logo
عبودية العصر الحديث بين أقلام أورويل وسياسات أخنوش

عبودية العصر الحديث بين أقلام أورويل وسياسات أخنوش

مراكش الإخباريةمنذ يوم واحد
إذا كان راتبك يكفيك لتأكل وتنام فقط، فهذا ليس عملاً؛ في الماضي كانوا يلقبونه بالعبودية. » بهذه العبارة الصارخة يختصر جورج أورويل ما يمكن أن نعتبره وصفًا دقيقًا لوضع شريحة واسعة من المواطنين في المغرب اليوم. فالواقع الذي نعيشه لم يعد يرحم أحلام الناس ولا يترك مجالًا كبيرًا للكرامة. في بلدٍ يتقاضى فيه نصف الأُجراء المصرّح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أجورًا لا تتجاوز 2,723 درهم شهريًا، وفق تقرير رسمي، لا يمكن الحديث عن « العيش الكريم »، بل بالكاد نتحدث عن البقاء، عن الحد الأدنى الذي يتيح للفرد أن يأكل وينام، ولا شيء أكثر.
وسط هذه الظروف، يعاد طرح موضوع التقاعد، لكن ليس من باب تحسين شروطه أو توسيع نطاق الاستفادة منه، بل من زاوية « الترشيد المالي » الذي يُترجم فعليًا إلى دعوات لرفع سن التقاعد إلى 63 أو حتى 65 عامًا، وذلك بحجة ضمان استدامة صناديق التقاعد. الأمر يبدو تقنيًا على السطح، لكنه في العمق يُخفي توجهًا يفرض على الناس العمل حتى تذبل أجسادهم، دون أن يضمن لهم نهاية محترمة لمسارهم المهني. صندوق المعاشات المدنية (CMR) مثلًا، حسب ما نشره تقرير لمجموعة أكسفورد بزنس، قد يبلغ عجزه الكامل بحلول عام 2028 إذا لم تُتّخذ إصلاحات عميقة، فيما يُتوقع أن يعرف صندوق الضمان الاجتماعي (CNSS) عجزًا مماثلًا بين عامي 2038 و2042. لكن السؤال الذي يغيب عن هذا النقاش المالي البارد: ما الثمن الاجتماعي والإنساني لهذه « الإصلاحات »؟
الناس اليوم لا يعملون فقط من أجل المال، بل من أجل الكرامة والمستقبل. غير أن منظومة الأجور في المغرب تواصل سحق الأمل. فالحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، رغم زيادته الطفيفة في السنتين الماضيتين، لا يتجاوز 3,266 درهم شهريًا، وهي قيمة تتآكل يومًا بعد يوم بفعل الغلاء المتصاعد، في الوقت الذي لم تعد فيه حتى السلع الأساسية في متناول ذوي الدخل المحدود. وتحت هذه الظروف، يصبح التمديد القسري لفترة العمل أقرب إلى استنزاف عمر الإنسان في مقابل فتات لا يضمن استقرارًا، ولا حتى تقاعدًا صحيًا يمكن الاستفادة منه فعليًا.
من المؤسف أن النقاش الرسمي يغفل أن ثلث المغاربة من ذوي الدخل المحدود، وفق ما تذكره تعليقات كثيرة على المنصات الاجتماعية، قد لا يصلون أصلًا إلى سن التقاعد. في أحد التعليقات على منصة Reddit، كتب أحدهم ساخرًا: « ببلوغك 65 عامًا، ثلث أبناء الطبقة الفقيرة يكونون قد ماتوا أصلًا. » فهل نطلب من الناس أن يعملوا لعقود، ثم نحرمهم من حقهم في استراحة مستحقة لأننا لم نحسن تدبير موارد الدولة؟
الأزمة أعمق من مجرد أعمار تقاعد. إنها أزمة تصور لماهية العمل نفسه. فعندما يتحول العمل إلى وسيلة لضمان البقاء لا الحياة، إلى عبء لا وسيلة للتحقق، حينها يصبح شبيهًا بما وصفه أورويل بالعبودية الحديثة. العمل لا يُقاس فقط بساعات الإنتاج أو مساهمات التقاعد، بل بقدر ما يمنح الإنسان من قدرة على الحلم، على التمتع بالحياة، على الاعتزال بكرامة.
وليس من العدل أن نرهن مستقبل العمال بخطط إصلاحية لا تُراعي وضعهم الحقيقي. قبل أن نتحدث عن رفع سن التقاعد، يجب أن نعيد النظر في منظومة الأجور، في جودة الخدمات الصحية التي سيتلقى فيها المتقاعدون رعاية لائقة، في الإدماج الفعلي للعمال غير المهيكلين ضمن نظام الحماية الاجتماعية، وهو ما تُظهر الإحصائيات الرسمية أنه ما زال بعيد المنال، إذ يعمل أكثر من 80% من المغاربة في الاقتصاد غير المهيكل، ما يعني أنهم خارج حسابات صناديق التقاعد أصلاً.
ورغم أن بعض الجهات الرسمية تعتبر أن رفع سن التقاعد حلّ لا مفر منه لتفادي انهيار الصناديق، فإن ذلك لا يجب أن يتم على حساب الفئات الضعيفة. لا بد من حلول بديلة وشاملة، مثل رفع المساهمات تدريجيًا على الشركات الكبرى، وتحفيز التشغيل النظامي، وتوسيع قاعدة المساهمين بدل إنهاك من تبقى منهم.
إن مغربًا عادلًا لا يمكن أن يُبنى على ظهور متعبين يُطلب منهم أن يواصلوا العطاء إلى ما بعد الستين، في وقت لا يكفيهم دخلهم لتأمين حياة لائقة. وإذا كان لا بد من إصلاحات، فلتكن بداية بإعادة الاعتبار للكرامة. فالعمل الذي لا يُفضي إلى حياة، هو نسخة حديثة من عبودية لا تصفها العبارة الشهيرة لأورويل فقط، بل يثبتها الواقع المؤلم لأناس أفنوا أعمارهم في انتظار « حقّهم في الراحة »، راحة مؤجلة إلى أجلٍ غير مسمى.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المجلس الإقليمي لبركان يصادق بالإجماع على موازنة الميزانية برسم سنة 2025
المجلس الإقليمي لبركان يصادق بالإجماع على موازنة الميزانية برسم سنة 2025

حزب الأصالة والمعاصرة

timeمنذ 41 دقائق

  • حزب الأصالة والمعاصرة

المجلس الإقليمي لبركان يصادق بالإجماع على موازنة الميزانية برسم سنة 2025

عقد المجلس الإقليمي لبركان، صباح يوم الثلاثاء 08 يوليوز 2025، دورته الاستثنائية السادسة بمقره، وذلك طبقا لأحكام المادة 38 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، برئاسة السيد محمد جلول، رئيس المجلس، وبحضور السيدة نورة بالفضيل، ممثلة السلطة الإقليمية، إلى جانب رؤساء المصالح بالمجلس. وقد افتُتحت أشغال الدورة بكلمة ترحيبية لرئيس المجلس، استعرض فيها النقطة الفريدة المدرجة بجدول الأعمال، والمتعلقة بالدراسة والمصادقة على موازنة الميزانية الإقليمية لسنة 2025، بناء على البرقية العاملية عدد 2016 بتاريخ 30 يونيو 2025. وشهدت أشغال الدورة عرضًا مفصلًا لرئيس مصلحة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة حول عملية الموازنة، حيث تطرق إلى الإكراهات المرتبطة بمحدودية الموارد وتزايد النفقات، ليتم بعد ذلك فتح باب النقاش الذي عرف مداخلات مستفيضة من طرف أعضاء المجلس. وقد صادق المجلس بإجماع الأعضاء الحاضرين على مداخيل مشروع الميزانية الإقليمية لسنة 2025، والتي بلغت 15.556.262 درهم، كما تمت المصادقة بالإجماع على تفاصيل النفقات حسب الأبواب التالية: – الباب 10: مجال الإدارة العامة: 11.845.042 درهم – الباب 20: الشؤون الاجتماعية: 1.159.220 درهم – الباب 30: الشؤون التقنية: 2.000 درهم – الباب 50: المساهمات والشراكات: 2.550.000 درهم ليبلغ بذلك مجموع النفقات ما مجموعه 15.556.262 درهم. إبراهيم الصبار

جامعة ابن طفيل تحت وطأة التماطل الإداري وزارة التعليم العالي تتجاهل أداء مستحقات الأساتذة
جامعة ابن طفيل تحت وطأة التماطل الإداري وزارة التعليم العالي تتجاهل أداء مستحقات الأساتذة

هبة بريس

timeمنذ ساعة واحدة

  • هبة بريس

جامعة ابن طفيل تحت وطأة التماطل الإداري وزارة التعليم العالي تتجاهل أداء مستحقات الأساتذة

هبة بريس – محمد زريوح لا يزال أساتذ جامعة ابن طفيل يواجهون أزمة تأخير صرف مستحقاتهم المالية التي وصلت إلى 772.027,10 درهم، حيث لم تتدخل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بشكل جدي وفعال لحل هذا الإشكال المستمر، رغم مطالبهم المتكررة. هذا التماطل الإداري أثار استياء كبيرًا في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، مما جعل الأساتذة يعبرون عن خيبة أملهم في التعامل الرسمي مع قضيتهم. ويطرح العديد من الأساتذة تساؤلات حول سبب عجز الوزارة عن تسوية هذه المستحقات في الوقت المناسب، ما أدى إلى تراكم الأعباء المالية عليهم. ونتيجة للتأخير الحاصل، يطالب هؤلاء الأساتذة بتعويضات مالية ومعنوية تصل إلى 100.000 درهم بسبب الأضرار التي لحقت بهم، وهو ما يعكس حالة من الاستياء والغضب من المماطلة التي طالت فترة حل الأزمة. الأزمة التي بدأت كمطالبة بحقوق مالية، تطورت لتصبح قضية أوسع أثارت الجدل داخل الوسط الأكاديمي. أصبح السؤال الأبرز الآن: هل المشكلة في سوء الإدارة داخل الوزارة، أم أن هناك تقاعسًا متعمدًا في معالجة هذه القضايا الحساسة؟ في الوقت الذي يتزايد فيه الاستياء بين الأساتذة، يُطرح تساؤل آخر حول لماذا لا تقوم الوزارة باتخاذ إجراءات أكثر سرعة وفعالية لتجنب تصاعد هذه الأزمة. وسط غياب الحلول من الوزارة، قرر الأساتذة اللجوء إلى القضاء، حيث قاموا برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية في الرباط (الملف رقم: 2025/7112/548)، مطالبين فيها بصرف مستحقاتهم المتأخرة وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية. هذه الخطوة جاءت في وقت تشهد فيه الأوساط الأكاديمية حالة من الغضب والإحباط بسبب تأخير الوزارة المستمر في معالجة الملف. تم تحديد أول جلسة لهذه القضية يوم الجمعة 18 يوليوز 2025، على الساعة العاشرة صباحًا، أمام القاضي هاجر السعيدي في الغرفة الإدارية المختصة. وتعتبر هذه الجلسة نقطة حاسمة في مسار القضية، حيث يأمل الأساتذة أن يصدر الحكم لصالحهم، ويُجبر الوزارة على تسوية مستحقاتهم المتأخرة وتعويضهم عن الأضرار التي تكبدوها. تطرح هذه القضية تساؤلات عديدة حول أسباب العجز الذي يظهره المسؤولون في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في حل القضايا ذات الأهمية الكبيرة. هل تكمن المشكلة في ضعف التنسيق بين المؤسسات المعنية؟ أم أن هناك تقاعسًا متعمدًا من الوزارة؟ هذه التساؤلات تثير القلق في الأوساط الأكاديمية التي تجد نفسها في موقف غير مقبول نتيجة هذا التماطل الإداري. في الختام، تبقى الأزمة مستمرة في ظل غياب الحلول الفعالة من وزارة التعليم العالي، مما يضع الأساتذة أمام ضرورة اللجوء إلى القضاء لاستعادة حقوقهم. هذه القضية تكشف عن ضعف إدارة الملفات المالية والإدارية داخل الوزارة، ما قد يساهم في تراجع الثقة بين الأساتذة والوزارة، وهو ما يمثل تهديدًا للمنظومة التعليمية في المستقبل.

هل سُحِبت البساط من تحت أقدام المقاولات الصغرى؟…قراءة تحليلية في خطاب عبد الله الفركي في مواجهة خطاب رئيس الحكومة
هل سُحِبت البساط من تحت أقدام المقاولات الصغرى؟…قراءة تحليلية في خطاب عبد الله الفركي في مواجهة خطاب رئيس الحكومة

المغرب الآن

timeمنذ 2 ساعات

  • المغرب الآن

هل سُحِبت البساط من تحت أقدام المقاولات الصغرى؟…قراءة تحليلية في خطاب عبد الله الفركي في مواجهة خطاب رئيس الحكومة

لم يكن بيان عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة، مجرد رد تقني على مداخلة رئيس الحكومة الأخيرة داخل قبة البرلمان. بل بدا أشبه بـ'نداء استغاثة استراتيجي' يضع اليد على الجرح المقاولاتي المغربي المزمن: التهميش المؤسساتي لمقاولات تشكّل 98.4% من النسيج المقاولاتي الوطني، وتوفر أكثر من 83% من مناصب الشغل في القطاع الخاص، ومع ذلك تُترك في هامش 'السياسات الكبرى'. 'خطاب لا يعنينا'… هكذا استقبل الفاعلون المقاولون كلمة رئيس الحكومة كلمة رئيس الحكومة، كما رآها الفركي، لم تحمل أي مؤشرات فعلية على نية الحكومة في تغيير المقاربة. فالدعم ما زال موجّهًا لنفس الشبكات الاقتصادية المتحالفة مع السلطة السياسية، والصفقات العمومية تستمر في الدوران داخل نفس الدوائر المعلومة. بل الأسوأ من ذلك، هو استمرار الضغط المالي على هذه الفئة من المقاولات، من خلال آليات الحجز الضريبي، وصعوبات الأداء للضمان الاجتماعي، مما يُفاقم من هشاشة هذه المقاولات، ويهدد الآلاف منها بالإفلاس. مرسوم استثمار بـ12 مليار درهم… ولكن لمن؟ أخطر ما أشار إليه الفركي يتمثل في المرسوم الجاري تداوله داخل البرلمان، والذي يُفترض أن يخصص 12 مليار درهم لدعم الاستثمار، لكنه مشروط بشروط 'تعجيزية' تُقصي فعليًا المقاولات الصغيرة والمتوسطة. وهو ما يطرح تساؤلًا مريرًا: من يكتب شروط الدعم؟ ولمصلحة من؟ ألم يكن حريًا بالحكومة أن تُخصّص هذا الصندوق كرافعة فعلية لاستعادة الثقة بين الدولة والمقاولة الوطنية الصغرى بدل تعميق التفاوتات داخل القطاع نفسه؟ قراءة في ما لم يُقال… في خلفية هذا البيان، يلوح تساؤل كبير: هل نحن بصدد سياسة تمييز إيجابي لصالح شركات كبرى، أم تمييز سلبي مقصود ضد فئات المقاولة التي لا تملك شبكات ضغط و'قرب سياسي'؟ ولماذا تُركت نسبة 20% من الصفقات العمومية، التي ينص عليها القانون لفائدة هذه الفئة، دون تفعيل منذ سنوات؟ أين يتعثر التنفيذ؟ وهل هناك إرادة سياسية أم عجز إداري؟ من جهة أخرى، يعيد الفركي التذكير بأن البرامج كـ'فرصة' و'انطلاقة'، بدل أن تكون أدوات للتمكين، تحولت إلى مصادر مديونية وأعباء إضافية على مقاولات غير محمية. في أرقام صامتة… صرخة جماعية 340 مليار درهم خصصتها الحكومة في قانون المالية الحالي للاستثمار العمومي. ولكن، كم من هذه المليارات سيصل فعليًا إلى أصغر مقاولة في الأطلس المتوسط أو الجنوب الشرقي أو هوامش الدار البيضاء؟ وهل يمكن لمقاولة لا تملك محاميًا أو مستشارًا سياسياً أن تتنفس في بيئة اقتصادية 'مقولبة' بهذا الشكل؟ أسئلة تنتظر إجابات سياسية: هل لدى الحكومة خطة حقيقية لإنقاذ هذا الجزء الأكبر من النسيج المقاولاتي؟ هل نحتاج إلى تعديل القوانين فقط، أم إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمقاولة؟ إلى متى سيظل الخطاب السياسي 'يفترض' أن الشركات الكبرى وحدها هي المحرك الاقتصادي؟ وهل بات من الضروري التفكير في قانون إطار جديد يفرض حدًا أدنى من التمييز الإيجابي تجاه هذه الفئة؟ خاتمة مفتوحة: إن بيان عبد الله الفركي ليس بيانًا احتجاجيًا بقدر ما هو جرد حساب وطني صريح . إنه تذكير بأن الدولة التي لا تُعطي قيمة لما يُنتجه أصغر مقاول، ستدفع لاحقًا فاتورة الإقصاء الجماعي. فهل نعيد النظر في عقود الظل داخل السياسات العمومية، أم سنترك 98.4% من المقاولات تواجه مصيرها منفردة؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store