
الصَّفقة... وما بعدَها
الصفقة -وفق ما تسرّب عنها- تحمل مزايا مهمةً لجميع أطرافها، فالرئيس ترمب يحقّق من خلالها صورةَ نجاحٍ يحتاجها؛ خصوصاً بعد النتائج الملتبسة للحرب مع إيران.
ونتنياهو الذي يحاول ألا يظهرَ بمظهر المغلوب على أمره والمذعن لأوامر ترمب، بوسعِه تسويق تحرير نصفِ الأحياء من المحتجزين، مع نصف جثامين الأموات على أنَّه ثمرة ضغطه العسكري، وأنَّه محطة على طريق تحقيق كامل أهداف الحرب التي يصفها بـ«النصر المطلق».
والوسطاء -خصوصاً القطريين والمصريين- قد كانَ لصبرهم ومثابرتهم ومقترحاتهم التوفيقية وضغوطِهم، دورٌ مهمٌّ في إبرام الصفقة والبناء عليها لمواصلة الجهد، باستثمار ستين يوماً من الهدوء، لمواصلة العمل على هدف إنهاء الحرب.
و«حماس» التي لا بدَّ من أن تكونَ قد قرأت المتغيرات على نحوٍ جرّدها من الحلفاء وألقى في وجهها مجاعة غزة ومسلسل الموت اليومي فيها، سوف تكسب ستين يوماً ثمينة من الهدوء، لعلَّها تنتج فرصاً لإنهاء الحرب وبقائها في غزة؛ إن لم يكن في سدة الحكم المباشر كما كان الأمر عليه قبل الحرب، فمن خلال نفوذٍ توفره الشراكة في ترتيبات اليوم التالي.
أمَّا أهلُ غزةَ وفي حال تنفيذ بنود الصفقة، فإن ستين يوماً من توقف الموت والتدمير وزيادة دخول المساعدات الإنسانية، هو أقصى ما يطمحون إليه، وهم في عمق حالة كارثية لولا الصفقة لتضاعفت تحت النار، وتحت التهديد بامتدادها، ليشمل الاحتلال العسكري المباشر لغزة كلها.
هذه هي المزايا المستخلصة من الصفقة الوشيكة، ولعلَّها الدافع الرئيسي لإجماع كل أطرافها على المضي قدماً في إبرامها وجدية تنفيذها.
إذا سارتِ الأمور وفق السيناريو التفصيلي الذي أُعلن -أو تسرّب- فإنَّ الاختبار الذي يبدو محفوفاً بالمحاذير والتعقيدات، هو الجزء المتبقي من الصفقة الذي سيخضع لمفاوضاتٍ يديرها الوسطاء.
والأمر هنا لا يتصل بالنبضة الأخيرة من التبادل وفرص تمديد الهدنة، وإنما في الترتيبات التي سيجري التفاوض حولها، والتي اصطلح على تسميتها باليوم التالي، هذا اليوم تسبق رحلة الوصول إليه أسئلة لم تتم الإجابة عنها، ومنها -مثلاً- هل ستنسحب إسرائيل كليّاً من القطاع؟ أم ستستنسخ التجربة الراهنة في لبنان، بالبقاء في مواقع محددة تسهّل عليها التدخل العسكري وقت الحاجة؟ وفي إسرائيل يدور جدلٌ حادٌ حول الخيار بين الحالتين.
كذلك: كيف ستسير عملية إعادة الإعمار «الضخمة»؟ وكيف ستكون صلة إسرائيل بها؟ ومن هي الجهة -أو الجهات- التي ستدير غزة في اليوم التالي، واضعين في الاعتبار استحالة وجود جهة فلسطينية وعربية وحتى دولية في غزة، مع بقاء جندي إسرائيلي واحد على أرضها؟
ثم: ما الأجندات الإسرائيلية المضمرة لضمان سيطرة أمنية تريدها مطلقة على غزة، إن لم يكن من داخلها فمِن حولها؟
ومَن الجهة أو الجهات التي تضمن ذلك كي لا تعود الحرب ثانية، وربما بصورة أفظع من كل ما سبق؟
هذه أسئلةٌ ما بعد الصفقة بجزأيها: الذي يقترب من الحل والمتبقي منها، وكذلك حول اليوم التالي الذي لا تزال كل ترتيباته غامضة وغير محددة؛ خصوصاً أنَّها جميعاً تتصل بالموقف الإسرائيلي الذي لا يعرف أحدٌ كيف سيتبلور مع بقاء الائتلاف الحالي. وما زالت احتمالات تغييره أو بقائه رهناً لسنة طويلة، كل يوم فيها يحتمل مفاجأة وانتكاسة.
في الحرب التي تقترب من تجاوز عامين قبل حسم نتائجها السياسية، تعودنا أنَّ معالجاتها منذ بدايتها وعبر كل فصولها تتم بالقطعة، وكل تقدمٍ جزئي عبر هدنة أو نبضة تبادل، نجد أنفسَنا أمام تصعيدٍ يتجاوز في حدته كل ما سبقه، لهذا يبدو منطقياً أن نحتفل بصفقة ويتكوف المعدّلة قَطَرياً، والموافق عليها إسرائيلياً وحمساوياً؛ ليس لكونها محطة مضمونة لإنهاء الحرب؛ بل لأنَّها توقِف الموت والتدمير والمجاعة. وستون يوماً تكون كلمح البصر في حركة التاريخ، إلا أنَّها بشأن غزة ومأساتها هي أثمن الأيام، وأنَّ كل يومٍ منها ينقذ حياة آدميين مرشحين للقتل، إما وهُم فيما تبقَّى من بيوتهم أو خيامهم، وإما في أثناء تزاحمهم على مراكز توزيع الطعام التي هي في الواقع مصائد موتٍ ومعارض إهانة.
الصفقة -بمزاياها والاحتياج الملح لها- تحجب الرؤية عن تحديات ما بعدها، ومهما يكن من أمر فإنَّ ستين يوماً من وقف الموت وتخفيف وطأة المجاعة، تستحق الاحتفال، وخصوصاً ممن بقوا على قيد الحياة في غزة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 28 دقائق
- الشرق الأوسط
مجلس حقوق الإنسان يعتمد قراراً سعودياً لحماية الأطفال رقمياً
اعتمد مجلس حقوق الإنسان بالإجماع قراراً قدّمته السعودية لحماية الأطفال في الفضاء الرقمي انطلاقاً من مبادرة عالمية أطلقها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي. وطرحت بعثة السعودية لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف مشروع القرار الذي يُعزّز أهداف مبادرة «حماية الطفل في الفضاء السيبراني» المهمة على المستوى الدولي، ويترجم رؤيتها إلى خطوات عملية لحمايتهم رقمياً من خلال دعم التعاون الفني وبناء القدرات. وقدَّم القرار للمجلس في دورته الـ(59) السفير عبد المحسن بن خثيلة المندوب الدائم للسعودية لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، تحت البند العاشر الخاص بالتعاون وبناء القدرات، الذي حظي بتأييد واسع واعتمد بالإجماع، وذلك بالتعاون مع دول النواة: الكويت، والجزائر، وباكستان، وأذربيجان، وفيتنام. وشدّد بن خثيلة في كلمته أمام المجلس على أن الفضاء الرقمي أصبح جزءاً أساسياً من حياة الأطفال، ويُوفّر لهم فرصاً كبيرة للتعلّم والتواصل، لكنه في الوقت ذاته يفتح المجال أمام تحديات ومخاطر متزايدة تستلزم تعزيز التعاون الدولي، وبناء القدرات الوطنية، وتقديم المساعدة الفنية، بما يسهم في دعم الأطر الوطنية لحمايتهم. ويعكس القرار الأهداف الرئيسة لمبادرة ولي العهد لحماية الأطفال في الفضاء السيبراني، بما في ذلك تعزيز التعاون، وتبادل أفضل الممارسات، ورفع مستوى الوعي، وتطوير المهارات اللازمة لضمان فضاء رقمي آمن لهم. كما يؤكد أهمية تبادل الخبرات وأفضل الممارسات، وتقديم الدعم الفني وفقاً لاحتياجات وأولويات كل دولة، بما يسهم في بناء قدرات وطنية مستدامة، ويُعزِّز قدرة المجتمعات على مواجهة التحديات الرقمية وحماية الأطفال. ويبرز القرار حرص السعودية على تعزيز التعاون الدولي لضمان فضاء رقمي آمن وشامل لجميع الأطفال حول العالم، انطلاقاً من مكانتها الريادية ومبادراتها النوعية في حمايتهم وأمن الفضاء السيبراني.


الشرق الأوسط
منذ 28 دقائق
- الشرق الأوسط
وزيرا خارجية السعودية وإيران يناقشان جهود تحقيق استقرار المنطقة
ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، آخر التطورات في المنطقة، والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار فيها. جاء ذلك خلال استقبال الأمير فيصل بن فرحان للوزير عراقجي بمقر وزارة الخارجية في مكة المكرمة، الثلاثاء، حيث بحثا العلاقات الثنائية بين البلدين. حضر الاستقبال الأمير مصعب الفرحان مستشار وزير الخارجية للشؤون السياسية، ومحمد اليحيى مستشار الوزير، وناصر آل غنوم مدير عام الإدارة العامة للدول الآسيوية، والدكتورة منال رضوان المستشار بوزارة الخارجية.


الشرق الأوسط
منذ 28 دقائق
- الشرق الأوسط
السعودية تؤكد أهمية اعتماد «العربية» في نظامي مدريد ولاهاي
أكدت السعودية أهمية اعتماد اللغة العربية ضمن لغات العمل في نظامي مدريد ولاهاي؛ لتعزيز التعددية اللغوية وتمكين الدول العربية، وذلك خلال مشاركتها في الاجتماع الـ66 لجمعيات الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية «ويبو». وجاءت مشاركة السعودية ممثلة بـ«الهيئة السعودية للملكية الفكرية» في الاجتماع الذي يستضيفه مقر المنظمة بمدينة جنيف السويسرية خلال الفترة من 8 وحتى 17 يوليو (تموز) الجاري، بوفد يرأسه الرئيس التنفيذي للهيئة الدكتور عبد العزيز السويلم، وعدد من مسؤوليها. وأكد السويلم، خلال كلمة له، على دعم السعودية الكامل لـ«بيان مجموعة آسيا والمحيط الهادي» حول الموضوعات المطروحة، وأشاد باعتماد «معاهدة الرياض بشأن قانون التصاميم» في المؤتمر الدبلوماسي الذي استضافته الرياض بمشاركة 151 دولة، واصفاً إياها بأنها محطة فارقة في تاريخ المنظومة. وأشار إلى تفعيل الصندوق الاستئماني السعودي (SAFIT) لدعم الدول الإقليمية والنامية في بناء القدرات الوطنية بالملكية الفكرية، معرباً عن تقديره لاعتماد مقترح المملكة للاحتفاء السنوي بالفاحصين في مكاتب الملكية الفكرية وتمكينهم، وداعياً الدول للاحتفال بهذا اليوم في 11 نوفمبر (تشرين الثاني). ولفت رئيس الهيئة إلى تقدم السعودية بمقترح جديد للمنظمة بشأن إصدار دليل استرشادي لأخلاقيات مهنة الفاحصين، لتعزيز الشفافية والمهنية، ودعم معايير جودة عملية فحص الطلبات. وكشف عن أهم تطورات الملكية الفكرية في السعودية، حيث أودعت المملكة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي وثيقة انضمامها إلى اتفاق لاهاي للتسجيل الدولي للرسوم والنماذج الصناعية، باعتبارها خطوة لتعزيز منظومتها التشريعية، ودعم الاقتصاد الإبداعي. وأضاف السويلم أن السعودية بدأت أعمالها كمكتب بحث وفحص تمهيدي دولي، لتعزيز مشاركة البلاد في النظام الدولي، وتلبية الطلب المتزايد على خدمات فحص طلبات براءات الاختراع، كذلك إطلاق خدمة «المصالحة» لتسوية نزاعات الملكية الفكرية ودياً، التي أسهمت في حل العديد من القضايا. يشار إلى أن السعودية انضمت باعتبارها عضوة في المنظمة العالمية عام 1402هـ، وتشترك الهيئة بعضويتها لمواكبة المستجدات في مجالات الملكية الفكرية المختلفة، مما ينعكس بمردود إيجابي على أنشطتها المختلفة.