logo
هجرة الحق

هجرة الحق

جريدة الرؤيةمنذ 14 ساعات
نعيمة السعدية
ها قد أقبلت سنة هجرية جديدة في حلة دينية مباركة تذكرنا بشخصية عظيمة قدمت حياتها فداءً لنشر الدين الإسلامي، وكان لها الأثر في بناء الحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين.. شخصية لها صولات وجولات في ميدان الدعوة الإسلامية التي استمرت طويلًا على مدار عقدين ونيف من الزمن؛ فقد تحمل رسولنا الكريم أقسى أنواع العذاب من قِبل قومه وأشدها في بدايتها.
وكان اشتداد هذا العذاب من أهم الأسباب التي دفعته إلى الهجرة إلى يثرب التي سميت بالمدينة المنورة بعد ذلك؛ فلما اشتد العذاب على المسلمين في مكة بعد البيعة الثانية أذِن النبي لأصحابه بالهجرة إلى المدينة واللحاق بإخوانهم الأنصار.
وتعد الهجرة النبوية حدثًا تاريخيًا وذكرى عند المسلمين، وقد اتُخذت بداية للتقويم الهجري. كما كانت خطوة مهمة نحو تأسيس دولة إسلامية في المدينة المنورة قادرة على توسيع نطاق الدعوة الإسلامية وحماية المسلمين الذين فروا لاجئين من أجل المحافظة على دينهم الإسلامي، كما مثلت نقطة تحول في حياة الدولة الإسلامية؛ فقد ساعدت على ترسيخ قواعد الأمة الإسلامية في العالم، وذلك بنشر الإسلام في أرجاء العالم من ذلك قوله تعالى: "
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
" (الأنبياء: 107).
إن حادثة الهجرة النبوية غيرت مجرى التاريخ تغييرًا عظيمًا كان له أثر قوي في حياة البشرية جمعاء؛ فالمتأمل في أحداثها يجد العديد من الدروس المستفادة والعِبر التي ينبغي للمسلم الاستلهام منها لواقع حياته؛ فقد جسَّدت الهجرة النبوية أصولًا إيمانية في نفوس المسلمين الذين اضطهدوا في مكة منها: التوكل على الله، والصبر على مواجهة الصعاب، والتحديات العنيفة التي تعرضوا لها بمعية رسول الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام، والتضحية وهي من أعظم الدروس، فقد ضحَّى النبي لنُصرة دينه وترك داره وبلده التي ترعرع فيها وأهله وعشيرته، كما إن المسلمين قدموا تضحيات كثيرة جبارة في سبيل الله تعالى من أجل نشر الدعوة الإسلامية؛ فقد تركوا أموالهم وديارهم في مكة مهاجرين إلى مكان يأويهم ويكون آمنًا لهم من الأذى الشديد الذي واجهوه من قومهم آنذاك مساندةً لرسول الأمة الأعظم وحبًا له.
يقول الحق تبارك وتعالى: "
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
" (التوبة: 40). صدق الله العظيم.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هجرة الحق
هجرة الحق

جريدة الرؤية

timeمنذ 14 ساعات

  • جريدة الرؤية

هجرة الحق

نعيمة السعدية ها قد أقبلت سنة هجرية جديدة في حلة دينية مباركة تذكرنا بشخصية عظيمة قدمت حياتها فداءً لنشر الدين الإسلامي، وكان لها الأثر في بناء الحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين.. شخصية لها صولات وجولات في ميدان الدعوة الإسلامية التي استمرت طويلًا على مدار عقدين ونيف من الزمن؛ فقد تحمل رسولنا الكريم أقسى أنواع العذاب من قِبل قومه وأشدها في بدايتها. وكان اشتداد هذا العذاب من أهم الأسباب التي دفعته إلى الهجرة إلى يثرب التي سميت بالمدينة المنورة بعد ذلك؛ فلما اشتد العذاب على المسلمين في مكة بعد البيعة الثانية أذِن النبي لأصحابه بالهجرة إلى المدينة واللحاق بإخوانهم الأنصار. وتعد الهجرة النبوية حدثًا تاريخيًا وذكرى عند المسلمين، وقد اتُخذت بداية للتقويم الهجري. كما كانت خطوة مهمة نحو تأسيس دولة إسلامية في المدينة المنورة قادرة على توسيع نطاق الدعوة الإسلامية وحماية المسلمين الذين فروا لاجئين من أجل المحافظة على دينهم الإسلامي، كما مثلت نقطة تحول في حياة الدولة الإسلامية؛ فقد ساعدت على ترسيخ قواعد الأمة الإسلامية في العالم، وذلك بنشر الإسلام في أرجاء العالم من ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " (الأنبياء: 107). إن حادثة الهجرة النبوية غيرت مجرى التاريخ تغييرًا عظيمًا كان له أثر قوي في حياة البشرية جمعاء؛ فالمتأمل في أحداثها يجد العديد من الدروس المستفادة والعِبر التي ينبغي للمسلم الاستلهام منها لواقع حياته؛ فقد جسَّدت الهجرة النبوية أصولًا إيمانية في نفوس المسلمين الذين اضطهدوا في مكة منها: التوكل على الله، والصبر على مواجهة الصعاب، والتحديات العنيفة التي تعرضوا لها بمعية رسول الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام، والتضحية وهي من أعظم الدروس، فقد ضحَّى النبي لنُصرة دينه وترك داره وبلده التي ترعرع فيها وأهله وعشيرته، كما إن المسلمين قدموا تضحيات كثيرة جبارة في سبيل الله تعالى من أجل نشر الدعوة الإسلامية؛ فقد تركوا أموالهم وديارهم في مكة مهاجرين إلى مكان يأويهم ويكون آمنًا لهم من الأذى الشديد الذي واجهوه من قومهم آنذاك مساندةً لرسول الأمة الأعظم وحبًا له. يقول الحق تبارك وتعالى: " إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (التوبة: 40). صدق الله العظيم.

حين يكون الزواج بناءً لا مظهرا
حين يكون الزواج بناءً لا مظهرا

جريدة الرؤية

timeمنذ 14 ساعات

  • جريدة الرؤية

حين يكون الزواج بناءً لا مظهرا

سلطان بن ناصر القاسمي في كل حضارة تنمو وتزدهر، كانت الأسرة هي الخلية الأولى التي يبدأ بها البناء، والركيزة التي يقوم عليها المجتمع. وإذا ما نظرنا في التاريخ نجد أن أعظم المجتمعات إنما عرفت الاستقرار والتقدم حين اعتنت بالزواج وباركت تكوين الأسرة. والزواج في الإسلام ليس مجرد ارتباط بين ذكر وأنثى؛ بل هو ميثاق غليظ، وعهد رباني، وسنة كونية وشرعية تحمل في جوهرها مقاصد عظيمة. ولأننا اليوم نعيش زمنًا تتسارع فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بات من المهم أن نعيد الحديث عن هذا الركن الثابت، لا لنكرّر ما قيل، بل لنضيء الزوايا التي أهملناها، ونستنهض الوعي حول ما يجب أن يكون. تحدثنا في موضوع سابق عن "كيف يمكن أن نبني زواجًا ناجحًا"؛ فكان لا بُد أن نوضح ونحث على الزواج، ونتحدث عن أهمية الزواج في الإسلام، حيث شرع الله سبحانه وتعالى الزواج بين جنسي البشر ذكر وأنثى، ووضع له شروطًا وأركانًا، وحث عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء". وهذا دليل من السنة على وجوب الزواج وأهميته. وكثيرًا ما تم الحديث عن أسباب تأخر الشباب في الزواج، ومنها ارتفاع المهور، وتكاليف الزواج، وعدم القدرة المالية، وقلة التوظيف، وكثرة التسريح من الأعمال. كلها أسباب مجتمعة تجعل من هذا الموضوع عائقًا أمام الإتمام. وبالتالي نركز في هذا الموضوع على الأركان الأساسية لتحقيق الزواج كما أشار إليه مصطلح "الباءة"، والذي يعني القدرة على الإنفاق على الزوجة وتحمل تكاليف الزواج من مهر، ومسكن، ونفقة، وكسوة. وهذه أمور أساسية، نعم، قد يشارك الأهل في بعضها وتسهيل البعض الآخر، ولكن يبقى الأساس في ذلك هو "الاستطاعة"، وتشمل كذلك القدرة الجسدية على إقامة علاقة زوجية سليمة، مقرونة بالقدرة المالية على تحمّل أعباء الزواج. وإذا توفرت هذه الأركان يُحثّ الشخص على إتمام الزواج، وإلّا فليُرجع إلى التوجيه والنصح النبوي بالصوم، لكسر جموح الرغبة لدى الإنسان، خوفًا من الوقوع في المعصية، لا قدر الله. والزواج في الإسلام سُنَّةٌ مؤكدةٌ وعبادةٌ حثّ عليها الأنبياء والرسل؛ حيث يُعد من أفضل الأعمال وأقربها إلى الله تعالى، لما يحققه من مقاصد شرعية واجتماعية. وقد ورد فيه: "تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة". وهذا الحديث فيه حث صريح على الزواج، وهو أمر فطري لاستمرار التناسل، وحتى لا ينقطع التكاثر الإنساني، وهذا هو الأمر الفطريّ للبشرية. فالزواج كما ذكرنا عبادة، ويحقق نصف الدين، وكذلك يمثل الإطار الشرعي الذي يحقق الرغبات المشروعة، ويمنع الانحرافات الفطرية، ويوفر الاستقرار للمجتمع. كما أنه بناء لمؤسسة عظيمة تقوم على أركان السكينة والمودة والرحمة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً " (الروم: 21). وهذه الآية بينت أن الزواج هو الأساس في بناء الأسرة، ويحقق أركانها. وشرع الله سبحانه الزواج منذ بداية الخليقة، عندما خلق سيدنا آدم، إلى أن تقوم الساعة، قال الله تعالى: " يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ " (البقرة: 35). كما إنَّ الزواج يحقق ويقوّي الروابط الأسرية، ويعزّز التواصل الفعّال بين أفراد الأسرة، ويزيد من ممارسة الاحترام المتبادل. وتُعد الروابط الأسرية هي روابط القرابة بين الأفراد الذين تربطهم صلة الدم أو الزواج، وهي تشكّل علاقات الوحدة الأساسية للمجتمع، وهي أساسية للتنمية الاجتماعية. فنجد أن الأسرة في الأفراح والأتراح مجتمعة بكاملها، تفرح لفرح الجميع، وتحزن لحزنهم، حتى وإن كانوا من قبائل مختلفة، لأن هناك ترابطًا بينهم من خلال تحقيق الزواج بين تلك العوائل. كما ذكرنا، بالإضافة إلى تحقيق الدعم المعنوي، يحقق الزواج أيضًا الدعم المادي لبعضهم البعض، ويتحقق ذلك من خلال إقامة الصناديق العائلية، والمساهمات العينية في جميع المناسبات. ولله الحمد والمِنَّة، نجد ذلك يتحقق في مجتمعنا العُماني بصور مختلفة باختلاف المحافظات. وحتى نحافظ على تقوية تلك الروابط الأسرية، أود أن أشير إلى بعض النقاط والطرق التي من الممكن أن تساعد وتحقق معنى الترابط الأسري. على سبيل المثال: يمكن تنظيم مناشط عائلية مشتركة، تسهم في تعزيز التواصل الفعّال بين أفراد العائلة الواحدة. كما إنَّ إبداء الاحترام المتبادل، وحلّ الخلافات بطريقة بنّاءة، يسهمان في الاستمرارية الإيجابية لتقوية العلاقات الأسرية. كذلك، فإن الصراحة والإخلاص في العلاقات يبنيان الثقة الكاملة في تلك الرابطة. ولنتحدث قليلًا عن تأخر الزواج وأسبابه وآثاره الجانبية. إلّا أنني أؤمن بأن تأخر الزواج قد يدل على جوانب تتعلق بالحكمة الإلهية، أو لظروف شخصية أو اجتماعية، أو حتى ظروف اقتصادية من جانب الرجل. وقد يكون السبب أيضًا المبالغة والأنانية في طلبات الزواج. ومع ذلك، فإن هذا التأخر قد يكون فرصة للنضوج والتطوير الذاتي لدى الجانبين. لكن، من جانب آخر، فإن تأخر سن الزواج يؤدي إلى متغيرات في نمط الإنفاق والاستهلاك لدى الفرد، فتجد عملية الإنفاق غير مسؤولة، والمشتريات ليست لها حاجة ضرورية، أو تكون فقط لحظية. وهذا ما يحدث نتيجة عدم الشعور بالمسؤولية الأسرية. كما لا يخلو التأخير من الآثار النفسية لدى الطرفين، من حيث القلق والتوتر النفسي، الذي قد يؤدي إلى انعدام الثقة، وفقدان الإحساس بالاستمتاع، والقلق، والعصبية، واضطرابات في النوم، وبعض المشاكل الجسدية في شكل أوجاع متفرقة. ولو رجعنا إلى الخلف قليلًا، لوجدنا تباينًا كبيرًا في المتطلبات والعادات والتقاليد. فبينما كان في الماضي يتم عقد القران بحضور الأهل والأقارب والأصدقاء، مع تناول الحلوى العُمانية، وبعدها تتم مراسم الزواج من خلال الأهازيج والموروث العماني، وكلٌّ حسب محافظته، إلا أنَّ ما أثقل كاهل الشباب اليوم في موضوع الزواج هو إقامة الحفلات. فهناك حفلة لعقد القران، يتبعها حفلة لِلَبس الدبل، ويتم استئجار القاعات أو الاستراحات مع وجبة عشاء، يتبعها حفلة العرس، وما تحمله من نفقات لا مبرر لها، وتُختتم برحلة تُسمى (شهر العسل). وهذه كلها تكاليف لم يأمر بها الإسلام أبدًا، امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "أقلهن مهرًا أكثرهن بركة". ومما يدعو للتفاؤل أن هناك مبادرات مجتمعية آخذة في التنامي، تسعى إلى إقامة الأعراس الجماعية تخفيفًا لأعباء تكاليف الزواج، وتعزيزًا لروح التعاون والتكافل الاجتماعي. كما أن استشعار الدولة لأهمية دعم الشباب في هذا الجانب تجسّد في تبنّي الحكومة لصندوق دعم الزواج، المخصص لمن تنطبق عليهم الشروط، وهو ما يعكس وعيًا مؤسسيًا بقيمة الاستقرار الأسري في بناء المجتمع. ولذلك.. أوجه ندائي للجهات المعنية بالدولة فيما يخص هذا الصندوق، بألا يتم وضع شرط دخل الفرد عائقًا أمام بعض الشباب من الاستفادة منه، أو على الأقل رفع معدل دخل الفرد إلى (1500 ريال عُماني) للحصول على هذا الدعم؛ لأن ما يترتب على الزواج من تكاليف، كما تم ذكره أعلاه، أكبر من أن يتحمّله الشباب وحدهم. وهكذا، فإن الزواج ليس مجرد عقد وارتباط؛ بل هو بداية رحلة، ومفتاح لبناء حضارة، وتجسيد لمعاني الرحمة والسكن. فلنحمله بالوعي، لا بالمظاهر. ولنجعله عبادة، لا عادة. ولتكن نوايانا فيه خالصة، وقلوبنا مهيأة لحياة تستحق أن تُبنى على الثبات، لا على التكلّف.

دجاج الخور.. رجعناها إلى الوراء
دجاج الخور.. رجعناها إلى الوراء

جريدة الرؤية

timeمنذ يوم واحد

  • جريدة الرؤية

دجاج الخور.. رجعناها إلى الوراء

خالد بن سعد الشنفري صباح يوم الأحد 29 من يونيو 2025، صباح مُميّز ويبعث بالحياة، ليس لأنه وافق إجازة رأس السنة الهجرية بالسلطنة فقط؛ بل لما أصبحنا عليه من شاعرية، حيث وجدنا أنفسنا فيه تحت قُبّة كثيفة من سحب الخريف، حلّ ركبها سريعًا علينا واحتضنت الشريط الساحلي للمحافظة، وقد غشيت بالفعل منذ أيّام سلسلة جبال ظفار كعادتها من ضلكوت غربًا إلى مرباط شرقًا؛ إلّا أنّنا لم نتوقّع بأنّها ستغمرنا في السهل والمدن بعطفها وتأتينا على عجل محمّلة بخيراتها. طراء الأرض تحت أقدامنا يُشبع الروح العطشى ويرويها إلى حدّ الثمالة. رائحة الثرى توحي بأنّه ارتوى تمامًا. على ما يبدو أنّها بالأمس والكلّ نيام أكرمته بسخاء، وتراشق رذاذها يهدي الأرض مياها في رقصة حياة وانبعاث. ولتبهج كلّ من عليها، تاركة آثار حلولها رسميًا، مخلّفة أحواض مياه هنا وهناك، نتوقّع بأنّ عروسنا ستزدان بوشاحها الأخضر وحليّها الزمرّدي قريبًا؛ فسيبدأ الغطاء الأخضر للأرض يتمدّد على كلّ السهول والمدن وحتّى على الشواطئ خلال أسبوع ابتداءً من اليوم بإذن الله. وبذلك ستكلّل صلالة بتاجها الأخضر وتزدان بلونها الفردوسي قبل عشرة أيام من التاريخ المحدّد لانطلاق فعاليات الموسم السياحي في 15 يوليو من هذا العام. شكرًا لله الذي جعل من سحب سمائنا الكثيفة في الخريف مظلّة تحجب عنّا حرارة الشمس الحارقة في هذا الوقت من كل عام، والعالم كله حوالينا يعاني منه؛ فوداعًا يا شمسنا، وإلى اللقاء، عهدنا معك بعد شهرين. الاشتياق يُعزّز الحبّ؛ فقد كنتِ تتمنّعين وتغازليننا لسويعات قليلة؛ بين ظهور واختفاء، وكأنك تُشوّقيننا إلى قدوم الخريف كما فعلتِ طيلة الأيام الماضية، وبها تهيّئيننا لفراقك. الحقيقة أنّ بتاريخ 29 يونيو، قد مضت 8 أيام من بدء موسم الخريف فلكيًا، وكان ذلك تحديدًا في 21 يونيو، جاء هذا العام على الموعد إذن في حلّه المعتاد، وعسى أن يُطيل إقامته ويمكث بيننا فترة أطول، كرمًا من ضيف نحمد الله ونشكره على أنّه يرسله إلينا كلّ عام. وعنوان المقال أعلاه هو شطر من بيت شعري رجزًا كان يردّده في الماضي مجموعة من الشباب الذاهبين مشيًا لإنجاز عمل أو مهمة أُوكلت إليهم في منطقة تكون بعيدة عن منطقة انطلاقهم لبث الحماس في أنفسهم وتحمل المشقة، وكانوا أثناء رجزهم هذا يضربون الأرض بأقدامهم بقوة، فيُصدرون بذلك أصوات قرقعة كبيرة، ولكنها متناغمة يتردّد صداها؛ فتُبثّ فيهم الحماس للوصول بأسرع ما يمكن لمبتغاهم وإنجاز مهامهم، التي قد يكون من ضمنها نجدة ملهوف وإغاثته أو صد عدو ودحره أو خلافه. هذا البيت الشعري باللهجة الظفارية الدارجة يقول: دجيج الخور رجعناها لاورا نحن نوبان بانلعب الطنبره دجيج الخور أي دجاج الخور، وهي نوع من الدجاج البري أصغر حجمًا قليلًا من دجاجنا البلدي، لكنه غير أليف ويعيش في الأخوار المنتشرة على امتداد شواطئ البحر بمحافظة ظفار والتي تكوّنت مع السنين من نزول الأودية والسيول. تذكّرتُ هذا البيت من الشعر وأنا أجلس صباح هذا اليوم الخريفي بامتياز على ضفة خور الدهاريز أراقب دجاج الخور الجميلة شكلًا، والماهرة سباحة، والبطيئة مشيًا، والقصيرة طيرانًا، واستغربت من مدى تدجُّن هذا الطائر الجميل الذي كان، بمجرد أن يرى أو يحس حركة إنسان ولو من بعد عشرات الأمتار، يقفز في الماء وينزلق فيه كالدلفين ليختفي بين قصب وتحت أشجار ضفاف الخور، لكنه اليوم أصبح لا يخاف البشر ويمضي في النقر بمنقاره الصغير في طحالب الأرض بحثًا عن الغذاء حتى يكاد يصل بقربك تمامًا لمسافة مترين وأقل؛ سبحان مغير الأحوال! هذه الأخوار الجميلة، والتي أصبح معظمها محميات طبيعية وملاجئ للطيور المهاجرة من شتى بقاع الأرض ومختلف الأنواع، تدب فيها الحياة أكثر في فصل الخريف، ومجرد النظر إليها يسرّ الناظرين، خصوصًا في مشيتها المميزة الهادئة التي كلها خيلاء تضاهي الطاووس، وتزداد بهاء مع السباحة في الماء، خصوصًا وسط الضباب ومع تساقط الرذاذ. هذه الأخوار الرائعة تنتشر على الشريط الساحلي للمحافظة بمحاذاة البحر، ويتركز معظمها في المنطقة الواقعة من المغسيل غربًا إلى طاقة شرقًا، وأهمها: خور القرم الصغير وخور القرم الكبير، واللذان أُعلِن مؤخرًا عن عروض استثمار سياحي لهما شريطة أن تتم في هذه المشاريع مراعاة الخصوصية البيئية لهما، ونأمل أن نراها مستقبلًا مشاريع سياحية مزدهرة ترفد السياحة في المحافظة مع موسمي الخريف والشتاء السياحيين سنويًا بامتياز، ثم خور عوقد وخور صلالة وخور البليد، وهو أكبرها وبعمق يتجاوز 20 قدمًا، وكان قديمًا لا شك أعمق مما هو عليه الآن؛ حيث كانت سفن البضائع الخشبية التي تصل من الهند والصين واليمن وأفريقيا إلى مدينة البليد التاريخية تعبره لتستقر على رصيفه المحاذي لحصنه الشهير الذي لا زالت أطلاله شامخة إلى اليوم تحكي ماضيًا عريقًا. يلي البليد خور الدهاريز وخور صيع وخور جنيف وخور (صولي) الشهير، الذي أتعبت الروحة والجيّة إليه شاعر الغناء الظفاري الكبير جمعان ديوان -رحمة الله عليه- في مشاوير زياراته التي تكررت مشيًا على الأقدام من صلالة إلى طاقة، لمجرد زيارة جدران ديار محبوبته؛ وكأنه كان يُقبّل ذا الجدار وذا الجدار، كما فعل ابن الملوّح في زيارات ديار ليلى. كانت أقدام الشاعر المُحب في هذه المشاوير أقدام مطيّة، وعيونه عيون الموتر (السيارة) كما وصف حاله. رحم الله شاعر الغناء الظفاري الجميل الشجي الراحل جمعان ديوان. وأخيرًا وليس بآخر، خور روري ، الذي تغذّيه مياه شلالات دربات كل عام، غنيٌّ عن التعريف؛ حيث تصل شهرته كميناء لتصدير اللبان الظفاري، وأهم سلعة تميزت واشتهرت بها ظفار لآلاف السنين على مر العصور.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store