الذهب يواصل خسائره الأسبوعية مع تراجع التوترات الجيوسياسية
انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 1% ليصل إلى 3,293.79 دولارًا للأوقية، وهو أدنى مستوى له منذ 2 يونيو. وانخفضت عقود الذهب الآجلة لشهر أغسطس بنسبة 1.2% لتصل إلى 3,306.70 دولارات للأوقية.
شهدت أسعار السبائك انخفاض بأكثر من 2% هذا الأسبوع، مسجلة خسارتها الأسبوعية الثانية على التوالي. وقد انخفضت بنحو 6% عن أعلى مستوى قياسي لها الذي لامسته في أواخر أبريل. وصمدت الهدنة بين إسرائيل وإيران ، ومن المتوقع صدور تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي في وقت لاحق من يوم الجمعة. وبدا أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران ، الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، قد صمد حتى يوم الخميس، مما خفف من حدة المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وكبح جاذبية الذهب.
وتحول تركيز المستثمرين إلى إصدار مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر مايو، وهو المقياس المفضل للتضخم لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وتتوقع الأسواق ارتفاعًا شهريًا ثابتًا بنسبة 0.1% في كل من قراءتي نفقات الاستهلاك الشخصي الرئيسة والأساسية. وعلى أساس سنوي، من المتوقع أن يرتفع المقياس بنسبة 2.3%، بينما من المتوقع أن يرتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي بنسبة 2.6%، وكلاهما أعلى من قراءات العام السابق.
يأتي هذا بعد مثول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أمام الكونغرس هذا الأسبوع، حيث أعرب عن حذره من خفض أسعار الفائدة مبكرًا جدًا، وحذر من أن التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية قد يكون أطول أمدًا مما كان متوقعًا في البداية.
وانتقد ترمب باول بشدة، وقال إنه يدرس "ثلاثة أو أربعة أشخاص" ليحلوا محله. وذكرت تقارير أن ترمب قد يُعيّن بديلاً لباول في وقت مبكر من سبتمبر.
وارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.1% خلال ساعات التداول الآسيوية، لكنه ظل قريبًا من أدنى مستوى له في ثلاث سنوات. ويؤدي ارتفاع الدولار إلى ارتفاع أسعار السلع للمشترين الأجانب، مما يُقلل من الطلب عليها.
وانخفضت العقود الآجلة للبلاتين بنسبة 1.3% لتصل إلى 1,392.00 دولارًا للأوقية يوم الجمعة، متراجعة عن أعلى مستوى لها في أكثر من عقد. وعلى الرغم من هذا الانخفاض، لا يزال المعدن مرتفعًا بنسبة 32% خلال الشهر. وانخفضت العقود الآجلة للفضة بنسبة 0.6% لتصل إلى 36.375 دولارًا للأوقية. وقفز البلاديوم بأكثر من 8% ليصل إلى 1,136.68 دولارًا أمريكيًا بعد أن بلغ أعلى مستوى له منذ 31 أكتوبر 2024..
في الوقت نفسه، انخفضت العقود الآجلة للنحاس في بورصة لندن للمعادن بنسبة 0.2% لتصل إلى 9,891.15 دولارًا للطن، بينما ارتفعت العقود الآجلة للنحاس الأمريكي بشكل طفيف لتصل إلى 5.06 دولارات للرطل.
وصرح ديفيد ميجر، مدير تداول المعادن في هاي ريدج فيوتشرز: "انخفض سعر الذهب خلال الجلسات القليلة الماضية بسبب تهدئة التوترات في الشرق الأوسط. كما زاد من الضغط انخفاض أسعار الفائدة المتوقع، الذي ينتظره السوق بفارغ الصبر والذي لا يزال يتأخر، وسط توقعات متزايدة بالتضخم مدفوعة بالرسوم الجمركية التي فرضها ترمب".
تتوقع الأسواق حاليًا خفضين لأسعار الفائدة بإجمالي 50 نقطة أساس هذا العام، بدءًا من سبتمبر. ويترقب المستثمرون الآن بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي الصادرة يوم الجمعة للحصول على المزيد من المؤشرات على مسار سياسة الاحتياطي الفيدرالي. ويزدهر الذهب غير المُدرّ للعائدات خلال فترات عدم اليقين والتضخم، لكن ارتفاع أسعار الفائدة يجعله أقل جاذبية.
وصرح مايكل ماتوسيك، كبير المتداولين في شركة يو إس جلوبال إنفستورز: "إذا تجاوز سعر الفضة 37.50 دولارًا أمريكيًا، فمن المحتمل أن يرتفع أكثر".
وقال جيفري كريستيان، الشريك الإداري في مجموعة سي بي إم: "إن ارتفاع أسعار البلاتين والبلاديوم ليس سوى ظاهرة خاصة بشهر يونيو، تعكس عمليات شراء مضاربة، حيث زاد بعض المستثمرين مخزوناتهم معتقدين أن الأسعار مُقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية نظرًا لضيق السوق".
في مايو، أفاد المجلس العالمي لاستثمار البلاتين بارتفاع الطلب على مجوهرات البلاتين في الصين ، مما فاقم العجز الهيكلي في السوق. وأضاف كريستيان أن البلاتين قد يلامس 1500 دولار للأونصة خلال الأيام القليلة المقبلة، ثم يتراجع إلى 1200 دولار خلال أسبوعين، بينما قد يتراجع البلاديوم إلى حوالي 1050 دولارًا بحلول منتصف يوليو.
في وقت، تراجع مؤشر الأسهم الرئيس في كندا يوم الجمعة عن أعلى مستوى قياسي له، متأثرًا بانخفاض أسهم قطاع التعدين، حيث أظهرت البيانات انكماش الاقتصاد المحلي، وبعد أن بدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التفاؤل. أن الولايات المتحدة ستتوصل إلى اتفاق بشأن الرسوم الجمركية مع كندا.
انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز/تورنتو المركب، عند افتتاح تداولات جديدة، بمقدار 59.63 نقطة، أو 0.2%، ليصل إلى 26,692.32 نقطة، بعد أن سجل أعلى مستوى إغلاق قياسي يوم الخميس. وخلال الأسبوع، ارتفع المؤشر بنسبة 0.7%، حيث عزز هدوء التوترات في الشرق الأوسط ثقة المستثمرين.
وقال بن جانج، مدير المحافظ الاستثمارية في نيكولا ويلث، إن السوق استفاد مؤخرًا من بعض الأخبار الجيدة وانخفاض المخاطر الكبيرة. وأضاف جانج: "لكن هذا لا يعني أن الندوب الاقتصادية لم تحدث".
انكمش الاقتصاد الكندي بنسبة 0.1% في أبريل مقارنة بمارس، حيث أثر عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية على قطاع إنتاج السلع. أشارت البيانات الأولية إلى مزيد من التراجع في النشاط خلال شهر مايو.
أوقف ترمب فجأة محادثات التجارة مع كندا بسبب ضريبتها الجديدة التي تستهدف شركات التكنولوجيا الأمريكية ، واصفًا إياها ب"الهجوم السافر"، ومؤكدًا أنه سيفرض تعريفة جمركية جديدة على السلع الكندية خلال الأسبوع المقبل.
انخفضت أسهم قطاع المواد، الذي يضم شركات الأسمدة وأسهم تعدين المعادن، بنسبة 2.8%، حيث أدى تراجع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تراجع جاذبية الذهب كملاذ آمن. كما أغلق قطاع الطاقة على انخفاض بنسبة 0.5%، متأثرًا بانخفاض سعر النفط الأسبوعي الحاد.
وكانت أسهم شركة تي سي تي سي إينرجي نقطة إيجابية، إذ ارتفعت أسهمها بنسبة 2.4% بعد أن بدأت الشركة في تحصيل رسوم خط أنابيب الغاز الطبيعي "ساوث إيست جيتواي" في المكسيك.
وارتفعت سبعة من أصل عشرة قطاعات رئيسة، مع ارتفاع قطاع العقارات بنسبة 0.7% مع انخفاض تكاليف الاقتراض طويل الأجل. وانخفض العائد على السندات الكندية لأجل 10 سنوات بمقدار 2.5 نقطة أساس إلى 3.315%، متراجعًا عن أعلى مستوى له في أسبوع والذي سجله في وقت سابق.
وسجلت الأسهم العالمية مستوى قياسيًا مرتفعًا يوم الجمعة، مدعومة بتفاؤل السوق إزاء مؤشرات التقدم في محادثات التجارة الأمريكية الصينية ، بينما استقر الدولار قرب أدنى مستوياته في أكثر من ثلاث سنوات.
بلغ مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 القياسي وناسداك أعلى مستوياتهما على الإطلاق، مدعومين جزئيًا بمكاسب أسهم النمو العملاقة، بما في ذلك إنفيديا، وألفابت)، وأمازون. وحقق مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 وناسداك مكاسب أسبوعية، وارتفعا بنحو 5% هذا العام، بعد النصف الأول المتقلب من العام، والذي هيمن عليه إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن الرسوم الجمركية في 2 أبريل، والذي أدى إلى انخفاض حاد في الأسهم.
وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1% ليصل إلى 43,819.27 نقطة، وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.52% ليصل إلى 6,173.07 نقطة، وارتفع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.52% ليصل إلى 20,273.46 نقطة.
وأغلق مؤشر ستوكس 600 الأوروبي على ارتفاع بنسبة 1.1% محققًا مكاسب أسبوعية بلغت 1.32%. وسجل مؤشر أم اس سي آي للأسهم العالمية، أعلى مستوى له على الإطلاق عند 916.39 نقطة، محققًا مكاسب أسبوعية بنسبة 3.3%، مسجلًا أكبر زيادة أسبوعية منذ منتصف مايو. وارتفع مؤشر فوتسي 100 في لندن بنسبة 0.72%. وسجلت الأسهم الآسيوية، أعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات في التعاملات المبكرة، لكنها أغلقت على انخفاض بنسبة 0.10%.
وقال جيمس سانت أوبين، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة أوشن بارك لإدارة الأصول في سانتا مونيكا، كاليفورنيا: "إنه استمرار لهذا الارتفاع الهائل منذ أوائل أبريل". وأضاف: "لقد كانت عودة غير متوقعة، وهي مستمرة، على افتراض أن الجدل حول الرسوم الجمركية لم يعد قضية رئيسة في نفسية السوق."
واعتبر المستثمرون الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين ، الذي تم التوصل إليه يوم الخميس، بشأن تسريع شحنات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة ، علامة إيجابية، في ظل الجهود المبذولة لإنهاء حرب الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وحدد ترمب التاسع من يوليو موعدًا نهائيًا للاتحاد الأوروبي ودول أخرى للتوصل إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية. وأضاف سانت أوبين: "بدأنا نشهد ارتفاعًا في تقديرات الأرباح للأشهر ال12 المقبلة بعد انخفاض طفيف، وهذا ما يشجع السوق على شرائه".
واستمد المتداولون الثقة أيضًا من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وعززت الأسواق رهاناتها على خفض أسعار الفائدة الأمريكية وسط احتمال إعلان ترمب عن رئيس جديد أكثر تساهلا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي قبل انتهاء ولاية جيروم باول العام المقبل.
وسجّل مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 وناسداك أعلى مستويات إغلاق قياسية وسط آمال في اتفاق تجاري. وأظهرت البيانات انخفاضًا غير متوقع في إنفاق المستهلك الأمريكي بنسبة 0.1% في مايو للمرة الثانية هذا العام، بينما حافظ التضخم الشهري على وتيرة معتدلة من الارتفاع.
وقال مارك مالك، كبير مسؤولي الاستثمار في سايبر نيكست: "ما نشهده هذا الأسبوع هو نوع من إزالة بعض العقبات التي وُضعت في منتصف الطريق". وأضاف: "لقد واجهنا جميع هذه القضايا التجارية التي لا تزال عالقة، وواجهنا هذا التأثير الكبير لما كان يحدث في الشرق الأوسط".
وانخفض سعر صرف الدولار إلى أدنى مستوياته في عدة سنوات، ليحوم بالقرب من أدنى مستوى له في ثلاث سنوات ونصف مقابل اليورو والجنيه الإسترليني. انخفض الدولار بنسبة 0.08% ليصل إلى 0.799 مقابل الفرنك السويسري، لكنه ارتفع بنسبة 0.21% ليصل إلى 144.68 مقابل الين الياباني. ارتفع اليورو بنسبة 0.07% ليصل إلى 1.1707 دولار أمريكي، مستفيدًا من بيانات أظهرت ارتفاع أسعار المستهلك الفرنسي بأكثر من المتوقع في يونيو.
وانخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.03% خلال اليوم عند 97.34، مستقرًا بالقرب من أدنى مستوى له في أكثر من ثلاث سنوات. يشهد الدولار أسوأ بداية له منذ بداية حقبة العملات الحرة في أوائل السبعينيات.
وارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية القياسية لأجل 10 سنوات بمقدار 2.4 نقطة أساس ليصل إلى 4.277%. وكانت عائدات السندات الحكومية الألمانية طويلة الأجل في طريقها لتحقيق أكبر زيادة أسبوعية لها منذ ما يقرب من أربعة أشهر، بعد ارتفاعها هذا الأسبوع على خلفية توقعات بزيادة اقتراض الحكومة الألمانية.
وانخفض عائد السندات الألمانية القياسية لأجل عشر سنوات بمقدار نقطة أساس واحدة ليصل إلى 2.587%، لكنه سجل زيادة أسبوعية بنسبة 3.3%، وهي أعلى نسبة منذ أوائل مارس. وانخفضت سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بنقطة أساس واحدة إلى 2.587%، لكنها سجلت زيادة أسبوعية بنسبة 3.3%، وهي أعلى نسبة منذ أوائل مارس.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
حرب أوروبا على جبهتين
خلال النصف الأول من القرن الـ20، كانت أوروبا المنطقة الأكثر تسلحاً وعنفاً على وجه الأرض. ولكن بحلول أوائل القرن الـ21 أصبحت الأقل تسلحاً والأقل عنفاً، ونموذجاً للسلام والتعاون والتكامل العابر للحدود الوطنية. لكن بينما ركز الأوروبيون على بناء مستقبل أكثر هدوءاً، كان آخرون يعيدون إحياء ماض أكثر اضطراباً. وخلال الأعوام الأخيرة، كشفت التحديات الممتدة من العدوان الروسي إلى النزعة التجارية الصينية، وصولاً إلى تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها، مدى عدم استعداد أوروبا المنزوعة السلاح لمواجهة سياسات القوة التقليدية. كان استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس عام 2014 وانتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة عام 2016 بمثابة جرس إنذار. لكن بعد موجة قصيرة من القلق، عادت القوى الأوروبية الكبرى إلى تجاهل الخطر وغطت في سبات عميق. إلا أن الغزو الروسي الشامل لبقية أوكرانيا عام 2022 استرعى انتباهها الكامل، مما أدى إلى زيادات في الإنفاق الدفاعي، وتقليص مواطن الضعف، وتقديم دعم كبير لكييف. لكن، بالمطلق، ظلت هذه التغييرات صغيرة، وبقيت الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الأساس عن تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وكذلك عن أمن أوروبا عموماً. ثم جاءت الولاية الثانية لترمب. في الواقع، بني النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية على أساس صفقة مركزية، تقوم على استخدام الولايات المتحدة قوتها الاستثنائية لتوفير منافع عامة دولية مثل السلام والأمن ونظام اقتصادي عالمي متزايد الانفتاح، في حين ستتبع أوروبا واليابان وحلفاء آخرون نهج واشنطن بدلاً من الوقوف في وجهها. وعلى رغم أن أجيالاً من صانعي السياسات الأميركيين حاولوا دفع أعضاء "الناتو" الآخرين للمساهمة بصورة أكبر في دفاعهم الذاتي، فإنهم تمسكوا بالصفقة حتى عندما رفض هؤلاء الشركاء الوفاء بنصيبهم، لأن الفوائد الواسعة التي جنتها الولايات المتحدة من الهيمنة القائمة على التوافق كانت تفوق الكلف والأخطار التي تحملتها من أجل الحفاظ على هذه الهيمنة. لكن إدارة ترمب الثانية لم تعد ترى الأمور على هذا النحو. فقد أعادت إثارة مخاوف قديمة في شأن تقاسم الأعباء، ولكن بإلحاح وعدائية جديدين، وأبلغت حلفاء الولايات المتحدة بصراحة أن عليهم إعادة التفاوض على الصفقة، وإلا فستكون هناك عواقب وخيمة. وللمرة الأولى منذ 75 عاماً، أصبح من المشروع التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في تحمل الجزء الأكبر من عبء توفير الأمن الأوروبي، وكيف سيكون رد فعل أعضاء "الناتو" الآخرين إذا توقفت واشنطن عن ذلك. وفي ضوء ما حدث هذا الربيع، من المرجح أن تكون قمة "الناتو" هذا الأسبوع في لاهاي واحدة من أهم الاجتماعات في تاريخ الحلف، إذ ستتناول مدى استعداد الأوروبيين للاستثمار في أمنهم الخاص، وإلى أية درجة ستظل الولايات المتحدة ملتزمة هذا المشروع المشترك، وإلى متى.Bottom of Form ثورة ترمب مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، كان الأوروبيون يعلمون أن الشراكة الوثيقة التي أقاموها مع إدارة بايدن سيحل محلها حتماً نهج أكثر برودة وتباعداً، واستعدوا لذلك. لكن حتى أكثر المتشائمين صدموا من شدة اندفاع الفريق الجديد في واشنطن لتقويض الوضع القائم. ففي قضية تلو الأخرى، بدا أن فريق ترمب مصمم على القطيعة الجذرية مع الماضي معتمداً نهجاً جديداً تماماً (ولكنه في الوقت نفسه قديم جداً) للسياسة الأميركية، يقوم على رفض النظام الدولي الليبرالي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، لمصلحة العودة إلى وحشية القوى العظمى التي كانت سائدة خلال القرن الـ19. وفي خضم ذلك، أعادت الإدارة الأميركية صياغة التزامها تجاه أمن أوروبا، من شراكة قائمة على المنفعة المتبادلة إلى لعبة خاسرة ينتفع فيها الأوروبيون بالمجان وبجشع على حساب الأميركيين. وبمجرد عودته إلى البيت الأبيض، بدأ ترمب يمارس الضغط على أقرب حلفاء واشنطن، مطلقاً أحاديث في أكثر من مناسبة عن إمكانية الاستيلاء على أراض تابعة لدول أعضاء في حلف "الناتو" مثل كندا والدنمارك. وشرعت إدارته في احتجاز مسافرين أوروبيين أبرياء في إطار حملة التشديد على الهجرة، وقطعت التمويل المخصص للمساعدات الخارجية، وتعزيز الديمقراطية، والتعليم الدولي، والعلوم والصحة العامة، وحماية البيئة، وغيرها من أدوات القوة الناعمة الأميركية، وذلك كله بينما كانت تسعى للسيطرة على بقية مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني في الولايات المتحدة، إضافة إلى ذلك، شن ترمب حرباً تجارية ضخمة ضد العالم بأسره، مهدداً بتدمير الاقتصاد العالمي ما لم توافق الدول الأخرى على دفع الجزية. وبدا كأنه غير موقفه من الحرب في أوكرانيا، إذ أوقف موقتاً الدعم العسكري والاستخباراتي لكييف، وطالب بسداد المساعدات السابقة، ووجه انتقادات للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حين امتدح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وساند روسيا في كل مكان، من الفضاء السيبراني إلى الأمم المتحدة. لن تعود العلاقة بين أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى سابق عهدها مطلقاً خلال أوائل فبراير (شباط) الماضي، صرح وزير الدفاع بيت هيغسيث خلال اجتماع لحلف شمال الأطلسي بأن "العودة إلى حدود أوكرانيا ما قبل عام 2014 هدف غير واقعي"، مشيراً إلى أن على أوكرانيا التنازل عن مساحة كبيرة من أراضيها كجزء من أية تسوية، ومؤكداً أن الولايات المتحدة لن تسهم في حماية البلاد بعد الوصول إلى تسوية. وبعد أيام قليلة، أخبر نائب الرئيس جي دي فانس الحاضرين في مؤتمر ميونيخ للأمن بأن المؤسسات السياسية الأوروبية التقليدية تشكل تهديداً أكبر على بلدانها من روسيا بقيادة بوتين. ولكيلا يعتقد أحد أن هذه الرسائل كانت مجرد مواقف استعراضية، كرر فانس وهيغسيث مواقف مشابهة في محادثات خاصة بعد ذلك بشهر. ففي دردشة مسربة عبر تطبيق "سيغنال" كشف عنها الصحافي جيفري غولدبيرغ، كتب فانس "أكره ببساطة أن أضطر لإنقاذ أوروبا مرة أخرى"، ليرد عليه هيغسيث قائلاً "أتفق تماماً مع شعورك تجاه تطفل الأوروبيين على حسابنا. إنه أمر مثير للشفقة". وأثارت هذه التصريحات ذهول الزعماء الأوروبيين، مما دفعهم إلى التحرك. خلال مارس (آذار)، تخلت الحكومة الألمانية الجديدة فجأة عن سياسة كبح الدين العام، وتعهدت بإنفاق 500 مليار يورو إضافية (540 مليار دولار) على البنية التحتية، وما يصل إلى 600 مليار يورو (650 مليار دولار) أخرى على الدفاع. واستأنفت المملكة المتحدة تنسيقها مع جيرانها، بينما تحدث الفرنسيون عن استخدام ردعهم النووي المستقل كبديل عن المظلة الأميركية التي قد تتراجع. وعلاوة على ذلك، احتضن القادة الأوروبيون زيلينسكي وتعهدوا بالمساعدة في حماية بلاده في مواجهة روسيا. فأرسلت بعض الدول أسلحة وأخرى أموالاً، بينما قدم بعضها تمويلاً لأوكرانيا لتصنيع أسلحتها بنفسها. وخلال مايو (أيار) أصدرت المفوضية الأوروبية خطة لإضافة 150 مليار يورو (170 مليار دولار) على صورة قروض لتعزيز الجاهزية العسكرية، مع إمكانية ضخ مئات المليارات الإضافية لاحقاً. وفي الواقع، سيستغرق الأمر كثيراً من الوقت والجهد والمال، لكن المراقبين المتفائلين زعموا أنهم يرون تحولاً مذهلاً عجائبياً يجري على قدم وساق. وفي ذلك السياق، كتبت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة أرانشا غونزاليس لايا في مجلة "فورين أفيرز" خلال مايو الماضي "أحداث هذا العام تمثل نقطة تحول في العلاقة عبر الأطلسي". وأضافت "لقد انتهى عصر التحالف الأوروبي الأميركي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية... وقد يكون عداء إدارة ترمب للتحالف التقليدي عبر الأطلسي هو المحفز الأكثر تأثيراً لمزيد من التكامل الأوروبي منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي عام 1948". ثورة ترمب أم لحظة تيرميدور؟ [يشير مصطلح "تيرميدور" إلى مرحلة من الثورة الفرنسية (1794) تميزت بانقلاب على مرحلة التطرف الثوري، وعودة تدريجية إلى التوازن، وهو ما يستخدم هنا مجازاً للتساؤل، هل تكون سياسات ترمب مجرد ذروة موقتة يعقبها تراجع؟] لم يشارك الجميع ثقة وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة أو شعورها بالإلحاح. فقد كانت خطابات ترمب وسلوكاته غريبة ومكلفة وتبدو غير قابلة للاستمرار، إلى درجة أن صناع السياسات في دول أخرى انقسموا حول مدى جدية التعامل معها. فسياسات الأمن القومي والدفاع بين أعضاء حلف "الناتو"، على سبيل المثال، متشابكة بدرجة تجعل أي انفصال فعلي عبر الأطلسي باهظ الكلفة ومؤلماً لكل الأطراف. وإذا ما عدَّ الأوروبيون أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً موثوقاً، فسينتقلون تدريجاً إلى بناء ترساناتهم الخاصة وتعزيز ردعهم النووي، مما سيؤدي إلى تقليص مبيعات الأسلحة الأميركية ونفوذ واشنطن، وسيطورون أنظمة موازية في مجالات الاستخبارات وإبراز القوة، مما يمنحهم القدرة على تحقيق الاستقلال الاستراتيجي، ويعيدون هيكلة سلاسل التوريد الخاصة بهم لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، تماماً كما يحثهم المسؤولون الأميركيون على تقليل الأخطار في علاقاتهم المتنامية مع الصين. لكن مثل هذه الخطوات ستلحق ضرراً بالولايات المتحدة أكثر مما تفيدها، ولذلك لم يتمكن القادة الأوروبيون من فهم دوافع ترمب للمضي قدماً في هذا الاتجاه. هل كان يمزح؟ هل كان يناور؟ هل كان يتصرف بغباء؟ أم بجنون؟ لقد أصبح تحليل دوافع الرئيس اللعبة السياسية المفضلة في القارة، لأن الرد الملائم تجاهه يعتمد على التفسير الذي يختاره كل طرف. ومع مرور فصل الربيع، بدأت الصورة تتضح قليلاً، من خلال سلوك الإدارة الجديدة الذي كشف عن أولوياتها. لم يبد ترمب أي احترام للأعراف، أو المبادئ، أو التقاليد، أو مصالح الدول الأخرى، كما لم يظهر أية رؤية استراتيجية طويلة المدى. كل ما بدا ظاهراً هو سعي مرتجل إلى تضخيم الذات وتحقيق مكاسب سريعة قصيرة الأجل. وكانت الخطوة الافتتاحية المعتادة للرئيس هي الترهيب لإظهار الهيمنة. فإذا نجح في ذلك استمر، وإذا واجه مقاومة قوية ومستمرة ومدروسة انسحب وانتقل إلى أهداف أضعف. فعلى سبيل المثال، في بداية أبريل (نيسان) الماضي أعلن ترمب فرض رسوم جمركية ضخمة على معظم دول العالم. لكن في غضون أسبوع وبسبب اضطراب الأسواق وتراجع الدولار، أجل تنفيذ معظمها وركز هجماته على الصين. وبعد شهر، تراجع إلى حد كبير عن المواجهة مع بكين أيضاً. وفي أواخر مايو (أيار) الماضي، أعلن البيت الأبيض فرض رسوم جديدة بنسبة 50 في المئة على أوروبا، لكنه علقها بعد يومين فحسب. وعندما قوبلت دعواته لضم كندا وغرينلاند وبنما بمقاومة شديدة وانتصارات انتخابية للأحزاب المناهضة لترمب، تراجعت هذه القضايا إلى المرتبة الثانية، وكذلك الخطط الأميركية للسيطرة على غزة، وطرد الفلسطينيين منها وبناء منتجع شاطئي هناك (وعندما سئل ترمب عن هذا النمط من التراجع، أجاب بانزعاج واضح "هذه هي المفاوضات، هكذا تبدو"). بدأ حلفاء الولايات المتحدة يدركون فجأة أن العالم أكثر واقعية مما كانوا يظنون وبسبب هذه التطورات، وعلى رغم بدء الحكومات الأوروبية اتخاذ خطوات أولية نحو إعادة التسلح والاعتماد على الذات، ظلت تراقب من كثب لمعرفة ما إذا كانت تهديدات ترمب بالتخلي عن أوكرانيا وأوروبا عموماً ستطوى بدورها. ومع خفضها سقف التوقعات في شأن الدعم الأميركي المستقبلي، سعت إلى الحصول على ضمانات لا تقل عن التزام "رديف" بعدم التخلي الكامل، وعدم ترك القارة تحت رحمة موسكو. وقد رأى صانعو السياسات الأوروبيون في ذلك فرصة لإنقاذ "الزواج عبر الأطلسي" وتفادي طلاق استراتيجي مكلف. وبحلول يونيو (حزيران) الجاري، بدأت مؤشرات إلى تحول محتمل في الموقف الأميركي تتبدى. فبعد أشهر من مهادنة روسيا وممارسة الضغط على أوكرانيا، لم تحرز إدارة ترمب أي تقدم نحو تسوية الحرب، لأنها لم تعالج الهدف الروسي الجوهري المتمثل في إعادة كييف إلى التبعية. وأظهرت المقاومة العنيدة التي أبدتها أوكرانيا قدرتها على الصمود وامتلاكها لأوراق أكثر مما توقع البيت الأبيض. فاستمر القتال، وبدا أن ترمب المحبط بدأ يفقد اهتمامه بالقضية. في المقابل، خففت الإدارة الأميركية لهجتها إزاء الأمن الأوروبي عموماً، وأعادت تأكيد التزامها بالردع الموسع، وشجعت الأوروبيين على توسيع مشترياتهم من الأسلحة الأميركية، وشاركت في عمليات متزايدة لحلف "الناتو" في القطب الشمالي، مما يشير إلى أن واشنطن باتت تميل إلى "نقل العبء" بدلاً من التخلي. وبالنظر من كثب، بدأت تتضح معالم حل محتمل للأزمة قد ينجز خلال الصيف. فستواصل الولايات المتحدة تقديم الضمانات النووية والمعلومات الاستخباراتية والقدرات التمكينية والدعم المادي وبعض القوات، إضافة إلى منصب القائد الأعلى في "الناتو". وفي المقابل، ستتحمل الدول الأخرى الأعضاء مزيداً من الأعباء المالية والعسكرية والبشرية. وستواصل أوكرانيا الصمود بدعم ذاتي ومن شركائها، بما في ذلك قيام بعض الدول بتمويل واشنطن مباشرة لتزويد كييف بالأسلحة. وربما تلجأ أوروبا إلى استخدام 200 مليار يورو (230 مليار دولار) من الأصول الروسية المجمدة التي تحتفظ بها، لتمويل الدفاع الأوكراني. وإذا تحقق هذا السيناريو، فسيكون ترمب نجح، عبر الترهيب، في دفع أوروبا إلى فعل ما طالبتها به الإدارات الأميركية السابقة لعقود، بناء قدرات عسكرية فاعلة تتحمل بها مسؤولية أكبر عن أمنها الإقليمي. وسينظر إلى هذا الوضع، من قبل كثر، على أنه مقبول، بل ربما مرحب به، فستنجو أوكرانيا الموالية للغرب، وسيبقى التحالف عبر الأطلسي قائماً، وستستمر الحياة بصورة مألوفة إلى حد ما. لكن لا تزال هناك احتمالات لسيناريوهات أكثر قتامة، لأن الرئيس معروف بتقلباته، ولأن بعض الأجنحة داخل إدارته تبدي عداءً صريحاً تجاه أوروبا وحلف "الناتو". كما أن تصرفات إدارة ترمب نسفت بالفعل جزءاً كبيراً من الثقة، إلى حد أن العلاقة بين أعضاء الحلف لن تعود كما كانت عليه. وأدركت أوروبا، في ضوء افتقارها للحماية أمام قوى عظمى عدوانية من الشرق والغرب، أنها باتت تخوض حرباً على جبهتين، وبدأت تستعد لذلك. منعطف جذري آخر كان صناع السياسات الأوروبيون أخطأوا في الماضي بعدم أخذ تهديد التخلي الأميركي على محمل الجد. واليوم، هم مصممون على عدم تكرار ذلك الخطأ. لذا، وبينما يحاولون اجتياز الأزمة الراهنة، فإنهم يسيرون خلال الوقت نفسه بخطى حذرة نحو التحوط، وهي خطوات قد تحمل نتائج كبرى في المستقبل. ومن بين هذه الخطوات، إنشاء منصب "المفوض الأوروبي لشؤون الدفاع والفضاء" في خريف العام الماضي. كثيراً ما كان الاتحاد الأوروبي مشروعاً سلمياً، تركت فيه قضايا الأمن للدول الأعضاء ولحلف "الناتو". لكن على رغم أن المفوضية الأوروبية لا تملك جيشاً أو أسلحة خاصة بها، فإن بإمكانها التأثير في تنظيم شؤون الدفاع داخل الدول الأعضاء، وبدأت بالفعل في لعب هذا الدور. فالمفوض الجديد أندريوس كوبيليوس يدعو إلى استخدام متطلبات "الشراء المحلي" وأنواع مختلفة من الضمانات الاستثمارية، لتحفيز الحكومات الأوروبية على شراء المعدات المصنعة محلياً، ويشجعها على دعم الشركات في إنشاء سلاسل توريد مرنة داخل أوروبا لإنتاج الطائرات المسيرة والذخيرة وغيرها، ويعمل على تنظيم صفقات شراء جماعية تقلل الكلف وتعزز قابلية التشغيل المشترك بين الجيوش الأوروبية. قد لا تبدو هذه الإجراءات كبيرة الآن، لكنها قد تصبح، بمرور الوقت، الركائز الأساس لبناء قاعدة صناعية دفاعية أوروبية مستقلة، تعتمد بصورة أقل بكثير على الولايات المتحدة. وفي موازاة ذلك، فإن إحدى أهم الخدمات التي تقدمها الولايات المتحدة لحلفائها هي إتاحة الوصول إلى أفضل شبكة استخبارات في العالم. لكن إدارة ترمب الثانية أثارت الشكوك حول استمرار هذا الدور، وبدأ الأوروبيون يتعاملون مع ذلك من خلال توسيع تعاونهم الاستخباري المستقل. وسجلهم الحافل بالنجاح في هذا المجال معروف جيداً. فـ"منطقة شنغن"، التي تسمح بحرية الحركة بين عدد من الدول الأوروبية، لا تعمل إلا بفضل التفاهمات والترتيبات المعقدة بين الحكومات المشاركة في شأن تبادل المعلومات والتنسيق الأمني. ويمكن تطبيق النهج ذاته على تبادل المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة بالأمن، وأنشأت ثماني دول أعضاء بالفعل مجموعة للتعاون في هذا الإطار. ومن المرجح أن تتوسع هذه الجهود، كما يتوقع تنامي الروابط التكنولوجية الاستخباراتية المستقلة بين حلفاء واشنطن، كما يتضح من صفقة كندا الأخيرة لشراء أنظمة رادار عسكرية بعيدة المدى من أستراليا بقيمة 4 مليارات دولار. كذلك تستحق الأنظمة المالية وأنظمة الدفع اهتماماً خاصاً. فالاقتصاد عبر الأطلسي يعد الأكثر تكاملاً في العالم، لا بفضل تبادل السلع والخدمات، بل بفضل الروابط المصرفية والاستثمارية العابرة للحدود. وسار هذا التكامل المالي دوماً جنباً إلى جنب مع التعاون الأمني، عمداً، واستغل صانعو السياسات الأميركيون هذا الترابط في كثير من الأحيان لدفع السياسيين الأوروبيين إلى قبول القيادة الاستراتيجية الأميركية. لكن ترمب تميز بنهجه القسري، لا سيما حين ضغط على أوروبا لإعادة فرض العقوبات على إيران خلال ولايته الأولى. ورداً على ذلك، بدأ الأوروبيون يبحثون عن سبل لتحصين أنفسهم من النفوذ الأميركي، مثل تغيير طرائق دعمهم للبنوك الأوروبية، عبر تشديد الضوابط التنظيمية وتحسين تأمين الودائع، وتبسيط آليات الدفع عبر الحدود والمدفوعات التجارية للأفراد (ومن يذكر أن معظم البنية التحتية المالية اللازمة موجودة بالفعل في الدول التي تستخدم اليورو كعملة موحدة). اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) القرارات الصغيرة التي تتخذها الدول الأوروبية اليوم في مجالات شراء الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتمويل، والتجارة، وسواها، قد تمهد الطريق أمام أوروبا لامتلاك قدرات مستقلة تؤهلها للتحول إلى قوة عظمى بحد ذاتها. ولن تكون أوروبا عندئذ مضطرة إلى السير في فلك الولايات المتحدة، وقد تبرز حتى كمركز جذب عالمي للدول التي ضاقت ذرعاً بسياسات واشنطن المتنمرة. وكلما ازدادت قدرات هذه المجموعة واستقلاليتها، ازداد اعتمادها على نهجها الخاص. الطريق إلى المستقبل يبدو النظام الدولي خلال الوقت الراهن أشبه بتركيبة نظرية غريبة الطبقات. قاعدته مكونة من مجموعة من الدول ذات السيادة، تتبع منطقاً واقعياً تقليدياً، وتختلف في قدراتها ومصالحها، وتتنافس فيما بينها من أجل النفوذ والبقاء. وفوق ذلك، توجد طبقة النظام الليبرالي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وهي شبكة من الديمقراطيات الصناعية المتقدمة وشركائها، تتعاون طوعاً لتحقيق منافع طويلة الأمد، تحت إشراف وحماية الولايات المتحدة، التي لا تزال، في معظم الأحيان، تحرص على مصلحة الفريق ككل. أما في قمة هذا الهيكل، فيقف ترمب، مجسداً طبقة واقعية أخرى، قائداً يلعب لمصلحته وحده. خلال الوقت الحالي، يفرض هذا الهيكل قيوداً على جميع أعضاء "الناتو". فقد بدأ حلفاء الولايات المتحدة يدركون فجأة أن العالم أكثر واقعية مما كانوا يتصورون، وأن إسناد مسؤولية أمنهم إلى واشنطن جعلهم عرضة للخطر والتهميش. في المقابل، بدأ ترمب يكتشف أن المؤسسات والإجراءات الدولية الراسخة أصعب من أن تتجاوز أو يُفريط بها بسهولة، وأن انتهاج سياسة فردية ينطوي على كلفة كما على مكاسب. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الوضع قابلاً للاستمرار، أو إن كانت الأمور ستتجه في نهاية المطاف نحو حسم واضح في أي من الاتجاهين. ما سيحدث في قمة حلف شمال الأطلسي المقبلة وما بعدها سينهي مرحلة أو يغير ملامح عصر بأكمله ما لم يعد ترمب إلى سياسة خارجية أميركية أكثر تقليدية، فإن الهوة بين واشنطن وحلفائها ستستمر في الاتساع، بالتوازي مع تصاعد الهجمات على النظام الليبرالي العالمي. وفي أفضل السيناريوهات، سيتمكن الأوروبيون، بمرور الوقت، من توحيد صفوفهم وتشكيل قوة جيوسياسية وجيواقتصادية فعالة، حازمة، واثقة، وقادرة. وسيحسنون الاستفادة من الموارد المتاحة داخل الاتحاد الأوروبي، وسيعززون علاقاتهم مع حلفائهم مثل أستراليا وكندا واليابان والنرويج وكوريا الجنوبية وتركيا والمملكة المتحدة. ويقوم صانعو السياسات الأوروبيون حالياً بوضع أسس هذا المستقبل، الذي ستتقلص فيه أعباء الولايات المتحدة، ولكن سيتقلص معه أيضاً نفوذها. أما إذا واصل ترمب السير في مساره الحالي وفشلت الدول الأوروبية في التكتل، فإن علاقة الاعتماد المتبادل السامة داخل التحالف ستزداد سوءاً. ولن تكون جهود إعادة التسلح الأوروبية الرمزية أو غير المنسقة كافية لتلبية الحاجات الأمنية للقارة، ولا لردع أي عدوان روسي في المستقبل. وسيظل الترابط المالي والاقتصادي بين ضفتي الأطلسي قائماً، لكن استعداد واشنطن لتحمل كلفته سيتراجع أكثر فأكثر. وستشكل محاولات الصين استغلال هذا الخلاف عبر توسيع حضورها في أوروبا مصدر توتر دائم، فيما ستظهر فراغات في السلطة داخل الشرق الأوسط وأفريقيا. نادراً ما عدت قمم حلف "الناتو" محطات مفصلية مثيرة، يمكن أن يتغير عندها مسار التاريخ نحو اتجاه دون آخر. لكن هذا العام مختلف. فنتائج اجتماع الحلف خلال يونيو، وما سيليه، قد تكون خاتمة لمرحلة... أو طياً لصفحة كاملة من التاريخ. مترجم عن "فورين أفيرز"، الـ23 من يونيو (حزيران) 2025 جدعون روز هو زميل داخل مؤسسة "أكسل شبرنغر" ضمن "الأكاديمية الأميركية" في برلين وزميل مساعد رفيع الشأن في "مجلس العلاقات الخارجية". إريك جونز هو مدير "مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة في معهد الجامعة الأوروبية"، وباحث غير مقيم ضمن "مركز كارنيغي أوروبا".


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
اتصالات إيرانية جرى اعتراضها تقلل من أثر الهجوم الأميركي
ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" اليوم الأحد نقلاً عن أربعة أشخاص مطلعين على معلومات استخبارات سرية متداولة داخل الحكومة الأميركية أن اتصالات إيرانية جرى اعتراضها تضمنت أحاديث تقلل من حجم الأضرار التي سببتها الضربات الأميركية على البرنامج النووي الإيراني. وأكد مصدر، طلب عدم نشر اسمه، هذه الرواية لـ"رويترز"، لكنه قال إن هناك تساؤلات جدية في شأن ما إذا كان المسؤولون الإيرانيون صادقين، ووصف عمليات التنصت بأنها مؤشرات غير موثوقة. ومع ذلك، يعد تقرير صحيفة "واشنطن بوست" أحدث تقرير يثير تساؤلات حول مدى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني. وحذر تقييم أولي جرى تسريبه من وكالة استخبارات الدفاع من أن الضربات ربما عطلت إيران بضعة أشهر فقط. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الضربات "محت تماماً" البرنامج النووي الإيراني، لكن المسؤولين الأميركيين يعترفون بأن الأمر سيستغرق بعض الوقت للوصول إلى تقييم كامل للأضرار الناجمة عن الضربات العسكرية الأميركية في مطلع الأسبوع الماضي. ونفى البيت الأبيض صحة التقرير الذي نشرته الصحيفة، ونقلت "واشنطن بوست" عن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت قولها "فكرة أن مسؤولين إيرانيين لم تكشف أسماؤهم يعرفون ما حدث تحت مئات الأقدام من الأنقاض هي محض هراء، لقد انتهى برنامجهم للأسلحة النووية". وخلال مقابلة بثت اليوم على قناة "فوكس نيوز"، جدد ترمب ثقته بأن الضربات دمرت القدرات النووية الإيرانية. وقال ضمن أحد البرامج "لقد دمرت على نحو لم يشهده أحد من قبل، مما يعني نهاية طموحاتهم النووية، في الأقل لفترة من الزمن".


الموقع بوست
منذ 4 ساعات
- الموقع بوست
اليمن.. مخاوف من تبعات الحرب على التجارة والنقل
تسود اليمن مخاوف عديدة من تبعات وتأثيرات الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي تزامنت مع اضطراب البحر الأحمر وباب المندب والممرات المائية الدولية، على كُلف التجارة والنقل الداخلي والخارجي وانعكاس ذلك على الأسواق المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية في ظل بروز تأثيرات داخلية مع عودة تجدد اضطراب وانهيار سعر صرف الريال اليمني. وتتركز المخاوف من ارتفاع تكاليف الشحن والنقل التجاري على المستوى الداخلي والخارجي، إذ يأتي ذلك في الوقت الذي تبحث فيه الجهات المعنية والمنظمات الأممية والدولية والقطاعات التجارية وشركات الملاحة عن تحويل الشحن التجاري من ميناء الحديدة شمالي غرب اليمن إلى الموانئ الواقعة في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً جنوبي البلاد. ويلاحظ عدم وجود أي تحرك من قبل السلطات اليمنية المعنية ملموس وفاعل سواء الحكومة المعترف بها دولياً أو الحوثيين للتعامل مع تطورات الأحداث المتصاعدة في المنطقة وتأثيرها على اليمن حيث تستمر العملة المحلية بالتدهور بشكل متسارع مع اقتراب سعر صرف الريال من تجاوز الألف الثالث مقابل الدولار. إضافة إلى الارتفاع المحتمل في تكاليف الواردات السلعية في ظل تحذيرات تصاعدت مؤخراً من عودة الحوثيين إلى استهداف السفن في البحر الأحمر بالتزامن مع تهديدات إيرانية بنقل المعركة إلى الممرات المائية وغلق مضيق هرمز قبل توقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وتزامن ذلك مع تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي بالتوجه إلى وضع خطة عسكرية لاستهداف الحوثيين الذين أكدوا أنهم مستمرون في إسناد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. رئيس غرفة عدن التجارية والصناعية أبوبكر باعبيد، يرى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أي تحرك قد لا يكون له أي أهمية بالنظر إلى الوضع الراهن في البلاد التي تعاني تدهوراً اقتصادياً على كل المستويات. ويضيف باعبيد: التحرك ممكن لو أن هناك اقتصاداً سينهار، لكن في الواقع لديك اقتصاد منهار وفي حالة انحدار مستمر، لذا كما يقول المثل وفق حديث باعبيد؛ فإن "المبلل ما يفرق معه المطر". كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي قد عقد الأربعاء 18 يونيو/ حزيران، اجتماعاً طارئاً في عدن مع لجنة إدارة الأزمات الاقتصادية والإنسانية لبحث تطورات المنطقة في ضوء التصعيد الحربي الإسرائيلي الإيراني، وانعكاساته على الأمن اليمني والإقليمي، والأوضاع المعيشية في البلاد، إضافة إلى مناقشة الوضع الاقتصادي الراهن، والمؤشرات المالية والنقدية، والمتغيرات المتعلقة بأسعار العملة الوطنية، والاختناقات في إمدادات بعض السلع والخدمات الأساسية، حيث استمع الاجتماع إلى تقدير موقف بشأن تطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وتداعياتها المحتملة على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن. وحذر مجلس القيادة الرئاسي كما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية الحكومية "سبأ"؛ جماعة الحوثي من مغبة استمرارها بزج اليمن وشعبه في الصراعات الإقليمية المدمرة، وحمّلها كامل المسؤولية عن العواقب والتداعيات الوخيمة المترتبة على أي أعمال إضافية متهورة، تنطلق من الأراضي اليمنية، من شأنها إغراق البلاد بمزيد من الأزمات، بما في ذلك مضاعفة عسكرة الممرات المائية، وتهديد الأمن الغذائي، وما تبقى من فرص العيش، ومفاقمة المعاناة الإنسانية للشعب اليمني. ويشكو كثير من التجار والمستوردين من صعوبات وتحديات رافقت تحويل بضائعهم إلى ميناء عدن أو ما زالت عالقة في جيبوتي بسبب عدم جهوزية ميناء الحديدة والتوقعات التي تشير إلى اضطراب محتمل للممرات المائية في البحر الأحمر. يقول التاجر عادل الوردي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ارتباكاً يسود الشحن التجاري إلى اليمن بسبب الوضع الراهن في ميناء الحديدة والبحر الأحمر والذي أدى إلى قيام شركات الشحن بتحويل بضائعهم إلى ميناء عدن الذي لا يبدو مستعداً لاستقبال السفن التجارية التي يتم تحويلها إلى هناك. من جانبه، تحدث هارون الحميري، مسؤول في مكتب للاستيراد والشحن التجاري، لـ"العربي الجديد"، أن هناك مخاوف عديدة من عودة التوتر والحرب إلى البحر الأحمر، الأمر الذي أدى إلى مراجعة كثير من شركات الشحن والتأمين الدولية لعملها في هذه الممرات المائية وهو ما أثر على عملية الشحن التجاري إلى اليمن. ويطالب تجار وسائقي الشاحنات الجهات الحكومية المعنية بالتحرك لمواجهة التكاليف المرتفعة لنقل البضائع، في ظل تصاعد أسعار الوقود وتراجع قيمة العملة المحلية. هذا الأمر أدى إلى تحرك الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري في عدن، التي أصدرت تعميماً يقضي بخفض أجور نقل البضائع من ميناء عدن إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين بنسبة 20%، في مسعى للتخفيف من الأعباء الاقتصادية وتحسين انسيابية حركة الشحن، إذ سيدخل القرار الذي تم اتخاذه بالتنسيق مع السلطة المحلية وممثلي قطاع النقل ونقابة الناقلين؛ حيز التنفيذ اعتباراً من السبت 21 يونيو/ حزيران 2025. ويتضمن الاتفاق كذلك تقليص المدة الزمنية المقررة لعودة الحاويات الفارغة بنسبة 50%، في إطار جهود لتحسين كفاءة سلاسل الإمداد وتسهيل النقل التجاري بين الموانئ والمناطق الداخلية. وارتفعت الأصوات التي تحذر من إمكانية استئناف الحوثيين لهجماتهم ضد ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر، غربي اليمن، في حال توسع الصراع الراهن بين إسرائيل وإيران، أو في حال تجدد التوتر مع عودة الحوثيين لاستهداف إسرائيل إسناداً كما يؤكدون للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وكانت شركة ساري جلوبال العالمية ( SARI Global )، المتخصصة في إدارة الأزمات وتحليل الأمن والعمليات الإنسانية، قد أكدت في تقرير أصدرته، الجمعة 20 يونيو/ حزيران، أن خطوة استئناف الحوثيين لعملياتهم في البحر الأحمر من شأنها إعادة فرض قيود بحرية جزئية على حركة الشحن التجارية العالمية، الأمر الذي سيدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى معاودة ضرباتها العسكرية ضد الجماعة، والتي توقفت في السادس من مايو/أيار الماضي، بموجب اتفاق يقضي بوقف الهجمات المتبادلة بين الجانبين. اليمن اقتصاد التجارة النقل الحكومة