
حرب إيران وإسرائيل.. لغز اليورانيوم يؤرق الغرب
تسبب القصف الأميركي والإسرائيلي للمواقع النووية الإيرانية في معضلة بالنسبة لمفتشي الأمم المتحدة في إيران؛ تتعلق بكيفية معرفة ما إذا كانت مخزونات اليورانيوم المخصب، وبعضها قريب من درجة النقاء اللازمة لصنع الأسلحة النووية، قد دفنت تحت الأنقاض أم تم إخفاؤها في مكان سري.
وبعد الهجمات على ثلاثة من أهم المواقع النووية الإيرانية، في فوردو ونطنز وأصفهان، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه "تم محو" المنشآت باستخدام الذخائر الأميركية، بما في ذلك قنابل خارقة للتحصينات.
لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، التي تراقب برنامج طهران النووي، قالت إنه لم تتضح بعد الأضرار التي لحقت بمنشأة فوردو، وهي منشأة في أعماق جبل تنتج الجزء الأكبر من اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، إنه من المرجح للغاية أن تكون أجهزة الطرد المركزي الحساسة المستخدمة في تخصيب اليورانيوم داخل فوردو قد تضررت بشدة.
لكن هناك غموضاً أكبر بكثير بشأن ما إذا كان قد تم تدمير تسعة أطنان من اليورانيوم المخصب في إيران، من بينها أكثر من 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء قريبة من الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة.
وتسعى حكومات الغرب جاهدة لتحديد ما حدث لهذا اليورانيوم.
وتحدثت رويترز إلى أكثر من 10 مسؤولين حاليين وسابقين مشاركين في جهود كبح البرنامج النووي الإيراني، قالوا إن الهجمات ربما وفرت الغطاء المثالي لإيران لإخفاء مخزونها من اليورانيوم، ومن المرجح أن يكون أي تحقيق وبحث تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية شاقا ويستلزم وقتاً طويلاً.
عملية معقدة
وقال أولي هاينونن، الذي كان كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الفترة من 2005 إلى 2010، إن البحث سيتضمن على الأرجح عملية معقدة لاستعادة المواد من المباني المتضررة، بالإضافة إلى البحث الجنائي وأخذ العينات البيئية، وهو ما يستغرق وقتاً طويلاً.
وقال هاينونن، الذي تعامل على نطاق واسع مع إيران في أثناء عمله بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعمل الآن في مركز ستيمسون للأبحاث في واشنطن "قد تكون هناك مواد لا يمكن الوصول إليها، أو متناثرة تحت الأنقاض أو فقدت أثناء القصف".
ووفقاً لمقياس للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الكمية التي تزيد على 400 كيلوجرام من اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60%، وهي درجة قريبة من نسبة النقاء 90% تقريباً اللازمة لصنع الأسلحة، تكفي إذا ما تم تخصيبها بدرجة أكبر لصنع تسعة أسلحة نووية.
وحتى لو تبقى جزء بسيط من هذه الكمية دون معرفة مصيره، فسيكون مصدر قلق كبير للقوى الغربية التي تعتقد أن إيران تبقي على الأقل خيار صنع الأسلحة النووية مطروحاً.
وهناك مؤشرات على أن إيران ربما نقلت بعضاً من اليورانيوم المخصب قبل أن يتعرض للهجمات.
نقل اليورانيوم
وقال جروسي إن إيران أبلغته في 13 يونيو، وهو أول يوم من الهجمات الإسرائيلية، إنها ستتخذ إجراءات لحماية معداتها وموادها النووية. ورغم أن إيران لم تفصح عن مزيد من التفاصيل، قال إن ذلك ربما يشير إلى النقل.
وقال دبلوماسي غربي مطلع على ملف إيران النووي، بعد أن طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر، إن أغلب اليورانيوم المخصب في فوردو سيكتشف فيما بعد أنه نقل قبل أيام من الهجمات الأشد "كما لو أنهم علموا تماماً أنها ستحدث".
وقال بعض الخبراء إن صفاً من المركبات ومن بينها شاحنات ظهرت في صور بالأقمار الاصطناعية خارج فوردو قبل ضربه، بما يشير إلى نقل اليورانيوم المخصب إلى مكان آخر. لكن وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث قال الخميس، إنه ليس على علم بأي معلومات مخابرات تشير إلى أن إيران نقلته.
واستبعد ترمب أيضاً مثل تلك المخاوف. وفي مقابلة الأحد، مع برنامج على قناة فوكس نيوز، أصر على أن الإيرانيين "لم ينقلوا أي شيء".
وقال "هذا أمر خطير للغاية لتنفيذه. إنه ثقيل جداً.. ثقيل جداً جداً. من الصعب جداً تنفيذ هذا الأمر... إضافة إلى ذلك، لم نلمح بشكل كبير لأنهم لم يعلموا أننا قادمين إلا عندما نفذنا كما تعلم".
ولم يستجب البيت الأبيض لطلب للحصول على تعليق. وأحالت وزارة الخارجية الأميركية رويترز إلى التصريحات العلنية التي أدلى بها ترمب.
وقال دبلوماسي غربي ثان إن التحقق من وضع مخزون اليورانيوم سيشكل تحدياً كبيراً بالنظر إلى القائمة الطويلة من الخلافات بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران، بما شمل عدم تقديم إيران لتفسير له مصداقية لآثار اليورانيوم التي عثر عليها في مواقع غير معلنة.
وتابع قائلاً "ستكون لعبة قط وفأر. وتقول إيران إنها تفي بكل التزاماتها أمام الوكالة.
صورة ضبابية
قبل أن تشن إسرائيل حربها التي دامت 12 يوماً بهدف تدمير قدرات إيران النووية والصاروخية، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتمتع بإمكانية الوصول بانتظام إلى مواقع تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وتراقب الأنشطة داخلها على مدار الساعة، إذ أن طهران موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي التي تضم 191 دولة. لكن الآن، جعلت الأنقاض والرماد الصورة ضبابية.
وعلاوة على ذلك، هددت إيران بوقف العمل مع الوكالة. ووافق البرلمان الإيراني الأربعاء الماضي، على تعليق التعاون مع الهيئة التابعة للأمم المتحدة، مدفوعاً بالغضب من عدم قدرة نظام حظر الانتشار النووي على حماية البلاد من الضربات التي تعتبرها دول كثيرة غير قانونية.
وتقول طهران إن قراراً صدر هذا الشهر عن مجلس محافظي الوكالة المؤلف من 35 دولة، قال إن إيران انتهكت التزاماتها المتعلقة بحظر الانتشار؛ مهد الطريق لهجمات إسرائيل من خلال توفير غطاء دبلوماسي، وهو ما نفته الوكالة.
وبدأت هجمات إسرائيل في اليوم التالي من صدور القرار.
ونفت إيران مراراً امتلاكها برنامجاً نشطاً لتطوير قنبلة نووية. وخلصت الاستخبارات الأميركية إلى أنه لا دليل على أن طهران تتخذ خطوات نحو تطوير مثل تلك الأسلحة، في تقرير رفضه ترمب قبل شن الغارات الجوية.
مع هذا، يقول الخبراء إنه لا يوجد مبرر لتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60% لبرنامج نووي مدني، والذي يمكن تشغيله بتخصيب اليورانيوم عند درجة أقل من 5%.
تفتيش المنشآت النووية
وبصفتها طرفاً في معاهدة حظر الانتشار النووي، يتعين على إيران تقديم تقارير بمخزونها من اليورانيوم المخصب. ويتعين على الوكالة بعد ذلك التحقق من تلك التقارير عبر وسائل تشمل عمليات التفتيش.
إلا أن صلاحيات الوكالة محدودة، فهي تفتش المنشآت النووية الإيرانية المعلنة، لكنها لا تستطيع إجراء عمليات تفتيش مفاجئة في مواقع غير معلنة.
وتقول الوكالة إن إيران لديها عدداً غير معروف من أجهزة الطرد المركزي الإضافية المخزنة في مواقع لا تعلم بها، وهي أجهزة يمكن بها إنشاء موقع تخصيب جديد أو سري.
ويجعل هذا تعقب المواد التي يمكن تخصيبها لدرجة نقاء أكبر، وخاصة تلك الأقرب إلى درجة صنع القنبلة، ذو أهمية كبيرة.
وكتبت كيلسي دافنبورت، من جمعية الحد من الأسلحة ومقرها واشنطن، على منصة إكس الجمعة "ربما لم يكن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% جزءاً من المهمة، لكنه يشكل جزءا كبيراً من خطر الانتشار لا سيما إذا لم يُكشف عن مصير أجهزة الطرد المركزي".
ويمكن للوكالة تلقي معلومات استخباراتية من الدول الأعضاء، ومنها الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تتلقاها بالفعل. غير أنها تقول إنها لا تأخذ المعلومات على نحو مسلم به وتتحقق بشكل مستقل منها.
وبعد قصف مواقع تخصيب اليورانيوم، يعتقد مسؤولون أن إسرائيل والولايات المتحدة هما الدولتان الأكثر احتمالاً لاتهام إيران بإخفاء اليورانيوم أو استئناف تخصيبه.
ولم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لطلب للتعليق على هذه القصة.
مطاردة الأشباح
وأظهر بحث مفتشي الأمم المتحدة دون جدوى عن مخابئ كبيرة لأسلحة الدمار الشامل في العراق، والذي سبق الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، الصعوبة الهائلة في التحقق من ادعاءات القوى الأجنبية بشأن مخزونات المواد المخفية، في ظل قلة المعلومات التي يمكن الاعتماد عليها.
وكما هو الحال في العراق، ربما ينتهي الأمر بالمفتشين إلى مطاردة الأشباح.
وقال دبلوماسي غربي ثالث "إذا كشف الإيرانيون (عن مكان) وجود 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب، فستكون المشكلة قابلة للحل. ولكن إذا لم يفعلوا ذلك، فلن يتأكد أحد أبداً مما حدث لها".
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تمثل 180 من الدول الأعضاء، إنها "لا تستطيع ضمان أن يكون التطوير النووي الإيراني سلمياً تماماً، لكنها لا تملك أي مؤشرات موثوقة على وجود برنامج أسلحة منسق".
ودعمت الولايات المتحدة خلال الأيام الماضية، أعمال التحقق والمراقبة التي تنفذها الوكالة، وحثت طهران على ضمان سلامة مفتشيها في البلاد.
وستكون مهمة حصر كل جرام من اليورانيوم المخصب، وهو المعيار الذي تعتمده الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طويلة وشاقة.
قالت الوكالة إن منشأة نطنز، المقامة فوق الأرض وهي الأصغر من بين المنشأتين اللتين تخصبان اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، جرى تسويتها بالأرض خلال القصف، مما يشير إلى احتمال التخلص من جزء صغير من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب.
وتعرضت منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية فوردو لقصف عنيف، عندما أسقطت الولايات المتحدة أكبر قنابلها التقليدية عليها، وهي منشأة مقامة في عمق جبل كانت تنتج الجزء الأكبر من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. ولا تزال الأضرار التي لحقت بأقسامها تحت الأرض غير واضحة.
كما قُصفت منطقة تحت الأرض في أصفهان كان يُخزَّن بها معظم اليورانيوم الإيراني الأعلى تخصيباً، مما تسبب في أضرار بمداخل الأنفاق المؤدية إليها.
ولم يتسن للوكالة الدولية للطاقة الذرية إجراء عمليات تفتيش منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، وهو ما يجعل الوضع هناك ضبابياً.
وقال جروسي الأربعاء، إن الظروف في المواقع التي تعرضت للقصف ستجعل عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هناك صعباً، مشيراً إلى أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت. وقال "توجد أنقاض، وقد تكون هناك ذخائر غير منفجرة".
وقال هاينونين كبير مفتشي الوكالة السابق إن من الضروري أن تتحلى الوكالة بالشفافية، وأن تعرض على الفور ما يتمكن مفتشوها من التحقق منه بشكل مستقل، بما في ذلك أي شكوك وما بقي مجهولاً.
وأضاف "يمكن للدول الأعضاء بعد ذلك إجراء تقييمات المخاطر الخاصة بها".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 35 دقائق
- Independent عربية
العودة إلى النووي: ملفات أميركية تكشف أسرار إيران بعد سقوط الشاه
أكثر من مجرد ضربات وأقل من حرب شاملة، كانت المواجهات بين إسرائيل وإيران، وهي التي سقط بنتيجتها قتلى وجرحى من الطرفين، إلى جانب دمار كبير طاول مباني ومنشآت مدنية وعسكرية. كلفة الفاتورة البشرية والمادية تميل سلباً وباعتراف الجميع إلى إيران التي سقط لها المئات بين قتلى وجرحى، مقابل العشرات في إسرائيل، ناهيك بتلقيها ضربات موجعة طاولت منشآت نووية أساسية عملت على بنائها وتطويرها منذ عقود، وبكلفة عالية جداً. وكانت شاركت مقاتلات أميركية تعرف بـ"الشبح" في عملية ضرب المواقع والمنشآت النووية أهمها في فوردو ونطنز وأصفهان ليل السبت/ الأحد الـ22 من يونيو (حزيران) الحالي، ليخرج بعدها الرئيس دونالد ترمب ويعلن إلحاق هزيمة كبرى بالمشروع النووي في إيران وعدم قدرة البلاد ولأعوام طويلة على تطوير ما كانت تمتلكه. في المقابل ردت طهران على لسان بعض مسؤوليها بما مفاده بأن برنامجها النووي لم يتأثر بصورة تامة، فيما أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن واشنطن لا تعلم مكان وجود 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، مما يعني حكماً أن القصف الأخير لم يطاولها، وهي بالمناسبة مواد استراتيجية بكمية محددة تفصلها مراحل قليلة فقط على أن تصبح قابلة للاستخدام في تصنيع القنابل الذرية. كذلك أكد الإيرانيون أنهم وضعوا مخزونهم من اليورانيوم العالي التخصيب في مأمن، فيما أقر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي بأنه يشاطر أيضاً الرأي القائل إن هذا المخزون قد تم نقله. إيران والنووي والمساعي القديمة تكشف غالبية التقارير أن المساعي الإيرانية إلى امتلاك برنامج نووي ليست حديثة العهد وهي تتخطى الحكم الحالي بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى سلفه آية الله الخميني وحتى قبل الثورة الإيرانية عام 1979 أي بالعودة إلى حكم الشاه. وفي استعراض تاريخي سريع نجد أن أول اتفاق نووي وقع بين إيران والولايات المتحدة كان عام 1957 في إطار برنامج "الذرة من أجل السلام" المشترك، ثم في الستينيات والسبعينيات، حصلت طهران على مفاعل نووي بحثي من أميركا يعرف باسم "مفاعل طهران البحثي" وكذلك تدريب نووي مدني. ثم شهدت البلاد ثورة عام 1979 سقط على أثرها حكم محمد رضا بهلوي، الملقب بالشاه وغادر البلاد، وبعدها عاد من فرنسا آية الله الخميني وبدأ معه حكم جديد وتحول جذري شمل السياسة والاقتصاد وحتى الحياة الاجتماعية. مذكرات سرية تكشف الكثير طريق إيران للوصول إلى امتلاك برنامج نووي، وتشكيك الدول الغربية بنيتها امتلاك سلاح نووي، لم يكن سهلاً، وهذا ما تكشفه تقارير أميركية سرية أُعدت قبل نحو نصف قرن ورفعت عنها السرية قبل أعوام. تنفرد "اندبندنت عربية" بنشر مجموعة مراسلات وتقارير أميركية سرية تعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وتتناول عن قرب مساعي إيران إلى التقدم نووياً وحجز مكانة لها ضمن الدول الكبرى، وفي الوقت عينه العقبات "الكبيرة" التي واجهتها بعد سقوط حكم الشاه، في سياق التقدم ببرامجها النووية. في مذكرة صنفت على أنها "سرية للغاية" أعدتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ"CIA" وأرسلتها إلى "المجموعة الفرعية لتنسيق تصدير المواد النووية" بتاريخ السابع من أغسطس (أب) عام 1985، تعطي الوكالة نظرة عامة على جهود إيران المتجددة في مساعيها النووية وآفاق تطوير الأسلحة النووية. تكشف المذكرة الأميركية كيف أنه عام 1982 تراجعت الحكومة في إيران عن قرارها بالتخلي عن البرنامج النووي الطموح الذي وضعه الشاه قبل أعوام، وأكثر من ذلك حاولت تنفيذ الخطط التي وضعت في عهده، والتي شملت تطوير دورة وقود نووي لدعم برنامج للأبحاث النووية ومفاعلات الطاقة. فيما تؤكد المذكرة السرية أنه في تلك السنة لم تكن توجد أدلة على أن طهران حاولت استئناف أبحاثها النووية لتطوير أسلحة. ومما جاء في نصها "كان قرار إيران عام 1982 بإعادة تفعيل برنامج الشاه النووي يعود جزئياً إلى الطموحات الشخصية لقادة منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وهما رضا أمراللهي، المدير العام للمنظمة، وسيروس عامر-طوسي، المستشار الخاص... ويعود ذلك أيضاً إلى اهتمامها باستخدام الطاقة النووية لتلبية حاجاتها المحلية من الكهرباء، واستنتاج الحكومة بأن التخلي عن ذلك سيؤدي إلى هدر مبالغ طائلة تم استثمارها بالفعل في إنشاء مختبرات نووية ومفاعلات طاقة نووية"، في إشارة إلى ما أُنفق على البرنامج النووي في عهد الشاه. وعلى رغم الطموح الإيراني كانت الصعوبات هائلة في تلك المرحلة، ويتوقف معدو هذه المذكرة مطولاً عند المشكلات الكبيرة التي واجهتها طهران، أبرزها الحصول على وقود اليورانيوم المخصب لمفاعل الأبحاث الذي زودتها به الولايات المتحدة، إذ "تحاول منذ أوائل عام 1983 شراء الوقود من دول أوروبا الغربية ومن خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها لم تجد مورداً حتى الآن. من المحتمل أن تضطر إلى إغلاق المفاعل بنهاية هذا العام إن لم تحصل على الوقود، مما سيعوق تقدمها في مجالات تصميم المفاعلات وتشغيلها، إضافة إلى تدريب العاملين." هل أرادت إيران امتلاك سلاح نووي؟ لناحية آفاق تطوير الأسلحة النووية، تذكر هذه الوثيقة السرية أن السلطات الإيرانية كانت وقعت بالفعل على على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولا توجد أدلة تشير إلى امتلاكها برنامجاً للأسلحة النووية. و"مع ذلك نعتقد أن إيران قد تسعى في المستقبل إلى أن تصبح قوة نووية لأسباب تتعلق بالهيبة أو بالأمن الإقليمي، وحتى تحقق ذلك، ستحتاج إلى مفاعل قادر على إنتاج كمية كافية من المواد الانشطارية (أي البلوتونيوم)، إضافة إلى منشأة لإعادة المعالجة تفصل البلوتونيوم عن الوقود المستخدم، وإذا ما تم الانتهاء من مفاعل بوشهر1 وتشغيله، فسيتم إنتاج البلوتونيوم. نقدر أن الجهود المحلية التي تبذلها إيران في مجال تطوير المفاعلات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى بناء مفاعل مناسب، لكن ليس قبل نهاية القرن. وحتى في هذه الحال سيظل من الصعب عليها الحصول على تكنولوجيا إعادة المعالجة اللازمة لاستخلاص البلوتونيوم بسبب القيود المفروضة على تصدير هذه التكنولوجيا، كذلك لا نعتقد أن إيران قادرة على تطوير هذه التكنولوجيا محلياً خلال الأعوام الـ10 المقبلة." مشكلات القوى العاملة المتخصصة بالانتقال إلى وثيقة أخرى، نجد أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أعدت مذكرة سرية أخرى عام 1986، أي بعد نحو عام، تحمل الرقم GIM 86-20230 تتطرق بصورة أوضح إلى مشكلات القوى العاملة المتخصصة ومساعي إيران إلى الاستمرار على رغم العوائق. من بين هذه القيود نقص في العمال ومشكلة كبيرة في توفر المتخصصين المؤهلين تأهيلاً كاملاً، مما دفع السلطات الإيرانية إلى محاولات لتحسين المهارات المحلية تدريجاً وزيادة عدد العاملين المؤهلين في المجال النووي. ويقول نص المذكرة الثانية إن الجودة والكمية معاً في القوى العاملة تعدان من العقبات الرئيسة، ومع ذلك تبذل إيران جهداً منظماً لتعزيز قدراتها في هذا المجال، ويشمل النقص في القوى العاملة العلماء التطبيقيين والمديرين والفنيين، وقد عد هذا النقص مصدر قلق رئيساً لصانعي القرار النووي في إيران، بخاصة أن كثيراً من العاملين الحاليين يعتبرون منخفضي الكفاءة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كذلك شكل نقص الكفاءات في تلك المرحلة عقبة جدية يمكنها إعاقة تطوير البرنامج النووي على المدى القصير، حتى لو تم تجاوز العقبات الأخرى، فيما توقفت مشاريع نووية كبرى بسبب نقص القوى العاملة، أما موظفو "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" فلا يمتلكون الخبرة الكافية للإشراف على التطوير النهائي أو لتشغيل أول محطة طاقة نووية في بوشهر. أسباب النقص في القوى العاملة تعود وفق الوكالة الأميركية إلى مغادرة نحو 6 آلاف موظف ذوي خبرة منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بعد عام 1979، وهم علماء وفنيون. وهنا تكشف الوثائق أن المنظمة أعادت بناء نفسها جزئياً، لكنها تضم فقط نحو 2000 شخص، فيما قدرة كثير من العاملين الحاليين موضع شك، وكثير من الموظفين عُينوا على أساس الولاء الأيديولوجي لا الكفاءة الفنية. وتضيف أن أكثر من 85 في المئة من المتخصصين المدربين في الغرب لم يعودوا منذ سقوط الشاه والبنية التعليمية الإيرانية غير كافية لإعداد الكوادر المطلوبة. كذلك برزت حينها مشكلة البنية التعليمية الضعيفة والنقص في المدرسين المؤهلين، إضافة إلى غياب المفاعلات أو أجهزة المحاكاة، لإجراء التدريبات الكافية. مساعي إيران لحل أزمة العاملين المتخصصين في محاولة حثيثة لحل هذه الأزمة الجوهرية، حاولت طهران التحرك في ثلاثة اتجاهات محددة، وهي: - تجنيد مسؤولين نوويين سابقين - تطوير التدريب المحلي - البحث عن تدريب في الخارج فقد سعت إلى استقطاب إيرانيين في الخارج عملوا في البرنامج النووي خلال حكم الشاه، كذلك بحثت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية عن علماء إيرانيين في الخارج، حتى من غير المنتسبين لها، وطلبت تدريباً من منظمات نووية رسمية وشركات خاصة، وللغرض نفسه أرسلت أفراداً إلى الخارج واستقبلت مدربين أجانب. في المقابل حصلت إيران على بعض المساعدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك من ألمانيا الغربية التي اعتبرت حينها الأكثر نشاطاً وحماسة لمساعدتها، بسبب ارتباطها التاريخي بمشروع بوشهر. يصل معدو هذه الوثيقة السرية إلى خلاصة أن طهران ستواصل (مستقبلاً في تلك المرحلة) سعيها إلى تسريع برنامجها النووي وستسعى إلى وضع نفسها في موقع أقوى مستقبلاً، لا لتحقيق مكاسب سريعة، فيما التقديرات تشير إلى أن عودة العلماء القدامى غير مرجحة. ويكشفون أنها وقعت بالفعل اتفاقات مع الأرجنتين تشمل استشارات هندسية وتزويد وقود، وكان أجرت محادثات مع الصين حول الأبحاث الطبية، وفصل النظائر وتدريب ونقل تكنولوجيا غير محددة. ويقولون "إذا واصلت إيران جهودها المتعلقة بالقوى العاملة، فقد تحقق تقدماً محدوداً على المدى القصير في تدريب الموظفين وتطوير المهارات. وأي مكاسب، إلى جانب المساعدة الأجنبية، يمكن أن تضع إيران في موقع أفضل لتحقيق تقدم أسرع بمجرد انتهاء الحرب مع العراق (1980- 1988) وتوافر موارد أكبر للبرنامج". مخاوف واشنطن من صنع سلاح نووي في إيران بالاطلاع على وثيقة أخرى "سرية للغاية"، أُعدت في أبريل (نيسان) عام 1984، تظهر جلية المخاوف الأميركية من المساعي الإيرانية إلى تصنيع سلاح نووي. ويكشف نص الوثيقة، التي أعدها مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي وأرسلها إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ونائبه، أن المفاعل الصغير في إيران الذي زُود من قبل الولايات المتحدة قبل عقود، لا يمكنه إنتاج كمية كافية من البلوتونيوم لصنع سلاح نووي، وعلى رغم أن مفاعلي بوشهر (1 و2) ليسا مثاليين لإنتاج بلوتونيوم من الدرجة المستخدمة في الأسلحة، فإن المواد اللازمة لصنع القنابل يمكن إنتاجها إذا استُكمل وشُغل أحدهما. وتذكر الوثيقة أن إيران لا تمتلك سوى قدرة محلية قليلة أو معدومة لاستكمال مفاعلي بوشهر بنفسها أو لإعادة معالجة الوقود المستهلك، كذلك فإنه لا توجد لدى إيران قدرة محلية لتخصيب أو معالجة اليورانيوم لاستخدامه كوقود لمفاعل نووي. بين الشاه وواشنطن تقول التقارير إن الشاه، حاكم إيران السابق قبل الثورة، كان أعلن عام 1973 عن برنامج طموح لتطوير الطاقة النووية يتضمن بناء مفاعلات بقدرة كهربائية مركبة تزيد على 20 ألف ميغاواط خلال العقدين المقبلين. وفي هذا السياق ملف أميركي سري أعدته أيضاً وكالة الاستخبارات المركزية ويعود لعامي 1973 و1974، عن تعاون دول غربية مع الشاه وإيران للتقدم نووياً، وفي التفاصيل تم حينها توقيع اتفاق تعاون في مجال الطاقة النووية مع فرنسا، كذلك أجريت مفاوضات على اتفاقات مماثلة مع الولايات المتحدة وألمانيا الغربية. وعلى رغم عدم توقيع العقود النهائية، فإن فرنسا وألمانيا الغربية تعملان على بناء محطات طاقة نووية، بواقع مفاعلين لكل دولة، وسط توقعات حينها أن يبدأ تشغيل أول المفاعلات في عامي 1980 و1981. كما كانت نية ألمانيا الغربية توفير اليورانيوم المخصب من قبل الاتحاد السوفياتي للمفاعلين اللذين ستقوم ببنائهما في إيران، أما اليورانيوم المخصب للمفاعلات التي توفرها فرنسا فسيأتي من حصة إيران في مشروع الانتشار الغازي المتعدد الجنسيات بقيادة فرنسا. ونختم مع وثيقة أخرى تعود لعام 1976 وتظهر تقييم واشنطن لما كان يقوم به الشاه نووياً. المذكرة وجهت حينها إلى وزيري الخارجية والدفاع وكذلك مدير وكالة ضبط التسلح ونزع السلاح في أميركا، وأتت بعد اجتماع أميركي مع الشاه نفسه حول التعاون النووي الإيراني الأميركي والمفاوضات الجارية بين البلدين في هذا السياق. يكشف النص الأميركي أنه خلال المناقشات مع الشاه، قال الأخير إن بلاده وقعت على معاهدة "عدم انتشار الأسلحة النووية" بعد دراسة جادة وتنوي التزام جميع شروطها، مؤكداً أنه لا يوجد سبب يدفع إيران إلى تطوير أسلحة نووية ولن يكون لديها القدرة الكافية لردع الاتحاد السوفياتي أو للرد، فيما لا يفهم لماذا لا تثق الولايات المتحدة بإيران لتطوير برنامجها النووي السلمي بالكامل. فكان الرد الأميركي بأنه يمكن للجميع جني فوائد الطاقة النووية بشرط أن يدرك القادة الرئيسون خطورة احتمالية تحويل أو سوء استخدام المواد النووية، وضرورة وجود ضمانات عالمية فعالة، كذلك فإن مجال إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك، بما في ذلك تخزين وتصنيع البلوتونيوم المنفصل، يثير أكبر قلق لديهم، بخاصة بعد تفجير الهند جهازاً نووياً عام 1974. كما قال المعنيون في واشنطن حينها "ندرك أنه عندما نزود دولة أخرى بالمعدات والمواد النووية، لا يمكننا التهرب من المسؤولية المشتركة مع المستلم في شأن الاستخدام النهائي للمعدات أو المواد".


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
ماكرون مواظب على التواصل مع إيران ويطرح عليها 6 مطالب
6 مطالب رئيسية طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصاله الجديد مساء الأحد، مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، وتتناول جانبين من العلاقات بين باريس وطهران: أولهما خاص ببرنامج إيران النووي، وثانيهما بالعلاقات الثنائية القائمة بين البلدين. وتعكس بادرة ماكرون رغبة فرنسية في إبقاء خط التواصل بين العاصمتين، «خصوصاً بينه وبين بزشكيان» مفتوحاً، ما يدل على أنه ما زال راغباً في أن يلعب دوراً في إحدى كبرى الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط منذ عشرات السنين. ويسعى ماكرون لأن يجر وراءه شريكي بلاده في «الترويكا الأوروبية»؛ وهما ألمانيا وبريطانيا. ورغم أن الدول الثلاث تبنت السردية والمطالب الأميركية، تحديداً فيما يخص التشديد على منع إيران من تخصيب اليورانيوم، وهو المطلب الأول أميركياً وإسرائيلياً، فإن طهران ما زالت راغبة في الحوار مع الأوروبيين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الاثنين، إن بلاده «تربطها علاقات دبلوماسية طبيعية مع الدول الأوروبية الثلاث»، وإن «الاتصالات والمحادثات مستمرة معها»؛ لا بل إنها راغبة في مواصلة الحوار بشأن مستقبل برنامجها النووي. لكن بقائي أفاد بأن «لا موعد نهائياً» تم تحديده للاجتماع المقبل. من الواضح أن إشارة بقائي إلى البرنامج النووي دون غيره بوصفه مادة للنقاش، لم تأتِ عفوية. وغرضها، إيرانياً، التذكير بأن طهران ترفض الغوص في ملف قدراتها الصاروخية والباليستية، فضلاً عن سياساتها الإقليمية التي يصفها الغربيون بأنها «مزعزعة للاستقرار». ورغم ذلك، فإن إعادة طرح موضوع الحوار مع الأوروبيين لا يمكن فهمها من خارج غياب اليقين لجهة العودة إلى التفاوض مجدداً مع الجانب الأميركي. وسبق للرئيس الأميركي دونالد ترمب أن أشار إلى أن الأسبوع الحالي، سيشهد معاودة الحوار بين واشنطن وطهران. وحتى اليوم، لم يبرز من الجانب الإيراني أي إشارة إلى لقاء مباشر أو غير مباشر، ما يفسر، وفق مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس، عودة «اللغة الهجومية والمتشددة» لترمب إزاء إيران، والتهديد بمهاجمتها مجدداً. صورة مركبة تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب) بالمقابل، فإن آخر اجتماع ضم الطرفين الأوروبي والإيراني تم في جنيف يوم 20 يونيو (حزيران). والنتيجة الوحيدة التي أفضى إليها، هي التعبير عن الرغبة في مواصلة الحوار. إلا أن مسارعة ترمب، بعد أقل من ثلاثين ساعة، إلى إرسال قاذفاته الضخمة لضرب 3 مواقع نووية إيرانية، وأهمها موقع فوردو بالغ التحصين، أجهضت المساعي المشتركة بين «الترويكا» وإيران، وبيّنت أن ترمب غير مهتم إطلاقاً بما يمكن أن يحصل عليه الأوروبيون من الطرف الإيراني. ورغم ذلك، ما زال هؤلاء يسعون للتواصل مع طهران (والعكس صحيح)، مذكرين بخبرتهم «التاريخية» في التعامل معها منذ عام 2003. كذلك، فإنهم ينبهون، وفق ما يقوله المصدر المشار إليه، إلى أن الفريق الأميركي المفاوض، تحديداً رئيسه ستيف ويتكوف، «لا يتمتع بأي خبرة في هذا المجال». عجّل ماكرون، كما يفعل كل مرة، في تدوين تغريدة على موقع «إكس» ضمنها «رسائله» الست. وباستثناء المطالبة المتكررة بالإفراج عن «رهينتي الدولة» الفرنسيتين سيسيل كوهلر وجاك باريس المحتجزتين في سجن إيفين منذ عام 2022، وتوفير الحماية للمواطنين الفرنسيين ولمنشآت باريس في إيران، فإن المطالب الأربعة الأخرى تتناول كلها تبعات الحرب الإسرائيلية - الأميركية - الإيرانية، وأولها: «احترام وقف إطلاق النار للمساعدة في استعادة السلام في المنطقة»، وثانيها: «العودة إلى طاولة المفاوضات لمعالجة القضايا الباليستية والنووية». وثالثها: «الحفاظ على إطار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية»، وآخرها: «الاستئناف السريع لعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران لضمان الشفافية الكاملة». وكان باستطاعة ماكرون أن يضيف التحذير من انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ما شدد عليه في الأيام الأخيرة، إن بمناسبة القمة الأطلسية في لاهاي، أو القمة الأوروبية في بروكسل. New phone conversation with Iranian President @drpezeshkian messages:→ The release of our compatriots Cécile Kohler and Jacques Paris.→ The protection of our nationals and our facilities in Iran, which must not be subject to any threats.... — Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) June 29, 2025 وحتى اليوم، ما زالت الضبابية تلف مستقبل التعاطي الغربي مع إيران، فيما الجدل ما زال قائماً (بما في ذلك بالداخل الأميركي والإيراني) حول الأضرار التي حلّت بالبرنامج النووي الإيراني خلال «حرب الـ12 يوماً»، كما سمّاها ترمب. وبالنظر لضخامة وتعقيدات المسائل المرتبطة بالبرنامج الإيراني، فإن «انعدام اليقين» هو السمة المهيمنة على المسائل الأربع التي جاء عليها ماكرون. فوقف النار، وإن احترم تماماً منذ أن انطلق، فإنه ما زال هشاً رغم أن ترمب يؤكد أن «الحرب انتهت»، لأن البرنامج النووي الإيراني «قُضي عليه». والحال أن أصواتاً تُسمع في إسرائيل وتتحدث عن الحاجة «لإنهاء المهمة»، والاستفادة من حالة «الوهن» التي تعاني منها إيران. وترى طهران، كما أعلن الناطق باسم خارجيتها الاثنين، أنه «لا يمكن الوثوق بمواقف ترمب بأي شكل من الأشكال». كذلك، فإن الحديث عن عودة المفاوضات يفتقر إلى الاتفاق على الأسس التي يمكن أن تنهض عليها، حيث عادت مسألة التخصيب مطروحة بقوة، فيما الجدل ما زال قائماً حول مصير الـ400 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة. بيد أن المسألة الخلافية الأكثر حدّة اليوم، تتناول دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران. ونُقل عن الرئيس بزشكيان، بحسب بيان صادر عن الرئاسة، قوله لماكرون إن «المبادرة التي اتخذها أعضاء البرلمان... هي ردّ طبيعي على السلوك غير المبرّر وغير البنّاء والهدّام لمدير عام الوكالة». ودفعت التهديدات الموجهة لمديرها العام غروسي الذي وُصف بأنه «جاسوس للكيان الصهيوني ويجب إعدامه»، «الترويكا» إلى إصدار بيان مشترك الاثنين، يتضمّن «إدانة التهديدات» الموجهة له والتعبير عن الدعم للوكالة. وحثّ البيان إيران على «استئناف التعاون الكامل على الفور، وفقاً لالتزاماتها الملزمة قانوناً، وعلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة وأمن موظفي الوكالة». ردود فعل غربية داعمة لمدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد التهديدات التي تعرض لها من الطرف الإيراني (رويترز) وكانت طهران رفضت طلباً لزيارة منشآتها النووية لتقييم الأضرار. وتساءل بقائي عن كيفية ضمان سلامة مفتشي الوكالة، في وقت لا يزال فيه حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية، مجهولاً. أما عراقجي فقد اتهم غروسي بتنفيذ «عمل خبيث»، ولعب «دور مؤسف». ورأى بقائي أنه «من غير الممكن توقّع تمكنها من ضمان سلامة مفتشي الوكالة حالياً». ويُبيّن ما سبق أن مرحلة ما بعد الحرب يمكن أن تكون حبلى بالمفاجآت بسبب غياب اليقين من جهة، ولأن الأطراف المتحاربة ما زالت تُقيّم نتائج الحرب وتدرس السيناريوهات الممكنة، إنْ للحد من خسائرها «من جهة»، أو لتعزيز مكاسبها بانتظار ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
بعد القصف... ما مصير البرنامج النووي الإيراني؟
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن قدرات إيران «دُمرت كلياً وبشكل كامل»، لكن مدى الضرر الحقيقي لا يزال يتكشف تدريجياً. ففي عطلة نهاية الأسبوع، صرّح ترمب بأن الضربات الجوية الأميركية «دمرت بالكامل وكلياً» القدرات النووية الإيرانية، غير أن الصورة الكاملة لما جرى لا تزال غير واضحة، بينما تواصل وكالات الاستخبارات الأميركية تقييم حجم الأضرار. وصدرت عدة تصريحات من مسؤولين أميركيين ودوليين، بالإضافة إلى صور التُقطت بالأقمار الصناعية عقب الضربات الجوية الإسرائيلية والأميركية، ألقت بعض الضوء على الوضع داخل إيران. وأشار تقرير استخباراتي أميركي مسرب إلى أن الضربات أخّرت البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط، وهو ما نفاه ترمب بشدة. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف، الأربعاء، إن الضربات «ألحقت ضرراً بالغاً» بالبرنامج. من جانبه، أفاد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الخميس، بأن أجهزة الطرد المركزي في منشأة فوردو «لم تعد تعمل»، لكنه وصف الحديث عن القضاء الكامل على البرنامج بأنه «مبالغة». منشأة فوردو بُنيت داخل جبل لحمايتها من معظم الهجمات، باستثناء القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات. وأفاد مسؤول أميركي بأن 6 طائرات «B-2» ألقت 12 قنبلة زنتها 30,000 رطل على الموقع، يوم الأحد. تضم المنشأة نحو 3,000 جهاز طرد مركزي متطوّر موزعة على قاعتين، وتُستخدم لتخصيب اليورانيوم، بما يصل إلى مستويات قريبة من إنتاج الأسلحة النووية. ففي عام 2023، اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7 في المائة، وهي نسبة تقترب من عتبة الـ90 في المائة المطلوبة لتصنيع سلاح نووي. صورة بالأقمار الاصطناعية لمحيط منشأة فوردو النووية الإيرانية عقب الضربات الأميركية 24 يونيو (رويترز) صور الأقمار الصناعية أظهرت تغيرات واضحة في تضاريس الأرض وغباراً رمادياً قرب مواقع يُعتقد أنها نقاط الاستهداف. وخلص تحليل أجرته «نيويورك تايمز» إلى أن الضربات استهدفت بدقة فتحات التهوية المرتبطة بالمنشأة. ورغم أن التقرير الاستخباراتي المسرّب أشار إلى أن القنابل أغلقت مداخل المنشآت، فإنها لم تدمر المباني الواقعة تحت الأرض، ما قد يتيح إعادة استخدامها لاحقاً. وأكد غروسي أن أجهزة الطرد المركزي لم تعد تعمل، مشيراً إلى حساسيتها الشديدة تجاه الاهتزازات الناتجة عن الانفجارات. تعرضت منشأة نطنز وهي أكبر مركز لتخصيب اليورانيوم في إيران لضربات جوية إسرائيلية وأخرى أميركية استهدفت قاعات التخصيب تحت الأرض. وقالت «الوكالة الذرية» إنها رصدت «تأثيرات مباشرة» على هذه القاعات، كما تدمّر الجزء العلوي من المنشأة. صورة من القمر الاصطناعي تُظهر حفراً في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم عقب غارات جوية أميركية وسط الصراع الإيراني الإسرائيلي (رويترز) بخلاف فوردو، فإن منشأة نطنز مدفونة على عمق بضعة أمتار فقط. وتُظهر صور الأقمار الصناعية حفرتين فوق مواقع يرجح أنها مواقع البنية التحتية للقاعات. قصفت غواصة أميركية أكثر من 20 صاروخ كروز من طراز «توماهوك» على موقع ثالث في أصفهان، سبق أن استُهدف بهجوم إسرائيلي. كان يُعتقد أن الموقع يحتوي على يورانيوم مخصب ومنشآت لتحويل خام اليورانيوم إلى مادة صلبة تدخل في تصنيع الأسلحة. وأكدت «الوكالة الذرية» أن الضربات أصابت «منشأة لمعالجة معدن اليورانيوم كانت قيد الإنشاء». صور القمر الصناعي «ماكسار» تُظهر مباني في مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية قبل استهدافه بالضربات الجوية الأميركية في أصفهان 16 يونيو (رويترز) وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن تدمير منشأة التحويل في أصفهان يمثّل ضربة كبيرة لقدرات البرنامج النووي الإيراني. وأوضح أن هذه المنشأة كانت ضرورية لتحويل الوقود إلى الشكل القابل للاستخدام العسكري، مشيراً إلى أنها «دمرت بالكامل». واتفق مفتشون دوليون وخبراء على أن هذا التدمير يشكل «عنق زجاجة» رئيسياً في سلسلة إنتاج الأسلحة النووية، وقد يستغرق إعادة بنائها سنوات، وهذا إذا لم تكن إيران قد شيدت منشأة بديلة سرية لم تخضع للتفتيش. تملك إيران تاريخاً طويلاً في بناء منشآت نووية سرية تحت الأرض. وفي هذا الشهر، أعلن مسؤولون إيرانيون عن تخصيب جديد «في موقع آمن وغير قابل للاختراق». ويرجح خبراء أن يكون الموقع الجديد قريباً من نطنز، تحت جبل يعرف باسم «كوه كلنك كزلا»، الذي يبلغ ارتفاعه ميلاً عن سطح البحر؛ أي أن عمقه الجوفي قد يكون ضعف عمق منشأة فوردو. ملصق لمنشأة فوردو لتخصيب الوقود يُعرض عقب مؤتمر صحافي لوزير الدفاع ورئيس الأركان في البنتاغون 26 يونيو 2025 (أ.ف.ب) اعترف مسؤولون أميركيون بأنهم لا يعرفون مكان مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة — وهي نسبة قريبة من درجة تصنيع السلاح. وقبيل الضربات، كانت هناك مؤشرات إلى أن الإيرانيين، في ظل تهديدات ترمب المتكررة، أزالوا نحو 400 كيلوغرام (880 رطلاً) من هذا الوقود من موقع أصفهان. وقال غروسي لصحيفة «نيويورك تايمز» إن مفتشي الوكالة شاهدوا هذا الوقود آخر مرة قبل نحو أسبوع من بدء الضربات الإسرائيلية. ويُعتقد أن الوقود يُخزن في حاويات صغيرة الحجم يمكن وضعها داخل صناديق تُحمَل في نحو عشر سيارات فقط؛ ما يجعل تعقّبها أكثر صعوبة. *خدمة «نيويورك تايمز»