هذا الحال الإنساني المزري الحكومة السودانية أمام مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية باعتبارها الجهة الشرعية التي تدير البلاد، مما يفرض عليها القبول بأي صيغة تتيح لها القيام بمسؤولياتها تجاه مواطنيها بضمان توصيل المساعدات الإنسانية إليهم والحيلولة دون تفاقم الوضع حد الانهيار. وهذا الموقف من جانب الحكومة السودانية موقف طبيعي ومفهوم، ولكن ولما كان إنجاح الهدنة وتحقيق أهدافها رهينًا بموافقة وتعاون الطرفين مع الأمم المتحدة، فإن الموقف من الهدنة التي دعا لها غوتيريش على صعيد مليشيا الدعم السريع غامض حتى الآن، حيث لم يصدر عن المليشيا أي رد فعل لا بالرفض أو بالموافقة. وهو ما يثير العديد من التساؤلات بشأن هذا الموقف الغامض من قبل المليشيا، ويثير كذلك المخاوف من أن يكون ذلك مؤشرًا لرفضها الهدنة، وبالتالي وضع العصا في الدواليب. ويمكن التكهن بموقف مليشيا الدعم السريع حيال الهدنة بناءً على معطيات وحيثيات عديدة تفضي إلى أنها ستكون للرفض أقرب منها إلى الموافقة، أو على أحسن الفروض أن تقيد المليشيا موافقتها بشروط هي الأخرى، على غرار موقف الحكومة السودانية التي اشترطت تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بهذا الخصوص. والذي يحملنا على ترجيح رفض مليشيا الدعم السريع الهدنةَ أو تقييدها بشروط مانعة عدة أسباب: أولًا؛ أقدمت على حصار الفاشر عمدًا من أجل (إنتاج) وضع إنساني مزرٍ يستدعي تدخل قوات أممية وليس قوافل مساعدات إنسانية، وذلك على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يخدم أجندتها السياسية التي على رأسها تدويل القضية والتمهيد لإعلان حكومة موازية بإقليم دارفور بما يفضي في نهاية المطاف إلى فصل الإقليم، ومن ثم إدارته من قبل الدعم السريع وحاضنتها السياسية المتمثلة في جماعة (صمود) بقيادة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك. ثانيًا؛ مليشيا الدعم السريع بحصارها الفاشرَ تريد كسر القوة الصلبة للقوى المناوئة لها، حيث تعتبر الفاشر معقلًا رئيسيًا لمن تراهم أنهم خصومها التاريخيين في إقليم شمال دارفور، بجانب إنهاك الجيش والقوات المساندة له التي تتحصن داخل المدينة، وتعمل على صد هجمات مليشيا الدعم السريع، ومحاولاتها المتكررة اقتحامَ المدينة. ثالثًا؛ إسقاط الفاشر سيمكّن المليشيا من بسط سيطرتها على إقليم دارفور بكل ولاياته، وبذلك تعوض المليشيا خسارتها ولايات الخرطوم والجزيرة وأجزاء من ولايتي النيل الأبيض، وسنار التي كانت تسيطر عليها في وقت سابق، قبل أن يتمكن الجيش من إخراجها منها. رابعًا؛ تعتقد مليشيا الدعم السريع أن الهدنة ستتيح للجيش السوداني والقوات المساندة له التقاط أنفاسه، وإعادة التموضع بما يمكنه من شنّ هجمات كبيرة على قواتها، وفكّ الحصار الذي تفرضه على المدينة. ولهذا السبب يتوقع أن تسعى مليشيا الدعم السريع إلى الحيلولة دون استغلال الحكومة السودانية، الهدنةَ لتعزيز قدراتها الهجومية، واستكمال حملتها الهادفة إلى طرد المليشيا من الفاشر ومحيطها، ومن ثم الهجوم على بقية مدن الإقليم التي تسيطر عليها المليشيا. إن دعوة الأمم المتحدة للهدنة الإنسانية، وموافقة الحكومة السودانية عليها وضعتا مليشيا الدعم السريع في محك صعب، وبين خيارين أحلاهما مر، فإن هي وافقت على الهدنة كان ذلك معززًا لموقف الجيش السوداني والقوات المساندة له، بحسب تقديرها هي، وإن هي رفضت الهدنة كان ذلك إدانة لها وإضعافًا لموقفها على الصعيد الدولي؛ باعتبارها الجهة المعيقة للجهود الدولية التي تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المحاصرين من قِبلها، في وقت هي أكثر حاجة فيه إلى كسب الدعم والسند الدوليَين.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
العدالة والتنمية التركي: "العمال الكردستاني" يبدأ نزع سلاحه في أيام
كشف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عمر جليك، اليوم الثلاثاء، أن حزب العمال الكردستاني قد يبدأ تسليم أسلحته "في غضون أيام"، في مؤشر على انفراجة ملموسة لإنهاء نزاع دامٍ عمره 4 عقود مع أنقرة. وتجنب جليك تحديد جدول زمني لهذه المرحلة، وقال "وصلنا الآن إلى مرحلة يمكن أن يحدث فيها ذلك في غضون أيام"، مبينا أن الأيام المقبلة ستكون "مهمة للغاية من أجل تركيا خالية من الإرهاب". ومن شأن قرار الحزب، الذي أعلن في مايو/أيار نيته حل نفسه وإنهاء صراعه المسلح، أن يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ويخدم مساعي تخفيف التوتر مع سوريا و العراق الجارين. ويأتي موقف حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "منظمة إرهابية"، نتيجة لموقف مؤسسه عبد الله أوجلان الذي دعا في فبراير/شباط الماضي، إلى إلقاء السلاح وحل الحزب نفسه، في حدث وصفته أوساط سياسية بأنه "إعلان تاريخي". وأدى التمرد الذي أعلنه الحزب في 1984، سعيا لإقامة دولة كردية، إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص وفرض عبء اقتصادي ضخم وتأجيج توتر اجتماعي في تركيا.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الأيام الأولى في الحكم والصراع مع مراكز النفوذ
صراع مع مراكز النفوذ اليوم الأول في الحكم ليس مجرد مرحلة انتقالية إدارية، بل يمثل لحظة فارقة تُحدد العلاقة بين السلطة الجديدة ومراكز النفوذ الراسخة. في هذه اللحظة، تتقاطع الإرادة السياسية الطموحة مع واقع التوازنات الداخلية والخارجية، حيث تبدأ جهود ترسيخ السيطرة وتشكيل معالم المشروع السياسي وسط مقاومة أو تفاعل من القوى التقليدية. هذا الصراع ليس مجرد مواجهة بين طرفين، بل هو اختبار لقدرة الحُكم على المناورة بين التغيير والاستقرار، وإدارة الانتقال من مرحلة التصورات النظرية إلى التنفيذ العملي في بيئة مليئة بالتحديات. واجه حزب العدالة والتنمية تحديات جمّة عند وصوله إلى الحكم في تركيا عام 2002. لم يكن هذا الانتقال مجرد فوز سياسي، بل بداية لمعركة طويلة مع مراكز النفوذ التقليدية التي اعتادت فرض سيطرتها على المشهد السياسي. فمنذ اليوم الأول، وجد الحزب نفسه في مواجهة شبكة معقدة من القوى العسكرية والقضائية والاقتصادية، مثل منظمة "أرغينيكون"، التي قاومت نفوذه وسعت إلى تحجيم سلطته. وقد كشفت التحقيقات عن مخططات انقلابية (عملية المطرقة) هدفت إلى إضعاف الحكومة المنتخبة، مما أدى إلى مواجهة مباشرة بين الحزب والمؤسسة العسكرية، أجبرته على إعادة تشكيل العلاقة بين المدنيين والعسكريين. في الوقت نفسه، لم يكن القضاء بعيدًا عن هذه المواجهة؛ إذ حاولت المحكمة الدستورية في عام 2008 حظر الحزب بتهمة انتهاك المبادئ العلمانية، مما شكّل اختبارًا حقيقيًا لاستمراره في السلطة. ورغم أن الحزب نجا من قرار الحظر، فإنه أدرك ضرورة تعديل التوازنات داخل أجهزة الدولة لضمان استقرار حكمه. ورغم مرور أكثر من عقد على وصوله إلى الحكم، استمرت المواجهة مع مراكز النفوذ في ملفات حساسة مثل السياسة الخارجية والأمن القومي. فقرار التدخل العسكري في سوريا، الذي واجه مقاومة من المؤسسة العسكرية- كما أشار أحمد داود أوغلو- كشف عن استمرار تأثير النخبة العسكرية في رسم السياسات الإستراتيجية، مما دفع الحزب إلى العمل على تعزيز نفوذه داخل المؤسسات الأمنية وتوسيع سلطاته التنفيذية. لم تتوقف التحديات عند هذا الحد، بل بلغت ذروتها بمحاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو/ تموز 2016، التي كادت أن تطيح بالحكومة. وقد دفعت هذه المحاولة الحزب إلى فرض تغييرات جذرية في بنية الدولة، من خلال حملة تطهير واسعة استهدفت الجيش والقضاء والمؤسسات الإعلامية، في محاولة لضمان عدم تكرار مثل هذا التهديد مستقبلًا. إلى جانب ذلك، لعبت التنظيمات القومية، مثل "الذئاب الرمادية"، دورًا في التأثير على المشهد السياسي، نظرًا لعلاقاتها التاريخية مع أجهزة الدولة التقليدية، مما فرض تحديات إضافية على الحكومة في إدارة الملفات القومية والأمنية. هذه القوى لم تكن دائمًا في صف الحزب، بل شكلت عقبة أمام بعض سياساته، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الكردية والتوجهات القومية المتشددة آنذاك. على بعد أكثر من ألف كيلومتر من أنقرة ومع سقوط النظام في سوريا، لم تُطوَ صفحة الماضي تمامًا، بل بقيت مراكز نفوذ متجذرة في عمق البنية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي صنعها النظام البائد على مدار عقود. هذه المراكز، وإن فقدت الغطاء الرسمي، فإنها لم تفقد قدرتها على التأثير وعرقلة محاولات إعادة بناء الدولة. فمن شبكات المحسوبية والفساد المتغلغلة في الإدارات، إلى النخب الاقتصادية التي راكمت ثرواتها بارتباط مباشر مع السلطة، مرورًا بالهياكل الاجتماعية والقبلية التي استُخدمت كأدوات للضبط والسيطرة- جميعها ما زالت فاعلة بدرجات متفاوتة، وتشكل تحديًا حقيقيًا أمام أي مشروع تغييري يسعى إلى القطع مع ماضي الاستبداد. هذه القوى لا تواجه السلطة الجديدة بالمواجهة الصريحة دائمًا، بل غالبًا ما تعمل بأساليب ناعمة: من عرقلة الإصلاحات، إلى تشويه النخب الجديدة، مرورًا بإعادة إنتاج خطاب يروّج للفوضى أو الحنين إلى "الاستقرار" الذي كان يوفره النظام. إنه صراع غير مباشر، لكنه عميق، ويستنزف طاقة التغيير في لحظة تحتاج فيها البلاد إلى بناء جديد، لا إلى مقاومة ما تبقَّى من القديم. وهنا تكمن حساسية "اليوم الأول في الحكم" بالنسبة للقوى الثورية؛ فهو ليس فقط لحظة احتفاء بالانتصار، بل لحظة وعي بطبيعة المرحلة ومتطلباتها. فنجاح الانتقال لا يتوقف على إسقاط الرأس السياسي للنظام فقط، بل على تفكيك شبكات النفوذ التي شكّلت عموده الفقري، واستبدالها بأطر جديدة تؤمن بالمساءلة، وتُدار بالكفاءة لا بالولاء، وتخدم الناس لا السلطة. وهذا يتطلب أدوات مناسبة: من تشريعات حاسمة، إلى مؤسسات بديلة ذات مصداقية، وقيادات تدرك أن المعركة لم تنتهِ، بل بدأت بشكلها الأعمق. إنّ سقوط النظام لم يكن نهاية الصراع، بل بدايته الحقيقية. فبإزاحة الأجهزة الأمنية والمليشيات التي كانت تشكّل جدار الحماية لمراكز النفوذ القديمة، أُزيح الحائل الذي كان يفصل بين الحاضنة الثورية وتلك البُنى المتغلغلة في مفاصل الدولة والمجتمع. اليوم، وللمرة الأولى، يجد المجتمع الثوري نفسه وجهًا لوجه مع تلك الشبكات التي كانت تعمل خلف ستار الدولة، والتي لا تزال تسعى للحفاظ على امتيازاتها ومواقعها، سواء عبر التسلل إلى المؤسسات الناشئة، أو التأثير على الرأي العام وتوجيهه. فالصراع الآن لم يعد عسكريًا فقط، بل بات سياسيًا واجتماعيًا وإداريًا بامتياز. الحاضنة الثورية مدعوة إلى خوض معركة الوعي والتنظيم، لفرز المرحلة الجديدة ومكوناتها، وتمييز العناصر التي يجب إزاحتها عن تلك التي يمكن إعادة تأهيلها ضمن رؤية وطنية جديدة. وهذا يتطلب أسلوب مواجهة مركبًا، يجمع بين الفرز الصارم والمساءلة القانونية من جهة، والاحتواء الذكي والانفتاح على الطاقات المجتمعية النزيهة من جهة أخرى. في الأنظمة التي تمتلك تاريخًا من التدخل العسكري أو الأمني، يظل الصراع بين القرار السياسي ومراكز النفوذ مستمرًا، حتى بعد سقوط الأنظمة القديمة وبالتالي، فإن المواجهة مع مراكز النفوذ ليست مهمة السلطة وحدها، بل هي معركة مجتمعية شاملة، تتطلب وعيًا سياسيًا متقدمًا، وتنظيمًا شعبيًا فاعلًا، وآليات رقابة تمنع تسلل شبكات الفساد والتسلط مجددًا تحت أي غطاء. هذه المرحلة هي لحظة اختبار حقيقي لمدى نضج الحاضنة الثورية، وقدرتها على حماية مشروعها من داخلها، بقدر ما حَمَتْه من بطش النظام في السابق. إن السلطة ليست مجرد شرعية انتخابية أو ثورية، بل قدرة فعلية على فرض السياسات وإدارة الدولة. ففي الأنظمة التي تمتلك تاريخًا من التدخل العسكري أو الأمني، يظل الصراع بين القرار السياسي ومراكز النفوذ مستمرًا، حتى بعد سقوط الأنظمة القديمة. واليوم، باتت المواجهة في سوريا مفتوحة، ولم تعد مقتصرة على إسقاط النظام السياسي، بل امتدت إلى صراع أعمق لتحرير الذهنية المجتمعية وإعادة بناء الإدارات، وهي معركة طويلة ستستمر لسنوات قادمة.