
السلطة، اللاعب الغائب والمنتظر
لا أحد يريد السلطة. كل الأطراف مجتمعة ولأسباب مختلفة تريد أن تختصر هذا الدور أو تشطبه. بالنسبة لـ»حماس» فهي تفضل، وستظل تفضل، حرباً بلا نهاية؛ على أن تقول إن السلطة صاحبة الولاية، وإن على المجتمع الدولي وعلى إسرائيل أن يتحدثا معها حول مستقبل غزة. فقيادة «حماس» طرقت كل أبواب العالم من مشرقه إلى مغربه، وخطبت ود كل من له علاقة بالصراع ومن يمون عليه أو كل من يتدخل فيه، حتى أنهم استخدموا رهينة دفع أهل غزة ثمن احتجازها آلاف الشهداء والجرحى ومئات آلاف المباني للتقرب زلفى لترامب، وتسولوا أمام القاصي والداني من أجل وقف الحرب التي لم تكن قبل ذلك، ويقاتلون من أجل خطوط وهمية صنعتها دبابات العدو في المعركة ولن يتمكنوا من حمايتها في اليوم التالي للهدنة، كل ذلك و»حماس» تعرف الإجابة المختصرة لكل ذلك، لكنها لن تفعل.
نتنياهو ليس بعيداً عن هذا الوعي والمنطق الحمساوي، بل إنه يشاركهم إياه بالكامل. وربما لو اتفقوا على شيء سيكون على استبعاد السلطة؛ هذا الاستبعاد هو القاسم المشترك الذي جعل حقائب الدولار يتم إرسالها عبر سيارات «الشاباك» للحاجز حتى يتم نقلها لـ»حماس». نتنياهو يعرف أن وجود السلطة يعني استعادة النقاش حول حل الدولتين. يعرف أن «حماس» يهمها أنبوب الأكسجين حتى تتنفس، فلا برنامج سياسياً لها خارج إطار البرامج الكبرى والربانية للإخوان المسلمين، بمعنى أنها ليست حركة تحرير تنضبط وفق برنامج كفاحي يستخدم كل الوسائل من أجل «الإطاحة» بالاحتلال ليس كوجود بل كفكرة وممارسة أيضاً. على النقيض من ذلك، يعرف أن أي لقاء مع الرئيس عباس يعني الاستعداد أكثر لفكرة الدولة الفلسطينية ونقاش ملف اللاجئين. نتنياهو يعرف عميقاً منظمة التحرير والرئيس عباس بالنسبة لهم، فإن أصل الصراع ما حدث عام 1948 في دير ياسين وغيرها، وليس ما حدث على محور موراج كما تظن «حماس».
كذلك الأمر بالنسبة لترامب، الرجل الهائج الذي تنطبق عليه مقولة «جعجعة بلا طحن». ترامب ليس صهيونياً أكثر من نتنياهو، لكن لشدة حماقته فإنه يصعب الحديث عن سياسة خاصة يتبعها. وإذا كانت كونداليزا رايس وزمرة المحافظين الجدد قد ابتدعوا زوراً «الفوضى الخلاقة»، فإن ترامب ابتدع «خلق الفوضى» في كل شيء. ومع ذلك فإن ترامب مثل «حماس» ومثل نتنياهو لا يريد أن يسمع كلمة دولة فلسطينية، وهو يعرف أن وجود محمود عباس في أي صورة يعني النقاش حول حل الصراع، الأمر الذي يعني موقفاً واضحاً من حل الدولتين. تخيلوا أنه لم يجب عن السؤال حول الدولة الفلسطينية، وأحال الموضوع لنتنياهو في إشارة إلى أن الموضوع لا يعنيه. وجود السلطة في غزة لا يعني أنها طرف في مستقبل غزة فقط، بل إن الدولة الفلسطينية يتم وضعها من جديد على طاولة القرار الأممي.
في ظل هذا السياق، فإن المطلوب أن تقوم السلطة بخطوات أكثر وأبعد من مجرد خطة خدماتية، بل خطة سياسية تقوم على فرض سيادة دولة فلسطين على قطاع غزة. المشكلة الحقيقة بالنسبة للعالم تكمن حقيقة في سياسات إسرائيل أولاً، وثانياً في عدم وضوح معالم اليوم التالي للحرب، اليوم الذي سيعود الناس من خيامهم ليجدوا ركام بيوتهم المسكن الأنسب بالنسبة لهم. العالم لا يعرف من سيكون في غزة في اليوم التالي، وعليه فلا يمكن له الحديث أو الضغط من أجل اليوم التالي. وحين لا يعرف العالم من هي الجهة التي ستدير قطاع غزة، فإنه لن يضغط كثيراً من أجل تسريع نهاية الحرب والوصول لذلك اليوم التالي غير المعلوم. إن وجود جهة فلسطينية يتم تشكيلها بعيداً عن رغبات الأطراف الثلاثة الرافضة لدور السلطة («حماس» وإسرائيل وواشنطن) ودون مشاورتها، والقول إن هذه الجهة هي التي تقود غزة الآن، وتباشر عملها في داخل غزة، وتصطدم مع أي جهة تعيق عملها وتكون محمية بأطر شعبنا، إن وجود هذه الجهة هو فقط من يجعل السلطة عنواناً في النقاش حول مستقبل غزة.
نتنياهو يرى الأزمة بأنها أزمة اقتصادية وليست أكثر من ذلك، وحتى النقاش بين أوروبا وإسرائيل يتم فيه تثبيت هذه المقولة من خلال وقف العقوبات الإسرائيلية مقابل مزيد من الشاحنات لغزة. فقط السلطة الفلسطينية وإجراءاتها وتثبيت أذرعها في غزة دون مشاورة أحد وخطتها السياسية التي يتم تبنيها من قبل المجتمع الدولي، يمكن لها أن تعيد النقاش حول جوهر مستقبل غزة السياسي واستعادة دورها كجزء من دولة فلسطين. هذا الدور لن يمنحه أحد للسلطة، بل يجب أن تنتزعه وتفرضه عبر إرادة سياسية واضحة، وإذا لم تقم بذلك فلن يعطيها إياه أحد؛ وسيظل دوراً مفقوداً ومنتظراً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الصحافة الفلسطينية
منذ يوم واحد
- وكالة الصحافة الفلسطينية
تحالف القوى الفلسطينية يرفض قرار عباس تشكيل مجلس وطني وفق مشروع التسوية
القدس - صفا عبر تحالف القوى الفلسطينية، عن رفضه القاطع للخطوة الأحادية التي أقدم عليها الرئيس محمود عباس، بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج، على قاعدة البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يعترف بالكيان الإسرائيلي، ويتمسك باتفاق أوسلو الذي فرط ب ٧٨٪ من أرض فلسطين التاريخية، ويتنافى مع الثوابت الوطنية وحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حق العودة وتحرير الأرض ومقاومة الاحتلال. وقال التحالف في بيان وصل وكالة "صفا"، إن هذه الخطوة تعكس استمرار نهج التفرد والإقصاء ومحاولة فرض وقائع سياسية ومؤسساتية بمعزل عن التوافق الوطني، وفي توقيت خطير تتعرض فيه القضية الفلسطينية لأكبر المؤامرات التصفوية، عبر حرب الإبادة الجماعية والتجويع بحق شعبنا الصابر في قطاع غزة وتكريس مشاريع الاستيطان والتهجير في الضفة الغربية المحتلة وتمرير مخطط تهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى المبارك. وأكد أن إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بما فيها المجلس الوطني، يجب أن يتم عبر حوار وطني شامل يضم جميع القوى والفصائل والمكونات الوطنية، دون شروط مسبقة، وعلى قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية وخيار المقاومة، وبما يضمن تمثيلًا حقيقيًا لشعبنا في الوطن والشتات، وفق أسس ديمقراطية وتوافقية. وأضاف: "شعبنا الفلسطيني يمر في مرحلة تحرر وطني، وأن المدخل الأساسي لتحقيق وحدة وطنية حقيقية، هو التوافق على مشروع وطني مقاوم، يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية ويواجه الاحتلال ومشاريعه التصفوية وخصوصاً التهجير والتهويد والاستيطان والتطبيع والتصفية، بعيدًا عن نهج التسوية والرهان على المجتمع الدولي الذي أثبت فشله". ودعا التحالف جماهير شعبنا وقواه الحية إلى التصدي لنهج التفرد والاستئثار، والعمل معًا من أجل بناء جبهة وطنية موحدة تستعيد منظمة التحرير دورها الحقيقي في الدفاع عن أرضنا وشعبنا ومقدساتنا، لا أداة لشرعنة التسوية والتفريط والتنسيق الأمني مع الاحتلال.


وكالة خبر
منذ 2 أيام
- وكالة خبر
مسؤولون أميركيون عن مهاجمة إسرائيل للسويداء: "نتنياهو تصرف كالمجنون"
يسود في البيت الأبيض قلق حيال الغارات الإسرائيلية على محافظة السويداء السورية وغضب على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن "بيبي (نتنياهو) تصرف كالمجنون. إنه يقصف طول الوقت أي شيء يتحرك. ومن شأن ذلك أن يخرب ما يحاول ترامب أن يفعله في سورية خصوصا وفي المنطقة عموما". وأشار مسؤول آخر في الإدارة الأميركية إلى استشهاد المواطن الفلسطيني – الأميركي سيف الله مصلط، إثر تعرضه للضرب حتى الموت على يد مستوطنين في بلدة سنجل، شمال مدينة رام الله في الضفة الغربية وقصف الجيش الإسرائيلي كنيسة في غزة، الذي دفع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الاتصال مع نتنياهو ومطالبته بإيضاحات. وقال المسؤول الأميركي إن "الشعور هو أنه يوجد شيء جديد كل يوم. ماذا يحدث هنا بحق الجحيم؟". ونقلت القناة 12 عن مسؤول أميركي ثالث قوله إنه توجد شكوك متصاعدة في إدارة ترامب تجاه نتنياهو وشعور بأن اصبعه خفيف على الزناد، "ونتنياهو يكون مثل صبي أحيانا وبكل بساطة لا يعرف كيف يتصرف". ولم يوجه ترامب انتقادات للغارات الإسرائيلية على السويداء. وقال مسؤول أميركي إن المبعوث الأميركي، توم باراك، طلب خلال محادثات مع مسؤولين إسرائيليين، الثلاثاء الماضي، وقف هذه الغارات، وأن الإسرائيليين تعهدوا بوقفها. لكن إسرائيل صعدت هجماتها لاحقا، وقصفت يوم الأربعاء مقر هيئة أركان الجيش والقصر الرئاسي في دمشق. وأضاف أحد المسؤولين الأميركيين أن "الهجمات الإسرائيلية في سورية فاجأت الرئيس والبيت الأبيض. والرئيس لا يحب تشغيل التلفزيون ومشاهدة القصف في دولة يحاول جلب السلام إليها وبعد أن نشر إعلانا تاريخيا حول عزمه المساعدة في إعادة إعمار هذه الدولة". ووافق نتنياهو، يوم الأربعاء، على طلب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، وقف الهجمات، لكنه اشترط ذلك بانسحاب الجيش السوري من السويداء. وخلال ذلك وجهت دول، بينها تركيا والسعودية، رسائل غاضبة إلى إدارة ترامب بسبب العدوان الإسرائيلي على سورية، كما أن عدد من المسؤولين الأميركيين شكوا مباشرة أمام ترامب من تصرف نتنياهو، وفقا للقناة. وأفادت القناة نقلا عن مسؤول أميركي بأن المبعوثين الأميركيين، توم باراك وستيف ويتكوف، كانا بين المسؤولين الذين شكوا أمام ترامب مباشرة من سلوك نتنياهو. وأضافت القناة أن الرأي السائد في البيت الأبيض في الأيام التي أعقبت الهجمات الإسرائيلية في سورية هو أن نتنياهو أمر بالقصف بسبب ضغط سياسي داخلي من جانب الطائفة الدرزية في إسرائيل وبسبب اعتبارات سياسية أخرى. ونقلت عن مسؤول أميركي قوله إن "الأجندة السياسية الداخلية تدير نتنياهو. وسيتضح في المدى البعيد أن هذا تصرف خاطئ". وقال مسؤول أميركي للقناة إن الحكومة الإسرائيلية لا تعي بشكل كامل الضرر اللاحق بصورة إسرائيل في واشنطن، في الأسبوع الأخير، وأنه "يتعين على الإسرائيليين أن يخرجوا رأسهم من مؤخرتهم". وادعى مسؤول إسرائيلي أن إسرائيل فوجئت من الانتقادات الأميركية للهجمات في سورية، وأنه في الأسابيع الأولى لولاية ترامب شجع الأخير نتنياهو على احتلال أجزاء من سورية ولم يعبر عن قلق أو انتقاد لعمليات عسكرية إسرائيلية في سورية. وتابع المسؤول الإسرائيلي أن "الولايات المتحدة تريد الحفاظ على استقرار الحكومة السورية الجديدة ولا تدرك لماذا نهاجم في سورية بسبب الهجمات على الدروز هناك. وقد حاولنا أن نشرح لهم أن هذا التزامنا للمجتمع الدرزي في إسرائيل". في المقابل، قال مسؤول أميركي إنه على عكس ما تريده حكومة نتنياهو، لا ينبغي أن تقرر إسرائيل إذا كان بإمكان الحكومة السورية أو ليس بإمكانها بسط سيادتها على مواطنيها وأراضيها، "وسياسة إسرائيل الحالية ستؤدي إلى سورية غير مستقرة. وفي سيناريو كهذا سيخسر الدروز وكذلك إسرائيل".


وكالة خبر
منذ 2 أيام
- وكالة خبر
السلطة، اللاعب الغائب والمنتظر
المؤكد ثمة لاعب فاعل، وهو اللاعب الأهم كما يفترض المنطق، غائب بشكل شبه كامل عن النقاش حول مستقبل غزة، أقصد هنا السلطة الفلسطينية بما تمثله من ذراع دولة فلسطين ومنظمة التحرير لإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة. ورغم الجهود الحثيثة التي تقوم بها السلطة، والخطط المختلفة التي طورتها الحكومة الفلسطينية منذ زمن حكومة الدكتور محمد إشتية، إلا أن المجتمع الدولي والمقررين بشأن مستقبل غزة لم يأخذوا مثل هذه الخطط على محمل الجد، كما أن النقاش حول مستقبل غزة لا يشمل الطرف الشرعي والممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني، وعادة ما يتم هذا الأمر بقصد وضمن رؤى ممنهجة. كما أن كل الجلسات بخصوص مستقبل غزة لا تشمل السلطة باستثناء اللقاء السداسي الذي لم يعد قائماً وضم وقتها الأطراف العربية بما في ذلك السلطة. التوجه العام بأن يتم حصر النقاش بين «حماس» وإسرائيل حتى لا يتعدى الأمر النقاش حول المساعدات وتوزيعها والخطوط داخل غزة، وليس انسحاب إسرائيل بشكل كامل وتجسيد الدولة الفلسطينية. لا أحد يريد السلطة. كل الأطراف مجتمعة ولأسباب مختلفة تريد أن تختصر هذا الدور أو تشطبه. بالنسبة لـ»حماس» فهي تفضل، وستظل تفضل، حرباً بلا نهاية؛ على أن تقول إن السلطة صاحبة الولاية، وإن على المجتمع الدولي وعلى إسرائيل أن يتحدثا معها حول مستقبل غزة. فقيادة «حماس» طرقت كل أبواب العالم من مشرقه إلى مغربه، وخطبت ود كل من له علاقة بالصراع ومن يمون عليه أو كل من يتدخل فيه، حتى أنهم استخدموا رهينة دفع أهل غزة ثمن احتجازها آلاف الشهداء والجرحى ومئات آلاف المباني للتقرب زلفى لترامب، وتسولوا أمام القاصي والداني من أجل وقف الحرب التي لم تكن قبل ذلك، ويقاتلون من أجل خطوط وهمية صنعتها دبابات العدو في المعركة ولن يتمكنوا من حمايتها في اليوم التالي للهدنة، كل ذلك و»حماس» تعرف الإجابة المختصرة لكل ذلك، لكنها لن تفعل. نتنياهو ليس بعيداً عن هذا الوعي والمنطق الحمساوي، بل إنه يشاركهم إياه بالكامل. وربما لو اتفقوا على شيء سيكون على استبعاد السلطة؛ هذا الاستبعاد هو القاسم المشترك الذي جعل حقائب الدولار يتم إرسالها عبر سيارات «الشاباك» للحاجز حتى يتم نقلها لـ»حماس». نتنياهو يعرف أن وجود السلطة يعني استعادة النقاش حول حل الدولتين. يعرف أن «حماس» يهمها أنبوب الأكسجين حتى تتنفس، فلا برنامج سياسياً لها خارج إطار البرامج الكبرى والربانية للإخوان المسلمين، بمعنى أنها ليست حركة تحرير تنضبط وفق برنامج كفاحي يستخدم كل الوسائل من أجل «الإطاحة» بالاحتلال ليس كوجود بل كفكرة وممارسة أيضاً. على النقيض من ذلك، يعرف أن أي لقاء مع الرئيس عباس يعني الاستعداد أكثر لفكرة الدولة الفلسطينية ونقاش ملف اللاجئين. نتنياهو يعرف عميقاً منظمة التحرير والرئيس عباس بالنسبة لهم، فإن أصل الصراع ما حدث عام 1948 في دير ياسين وغيرها، وليس ما حدث على محور موراج كما تظن «حماس». كذلك الأمر بالنسبة لترامب، الرجل الهائج الذي تنطبق عليه مقولة «جعجعة بلا طحن». ترامب ليس صهيونياً أكثر من نتنياهو، لكن لشدة حماقته فإنه يصعب الحديث عن سياسة خاصة يتبعها. وإذا كانت كونداليزا رايس وزمرة المحافظين الجدد قد ابتدعوا زوراً «الفوضى الخلاقة»، فإن ترامب ابتدع «خلق الفوضى» في كل شيء. ومع ذلك فإن ترامب مثل «حماس» ومثل نتنياهو لا يريد أن يسمع كلمة دولة فلسطينية، وهو يعرف أن وجود محمود عباس في أي صورة يعني النقاش حول حل الصراع، الأمر الذي يعني موقفاً واضحاً من حل الدولتين. تخيلوا أنه لم يجب عن السؤال حول الدولة الفلسطينية، وأحال الموضوع لنتنياهو في إشارة إلى أن الموضوع لا يعنيه. وجود السلطة في غزة لا يعني أنها طرف في مستقبل غزة فقط، بل إن الدولة الفلسطينية يتم وضعها من جديد على طاولة القرار الأممي. في ظل هذا السياق، فإن المطلوب أن تقوم السلطة بخطوات أكثر وأبعد من مجرد خطة خدماتية، بل خطة سياسية تقوم على فرض سيادة دولة فلسطين على قطاع غزة. المشكلة الحقيقة بالنسبة للعالم تكمن حقيقة في سياسات إسرائيل أولاً، وثانياً في عدم وضوح معالم اليوم التالي للحرب، اليوم الذي سيعود الناس من خيامهم ليجدوا ركام بيوتهم المسكن الأنسب بالنسبة لهم. العالم لا يعرف من سيكون في غزة في اليوم التالي، وعليه فلا يمكن له الحديث أو الضغط من أجل اليوم التالي. وحين لا يعرف العالم من هي الجهة التي ستدير قطاع غزة، فإنه لن يضغط كثيراً من أجل تسريع نهاية الحرب والوصول لذلك اليوم التالي غير المعلوم. إن وجود جهة فلسطينية يتم تشكيلها بعيداً عن رغبات الأطراف الثلاثة الرافضة لدور السلطة («حماس» وإسرائيل وواشنطن) ودون مشاورتها، والقول إن هذه الجهة هي التي تقود غزة الآن، وتباشر عملها في داخل غزة، وتصطدم مع أي جهة تعيق عملها وتكون محمية بأطر شعبنا، إن وجود هذه الجهة هو فقط من يجعل السلطة عنواناً في النقاش حول مستقبل غزة. نتنياهو يرى الأزمة بأنها أزمة اقتصادية وليست أكثر من ذلك، وحتى النقاش بين أوروبا وإسرائيل يتم فيه تثبيت هذه المقولة من خلال وقف العقوبات الإسرائيلية مقابل مزيد من الشاحنات لغزة. فقط السلطة الفلسطينية وإجراءاتها وتثبيت أذرعها في غزة دون مشاورة أحد وخطتها السياسية التي يتم تبنيها من قبل المجتمع الدولي، يمكن لها أن تعيد النقاش حول جوهر مستقبل غزة السياسي واستعادة دورها كجزء من دولة فلسطين. هذا الدور لن يمنحه أحد للسلطة، بل يجب أن تنتزعه وتفرضه عبر إرادة سياسية واضحة، وإذا لم تقم بذلك فلن يعطيها إياه أحد؛ وسيظل دوراً مفقوداً ومنتظراً.