logo
توثيق الدروب القديمة بين السراة وتهامة بمنطقة الباحة

توثيق الدروب القديمة بين السراة وتهامة بمنطقة الباحة

سعورسمنذ 3 أيام
في هذا السياق، شُكّلت الدروب القديمة في جبال السراة بالباحة -والتي تُعرف محلياً ب"العقاب"- كحلقات وصل بين مناطق السراة المرتفعة وبلاد تهامة المنخفضة، حيث تمر عبر الأودية والجبال، وتتوزع على امتداد المنطقة لتيسير الانتقال بين القرى والمدن في ظروف مناخية وجغرافية متنوعة. وقد نشأت هذه الدروب القديمة لأغراض اقتصادية وتجارية وزراعية، فضلاً عن دورها التاريخي في ربط المناطق ببعضها، ونقل السكان من المدن والقرى المرتفعة شديدة البرودة إلى بطون الأودية ومنها وادي الخيطان ووادي دوقة ومحافظتي المخواة وقلوة الأكثر دفئًا.
انطلقت أعمال المسح الأثري والتوثيق العلمي للدروب القديمة (العقاب) بين السراة وتهامة في منطقة الباحة ، وكان من أهم أهداف المسح: حصر جميع الدروب القديمة الواقعة بين جبال السراة وتهامة، وتوثيق مواقعها الجغرافية، والتعرف على عناصرها المعمارية والوظيفية، وتوثيق خصائصها التاريخية والبيئية، وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات لدعم الدراسات المستقبلية حول حركة النقل القديمة في المنطقة، وإبراز الأهمية التاريخية والحضارية للدروب كشبكة نقل تقليدية، لها أبعاد اقتصادية واجتماعية ودينية.
وفي سبيل ذلك، تم تنفيذ أعمال حصر ميداني شمل جميع المواقع الممكنة من جنوب غربي محافظة بلجرشي إلى أقصى جبال السراة شمال غربي محافظة المندق، ضمن القطاعين الجبلي والتهامي من المنطقة.
عقب الانتهاء من أعمال المسح الميداني، قام الفريق بزيارة كل درب من الدروب وتوثيق استماراته المعتمدة، وتسجيل بيانات دقيقة شملت: عناصره المعمارية، وخصائصه الجغرافية، وتضاريسه. وتفاوتت المسافات التي سارها الفريق بحسب وضع الدرب، تصل مابين 500م إلى 900م.
وقد بلغ عدد الدروب المكتشفة 35 دربًا قديمًا، توزعت جغرافيًا كالتالي: مدينة الباحة: 11 دربًا، وهو العدد الأكبر في المنطقة، محافظة المندق: 10 دروب، محافظة بلجرشي: 8 دروب، محافظة بني حسن: 6 دروب، ومحافظة الحجرة: 5 دروب.
أظهرت النتائج أن غالبية الدروب المكتشفة لم تكن ممهدة بالكامل، بل تمثلت في مسارات تقليدية وعرة محفورة في الصخور أو ممهّدة بوسائل بدائية. واستخدمت في بنائها الحجارة الجبلية المحلية، وظهرت فيها بعض العناصر المعمارية مثل الأكتاف والجدران الساندة والاستراحات الجانبية.
وقد تراوحت اتساعات هذه الدروب بين 80 سم و1.3 متر، بحسب طبيعة الاستخدام. كما تبين أن بعضها كان مخصصاً لسير الدواب والجمال، فيما صممت أخرى لتُستخدم من قبل الأفراد سيراً على الأقدام.
أشارت نتائج المسح إلى أن الدروب القديمة "العقاب" تمثل نماذج أصيلة من شبكات النقل القديمة، وقد استُخدمت لأغراض متعددة أبرزها التجارة والتنقل الموسمي ونقل المؤن والمحاصيل. واعتمد بناؤها على الحجارة المحلية، وراعى المنشئون الانحدارات والانحناءات لتسهيل حركة القوافل والمشاة، ما يبرهن على مستوى متقدم من المعرفة الجغرافية والبنائية.
ويُرجح أن تاريخ إنشاء هذه الدروب يعود إلى بدايات العصور الإسلامية، أي ما يزيد على 1000 سنة، وفقًا للمقارنات الأثرية والمرجعية التاريخية التي وردت في الدراسات ذات الصلة.
تشير المعطيات إلى تشابه دروب "العقاب" في الباحة مع درب "أبا القد" الأثري بمنقطة جبال طويق، والذي يُعتقد أن تاريخه يعود إلى ما قبل عام 1400م. ويُعد "أبا القد" من المسارات القديمة التي استخدمتها القوافل في طريقها إلى مدينة الرياض من الغرب، ويمتد لمسافة 1000م، ومرّ بعدد من مراحل الترميم آخرها في عهد الملك عبدالعزيز -طيب لله ثراه-، وأظهرت الأعمال أن كلا الدربين يتميزان بأهمية استراتيجية، ونشأا لخدمة أنماط النقل التاريخي والاقتصادي.
كما كشفت المقارنة مع درب "كرا" في محافظة الطائف -أحد دروب الحج القديمة- عن بعض نقاط التقاطع من حيث الوظيفة العامة، لكنه يختلف في تفاصيله المعمارية. حيث يتكون درب "كرا" من مسارين: أحدهما للمشاة والآخر للجمال، ويمر عبر وادي المحرم ثم جبال الهدا الشاهقة نزولًا إلى وادي نعمان. ويبلغ طوله حاليًا بعد أن جرى تعبيده نحو 75 كم. وتشير المصادر إلى أن الطريق استُخدم قديمًا من قبل الحجاج، وعرف عنه الوعورة وكثرة المرتفعات، ما يجعل خصائصه تختلف عن دروب "العقاب" في الباحة التي أظهرت استراحات جانبية واضحة وانحناءات أكثر سلاسة في بعض المواقع.
إن النتائج التي توصل إليها هيئة التراث من خلال هذا المسح الشامل تسهم في إعادة إحياء ذاكرة المكان، وتؤكد أن منطقة الباحة لعبت دورًا محوريًا في تاريخ الطرق القديمة في الجزيرة العربية. وتأتي هذه الجهود استكمالًا لمشاريع التوثيق الوطني التي تهدف إلى إبراز الموروث الثقافي للمملكة، وتعزيز حضورها التاريخي في ممرات التجارة والحج، وتقديمه كمرجع علمي للأجيال القادمة.
جزء من درب «عقبة» نعاش
جزء من درب «عقبة» الأبناء
باحثون ميدانيون يوثقون مواقع الدروب القديمة «العقاب»
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

باحث سعودي في 'MIT' يطوّر نظامًا متقدمًا لرصد العواصف يدعم مستهدفات الاستدامة في رؤية 2030
باحث سعودي في 'MIT' يطوّر نظامًا متقدمًا لرصد العواصف يدعم مستهدفات الاستدامة في رؤية 2030

سويفت نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • سويفت نيوز

باحث سعودي في 'MIT' يطوّر نظامًا متقدمًا لرصد العواصف يدعم مستهدفات الاستدامة في رؤية 2030

واشنطن – واس :يُجري طالب دكتوراة سعودي في الهندسة المدنية والبيئية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أبحاثًا نوعية تهدف إلى تطوير أدوات ذكية لرصد وتحليل العواصف الرملية، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وبيانات الأقمار الصناعية، لتغطية مناطق واسعة في المملكة العربية السعودية والصحراء الكبرى في أفريقيا، في مشروع يربط بين البحث العلمي ومتطلبات الاستدامة البيئية.وحصل الباحث السعودي، المبتعث من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية 'كاكست' فيصل الناصر، حصل على جائزة (MIT) للبيانات المفتوحة لعام (2024)، تقديرًا لإسهامه في توفير بيانات استشعار عن بُعد في مناطق تفتقر إلى بنية تحتية لرصد الأحوال الجوية، وهو ما يعزز إمكانات المراقبة المناخية في البيئات الصحراوية.ونُشرت للناصر ثلاثة أبحاث علمية محكّمة ضمن هذا المشروع، تناولت دراسة تأثير المحميات الطبيعية في تقليل العواصف الرملية، كما فتحت آفاقًا واعدة لتطوير أنظمة إنذار مبكر تسهم في حماية الأرواح والحدّ من الخسائر الاقتصادية الناتجة عن العواصف الترابية.ويُبرز هذا المشروع مكانة المملكة المتقدمة في توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال البيئي، ويعكس توجهها نحو دعم الأبحاث التطبيقية ذات الأثر المباشر، كما يسهم في تعزيز التعاون البحثي الدولي في قضايا التغير المناخي والعواصف الترابية التي تؤثر في ملايين السكان سنويًا.وتُجسد أبحاث فيصل الناصر أحد النماذج الملهمة لبرنامج الابتعاث النوعي، الذي يدعم الكفاءات السعودية الشابة لتقديم حلول مبتكرة للتحديات البيئية، بما يتماشى مع مستهدفات المملكة في الريادة العلمية والتنمية المستدامة ضمن رؤية (2030). يذكر أن 'كاكست' ابتعثت نحو (55) باحثًا وباحثة إلى معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) خلال الـ 8 سنوات الماضية، كما دعمت عبر برنامج زمالة ابن خلدون (55) باحثة من حملة الدكتوراة خلال مسيرتهن البحثية والمهنية في المعهد.

يدعم مستهدفات الاستدامة.. باحث سعودي في «MIT» يطوّر نظامًا متقدمًا لرصد العواصف
يدعم مستهدفات الاستدامة.. باحث سعودي في «MIT» يطوّر نظامًا متقدمًا لرصد العواصف

صحيفة عاجل

timeمنذ يوم واحد

  • صحيفة عاجل

يدعم مستهدفات الاستدامة.. باحث سعودي في «MIT» يطوّر نظامًا متقدمًا لرصد العواصف

يُجري طالب دكتوراة سعودي في الهندسة المدنية والبيئية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أبحاثًا نوعية تهدف إلى تطوير أدوات ذكية لرصد وتحليل العواصف الرملية، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وبيانات الأقمار الصناعية، لتغطية مناطق واسعة في المملكة العربية السعودية والصحراء الكبرى في أفريقيا، في مشروع يربط بين البحث العلمي ومتطلبات الاستدامة البيئية. وحصل الباحث السعودي، المبتعث من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية "كاكست" فيصل الناصر، حصل على جائزة (MIT) للبيانات المفتوحة لعام (2024)، تقديرًا لإسهامه في توفير بيانات استشعار عن بُعد في مناطق تفتقر إلى بنية تحتية لرصد الأحوال الجوية، وهو ما يعزز إمكانات المراقبة المناخية في البيئات الصحراوية. ونُشرت للناصر ثلاثة أبحاث علمية محكّمة ضمن هذا المشروع، تناولت دراسة تأثير المحميات الطبيعية في تقليل العواصف الرملية، كما فتحت آفاقًا واعدة لتطوير أنظمة إنذار مبكر تسهم في حماية الأرواح والحدّ من الخسائر الاقتصادية الناتجة عن العواصف الترابية. ويُبرز هذا المشروع مكانة المملكة المتقدمة في توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال البيئي، ويعكس توجهها نحو دعم الأبحاث التطبيقية ذات الأثر المباشر، كما يسهم في تعزيز التعاون البحثي الدولي في قضايا التغير المناخي والعواصف الترابية التي تؤثر في ملايين السكان سنويًا. وتُجسد أبحاث فيصل الناصر أحد النماذج الملهمة لبرنامج الابتعاث النوعي، الذي يدعم الكفاءات السعودية الشابة لتقديم حلول مبتكرة للتحديات البيئية، بما يتماشى مع مستهدفات المملكة في الريادة العلمية والتنمية المستدامة ضمن رؤية (2030). يذكر أن "كاكست" ابتعثت نحو (55) باحثًا وباحثة إلى معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) خلال الـ 8 سنوات الماضية، كما دعمت عبر برنامج زمالة ابن خلدون (55) باحثة من حملة الدكتوراة خلال مسيرتهن البحثية والمهنية في المعهد.

"الدارة" تُفعّل أطلس السيرة النبوية "رقميًّا"
"الدارة" تُفعّل أطلس السيرة النبوية "رقميًّا"

سعورس

timeمنذ 2 أيام

  • سعورس

"الدارة" تُفعّل أطلس السيرة النبوية "رقميًّا"

وتُركّز الحسابات على استعراض مضامين الأطلس، الذي يُعد من أبرز المشروعات المعرفية في مجال توثيق السيرة النبوية، إذ يجمع بين الدّقة الميدانية، والتحليل العلمي، والتقنيات البصرية، بما يُسهم في تيسير فهم السيرة، وتسلسل أحداثها، وربطها بالمكان والحدث. وتتنوع موضوعات الأطلس التاريخي للسيرة النبوية من لحظة قدوم إبراهيم -عليه السلام- إلى مكة المكرمة ، وبناء الكعبة المشرّفة وتطوّر عمرانها عبر التاريخ، وصولًا إلى ولادة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ليبدأ حينها توثيق أحداث السيرة النبوية كاملة. ويسير ذلك التوثيق وفق تسلسل زمني ومكاني يشمل مكة المكرمة والمدينة المنورة والمواقع المتصلة بأحداث السيرة في أنحاء الجزيرة العربية والمناطق المجاورة، وفق سرد علمي دقيق يجمع بين العمق التاريخي والامتداد الجغرافي. وتستعرض الحسابات الرقميّة الجديدة محتوى متكاملًا يُعيد سرد السيرة النبوية بلغة الخرائط والصور والرسوم التوضيحية والجداول الإحصائية، مزودة بنصوص موجزة تُيسّر فهم تسلسل الأحداث وربطها بالمكان والحدث. ويتميّز السّرد بأسلوب يدمج بين المنهج العلمي والتجربة، ويستعرض مرحلتي العهد المكي والمدني، مع تسليط الضوء على الأبعاد الحضارية في سيرة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، بما في ذلك الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والعسكرية والعمرانية. وتُسهم تلك المزايا في توضيح ثراء السيرة وتكاملها في مختلف ميادين الحياة؛ مما يجعل من الحسابات الرقمية للأطلس مرجعًا غنيًّا ييسر استيعاب الوقائع التاريخية، واستحضار قيم السّيرة النبوية، ويساعد على استلهام دروسها. وتسعى دارة الملك عبدالعزيز من خلال هذا التوجّه الرقميّ إلى تأكيد أنّ السيرة النبوية ميراث حيّ يُمكن أن يُروى بلغات العصر وأدواته، في ظل ما توليه المملكة العربية السعودية من عناية بالرسالة الخالدة، وحرصها على أن تبقى مضامينها حاضرة في وعي الأجيال، وراسخة في ذاكرة الأمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store