
الرباط تعيد إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات التركية.. شراكة اقتصادية أم تهديد جديد للإنتاج المحلي؟
في تحوّل لافت في المقاربة المغربية للعلاقات التجارية مع تركيا، أعلنت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يوم 19 يونيو/حزيران 2025، عن رفع تدريجي للتدابير الحمائية المفروضة منذ سنة 2020 على مجموعة من الواردات التركية، والعودة إلى تطبيق الامتيازات الجمركية في إطار اتفاق التبادل الحر الموقّع سنة 2004.
وجاء هذا القرار، الذي تضمنته مذكرة رسمية، مرفقاً بملحقين يحددان بدقة المنتجات المعنية بالتخفيض الجمركي، سواء تلك التي تم رفع الرسوم عنها فعلياً، أو التي لا تزال خاضعة لتدابير مؤقتة.
هذه العودة إلى الامتيازات التفضيلية لا تعني انفتاحاً غير مشروط، بل تندرج ضمن منطق التدرّج، حيث تم تصنيف المنتجات بناءً على رمز النظام المنسّق الدولي لسنة 2022، بما يسمح بالحفاظ على الحماية في الصناعات الحساسة، مثل الحديد والصلب والمعدات الثقيلة، مقابل تخفيض الرسوم على قطاعات ذات تأثير محدود على الإنتاج الوطني كالسجاد والنسيج والمفروشات والأجهزة المنزلية.
هذا التوزيع يعكس تقييماً دقيقاً لمستوى التهديد التنافسي الذي تشكّله المنتجات التركية على كل قطاع. وفي هذا الإطار، يوضح عبد النبي أبو العرب، أستاذ التعليم العالي والخبير الاقتصادي، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "المغرب في عام 2020 فرض إجراءات حماية ضد المنتجات التركية، خاصة النسيج، وصلت إلى حوالي 90 في المائة، وكان الهدف هو وقف إغراق السوق المحلية وحماية الصناعات الوطنية. لكن رغم هذه الإجراءات، وبعد خمس سنوات، لا زال العجز التجاري مع تركيا مستمراً، بل وصل سنة 2024 إلى حوالي 27.6 مليار درهم".
انطلاقاً من ذلك، يعتبر الخبير الاقتصادي أن "إجراءات الحماية التي تم اتخاذها كانت إجراءات محدودة الإطار، ولم تُعالج أصل المشكل، والذي يتمثل في ضعف القدرة التصديرية للمملكة المغربية".
ويرى أن جوهر الاختلال لا يكمن في حجم الصادرات التركية، بل في عجز المغرب عن الولوج التنافسي إلى السوق التركية، قائلاً: "فالمشكل ليس في أن تركيا تصدّر حوالي 40 مليار درهم إلى المغرب، ولكن المشكل هو أن المغرب لم يستطع اقتحام السوق التركية بمنتجات وقدرة تصديرية متزايدة تنافس مثيلتها التركية".
ويضيف أبو العرب أن "المغرب يدخل اتفاقيات تبادل تجاري حر وهو غير مستعد"، بسبب غياب الصناعات التنافسية القادرة على الاستفادة من تلك الأسواق، داعياً إلى "ربط الاتفاقيات بمشاريع استثمارية مشتركة تخلق القيمة وتوفّر فرص تصنيع ونقل تكنولوجيا".
من جانبه، يعتبر علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، في تصريح لـ"عربي بوست" أن القرار الجديد لا يأتي بمعزل عن سياق أوسع من المراجعة الاستراتيجية للعلاقات الثنائية.
موضحاً أن "القرار بتجميد الرسوم الجمركية على الواردات التركية يُعد خطوة استراتيجية مهمة، تعكس رغبة المغرب في إعادة تقييم العلاقات التجارية مع تركيا، خاصة بعد خمس سنوات من الإجراءات الحمائية، وهذا القرار يأتي في سياق تحسّن ملحوظ في الصادرات المغربية نحو تركيا، حيث أشارت تقارير إلى ارتفاع الصادرات بنسبة 56 في المائة منذ تعديل اتفاقية التبادل الحر في 2021".
ويتابع الغنبوري قائلاً إن "الخطوة تُترجم أيضاً رغبة المغرب في ترسيخ توازن تجاري، مع الحفاظ على مبدأ 'رابح ـ رابح' الذي تم الاتفاق عليه خلال الدورة السادسة للجنة تتبع تنفيذ اتفاقية التبادل الحر بأنقرة".
وبذلك، فإن قرار إدارة الجمارك لا يُقرأ كتراجع أو تنازل، بل كتمهيد لإعادة هندسة الاتفاق التجاري بما يجعله أكثر مرونة، ورافعة لتحقيق المعادلة الصعبة بين الانفتاح الاقتصادي وحماية النسيج الإنتاجي الوطني.
وكان المغرب قد أصدر قانوناً يحمل رقم 54.20، أُدخل بموجبه تعديل على اتفاقية التبادل الحر المبرمة بين المغرب وتركيا، وقد دخل حيّز التنفيذ في شهر مايو/أيار من سنة 2021، حيث نصّ على فرض رسوم جمركية مؤقتة لمدة خمس سنوات على مجموعة من المنتجات الصناعية التركية، تصل نسبتها إلى 90 في المائة من قيمة الرسوم الجمركية المعمول بها.
كما نصّ القانون على انعقاد اللجنة المشتركة المغربية التركية قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدة الخمس سنوات الأولى، بهدف تقييم فعالية الإجراء المتخذ، وبحث إمكانية تمديده لفترة إضافية من خمس سنوات.
ووفق مقتضيات الاتفاق المعدّل، تقرّر إجراء تقييم سنوي لمستوى المبادلات التجارية الثنائية، مع فتح المجال لإعادة النظر في تطبيق الرسوم، سواء عبر تقليص عدد المنتجات الخاضعة لها أو خفض نسبتها، وذلك بحسب التطورات التي تشهدها العلاقات التجارية بين البلدين.
إعادة التموضع عبر مقاربة "رابح ـ رابح"
في سياق التحول التدريجي الذي يشهده الموقف المغربي من اتفاق التبادل الحر مع تركيا، جاءت زيارة عمر حجيرة، كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، إلى أنقرة يوم 23 يونيو/حزيران 2025، لتُكرّس منهجية إعادة التموضع الذكي داخل الاتفاقية، عوض الانسحاب منها أو المطالبة بتجميدها.
المسؤول المغربي ترأس، إلى جانب نائب وزير التجارة التركي مصطفى توزكو، الدورة السادسة للجنة متابعة تنفيذ الاتفاقية، في لحظة وصفها مراقبون بالمفصلية، بالنظر إلى تراكم العجز التجاري.
اللقاء الثنائي، الذي جرى في إطار دبلوماسي هادئ، أنهى سنوات من التوتر، وخلص إلى بيان مشترك حمل إشارات سياسية واقتصادية قوية، أبرزها التزام الطرفين بـ"تعزيز التعاون الفعّال بهدف رفع حجم التجارة الثنائية، الذي يقترب من 5 مليارات دولار، إلى مستويات أعلى، في إطار مبدأ رابح ـ رابح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصناعات التحويلية في البلدين تُكمل بعضها البعض".
وفي قراءة لهذا التحول، يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب أن المغرب مدعو للضغط على الشريك التركي لقبول وبلورة نموذج آخر من الاتفاقيات التجارية الثنائية، ترتبط بشراكات واستثمارات ومشاريع صناعية واقتصادية هيكلية تروم تحويل التكنولوجيا وتوطين الصناعات التركية، والتعاون من أجل تطوير صناعات محلية تخصّ ثروات وتثمين مقدرات المملكة المغربية، وتستهدف الأسواق الخارجية.
وأشار إلى أن هذا التحول يتطلب "رؤية استراتيجية للمغرب تعتمد على دعم الإنتاج المحلي الموجّه للتصدير وتستهدف جلب الاستثمارات الصناعية التركية"، لافتاً إلى أن "الاقتصاد التركي متقدم في مجموعة من المجالات، خاصة الصناعات العسكرية والميكانيكا والصلب والخدمات والسياحة وغيرها من القطاعات التي حققت فيها تركيا نجاحات على المستوى الدولي".
من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي علي الغنبوري أن القرار المغربي "يعكس رغبة واضحة في تعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا، خاصة بعد الاجتماع الأخير في أنقرة بين عمر حجيرة ونائب وزير التجارة التركي، حيث تم الاتفاق على إنشاء خط اتصال مباشر لحل العوائق التجارية".
وأضاف أن الخطوة المغربية لا تنفصل عن ضغوط دولية لتخفيف القيود التجارية، مذكراً بأن "تركيا سبق أن تقدّمت بشكوى لدى منظمة التجارة العالمية سنة 2016 ضد إجراءات مغربية مشابهة، مما يشير إلى أن المغرب يسعى لتجنّب نزاعات تجارية جديدة".
وإلى جانب هذه المعطيات، يندرج القرار، بحسب الغنبوري، ضمن رؤية استراتيجية أوسع ترتبط بالنموذج التنموي الجديد للمملكة المغربية، الذي يهدف إلى "تعزيز الاندماج في الأسواق العالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية"، ما يفرض تطوير أدوات الشراكة القائمة مع الدول الصديقة، وفي مقدمتها تركيا، وفق منطق متوازن ومربح للطرفين.
وبذلك، يتجه المغرب إلى تجاوز مرحلة الإجراءات الحمائية المؤقتة، نحو مسار إعادة بناء العلاقة التجارية على أسس إنتاجية وهيكلية، تراعي تحولات الاقتصاد العالمي وتخدم أولويات التنمية الوطنية.
العجز التجاري يكشف عمق الاختلال
تشير المعطيات الرسمية الصادرة عن مكتب الصرف المغربي إلى تراجع حاد في وتيرة الاستثمارات التركية المباشرة بالمغرب خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2023، ما يعكس تحوّلاً ملموساً في دينامية العلاقات الاقتصادية الثنائية.
فقد بلغت صافي تدفقات الاستثمارات التركية نحو المغرب سنة 2020 ما مجموعه 314 مليون درهم، أي ما يمثل 2.3 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة. غير أن هذا الزخم بدأ في الانحسار سنة 2021، حيث لم تتجاوز التدفقات 178 مليون درهم، أي بنسبة 0.9 في المائة، ليستمر التراجع سنة 2022 إلى حدود 8 ملايين درهم فقط، أي 0.03 في المائة.
وخلال سنة 2023، بلغ التحول مداه، إذ سجّل المغرب عجزاً صافياً قدره –2 مليون درهم في تدفقات الاستثمار التركي، أي بنسبة –0.02 في المائة، وهو ما يعني أن رؤوس الأموال الخارجة من السوق المغربية فاقت تلك التي تم ضخها من قبل المستثمرين الأتراك.
ويعكس هذا الانحدار تراجعاً تراكمياً بـ316 مليون درهم خلال أربع سنوات فقط، فيما بلغ الفارق بين سنتي 2022 و2023 وحدها ناقص 10 ملايين درهم.
هذا التراجع، وإن لم يُفسَّر رسمياً بعد، قد يحمل دلالات اقتصادية أو سياسية تستدعي إعادة تقييم من الطرفين، خصوصاً في ظل الحديث عن مراجعة أوسع لاتفاق التبادل الحر بين البلدين، ومحاولات تحويله من مجرد إطار تجاري إلى أداة لبناء شراكات إنتاجية واستثمارية متوازنة.
وتُظهر هذه المؤشرات أن العجز مع تركيا لم يعد مجرد رقم سلبي، بل عنواناً لاختلال هيكلي في نمط الانفتاح الاقتصادي المغربي، ما يجعل إصلاحه رهيناً بتغيير جذري في فلسفة التبادل.
وفي هذا الإطار، قدّم عبد النبي أبو العرب تفسيراً هيكلياً لهذا الخلل، قائلاً إن "المملكة يجب عليها أن تعيد فتح إشكالية عدم التوازن التجاري بين البلدين، بمفهوم الرؤية الاستراتيجية ومفهوم الاقتصاد السياسي الذي يجعل الاقتصاد يخدم المصالح الوطنية".
وأضاف أن اتفاقيات التبادل التجاري الحر لا يجب أن تتحوّل إلى مجرد فتح للسوق المغربية وإغراقها بالمنتجات التركية أو الصينية أو غيرها، بل إلى عنصر ارتكاز في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى تحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد استهلاكي يعتمد على الاستيراد إلى اقتصاد يحقق قفزة نهضوية.
وأشار إلى أنه يمكن للمغرب أن يتحول إلى "ملتقى عالمي، من خلال شبكة من الاتفاقيات تجعل الشركات المتعددة الجنسيات والفاعلين الاقتصاديين الدوليين لهم مصلحة فضلى في أن يستوطنوا استثماراتهم وصناعاتهم في المغرب، عوض أن يذهبوا إلى بلدان أخرى".
من التبادل إلى الإنتاج المشترك
لم يعد النقاش بين المغرب وتركيا محصوراً في نسب الرسوم الجمركية ومعدلات الاستيراد، بل انتقل إلى مستوى جديد من التفكير الاستراتيجي، قوامه تحويل العلاقة من منطق التبادل التجاري إلى منطق الإنتاج الصناعي المشترك.
هذا التحول ظهر جلياً في البيان المشترك الصادر عقب الدورة السادسة للجنة متابعة تنفيذ اتفاقية التبادل الحر، المنعقدة بأنقرة في يونيو 2025، والذي أكد على "تعزيز التعاون القائم بشكل أكبر بهدف الوصول إلى الأسواق الخارجية، لا سيما في مجال سلاسل توريد النسيج، من خلال 'الإنتاج المشترك' في القطاع الصناعي التحويلي، للاستفادة من الطاقات الإنتاجية لكلا البلدين".
في هذا السياق، يرى رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي أن آفاق التعاون المغربي التركي تبدو واعدة، لكنها تظل رهينة بمدى نجاعة الاستراتيجيات المُعلنة. وقال بهذا الخصوص: "نتوقع زيادة في حجم المبادلات التجارية، التي بلغت حوالي 5 مليارات دولار في 2024، مع تركيز على تحسين توازن الميزان التجاري، حيث لا يزال العجز التجاري مع تركيا كبيراً، وبلغ 27.6 مليار درهم خلال سنة 2024".
وأشار الغنبوري إلى أن تجميد الرسوم الجمركية قد يُشجع على تدفق الاستثمارات التركية إلى المغرب، خصوصاً في قطاعات واعدة مثل الطاقات المتجددة والصناعات التحويلية، مما من شأنه تعزيز الإنتاج المحلي وتقليص الاعتماد على الواردات.
ولفت إلى الإمكانات الجغرافية التي يمكن أن توظفها المملكة لصالح هذه الشراكة، موضحاً أن "المغرب قادر على استغلال موقعه الاستراتيجي كبوابة للأسواق الإفريقية والأوروبية لتصدير المنتجات المصنّعة بالتعاون مع تركيا، مما يدعم مبدأ رابح ـ رابح".
وفي المقابل، شدد الغنبوري على ضرورة تحصين النسيج الاقتصادي الوطني ضد أي آثار جانبية محتملة، مؤكداً أن "المغرب مطالب بتعزيز تنافسية صناعاته المحلية، خاصة قطاع النسيج، عبر الاستثمار في التكنولوجيا ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، لضمان عدم تأثر السوق المحلي سلباً بإلغاء الرسوم".
وشدد على أن هذا المسار يحمل رهانات كبرى، لكنه يفتح أيضاً أفقاً تحويلياً على المدى البعيد، قائلاً: "إذا نجح المغرب في تنويع صادراته وتطوير شراكات صناعية مع تركيا، يمكن أن يتحول العجز التجاري تدريجياً إلى ميزان أكثر توازناً، مما يعزز مكانة المغرب كشريك تجاري قوي في المنطقة".
ضبط المخاطر وتثبيت المكاسب
رغم الطابع الإيجابي للتحول المغربي في التعامل مع اتفاق التبادل الحر مع تركيا، لا تغيب الهواجس المرتبطة بإعادة تطبيق الامتيازات الجمركية على المنتجات التركية. فالتجربة السابقة، خاصة في قطاع النسيج، أبانت عن هشاشة عدد من المقاولات المغربية أمام منافسة الأسعار وجودة المنتجات التركية، ما يدفع إلى طرح سؤال جوهري: كيف يمكن تحقيق توازن بين الانفتاح وتعزيز الإنتاج المحلي؟
في هذا السياق، يُحذّر علي الغنبوري من المخاطر المحتملة للقرار، قائلاً: "هناك مخاطر يجب أخذها بعين الاعتبار، فإلغاء الرسوم الجمركية قد يعيد شبح الإغراق التركي، خاصة في قطاع النسيج، إذا لم يتم تعزيز القدرات التنافسية للصناعات المحلية".
ويوضح أن استمرار العجز التجاري يمثل تهديداً قائماً، إذ لفت إلى أن "زيادة الواردات التركية دون زيادة مقابلة في الصادرات قد تُعمّق العجز التجاري"، وهو ما يتطلب، وفق رأيه، "مراقبة تدفقات الواردات بعناية، والتأكد من أن المنتجات التركية تخضع لقواعد المنشأ بشكل صارم، لتجنّب تجاوزات مثل إعادة تصدير منتجات صينية عبر تركيا".
ولتفادي هذه الانزلاقات، يشدد الغنبوري على ضرورة التفعيل المؤسساتي للرؤية الجديدة، من خلال "تفعيل اللجان المشتركة بشكل دوري لتقييم آثار القرار وضمان تحقيق الأهداف المشتركة"، مؤكداً أنه "إذا تمت إدارة هذه المخاطر بحكمة، فإن القرار يمكن أن يكون نقطة انطلاق لشراكة اقتصادية أقوى بين المغرب وتركيا".
أما عبد النبي أبو العرب، فيربط نجاح هذا التحول بمطلب جوهري، يتمثل في بناء رؤية وطنية تؤسس لتحول هيكلي، لا مجرد تصحيح ظرفي، إذ قال: "إذا كان الرهان اليوم هو حماية الميزان التجاري، فالسؤال هو من خلال أية رؤية واستراتيجية تضمنان تحويل المغرب من مجرد سوق مفتوحة أمام منتجات مختلف الشركاء الاقتصاديين للمملكة، إلى منصة عالمية تلتقي فيها سلاسل الإنتاج الدولية بما يحقق نقلة نوعية ومتكاملة للاقتصاد الوطني".
وهكذا، فإن الرهان المغربي لم يعد يقتصر على تقليص أرقام العجز أو رفع مؤشرات التصدير، بل بات مُنصبّاً على إعادة تعريف العلاقة التجارية وفق مبدأ "التعاون الاقتصادي المتوازن"، حيث يُنتظر أن تتحول الشراكة مع تركيا من مجرد تبادل غير متكافئ إلى مسار شراكة استراتيجية قائمة على الثقة، والتكافؤ، واستدامة المصالح المتبادلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ 8 ساعات
- بوست عربي
الرباط تعيد إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات التركية.. شراكة اقتصادية أم تهديد جديد للإنتاج المحلي؟
في تحوّل لافت في المقاربة المغربية للعلاقات التجارية مع تركيا، أعلنت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يوم 19 يونيو/حزيران 2025، عن رفع تدريجي للتدابير الحمائية المفروضة منذ سنة 2020 على مجموعة من الواردات التركية، والعودة إلى تطبيق الامتيازات الجمركية في إطار اتفاق التبادل الحر الموقّع سنة 2004. وجاء هذا القرار، الذي تضمنته مذكرة رسمية، مرفقاً بملحقين يحددان بدقة المنتجات المعنية بالتخفيض الجمركي، سواء تلك التي تم رفع الرسوم عنها فعلياً، أو التي لا تزال خاضعة لتدابير مؤقتة. هذه العودة إلى الامتيازات التفضيلية لا تعني انفتاحاً غير مشروط، بل تندرج ضمن منطق التدرّج، حيث تم تصنيف المنتجات بناءً على رمز النظام المنسّق الدولي لسنة 2022، بما يسمح بالحفاظ على الحماية في الصناعات الحساسة، مثل الحديد والصلب والمعدات الثقيلة، مقابل تخفيض الرسوم على قطاعات ذات تأثير محدود على الإنتاج الوطني كالسجاد والنسيج والمفروشات والأجهزة المنزلية. هذا التوزيع يعكس تقييماً دقيقاً لمستوى التهديد التنافسي الذي تشكّله المنتجات التركية على كل قطاع. وفي هذا الإطار، يوضح عبد النبي أبو العرب، أستاذ التعليم العالي والخبير الاقتصادي، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "المغرب في عام 2020 فرض إجراءات حماية ضد المنتجات التركية، خاصة النسيج، وصلت إلى حوالي 90 في المائة، وكان الهدف هو وقف إغراق السوق المحلية وحماية الصناعات الوطنية. لكن رغم هذه الإجراءات، وبعد خمس سنوات، لا زال العجز التجاري مع تركيا مستمراً، بل وصل سنة 2024 إلى حوالي 27.6 مليار درهم". انطلاقاً من ذلك، يعتبر الخبير الاقتصادي أن "إجراءات الحماية التي تم اتخاذها كانت إجراءات محدودة الإطار، ولم تُعالج أصل المشكل، والذي يتمثل في ضعف القدرة التصديرية للمملكة المغربية". ويرى أن جوهر الاختلال لا يكمن في حجم الصادرات التركية، بل في عجز المغرب عن الولوج التنافسي إلى السوق التركية، قائلاً: "فالمشكل ليس في أن تركيا تصدّر حوالي 40 مليار درهم إلى المغرب، ولكن المشكل هو أن المغرب لم يستطع اقتحام السوق التركية بمنتجات وقدرة تصديرية متزايدة تنافس مثيلتها التركية". ويضيف أبو العرب أن "المغرب يدخل اتفاقيات تبادل تجاري حر وهو غير مستعد"، بسبب غياب الصناعات التنافسية القادرة على الاستفادة من تلك الأسواق، داعياً إلى "ربط الاتفاقيات بمشاريع استثمارية مشتركة تخلق القيمة وتوفّر فرص تصنيع ونقل تكنولوجيا". من جانبه، يعتبر علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، في تصريح لـ"عربي بوست" أن القرار الجديد لا يأتي بمعزل عن سياق أوسع من المراجعة الاستراتيجية للعلاقات الثنائية. موضحاً أن "القرار بتجميد الرسوم الجمركية على الواردات التركية يُعد خطوة استراتيجية مهمة، تعكس رغبة المغرب في إعادة تقييم العلاقات التجارية مع تركيا، خاصة بعد خمس سنوات من الإجراءات الحمائية، وهذا القرار يأتي في سياق تحسّن ملحوظ في الصادرات المغربية نحو تركيا، حيث أشارت تقارير إلى ارتفاع الصادرات بنسبة 56 في المائة منذ تعديل اتفاقية التبادل الحر في 2021". ويتابع الغنبوري قائلاً إن "الخطوة تُترجم أيضاً رغبة المغرب في ترسيخ توازن تجاري، مع الحفاظ على مبدأ 'رابح ـ رابح' الذي تم الاتفاق عليه خلال الدورة السادسة للجنة تتبع تنفيذ اتفاقية التبادل الحر بأنقرة". وبذلك، فإن قرار إدارة الجمارك لا يُقرأ كتراجع أو تنازل، بل كتمهيد لإعادة هندسة الاتفاق التجاري بما يجعله أكثر مرونة، ورافعة لتحقيق المعادلة الصعبة بين الانفتاح الاقتصادي وحماية النسيج الإنتاجي الوطني. وكان المغرب قد أصدر قانوناً يحمل رقم 54.20، أُدخل بموجبه تعديل على اتفاقية التبادل الحر المبرمة بين المغرب وتركيا، وقد دخل حيّز التنفيذ في شهر مايو/أيار من سنة 2021، حيث نصّ على فرض رسوم جمركية مؤقتة لمدة خمس سنوات على مجموعة من المنتجات الصناعية التركية، تصل نسبتها إلى 90 في المائة من قيمة الرسوم الجمركية المعمول بها. كما نصّ القانون على انعقاد اللجنة المشتركة المغربية التركية قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدة الخمس سنوات الأولى، بهدف تقييم فعالية الإجراء المتخذ، وبحث إمكانية تمديده لفترة إضافية من خمس سنوات. ووفق مقتضيات الاتفاق المعدّل، تقرّر إجراء تقييم سنوي لمستوى المبادلات التجارية الثنائية، مع فتح المجال لإعادة النظر في تطبيق الرسوم، سواء عبر تقليص عدد المنتجات الخاضعة لها أو خفض نسبتها، وذلك بحسب التطورات التي تشهدها العلاقات التجارية بين البلدين. إعادة التموضع عبر مقاربة "رابح ـ رابح" في سياق التحول التدريجي الذي يشهده الموقف المغربي من اتفاق التبادل الحر مع تركيا، جاءت زيارة عمر حجيرة، كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، إلى أنقرة يوم 23 يونيو/حزيران 2025، لتُكرّس منهجية إعادة التموضع الذكي داخل الاتفاقية، عوض الانسحاب منها أو المطالبة بتجميدها. المسؤول المغربي ترأس، إلى جانب نائب وزير التجارة التركي مصطفى توزكو، الدورة السادسة للجنة متابعة تنفيذ الاتفاقية، في لحظة وصفها مراقبون بالمفصلية، بالنظر إلى تراكم العجز التجاري. اللقاء الثنائي، الذي جرى في إطار دبلوماسي هادئ، أنهى سنوات من التوتر، وخلص إلى بيان مشترك حمل إشارات سياسية واقتصادية قوية، أبرزها التزام الطرفين بـ"تعزيز التعاون الفعّال بهدف رفع حجم التجارة الثنائية، الذي يقترب من 5 مليارات دولار، إلى مستويات أعلى، في إطار مبدأ رابح ـ رابح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصناعات التحويلية في البلدين تُكمل بعضها البعض". وفي قراءة لهذا التحول، يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب أن المغرب مدعو للضغط على الشريك التركي لقبول وبلورة نموذج آخر من الاتفاقيات التجارية الثنائية، ترتبط بشراكات واستثمارات ومشاريع صناعية واقتصادية هيكلية تروم تحويل التكنولوجيا وتوطين الصناعات التركية، والتعاون من أجل تطوير صناعات محلية تخصّ ثروات وتثمين مقدرات المملكة المغربية، وتستهدف الأسواق الخارجية. وأشار إلى أن هذا التحول يتطلب "رؤية استراتيجية للمغرب تعتمد على دعم الإنتاج المحلي الموجّه للتصدير وتستهدف جلب الاستثمارات الصناعية التركية"، لافتاً إلى أن "الاقتصاد التركي متقدم في مجموعة من المجالات، خاصة الصناعات العسكرية والميكانيكا والصلب والخدمات والسياحة وغيرها من القطاعات التي حققت فيها تركيا نجاحات على المستوى الدولي". من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي علي الغنبوري أن القرار المغربي "يعكس رغبة واضحة في تعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا، خاصة بعد الاجتماع الأخير في أنقرة بين عمر حجيرة ونائب وزير التجارة التركي، حيث تم الاتفاق على إنشاء خط اتصال مباشر لحل العوائق التجارية". وأضاف أن الخطوة المغربية لا تنفصل عن ضغوط دولية لتخفيف القيود التجارية، مذكراً بأن "تركيا سبق أن تقدّمت بشكوى لدى منظمة التجارة العالمية سنة 2016 ضد إجراءات مغربية مشابهة، مما يشير إلى أن المغرب يسعى لتجنّب نزاعات تجارية جديدة". وإلى جانب هذه المعطيات، يندرج القرار، بحسب الغنبوري، ضمن رؤية استراتيجية أوسع ترتبط بالنموذج التنموي الجديد للمملكة المغربية، الذي يهدف إلى "تعزيز الاندماج في الأسواق العالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية"، ما يفرض تطوير أدوات الشراكة القائمة مع الدول الصديقة، وفي مقدمتها تركيا، وفق منطق متوازن ومربح للطرفين. وبذلك، يتجه المغرب إلى تجاوز مرحلة الإجراءات الحمائية المؤقتة، نحو مسار إعادة بناء العلاقة التجارية على أسس إنتاجية وهيكلية، تراعي تحولات الاقتصاد العالمي وتخدم أولويات التنمية الوطنية. العجز التجاري يكشف عمق الاختلال تشير المعطيات الرسمية الصادرة عن مكتب الصرف المغربي إلى تراجع حاد في وتيرة الاستثمارات التركية المباشرة بالمغرب خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2023، ما يعكس تحوّلاً ملموساً في دينامية العلاقات الاقتصادية الثنائية. فقد بلغت صافي تدفقات الاستثمارات التركية نحو المغرب سنة 2020 ما مجموعه 314 مليون درهم، أي ما يمثل 2.3 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة. غير أن هذا الزخم بدأ في الانحسار سنة 2021، حيث لم تتجاوز التدفقات 178 مليون درهم، أي بنسبة 0.9 في المائة، ليستمر التراجع سنة 2022 إلى حدود 8 ملايين درهم فقط، أي 0.03 في المائة. وخلال سنة 2023، بلغ التحول مداه، إذ سجّل المغرب عجزاً صافياً قدره –2 مليون درهم في تدفقات الاستثمار التركي، أي بنسبة –0.02 في المائة، وهو ما يعني أن رؤوس الأموال الخارجة من السوق المغربية فاقت تلك التي تم ضخها من قبل المستثمرين الأتراك. ويعكس هذا الانحدار تراجعاً تراكمياً بـ316 مليون درهم خلال أربع سنوات فقط، فيما بلغ الفارق بين سنتي 2022 و2023 وحدها ناقص 10 ملايين درهم. هذا التراجع، وإن لم يُفسَّر رسمياً بعد، قد يحمل دلالات اقتصادية أو سياسية تستدعي إعادة تقييم من الطرفين، خصوصاً في ظل الحديث عن مراجعة أوسع لاتفاق التبادل الحر بين البلدين، ومحاولات تحويله من مجرد إطار تجاري إلى أداة لبناء شراكات إنتاجية واستثمارية متوازنة. وتُظهر هذه المؤشرات أن العجز مع تركيا لم يعد مجرد رقم سلبي، بل عنواناً لاختلال هيكلي في نمط الانفتاح الاقتصادي المغربي، ما يجعل إصلاحه رهيناً بتغيير جذري في فلسفة التبادل. وفي هذا الإطار، قدّم عبد النبي أبو العرب تفسيراً هيكلياً لهذا الخلل، قائلاً إن "المملكة يجب عليها أن تعيد فتح إشكالية عدم التوازن التجاري بين البلدين، بمفهوم الرؤية الاستراتيجية ومفهوم الاقتصاد السياسي الذي يجعل الاقتصاد يخدم المصالح الوطنية". وأضاف أن اتفاقيات التبادل التجاري الحر لا يجب أن تتحوّل إلى مجرد فتح للسوق المغربية وإغراقها بالمنتجات التركية أو الصينية أو غيرها، بل إلى عنصر ارتكاز في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى تحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد استهلاكي يعتمد على الاستيراد إلى اقتصاد يحقق قفزة نهضوية. وأشار إلى أنه يمكن للمغرب أن يتحول إلى "ملتقى عالمي، من خلال شبكة من الاتفاقيات تجعل الشركات المتعددة الجنسيات والفاعلين الاقتصاديين الدوليين لهم مصلحة فضلى في أن يستوطنوا استثماراتهم وصناعاتهم في المغرب، عوض أن يذهبوا إلى بلدان أخرى". من التبادل إلى الإنتاج المشترك لم يعد النقاش بين المغرب وتركيا محصوراً في نسب الرسوم الجمركية ومعدلات الاستيراد، بل انتقل إلى مستوى جديد من التفكير الاستراتيجي، قوامه تحويل العلاقة من منطق التبادل التجاري إلى منطق الإنتاج الصناعي المشترك. هذا التحول ظهر جلياً في البيان المشترك الصادر عقب الدورة السادسة للجنة متابعة تنفيذ اتفاقية التبادل الحر، المنعقدة بأنقرة في يونيو 2025، والذي أكد على "تعزيز التعاون القائم بشكل أكبر بهدف الوصول إلى الأسواق الخارجية، لا سيما في مجال سلاسل توريد النسيج، من خلال 'الإنتاج المشترك' في القطاع الصناعي التحويلي، للاستفادة من الطاقات الإنتاجية لكلا البلدين". في هذا السياق، يرى رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي أن آفاق التعاون المغربي التركي تبدو واعدة، لكنها تظل رهينة بمدى نجاعة الاستراتيجيات المُعلنة. وقال بهذا الخصوص: "نتوقع زيادة في حجم المبادلات التجارية، التي بلغت حوالي 5 مليارات دولار في 2024، مع تركيز على تحسين توازن الميزان التجاري، حيث لا يزال العجز التجاري مع تركيا كبيراً، وبلغ 27.6 مليار درهم خلال سنة 2024". وأشار الغنبوري إلى أن تجميد الرسوم الجمركية قد يُشجع على تدفق الاستثمارات التركية إلى المغرب، خصوصاً في قطاعات واعدة مثل الطاقات المتجددة والصناعات التحويلية، مما من شأنه تعزيز الإنتاج المحلي وتقليص الاعتماد على الواردات. ولفت إلى الإمكانات الجغرافية التي يمكن أن توظفها المملكة لصالح هذه الشراكة، موضحاً أن "المغرب قادر على استغلال موقعه الاستراتيجي كبوابة للأسواق الإفريقية والأوروبية لتصدير المنتجات المصنّعة بالتعاون مع تركيا، مما يدعم مبدأ رابح ـ رابح". وفي المقابل، شدد الغنبوري على ضرورة تحصين النسيج الاقتصادي الوطني ضد أي آثار جانبية محتملة، مؤكداً أن "المغرب مطالب بتعزيز تنافسية صناعاته المحلية، خاصة قطاع النسيج، عبر الاستثمار في التكنولوجيا ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، لضمان عدم تأثر السوق المحلي سلباً بإلغاء الرسوم". وشدد على أن هذا المسار يحمل رهانات كبرى، لكنه يفتح أيضاً أفقاً تحويلياً على المدى البعيد، قائلاً: "إذا نجح المغرب في تنويع صادراته وتطوير شراكات صناعية مع تركيا، يمكن أن يتحول العجز التجاري تدريجياً إلى ميزان أكثر توازناً، مما يعزز مكانة المغرب كشريك تجاري قوي في المنطقة". ضبط المخاطر وتثبيت المكاسب رغم الطابع الإيجابي للتحول المغربي في التعامل مع اتفاق التبادل الحر مع تركيا، لا تغيب الهواجس المرتبطة بإعادة تطبيق الامتيازات الجمركية على المنتجات التركية. فالتجربة السابقة، خاصة في قطاع النسيج، أبانت عن هشاشة عدد من المقاولات المغربية أمام منافسة الأسعار وجودة المنتجات التركية، ما يدفع إلى طرح سؤال جوهري: كيف يمكن تحقيق توازن بين الانفتاح وتعزيز الإنتاج المحلي؟ في هذا السياق، يُحذّر علي الغنبوري من المخاطر المحتملة للقرار، قائلاً: "هناك مخاطر يجب أخذها بعين الاعتبار، فإلغاء الرسوم الجمركية قد يعيد شبح الإغراق التركي، خاصة في قطاع النسيج، إذا لم يتم تعزيز القدرات التنافسية للصناعات المحلية". ويوضح أن استمرار العجز التجاري يمثل تهديداً قائماً، إذ لفت إلى أن "زيادة الواردات التركية دون زيادة مقابلة في الصادرات قد تُعمّق العجز التجاري"، وهو ما يتطلب، وفق رأيه، "مراقبة تدفقات الواردات بعناية، والتأكد من أن المنتجات التركية تخضع لقواعد المنشأ بشكل صارم، لتجنّب تجاوزات مثل إعادة تصدير منتجات صينية عبر تركيا". ولتفادي هذه الانزلاقات، يشدد الغنبوري على ضرورة التفعيل المؤسساتي للرؤية الجديدة، من خلال "تفعيل اللجان المشتركة بشكل دوري لتقييم آثار القرار وضمان تحقيق الأهداف المشتركة"، مؤكداً أنه "إذا تمت إدارة هذه المخاطر بحكمة، فإن القرار يمكن أن يكون نقطة انطلاق لشراكة اقتصادية أقوى بين المغرب وتركيا". أما عبد النبي أبو العرب، فيربط نجاح هذا التحول بمطلب جوهري، يتمثل في بناء رؤية وطنية تؤسس لتحول هيكلي، لا مجرد تصحيح ظرفي، إذ قال: "إذا كان الرهان اليوم هو حماية الميزان التجاري، فالسؤال هو من خلال أية رؤية واستراتيجية تضمنان تحويل المغرب من مجرد سوق مفتوحة أمام منتجات مختلف الشركاء الاقتصاديين للمملكة، إلى منصة عالمية تلتقي فيها سلاسل الإنتاج الدولية بما يحقق نقلة نوعية ومتكاملة للاقتصاد الوطني". وهكذا، فإن الرهان المغربي لم يعد يقتصر على تقليص أرقام العجز أو رفع مؤشرات التصدير، بل بات مُنصبّاً على إعادة تعريف العلاقة التجارية وفق مبدأ "التعاون الاقتصادي المتوازن"، حيث يُنتظر أن تتحول الشراكة مع تركيا من مجرد تبادل غير متكافئ إلى مسار شراكة استراتيجية قائمة على الثقة، والتكافؤ، واستدامة المصالح المتبادلة.


بوست عربي
منذ 4 أيام
- بوست عربي
منتجاتهم منبوذة.. اتساع مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا، فلماذا لم تعد بضائعهم مرحّباً بها؟
تشهد الأسواق الأوروبية اتجاهاً متزايداً لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وخاصةً الزراعية منها، جراء استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة، واتساع نطاق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي من جانب الاحتلال. ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مزارعين ومُصدّرين إسرائيليين شهادات تكشف اتساع نطاق مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا، وحتى في ألمانيا التي تُعد حليفاً مقرّباً لتل أبيب، وعادةً ما تدعم إسرائيل وتتجنب المقاطعة العلنية. يأتي ذلك، بينما قررت شركة "كو-أوب" "Co-op"، إحدى أكبر سلاسل المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة، التوقف عن استيراد السلع من إسرائيل ودول أخرى تقول إنها تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني. ⛔️ رئيس وزراء إسبانيا: سأدعو #أوروبا اليوم إلى تعليق اتفاقية الشراكة مع #إسرائيل فوراً، وعلى الاتحاد أن يتحرك لمواجهة انتهاكات تل أبيب. ▪️ لا معنى لفرض 17 حزمة من العقوبات على روسيا، بينما لا نفعل ذلك مع إسرائيل. ▪️ أوروبا تطبّق معايير مزدوجة، وهي غير قادرة حتى على تعليق… — عربي بوست (@arabic_post) June 26, 2025 وأعلنت شركة "كو-وب"، التي تدير نحو 2300 متجر بقالة في المملكة المتحدة، أنها ستتوقف عن استيراد نحو 100 منتج، بما في ذلك الجزر الإسرائيلي. وكان أعضاء الشركة قد صوتوا على إزالة المنتجات الإسرائيلية من رفوفها الشهر الماضي. وأيّد نحو 73% من أعضاء شركة "كو-وب" الاقتراح غير الملزم، الذي دعا الشركة إلى إظهار الشجاعة الأخلاقية والقيادة من خلال حظر المنتجات الإسرائيلية. واستشهد القرار باقتراح سابق تم تمريره في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، لمقاطعة المنتجات الروسية. مقاطعة المنتجات الإسرائيلية: حتى في ألمانيا لا يريدون الشراء ولا تقتصر مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا على المملكة المتحدة حالياً، بل تمتد لتشمل دولاً أوروبية عديدة من بينها النرويج وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا، وفق ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن مُصدرين ومزارعين إسرائيليين. وقالت الصحيفة: "يُلمس رد فعل سلبي من جانب كبار تجار التجزئة، مثل ويتروز في المملكة المتحدة، وألدي في ألمانيا، وحتى في أماكن بعيدة كاليابان". ونقلت الصحيفة عن أحد مُصدّري البطاطس، لم تُسمّه، قوله: "خلال الأسبوعين الماضيين، سمعنا أصواتاً أعلى تدعو إلى المقاطعة في ألمانيا، وهذا أمر جديد. ومنذ ستة أسابيع، تبذل ألدي قصارى جهدها لتجنب الشراء منا". كما نقلت عن مزارع إسرائيلي آخر لم تُسمّه: "نبيع لشركات التعبئة والتغليف، التي تقوم بدورها بوضع علامات تجارية على منتجاتنا وتوزيعها على المتاجر الكبرى". وأردف: "قال لي أحد عمال التعبئة والتغليف الألمان: أحبكم وأحتاج إلى منتجاتكم، لكن المشتري من بائع التجزئة أخبرني أنه من الصعب وضع منتجات إسرائيلية على الأرفف عندما يكون عنوان الصحيفة 'إبادة جماعية'". وزاد المزارع: "مع ذلك، التزم الألمان بجداول مشترياتهم حتى الآن". بدوره، قال عوفر ليفين، وهو مُصدّر زراعي إسرائيلي، للصحيفة: "شهدنا تحولاً كبيراً في المشاعر ضدنا في ألمانيا في الأسابيع الأخيرة". وأرجع هذا التحول إلى "الرأي العام حول حرب غزة. نقترب من نهاية موسم مبيعاتنا هناك، وقد أُبلغنا بشكل غير مباشر أن ألدي لن تبيع منتجاتنا بعد الآن". واستطرد: "رسمياً، يقولون إن السبب هو وجود منتجات محلية طازجة الآن، ولكن عند البحث بعمق، يتضح أن الأمر سياسي. قررت ألدي التوقف عن بيع البضائع الإسرائيلية". وحسب ليفين، فإن المقاطعة بدأت في بلجيكا، حيث تُلزم لوائح وضع العلامات التجارية في الاتحاد الأوروبي تجار التجزئة بوضع علامة على الأرفف توضح بلد المنشأ، مما دفع المستهلكين إلى رفض المنتجات الإسرائيلية. وعندما سُئل عمّا إذا كانت دول أخرى تنضم إلى المقاطعة، أجاب ليفين: "في السويد، لم تشترِ جمعية المزارعين المنتجات الإسرائيلية منذ خمس سنوات تقريباً". وزاد: "النرويج لم تعد تشتري من إسرائيل على الإطلاق. منذ العام الماضي، أُغلقت الحدود فعلياً أمام بضائعنا، وهذا التوجه آخذ في الازدياد في جميع أنحاء أوروبا". وأضاف: "أكبر زبون لبطاطسنا هي ألمانيا، لقد أخبروني بالفعل أنه إذا استمر هذا الوضع حتى العام المقبل، فقد لا نتمكن من بدء الموسم القادم معكم. وهذه ألمانيا، إحدى أكثر الدول دعماً لإسرائيل". وقال أحد مُسوّقي الفاكهة، الذي يُصدّر أيضاً الأفوكادو والحمضيات والفلفل إلى سلاسل "كو-أوب" البريطانية عبر وسطاء في دول أوروبا الغربية: "نسمع من جميع عملائنا أن الوضع سيزداد تعقيداً. نسمع هذا منذ عام، ومع مرور الوقت واستمرار تواتر الأخبار من غزة، سيزداد الوضع صعوبة". وأضاف: "أخبرنا أحد الزبائن اليابانيين بضرورة توخي الحذر بشأن شحن المنتجات الإسرائيلية إلى بلاده، إذ إن النظرة السائدة للسلع الإسرائيلية في المجتمع الياباني أصبحت إشكالية". محادثات أوروبية لإنهاء التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية وتتزامن مقاطعة المتاجر الأوروبية للمنتجات الإسرائيلية مع جهود رسمية على مستوى الحكومات لوقف التجارة مع إسرائيل، حيث أظهرت رسالة اطّلعت عليها رويترز قبل عدة أيام أن تسع دول في الاتحاد الأوروبي دعت المفوضية الأوروبية إلى تقديم مقترحات بشأن كيفية وقف تجارة الاتحاد الأوروبي مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووقّع على الرسالة الموجّهة إلى كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وزراء خارجية بلجيكا وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ وبولندا والبرتغال وسلوفينيا وإسبانيا والسويد. ويُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ يُمثّل حوالي ثلث إجمالي تجارتها من البضائع. وبلغت قيمة تجارة البضائع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل 42.6 مليار يورو (48.91 مليار دولار) العام الماضي، على الرغم من أنه لم يتضح مقدار ما يتعلّق بالمستوطنات من هذه التجارة. وأشار الوزراء إلى رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري الصادر في يوليو/تموز 2024، الذي نصّ على أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والمستوطنات هناك غير قانوني. وذكر الرأي الاستشاري أن على الدول اتخاذ خطوات لمنع العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي تُسهم في الحفاظ على الوضع القائم. وكتب الوزراء: "لم نرَ اقتراحاً لبدء مناقشات حول كيفية وقف تجارة البضائع والخدمات مع المستوطنات غير القانونية بشكل فعّال". وأضافوا: "نحن بحاجة إلى أن تضع المفوضية الأوروبية مقترحات لتدابير ملموسة لضمان امتثال الاتحاد الأوروبي للالتزامات التي حدّدتها المحكمة". حملات مقاطعة أخرى ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت الدعوات الشعبية والرسمية لمقاطعة المنتجات والبضائع الإسرائيلية، بجانب مقاطعة الشركات المتواطئة مع جيش الاحتلال الذي يرتكب ابادة جماعية في القطاع الفلسطيني المحاصر. وبجانب هذه الدعوات الشعبية، تبنت حكومات غربية تشريعات تحظر التعامل التجاري مع المستوطنات الإسرائيلية. وفي 27 مايو/أيار الماضي، أعلن مجلس الوزراء الأيرلندي رسمياً دعمه لصياغة تشريع يتعلق بتقييد التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورغم أن التعاملات التجارية بين أيرلندا والمستوطنات الإسرائيلية محدودة للغاية، أوضح رئيس الوزراء، مايكل مارتن، أن هذه "خطوة رمزية" تأتي في أعقاب اعتراف أيرلندا الرسمي العام الماضي بدولة فلسطينية، إلى جانب عدد صغير من الدول الأوروبية الأخرى. وقال وزير الخارجية، سايمون هاريس، إن مشروع القانون، الذي سيحظر استيراد السلع من المستوطنات، سيخضع للنقاش من قبل لجنة برلمانية في الأسابيع المقبلة. ومن المقرر بعد ذلك أن يخضع مشروع القانون النهائي للتدقيق البرلماني قبل التصويت عليه في مجلسي الشيوخ والنواب، ومن المرجح أن يتم ذلك في وقت لاحق من هذا العام. وفي أسبانيا، أقر البرلمان، الثلاثاء 27 مايو/أيار، اقتراحاً غير ملزم يدعو الحكومة إلى فرض حظر على الأسلحة على إسرائيل، رداً على حربها في غزة. وتمت الموافقة على الاقتراح، الذي قدّمه تحالف سومار اليساري، وهو جزء من الائتلاف الحاكم، إلى جانب أحزاب المعارضة بوديموس واليسار الجمهوري في كتالونيا (ERC)، بأغلبية 176 صوتاً مقابل 171، حسبما ذكرت صحيفة "إل باييس". وصوّت حزب الشعب المحافظ وحزب "فوكس" اليميني المتطرف ضد الاقتراح، بينما أيدته جميع الأحزاب الأخرى. كما دعت اثنتان من أكبر اتحادات نقابات عمال النفط في البرازيل الحكومة، في نهاية مايو/أيار الماضي، إلى فرض حظر على الطاقة على إسرائيل.


بوست عربي
منذ 5 أيام
- بوست عربي
إسرائيل تحصي خسائرها.. هذا ما فعلته صواريخ إيران الباليستية باقتصاد تل أبيب
ألحقت الحرب التي بدأتها تل أبيب بشن هجوم ضد إيران، والتي امتدت 12 يوماً، خسائر فادحة باقتصاد إسرائيل، وباتت البلاد تواجه عواقب وخيمة على الصعيدين المدني والاقتصادي وسط تقديرات بأن تبلغ تكلفة الأضرار التي لحقت بالممتلكات حوالي 5 مليار شيكل (حوالي 1.4 مليار دولار). وشملت الكلفة التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي خسائر في الممتلكات وتراجعاً في النشاط الاقتصادي ومطالبات التعويض عن الأضرار المادية المباشرة، جراء سقوط الصواريخ الإيرانية الباليستية داخل المدن والبلدات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفق وسائل إعلام عبرية. وتضع هذه التكاليف والخسائر الاقتصاد الإسرائيلي أمام تحديات صعبة، خاصة في ظل استمرار الحرب على غزة، والتي كلفت الاحتلال حوالي 40 مليار دولار حتى نهاية عام 2024 فقط، فيما تلقت قطاعات عديدة، وفي مقدمتها البناء والسياحة والطيران، خسائر فادحة أيضاً منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. 🎥- هتافات 'الموت #لأمريكا … الموت #لإسرائيل ' في البرلمان الإيراني، عقب التصويت على قانون قطع العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ردًا على العدوان الذي استهدف المنشآت #النووية #الإيرانية — عربي بوست (@arabic_post) June 25, 2025 نستعرض في هذا التقرير أبرز الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها إسرائيل خلال 12 يوماً من الحرب مع إيران، والتي وضعت أوزارها، الثلاثاء 24 يونيو/حزيران، بعدما توصل الجانبان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة أمريكية قطرية. أولاً: 39 ألف طلب للتعويض عن أضرار مادية تلقى صندوق التعويضات في سلطة الضرائب الإسرائيلية نحو 39 ألف طلب للتعويض عن أضرار مادية مباشرة، جراء سقوط صواريخ إيرانية داخل إسرائيل، وفق إعلام عبري. وبحسب صحيفة كالكاليست الاقتصادية العبرية، تلقى صندوق التعويضات حوالي 38 ألفاً و700 طلب تعويض منذ بداية الحرب الإسرائيلية الإيرانية في 13 يونيو/حزيران الجاري. ونقلت الصحيفة عن الصندوق أن بين تلك الطلبات 30 ألفاً و809 طلبات تعويض عن أضرار لحقت بمبانٍ مباشرة، و3713 طلباً عن أضرار بمركبات، و4085 طلباً عن أضرار بمعدات وغيرها. وتابعت: "هناك تقديرات بتضرر آلاف المباني الأخرى، ولم تُقدَّم أي طلبات تعويض عنها حتى الآن". من جانبه، أفاد الموقع الإلكتروني "بحديري حريديم" العبري، الثلاثاء 24 يونيو/حزيران، بأن أكثر من 24 ألفاً و932 طلباً تم تقديمها في مدينة تل أبيب (وسط) وحدها، تليها مدينة أشكلون (عسقلان/جنوب) 10 آلاف و793 طلباً. ووفقاً للهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ الإسرائيلية، فقد أكثر من 11 ألف ساكن منازلهم، وتم إجلاء حوالي 10,400 منهم إلى الفنادق، بينما يقيم الباقون مع أقاربهم. وإجمالاً، تضررت أكثر من 30 ألف وحدة سكنية، ومن المقرر هدم حوالي ثلثها بالكامل. وتُقدَّر تكلفة الأضرار التي لحقت بالممتلكات بنحو أربعة مليارات شيكل، وسط توقعات بأن التكلفة النهائية ستتجاوز 5 مليارات شيكل (1.4 مليار دولار)، أي ضعف تكلفة الأضرار المباشرة جراء الحرب على غزة، والتي بلغت حوالي 2.6 مليار شيكل (750 مليون دولار)، بحسب القناة 13 العبرية. وقال شاي أهرونوفيتش، مدير سلطة الضرائب، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء 24 يونيو/حزيران: "هذه تحديات لم نشهدها من قبل. لم يسبق أن شهد تاريخ دولة إسرائيل مثل هذا القدر من الضرر". ثانياً: تكاليف غير مباشرة أضفت المواجهة العسكرية مع طهران مزيداً من الضغوط على الاقتصاد الإسرائيلي، وسط مؤشرات على تباطؤ الاستثمارات وتراجع حركة التجارة والسياحة، فضلاً عن تذبذب أداء سوق المال وتزايد التكاليف الأمنية، وفق تقرير لوكالة الأناضول. وقال أستاذ العلوم المالية في الجامعة العربية الأمريكية في فلسطين، نصر عبد الكريم، للأناضول، إنه بجانب تكاليف الذخائر العسكرية المستخدمة وتعطل حركات الطيران واعتراض الصواريخ الإيرانية، توجد تكاليف غير مباشرة. وأرجع هذه التكاليف إلى تعطل الحياة الإنتاجية تقريباً، واضطرار معظم السكان للدخول إلى الملاجئ أكثر من مرة يومياً، ما يحدث نوعاً من التقطع في الإنتاج محلياً. عبد الكريم رأى أن الحكومة الإسرائيلية أمام ثلاثة خيارات لمواجهة العجز المالي: "إما خفض النفقات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم، ما قد يثير احتجاجات شعبية بين الفئات المتضررة، أو رفع الضرائب". واستطرد: "أو اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، ما قد يدفع نسبة الدين العام لتتجاوز 75% من الناتج المحلي، وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ إسرائيل". ثالثاً: الشيكل وحول تأثير الحرب على الأسواق المالية، قال عبد الكريم إن الشيكل الإسرائيلي أظهر قدراً من التماسك، حيث عاد إلى مستويات ما قبل الحرب عند 3.50 مقابل الدولار، بعد أن تراجع إلى 3.70 مع بدء الضربات الإيرانية. وأرجع أمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، نصر عطياني، استقرار الشيكل الإسرائيلي في الأيام الأولى من الحرب بشكل رئيسي إلى التدخل المباشر لبنك إسرائيل المركزي. ولفت إلى أن البنك ضخ نحو 8.5 مليارات دولار في سوق الصرف، لدعم الشيكل مع بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأوضح عطياني للأناضول أن هذا التدخل ساهم في الحفاظ على تماسك الشيكل مقابل الدولار وباقي العملات الأجنبية، رغم الضغوط الناتجة عن تصاعد التوترات الأمنية وانعكاساتها على الأسواق. وأردف أن "الشيكل لم يُظهر حتى الآن تذبذباً كبيراً في قيمته، لكن استمرار استقراره مرهون بقدرة الحكومة على مواصلة دعمه، وهو أمر يضع عبئاً مالياً متزايداً". عطياني رأى أن الحفاظ على استقرار الشيكل يُعد أولوية قصوى لصُنّاع القرار في إسرائيل، لكونه العملة الوطنية التي تُقَيَّم بها معظم الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك الأسعار والأجور والمعاملات التجارية. وشدد على أن أي انهيار في قيمته قد يؤدي إلى اضطرابات تضخمية أوسع تؤثر على الاقتصاد الكلي. ورداً على الهجوم الإسرائيلي، استهدفت إيران البنية التحتية الحيوية في إسرائيل، وفي مقدمتها مدينة حيفا، رئة الاقتصاد الإسرائيلي. وزاد ذلك من الضغوط، إذ أسفرت تلك الهجمات عن توقف مصفاة "بازان" لتكرير النفط، وهي أكبر مصفاة نفط إسرائيلية، ما كبّد اقتصاد البلاد 3 ملايين دولار يومياً، حسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية. كما طالت هجمات طهران مطار بن غوريون قرب تل أبيب (وسط)، ما أدى إلى إغلاقه طوال فترة الحرب، مما يُنذر بمزيد من الخسائر في مطار تستقبل وتُقلع منه نحو 300 رحلة طيران، بمعدل 35 ألف مسافر يومياً. وتزامن إغلاق المطار مع نقل شركة "إلعال" للطيران الحكومية الإسرائيلية 48 طائرة إلى قبرص واليونان والولايات المتحدة (خشية استهدافها)، ما قد يترتب عليه تحمّل تكاليف تشغيلية تُقدَّر بنحو 6 ملايين دولار. كما أن أسواق المال لم تكن بمنأى عن تداعيات التصعيد العسكري، إذ طالت الصواريخ الإيرانية بورصة الألماس الإسرائيلية، في وقت سجلت فيه صادرات البلاد من الماس تراجعاً بنسبة 35% على أساس سنوي خلال عام 2024. وتشكل هذه الصناعة 8% من إجمالي صادرات إسرائيل، حسب معهد الماس الإسرائيلي. واعتبر عطياني أن مثل هذه الضربات "تثير ذعراً بين المستثمرين، وتدفع المساهمين إلى الانسحاب وبيع أسهمهم بشكل جماعي، ما يُسرّع وتيرة الانهيار ويُهدد الاستقرار الاقتصادي على المدى القريب، ويُلقي بظلاله على مستويات الاستثمار والتشغيل والنمو". ورأى أن تحول الحرب إلى استهداف البنية الاقتصادية والمدنية يعكس خروج النزاع عن الطابع العسكري البحت، ليدخل في مرحلة جديدة تستهدف الأعمدة المالية والاقتصادية للدولة. وأوضح عطياني أن ذلك يضع الاقتصاد الإسرائيلي أمام تحديات مضاعفة، تتطلب إجراءات عاجلة لإعادة بناء الثقة واستقرار التداول والحركة النقدية. حذرت وزارة الطاقة الإسرائيلية، الأربعاء 25 يونيو/حزيران، من "نقص وشيك" في غاز الطهي بعد تضرر مصفاة بازان في حيفا شمال إسرائيل، إثر الهجمات الصاروخية الإيرانية رداً على هجمات تل أبيب. وكانت إسرائيل أقرت بأن صاروخاً أطلق من إيران سبب أضراراً كبيرة لمصفاة بازان التي تعد المصدر الرئيسي للغاز المسال في السوق المحلية الإسرائيلية. ونقلت صحيفة كالكاليست عن وزارة الطاقة تحذيرها من أن "الأضرار الجسيمة التي لحقت بمصفاة بازان الأسبوع الماضي، والتي أدت إلى إغلاق جميع الأنشطة في المصفاة، يمكن أن تتسبب في نقص حاد في الغاز الهيدروكربوني المكثف، وغاز البترول المسال (يستخدم في الطهي والوقود وقطاع الصناعة)". وأشارت الصحيفة إلى أن التحذير جاء في رسالة وجهتها الوزارة إلى مديري شركات الغاز في إسرائيل. وأضافت: "نتيجة لذلك، أصدرت الوزارة إجراء لتحديد أولويات توزيع الغاز المسال بين مختلف المستهلكين في حالة حدوث نقص". ولفتت إلى أن الأولوية في الإمداد بالغاز ستمنح للمستشفيات والمغاسل التي تخدم المستشفيات ودور رعاية المسنين ومرافق المعيشة المساعدة والمخابز ومصانع المواد الغذائية والملاجئ ومصانع التصنيع الأساسية. يأتي المستهلكون المحليون سواء في مخازن الغاز المركزي في المباني أو في أسطوانات الغاز في آخر ترتيب أولوية الحصول على الغاز، وفق الصحيفة. وقالت: "في حالة وجود نقص فعلي في غاز البترول المسال، ستحصل الفئة الأولى في الأولية على ما يصل إلى 60% من الطلب بشكل روتيني، أما الأولوية الثانية فهي السجون وأقفاص الدجاج والمفرخات والفنادق وخدمات تقديم الطعام الذين سيحصلون على ما يصل إلى 30 في المئة". ونقلت "كالكاليست" عن وزير الطاقة إيلي كوهين قوله إن عودة مصفاة بازان للعمل ستستغرق حوالي شهر، حتى تتمكن المنشأة من العودة بكميات تلبي جميع احتياجات الاقتصاد المحلي.