
بريكس تحت الضغط الأميركي.. قمة ساخنة في ظل تهديدات ترامب
لكن خلف التصريحات، تتكشف خطوط توتر جديدة في بنية الاقتصاد العالمي، وتتقاطع فيها طموحات دول الجنوب مع استراتيجية الردع الاقتصادي الأمريكي، فيما يبدو صراعًا ناعمًا على موازين القوة والتأثير.
بريكس من 5 إلى 11.. توسع نوعي وعبء إضافي
توسعت مجموعة بريكس مؤخرًا من خمس دول إلى إحدى عشرة دولة، وهو ما منحها وزنًا سياسيًا واقتصاديًا متزايدًا. ويُنظر إلى هذا التوسع على أنه لحظة مفصلية في مسار المجموعة، التي أُنشئت في الأصل لتكون كيانًا مستقلًا عن النظام الغربي وهيمنة الدولار.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور حميد الكفائي، الكاتب والباحث السياسي، خلال مداخلة عبر "سكاي نيوز عربية"، إن "ما يقوله ترامب بخصوص بريكس صحيح، فهي أُنشئت لتكون مستقلة عن الولايات المتحدة، لكن ترامب يعظم من خطر المجموعة حين يستهدفها كتهديد مباشر".
ورغم اعترافه بأهمية البريكس، يشير الكفائي إلى أنها "ما تزال في طور التشكّل"، وأنها تحتاج إلى "عشرات السنين لتكون لها سياسات اقتصادية موحدة أو حتى متقاربة".
الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يخفِ استياءه من مساعي بريكس لاعتماد عملات بديلة عن الدولار في التبادلات التجارية. وأعاد التهديد بفرض تعريفات جمركية جديدة بنسبة 10% على الدول الأعضاء الجدد أو الطامحين للانضمام.
ويضيف الكفائي: "ترامب قالها صراحة: من يحاول منافسة الدولار سيُستهدف بالتعريفات الجمركية"، لكنه يؤكد أن "الدولار لا يمكن أن تهدده أي عملة جديدة، فهو مؤسس منذ 200 عام وسيبقى".
إلا أن تنامي مشاريع العملات الإقليمية والتفاهمات النقدية الثنائية، خاصة بين الصين و روسيا و الهند ، تمثل خطوة استراتيجية لتقليص الاعتماد على الدولار، حتى وإن لم تكن قادرة على إسقاط هيمنته في المدى المنظور.
تصريحات ترامب التي تلوّح بالرسوم الجمركية لا تستهدف بريكس كمجموعة فقط، بل تعكس استراتيجيته في "تجزئة التكتلات" والتعامل الثنائي مع كل دولة على حدة.
ويعلّق الكفائي قائلا: "كل دولة من بريكس لها علاقة ثنائية مع الولايات المتحدة، وبالتالي من الصعب استهدافها كمجموعة متجانسة". هذه السياسة، كما يرى، "ليست جديدة على إدارة ترامب التي تبحث دائمًا عن صفقات"، وهي تهدف بالأساس إلى دفع الدول لعقد اتفاقات منفصلة مع واشنطن، تحت طائلة التهديد بالتعريفات.
لكن المفارقة، كما يلفت الكفائي، أن "هذه الرسوم تضرّ أيضًا بالاقتصاد الأميركي نفسه، وقد رأينا ذلك في الاتفاق مع الصين، إذ خفّض ترامب الرسوم من 150% إلى 10% بعد جولات تفاوضية مرهقة".
التحدي المؤسسي.. هل تخرج بريكس من مرحلة التباين؟
ورغم توسّع المجموعة، لا تزال تواجه تحديات مؤسسية كبيرة تتعلق بغياب التكامل الاقتصادي والسياسي الحقيقي بين أعضائها. الكفائي يؤكد أن "بريكس كيان ناشئ، وتباين المصالح بين أعضائها كبير، ما يجعل من الصعب أن تتحول إلى قوة موحدة مؤثرة في المدى القريب". لكن في المقابل، فإن الرغبة في تجاوز نظام عالمي أحادي القطبية يُعد حافزًا كبيرًا لهذه الدول للاستمرار في تنسيق جهودها، خاصة في مجالات الطاقة، وتكنولوجيا المعلومات، والتمويل.
في خلفية هذا المشهد، يبرز تحذير الكفائي من أن "الرسوم الجمركية التي يهدد بها ترامب مخالفة صريحة لقواعد منظمة التجارة العالمية"، والتي نصّت على وجوب المساواة بين الدول في فرض الرسوم.
ويتابع: "الاقتصاد العالمي انتقل من النظام المتعدد الأطراف إلى اتفاقات ثنائية"، في إشارة إلى ضعف دور المؤسسات الدولية في تنظيم التجارة والحدّ من الحروب الاقتصادية.
التحولات القادمة.. هل تتغيّر قواعد اللعبة؟
في ضوء هذه الديناميكيات، يبدو أن قمة البريكس في البرازيل لم تكن مجرد لقاء روتيني. بل مثلت محطة لتثبيت التوسّع وطرح خيارات جديدة للتحوّط الاقتصادي والنقدي، وربما لرسم مسار مستقبلي نحو ما يمكن أن نسميه "بريكس 2.0"—نسخة أكثر تنسيقًا واستقلالًا، وأقل ترددًا في مواجهة الضغط الغربي.
في المقابل، تؤكد تصريحات ترامب أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام نشوء تكتل قد يهدد قواعد اللعبة التي أرستها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكنه في ذات الوقت، يُدرك أن تحجيم بريكس يتطلب أكثر من التهديدات، خاصة أن شركاء واشنطن أنفسهم باتوا يرون في هذا التكتل منصة لتوازن القوى، لا بالضرورة بديلاً للنظام القائم.
بريكس وترامب.. بين الشراكة والردع
قمة بريكس الأخيرة كشفت بوضوح حجم التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم. فالتوسع في العضوية، والنقاشات حول استخدام العملات المحلية، والرهان على الاستقلال الاقتصادي، كلها مؤشرات على تشكّل نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وفي المقابل، تؤكد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المواجهة لن تكون سهلة، وأن واشنطن ستسعى بكل أدواتها للحفاظ على موقعها القيادي في الاقتصاد العالمي.
لكن ما بين طموح بريكس للتموضع كقوة ناشئة، وإصرار ترامب على فرض قواعده، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الدول الصاعدة من تحويل التكتل إلى مظلة فعّالة ومؤثرة، أم سيبقى كيانًا رمزيًا في مواجهة عملاق اقتصادي لا يزال يمسك بمفاتيح اللعبة؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 34 دقائق
- البيان
واشنطن وموسكو.. الردع وحروب الوكالة
وبعدها فرنسا بعدد 290 رأساً، ثم المملكة المتحدة بعدد 225 رأساً، وبعدها تأتي كل من الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، بأعداد غير موثقة ولا مؤكدة لكل دولة، إلا أنها تقدر ما بين عشرات إلى مئات الرؤوس النووية لكل منها. والملاحظة الملفتة المهمة على تطور التسليح النووي وصولاً إلى وضعه الراهن، هي أن تسمية هذا التسليح «قوة ردع» للأطراف التي تمتلكه، ليس فقط عن استخدامه، بل وأيضاً عن الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة بين بعضها البعض. فلم تدخل أي من الدول التسع التي تأكد امتلاكها للسلاح النووي أي مواجهة مع أي من الدول الأخرى، وكان الاستثناء الوحيد هو الهند وباكستان، اللتان دخلتا حربين تقليديتين واسعتين بعد حربهما الأولى عام 1947، في عام 1965 وبعدها عام 1971، والاشتباكات التي وقعت أخيراً قبل أسابيع عدة. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بدء تطبيق مختلف معاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية والنووية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، امتلكت كل من الدولتين عشرات الآلاف من الرؤوس النووية، التي وصلت في النهاية بعد تخفيض أعدادها للأرقام المشار إليها في مقدمة هذا المقال. وبالرغم من هذا، أو ربما بسبب هذا، فلم يحدث طوال هذه السنين أن جرت أي مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا (وقبلها الاتحاد السوفييتي) وبين الولايات المتحدة، على الرغم من حدة المواجهة السياسية والفكرية والاقتصادية وسباق التسلح بينهما لعقود طويلة. وكان الاستثناء الوحيد «الساخن» خلالها هو أزمة خليج الخنازير عام 1962، عندما نشرت موسكو صواريخ نووية في كوبا الحليفة على الحدود الأمريكية، بينما وجهت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون صواريخهم النووية نحو موسكو. وغير هذه الأزمة التي تم احتواؤها، فقد جرت الحروب بين واشنطن وموسكو بطريق الوكالة وبعيداً تماماً عن المواجهة العسكرية المباشرة. جرى هذا في الحرب بين الكوريتين الشمالية والجنوبية (1950 - 1953). وفي الحرب الأمريكية في فيتنام (1956 - 1975)، والغزو السوفييتي لأفغانستان (1979 - 1989)، فضلاً عن الصراع العربي – الإسرائيلي الممتد، والحروب التي اندلعت في يوغسلافيا بعد تفككها في تسعينيات القرن الماضي. وحتى اللحظة، وعلى الرغم من التباين الواضح بين موقف إدارتي الرئيسين الأمريكيين جو بايدن ودونالد ترامب في التعامل مع هذه الحرب. فالمؤكد المشترك بينهما هو أن كلاً من واشنطن وموسكو تبدوان ملتزمتين بالسعي لتجنب المواجهة العسكرية المباشرة، وحرص كل منهما على استخدام ما لديها من قدرات حربية هائلة، وخصوصاً النووية منها، فقط لما استقرت عليه سياساتها منذ امتلاك السلاح النووي، وهو الردع به للطرف الآخر بما يحول نهائياً دون مثل هذه المواجهة العسكرية المباشرة.


البيان
منذ 34 دقائق
- البيان
الأسهم العالمية تتحدى رسائل «رسوم ترامب»
تباين أداء الأسهم الأمريكية أمس، وسط محاولة المستثمرين استيعاب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.2% أو 82 نقطة، فيما استقر مؤشر «إس آند بي 500»، وارتفع «ناسداك» المركب بنسبة 0.2% . جاءت مكاسب مؤشر التكنولوجيا على إثر صعود سهم إنفيديا بنسبة 0.55% إلى 159.1 دولار، وارتفاع سهم تسلا بنسبة 1% إلى 296.78 دولار، بعد خسائر قوية في الجلسة السابقة بلغت 6.1%. وشهدت وول ستريت موجة بيع في بداية الأسبوع الجاري، عقب إعلان ترامب فرض رسوم بنسبة 25% على اليابان وكوريا الجنوبية، ما دفع داو جونز للتراجع بأكثر من 400 نقطة الاثنين. واستقرت الأسهم الأوروبية، في وقت يعكف فيه المتعاملون على تقييم مقترحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجديدة بشأن الرسوم الجمركية على مجموعة من الدول. وخلال الجلسة انخفض «ستوكس الأوروبي 600» بنسبة طفيفة 0.1%، وفي حين تراجع كاك الفرنسي بنسبة 0.2%، وارتفع داكس الألماني هامشياً بنسبة 0.01%، فيما لم يتغير فايننشال تايمز البريطاني، وارتفع هامشياً أيضاً بنسبة 0.07%، وارتفع فوتسي الإيطالي 0.04%. وتراجعت أسهم قطاع العقارات 0.6 %، بينما ارتفع قطاع الموارد الأساسية 0.7 في المئة. وصعد سهم شركة أرجين إكس البلجيكية للتكنولوجيا الحيوية 1.4 في المئة بعد أن رفع دويتشه بنك تقييم سهمها. وعلى صعيد البيانات انخفضت الصادرات الألمانية أكثر من المتوقع في مايو مع تراجع الطلب من الولايات المتحدة للشهر الثاني على التوالي بعد فترة من المشتريات القوية تحسباً للرسوم الجمركية الأمريكية. اليابان وارتفع المؤشر نيكاي الياباني مدعوماً بتراجع الين، وبمنح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهلة إضافية ثلاثة أسابيع لمفاوضات الرسوم الجمركية. وصعد نيكاي 0.26% إلى 39688.81 نقطة، وزاد المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.17%. وتلقت أسهم شركات التصدير اليابانية ذات الثقل على المؤشر دعماً من تراجع الين، إذ أدت نسب الرسوم الجمركية الجديدة، التي أعلنها ترامب لارتفاع واسع النطاق للعملة الأمريكية خلال الليل، ويسهم انخفاض الين في رفع قيمة الإيرادات المتحققة من الخارج. وكان قطاع الرقائق من القطاعات الأفضل أداء، إذ تقدم سهم أدفانتست 2.5%، وقفز سهم فوروكاوا إلكتريك 6.5%. وارتفعت أسهم معظم شركات صناعة السيارات، إذ صعد سهم هوندا 0.8% وزاد سهم تويوتا 0.5%، غير أن سهم نيسان التي تمر بمشكلات انخفض لليوم الثالث على التوالي، وخسر 6.4% ليكون أكبر الخاسرين على نيكاي بالنسبة المئوية.


البيان
منذ 35 دقائق
- البيان
مستقبل المنطقة ومقاومة التغيير
والإصرار على المضي قدماً في أن تكون عقيدة الدول قتالية فقط، سواء استناداً على أيديولوجيا سياسية أو تفسيرات دينية، يبقي على هذه الدول في خندق الدول المنهكة. وهذا لا يعني أبداً ضعف الدولة أو التخلي عن الأرض أو التضحية بالحقوق. هذه نقرة، وتلك أخرى. التاريخ يخبرنا أن هناك جماعات ومجموعات تستمد شرعيتها من الإبقاء على الدول والمجتمعات في حالة حرب. الانغماس على مدار عقود في التغني بروعة الماضي، أو الإبقاء على الشعوب على وضعية الاستعداد للحرب، أو العزلة بحجة الخصوصية، أو مباكرة التطرف والتشدد بذريعة التدين، أمور أثرت سلباً على الوعي والمعرفة. كما أثرت سلباً على الاهتمام بقضايا مصيرية أخرى مثل تغير المناخ، وشح المياه، والتحولات الديموغرافية، والتطورات الاجتماعية والنفسية الناجمة عن عصر الذكاء الاصطناعي واطلاع أجيال بأكملها على عوالم مختلفة تماماً عن تلك التي تعيش فيها. أجاب: يمكن للدول أن تحقق بعض النجاح بمعزل عن بعضها البعض، لكن الازدهار على المدى الطويل، لا سيما ضمن منطقة جيوسياسية، يكون أكثر صعوبةً دون تعاون وترابط. وهنا، تؤدي العزلة إلى ضياع فرص النمو الاقتصادي والأمن والابتكار. ومع ذلك، يمكن للدول اتباع سياسات الاستقلال الاستراتيجي، ولكن يظل الازدهار للمنطقة ككل أنجع وأكثر استدامة.