
من جدران صامتة إلى بيئة تلهم وتحتضن وتنمو (8)
اضافة اعلان
لا يمكن أن نحلم بمدرسة جديدة، ونبقي الجدران كما هي. لا يمكن أن نتحدث عن الحرية والابتكار والخيال، والطفل يجلس على نفس الطاولة، أمام نفس السبورة، في فصلٍ مقسّم كما لو كان مصنعًا للانضباط.بيئة التعلّم ليست مجرد كراسي وطاولات، بل هي رسالة صامتة تقول للطفل من اللحظة الأولى: «من أنت؟ وماذا ننتظر منك؟»حين ندخل فصلًا خافت الضوء، مكتظًا بالمقاعد، موجهًا نحو المعلم فقط، فإننا نقول للطفل: اجلس، استمع، ولا تتحرك.وحين نضع فصولًا بلا مساحات مرنة، بلا زوايا تفكير، أو أماكن عمل جماعي، فإننا نخبره دون أن نصرّح: التعلم يحدث فقط حين تجلس في مقعدك، وتُجيب كما يُطلب منك.لكن، ماذا لو عدنا إلى فطرة الطفل، التي تتعلم بالحركة، بالاكتشاف، بالتحول؟بيئة التعلّم في مدرسة المستقبل لا تُبنى لتقييد الحركة، بل لتنظيمها. لا تُجهّز لتوجيه السلوك، بل لتحفيز التفكير.الجدران فيها ليست فقط لوضع اللوحات، بل لحمل الأسئلة، وعرض التجارب، واستقبال محاولات لم تكتمل بعد.المساحة ليست محايدة، بل تنبض بروح المكان والناس.نحتاج إلى بيئة مرنة تتحرك بتغير الحاجة.فصلٌ يمكن إعادة ترتيبه بحسب نوع النشاط: مرة لدوائر نقاش، مرة للعمل الفردي، مرة لبناء مشروع جماعي.طاولات قابلة للتحول، مقاعد يمكن سحبها بسهولة، زوايا هادئة للتأمل أو لقراءة فردية، ومساحات عمل مفتوحة تحفز التعاون.ولا ننسى المساحات خارج الصف: الممر ليس فقط ممرًا، بل يمكن أن يكون معرضًا للأفكار.الساحة ليست فقط مكانًا للاستراحة، بل مسرحًا للحوار، للتجريب، للعرض.بيئة التعلّم لا تنحصر داخل أربعة جدران، بل تمتد لتصنع تواصلًا حيويًا بين الداخل والخارج، بين المدرسة والحياة.وفي البيئة الجديدة، الضوء الطبيعي مهم، والألوان ليست زينة بل حالة نفسية.الصوت يُدار، لا يُخنق.والرائحة والنظام والتهوية ليست تفاصيل، بل عناصر تؤثر في المزاج، والانتباه، والتواصل.وإذا دخل الذكاء الاصطناعي إلى هذه البيئة، فليكن عونًا في تصميمها.تخيلي نظامًا ذكيًا يقترح توزيع الأثاث حسب نوع التعلم، أو يراقب مستويات الضجيج ويقترح مناطق هدوء، أو يساعد الطفل على اختيار الزاوية التي تناسب حالته النفسية في هذا اليوم.بيئة التعلّم الذكية لا تراقب الطفل، بل تصغي له، وتتكيف معه.وإلى جانب إعادة تشكيل الفضاء المادي، علينا أن نُعيد تشكيل علاقة الطفل بالبيئة التي يتعلم فيها، فالتعلّم لا يكتمل إلا حين يشعر الطفل بأنه شريك فعلي في بناء بيئته التعليمية.لذلك، يجب أن تكون البيئات التعليمية نتاج تعاون مستمر بين الطفل والمعلم والأسرة، حيث يشارك الطفل في اختيار الزوايا التي تلهمه، ويعبر عن احتياجاته، ويشارك المعلمون في ابتكار مساحات محفزة تراعي التنوع في أنماط التعلم، بينما تدعم الأسرة هذه التجربة بتفاعلها الإيجابي.هذا التشارك يعزز شعور الطفل بالانتماء والتمكين، ويحوّل المكان من مجرد فصل إلى بيته الثاني، حيث يزدهر فضولُه ويُعزّز حافزه الداخلي.كما يجب أن يكون هذا التحول في بيئة التعلّم استداميًا، بحيث لا يقتصر على تغييرات شكلية أو مؤقتة، بل يدخل ضمن ثقافة المدرسة وعملياتها اليومية، ويتوافق مع قيمها وأهدافها التربوية.فلا يكفي أن نُعيد ترتيب الطاولات لمرة واحدة، بل نحتاج إلى آليات مستمرة لتطوير المكان تواكب نمو الطفل وتغيراته،وتحافظ على دفق الإبداع والحرية التي طالما حلمنا بها.ونحن لا نطالب بميزانيات هائلة. نطالب فقط بإرادة جديدة ترى في الجدار مساحة تفكير، وفي المقعد أداة تحفيز، وفي الضوء مدخلًا للصفاء.قد نبدأ بتغيير زاوية واحدة. قد نعيد تصميم ركنٍ صغير ليكون مساحة للتجريب.المهم أن نبدأ. أن نعيد النظر في علاقتنا بالمكان، لأنه يعلّم كما يُعلّم المعلم.البيئة التي نحلم بها، لا تقول للطفل «كن هادئًا»، بل تقول له: «كن على طبيعتك».لا تدفعه للانضباط فقط، بل تدعوه للحياة.حين تتحرّر بيئة التعلّم من قيود الشكل التقليدي، وتتحوّل إلى فضاء ينبض بالحياة، نكون قد لمسنا أول خيط من خيوط التغيير.لكن، المكان ليس سوى انعكاس لفلسفة أعمق.فالبيئة التي تقول للطفل «كن على طبيعتك»، تحتاج إلى تعليم يقول له أيضًا: «اصنع طريقك.»والمقعد المرن، والإضاءة الطبيعية، وزوايا التأمل… كلها بلا معنى إن كانت تسكن داخل نظام لا يزال يرى الطفل رقماً،ويقيس تعلّمه بالوقت لا بالبصيرة.لهذا، فإن إعادة تصميم الفضاء ليست غاية، بل إشارة إلى أن هناك تحولًا أكبر قادم- تحول في معنى التعليم نفسه.ما بعد البيئة، يأتي السؤال الأكبر: هل ما نُدرّسه، وكيف نُدرّسه، ما زال مناسبًا لعالم تغيّر جذريًا؟ هل أدواتنا ومناهجنا كافية لطفلٍ سيعيش في زمن تصنعه الخوارزميات، ويُختبر فيه الإنسان لا بما يعرف، بل بما لا يمكن نسخه؟من هنا تبدأ الرحلة الأخيرة في هذه السلسلة:من تعليم يُحاكي الحاضر، إلى تعليمٍ يُبنى ليستبق المستقبل.*مستشارة أولى في التعليم المبكر وقيادة المؤسسات التعليمية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ يوم واحد
- رؤيا نيوز
تفسير رؤية الغابة في المنام .. وعلاقتها بالظروف المادية المتعثرة
تفسير رؤية الغابة في المنام لابن سيرين: الغابة في المنام لـ ابن سيرين تعنى الوقوف بثبات وقوة بين المشاكل والأزمات التى تتكالب من كل اتجاه والعمل الدؤوب على حلها والتخلص منها دون أدنى أذى أو ضرر، أما الذي يقوم بالجرى سريعًا فى الغابة، فهذا يعنى أنه شخص متسرع لا يدرس الخطوات المستقبلية قبل القيام بها لا يدرك خطورتها، لذا عليه بالحذر والتمهل فى اتخاذ القرارات الهامة الخاصة بالمستقبل. أما الذي يربت على الحيوانات في الغابة فإنه شخص قوى وجرئ له نفس عامرة بالإيمان مطمئنة به، فلا تخشي تقلبات الحياة الدنيا أو المتاعب والصعوبات التي تتعرض لها. تفسير رؤية الغابة في المنام للعزباء: الغابة في المنام للعزباء خاصة وإن كانت كثيفة الأشجار فإنها إشارة إلى الوفير من الفرص الذهبية في العديد من المجالات ما على الرائية سوى اقتناصها واستغلالها من أجل تحقيق النجاح والمكاسب، أما إذا رأت الفتاة أنها تسير في الغابة بنفس مطمئنة وسعيدة فتلك دلالة على أنها تعيش حالة من العواطف المشاعر الصادقة وتغمرها السعادة وتشعر بالأمان مع الحبيب. الغابة في المنام للعزباء تعبر عن كثرة العقبات والصعوبات في حياتها لكنها تملك نفس قوية وشخصية تملأها العزيمة تواجه التحديات والصعاب في قوة ورباطة جأش دون خوف من العواقب، لكن العزباء التي تسير في الغابة بمفردها تشعر بالخوف فإنها تبحث عن شريك الحياة المناسب حيث أنها تمر باحتياج عاطفي يؤمن لها حياة مستقرة سعيدة مليئة بالمحبة.


الغد
منذ 3 أيام
- الغد
صندوق الأمان يطلق حملة العودة للتعليم لعام 2025 لاستقبال فوج جديد من الشباب الأيتام
أطلق صندوق الأمان لمستقبل الأيتام حملته السنوية للعودة للتعليم لهذا العام تحت شعار "أنت سندي – تبرع لأكمّل المشوار"، بهدف استقبال 75 مستفيد جديد من الشباب الأيتام سواء من خريجي دور الرعاية أو من الأيتام ذوي الظروف المادية الصعبة من مختلف محافظات المملكة ممن أتموا سن ال 18 وانقطعت عنهم سبل الدعم. اضافة اعلان يسعى صندوق الأمان من خلال حملته التي تستمر خلال شهري تموز وآب إلى تعزيز وعي المجتمع والأفراد والشركات بأهمية دعم الشباب الأيتام، تأكيدًا على مسؤولية الجميع في تحقيق التكافل الاجتماعي. ويدعو الصندوق إلى توجيه جزء من ميزانيات المسؤولية المجتمعية لدعمه، بهدف تمكين المزيد من الشباب من الاستفادة من برامجه التعليمية، والتي تشمل التعليم الجامعي والتدريب المهني، والمعيشية، من مصروف شهري، وسكن آمن، وتأمين صحي، إلى برامج تطوير الذات وبناء القدرات والصحة النفسية، من خلال تنمية المهارات الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والرقمية، لتعزيز ثقة الشباب بأنفسهم ورفع جاهزيتهم للانخراط في سوق العمل. تُسلّط حملة هذا العام الضوء على قصص الشباب الأيتام أنفسهم، حيث يشاركون رسائلهم وأحلامهم ويعبّرون عن امتنانهم العميق للمتبرعين الذين كانوا الداعم الأساسي في رحلتهم التعليمية، ويحثّونهم على الاستمرار في هذا العطاء لمواصلة مشوارهم مع الصندوق، إيمانًا برسالته وأثره. كما يوجّه الشباب شكرهم الخاص لكل من ساهم في حملة "س من الناس" خلال شهر رمضان، التي شكّلت نقطة تحوّل في حياتهم بتغطية كامل تكاليف الفصل الدراسي الثاني، ويجددون الدعوة للاستمرار في هذا الطريق النبيل إلى جانبهم. وفي تعليقها على إطلاق الحملة، قالت المدير العام لصندوق الأمان، السيدة نور الحمود: "مسؤوليتنا جميعًا أن نكون السند الحقيقي لشبابنا الأيتام؛ نمنحهم الأمان، ونوفر لهم الدعم اللازم لاستكمال مسيرتهم بثقة ونضعهم على الطريق الصحيح." وأضافت: "تُعد حملة العودة للتعليم ثاني أكبر حملاتنا السنوية، فمشاركة الأفراد والمؤسسات فيها تُشكّل فرصة حقيقية لفتح أبواب جديدة أمام الشباب الأيتام، وتزودهم بأهم الأدوات التي يحتاجونها ليعتمدوا على ذاتهم. فبوجود مجتمع يؤمن بهم و بقدراتهم، ويقف إلى جانبهم، يصبح كل شخص مصدر أمل وسند لشاب يتيم يسعى لتحقيق حلمه. " يمكن لجميع الأفراد تقديم تبرعاتهم وزكاتهم وصدقاتهم لدعم تعليم شباب الأمان الأيتام من خلال جميع طرق التبرع المتاحة والتي تسهل عملية الدعم سواء من خلال الاتصال بفريق الصندوق على رقمهم المباشر 065664427 أو زيارة مقر الصندوق الرئيسي في دابوق أو فرعه في سيتي مول، طابق P1. بالإضافة إلى خيار تقديم التبرعات عن طريق المنصات الإلكترونية مثل خدمة CliQ باسم Amanfund، إي فواتيركم، المحافظ الإلكترونية (زين كاش، أورانج موني، أمنية UWallet)، التطبيقات الإلكترونية (طلبات، كريم، وتطبيقات البنوك ضمن لائحة الجمعيات الخيرية)، أو عبر الموقع الإلكتروني: . تأسس صندوق الأمان لمستقبل الأيتام كمؤسسة غير ربحية عام 2006 بمبادرة من جلالة الملكة رانيا لتمكين الشباب الأيتام من خريجي دور الرعاية بعد سن الـ18 من خلال تزويدهم بمنح التعليم والدعم المعيشي والتطوير الذاتي والصحة النفسية.كما تشمل برامجه أيضاً فئة الشباب الأيتام من مختلف أنحاء المملكة الذين يواجهون ظروفًا اقتصادية صعبة تعيق استمرارهم في التعليم، حيث يتم تزويدهم بمنح تعليمية وفقًا لشروط ومعايير محددة، إلى جانب برامج التطوير الذاتي. منذ تأسيسه وحتى الآن دعم الصندوق نحو 4945 شاب يتيم منهم 66% من الإناث، وتخرج 3580 شاب وشابة، وحالياً يدعم الصندوق 697 على مقاعد الدراسة.


رؤيا نيوز
منذ 7 أيام
- رؤيا نيوز
دعاء فجر الجمعة.. اللهم اجعلنا في هذا اليوم من عبادك المقبولين
اللهم في فجر هذا اليوم المبارك، فرّج همي، ويسّر أمري، واكشف غمّي، وأزل عني ما أحزنني، إنك على كل شيء قدير. اللهم اجعل فجر يوم الجمعة بداية فرج لكل هم، ونهاية لكل حزن، وبداية لحياة طيبة ملؤها الطمأنينة والرضا. اللهم إني أسألك في هذا الفجر المبارك أن تشرح صدري، وتيسر لي أمري، وتفرج عني ما أهمّني، وتغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمّن سواك. اللهم اجعل صباح الجمعة فرجًا لكل صابر، وشفاءً لكل مريض، واستجابة لكل دعاء، فإنك لا تُعجزك حاجة ولا يخفى عليك حال. يا الله، يا واسع الرحمة، اجعل هذا الفجر نورًا، وهذه الجمعة بركة، واكتب لي فيها فرحًا يُنسي ما مضى من تعب. اللهم في يوم الجمعة اجعل لنا نصيبًا من كل خير، واصرف عنا كل شر، وحقق لنا ما نتمنى، وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأرزاقنا. اللهم في يوم الجمعة اجعل لنا دعوة لا تُرد، ورزقًا لا يُعد، وبابًا إلى الجنة لا يُسد. اللهم اجعل هذا اليوم فرجًا لكل مهموم، وشفاءً لكل مريض، ورزقًا لكل محتاج، واستجابة لكل دعاء. اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك أن ترزقنا سعادةً لا تزول، وهمًّا لا يطول، ورزقًا لا يُعد، وقلبًا لا يخشع إلا لك. اللهم اجعلنا في هذا اليوم من عبادك المقبولين، ولا ترد لنا دعاء، ولا تخيب لنا رجاء، واغفر لنا ولوالدينا ولمن نحب. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، في كل وقت وحين.