
خصائص الحضارة في البحرين
عند التأمل في تاريخ البحرين نلحظ أن ما ميّز هذه الحضارة على مر العصور هو ما تمتعت به من خصائص جوهرية منحتها تفردها وعمقها الحضاري. فقد كانت البحرين، ولاتزال، مثالاً لحضارة متجذرة بالإيمان، منفتحة على الآخر، إنسانية في رؤيتها، ومرنة في تطورها، ممّا جعلها قادرة على التفاعل البنّاء مع المتغيرات المختلفة دون أن تفقد هويتها الأصيلة عبر العصور.
كما تتسم حضارة البحرين بأنها منفتحة، عرفت كيف تتفاعل مع الثقافات الأخرى دون أن تنسلخ عن ذاتها. وموقع البحرين الجغرافي جعلها على تماس مباشر مع حضارات متعددة، فاستفادت منها علمياً واقتصادياً، لكنها لم تذُب فيها، بل صهرتها في قالب إسلامي بحريني مميز. هذا الانفتاح الواعي أكسب البحرين بعدًا عالميًا، دون أن يفقدها طابعها المحلي وعروبتها.
ولعلّ من أهم سمات هذه الحضارة أيضًا. بأنها حضارة أخلاقية جعلت من قيم الأخلاق أساساً لمنهجها في كل شؤونها ومجالاتها وفي مختلف الميادين وعلى مدار تاريخها، كما أنها اتسمت بتسامحها الديني وقبولها للآخر حيث عاش في البحرين عبر التاريخ أتباع ديانات مختلفة كالنصرانية واليهودية والوثنية والأسبذية، ثم جاء الإسلام وأرسى قواعد العدل والرحمة، فلم يُكره أحد على اعتناق الدين، بل ضُمنت لهم الحقوق والعيش الآمن، وفق ما أقره النبي ﷺ حين أرسل كتبه لحكام البحرين، وهذا التسامح ليس تنازلاً وضعفاً، بل تجسيداً لحضارة تُقيم ميزان العدل على الجميع وتتميز بعطائها السخي للحضارات الأخرى.
ومن الخصائص اللافتة أيضاً أنها حضارة إنسانية، تُعلي من شأن الإنسان وكرامته، انطلاقاً من قوله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم»، فالحياة في البحرين تمحورت دائماً حول رفاه الإنسان وتعليمه وأمنه. ومن خصائص حضارة البحرين بأنها من بين الحضارات المعدودة التي تتسم بالأصالة والمرونة فهي على الرغم من تفاعلها وتأثرها بالحضارات المجاورة إلا أنها حافظت على شخصيتها وهويتها وجذورها مع سعة امتداد وقوة تأثيرها، مع قدرتها على التكيّف، حيث لم تقف عند الماضي، بل أعادت تشكيل ذاتها عند كل مرحلة تاريخية، محافظة على جوهرها، منفتحة على العصر. فقد واكبت الحداثة في التعليم والإدارة والاقتصاد، دون أن تقطع صلتها بماضيها المجيد.
علاوةً على ذلك اتسمت بارتكازها على العلم واهتمامها بالعلوم والعلماء لذا نشطت فيها وعلى مدار تاريخها الحركة العلمية، فشهدت البحرين كثيراً من الإنجازات والابتكارات والإبداع والإنتاج العلمي الذي تميزت به وأضافته وبسخاء للحضارات البشرية الأخرى. فمثّل العلم قيمةً أساسيةً في الوعي البحريني منذ وقت مبكر، سواء في الحرص على تعلّم الدين أو على نشر الفقه والمعرفة في محيطها.
ومن بين سمات حضارة البحرين بأنها متوازنة جمعت بين متطلبات الروح والعقل والجسد، لذا ظهرت فيها منذ بواكيرها المعابد والطقوس الدينية وانتشرت فيها عدة ديانات، وهي حضارة مؤمنة حيث بادر أهلها إلى اعتناق الإسلام واستقبلوه بإيمان راسخ وقناعة واعية، فجعلوا من قيمه منطلقاً في حياتهم، لا سيّما مبادئ التوحيد، والعدل، والتسامح، والإخاء. فكان الدين أساساً لنهضة المجتمع، ومحركاً للتماسك الاجتماعي، ومنظّماً للعلاقات والمعاملات، مما أكسب المجتمع البحريني طابعاً أخلاقياً متماسكاً عبر القرون.
ومن أبرز السمات المتجذرة في حضارة البحرين أيضاً أنها حضارة سلمية، تؤمن بأنّ السلام أساس الاستقرار، وأن العنف لا يبني مستقبلاً. فقط ظلّت البحرين عبر تاريخها رافضةً للعنف والحروب، حريصةً على التعايش، تفضّل لغة الحوار على منطق القوة. وهذا النهج لم يكن فقط إرثاً تاريخياً، بل بات اليوم منطلقاً واضحاً في سياسة المملكة ومواقفها من القضايا الإقليمية والدولية وهذا الموقف يعكس امتداداً طبيعياً لروح حضارة بحرينية تؤمن بالإنسان، وترى في السلم قيمة إنسانية عُليا، لا تتبدل بتبدّل الظروف. إنّ هذا الموقف ليس مجرد سياسة مرحلية، بل هو انعكاس حقيقي لجوهر حضاري عميق، يؤمن بأنّ السلام هو السبيل الأمثل للرقي والازدهار، وأن السلم ركيزة ثابتة في هوية البحرين التاريخية والمعاصرة. إنّ ما تقدم يؤكد دون أدنى شك سمو حضارة البحرين وعُلُو شأنها وإنسانيتها وأصالتها.
إنّ خصائص حضارة البحرين ليست طارئة ولا سطحية، بل نابعة من أعماق تكوينها التاريخي والديني والثقافي، وهي التي جعلتها -وما زالت- نموذجاً لحضارة حيّة، متزنة، ومؤثرة في محيطها الإقليمي والعالمي.
* باحث في التاريخ وأكاديمي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ 6 ساعات
- الوطن
خصائص الحضارة في البحرين
عند التأمل في تاريخ البحرين نلحظ أن ما ميّز هذه الحضارة على مر العصور هو ما تمتعت به من خصائص جوهرية منحتها تفردها وعمقها الحضاري. فقد كانت البحرين، ولاتزال، مثالاً لحضارة متجذرة بالإيمان، منفتحة على الآخر، إنسانية في رؤيتها، ومرنة في تطورها، ممّا جعلها قادرة على التفاعل البنّاء مع المتغيرات المختلفة دون أن تفقد هويتها الأصيلة عبر العصور. كما تتسم حضارة البحرين بأنها منفتحة، عرفت كيف تتفاعل مع الثقافات الأخرى دون أن تنسلخ عن ذاتها. وموقع البحرين الجغرافي جعلها على تماس مباشر مع حضارات متعددة، فاستفادت منها علمياً واقتصادياً، لكنها لم تذُب فيها، بل صهرتها في قالب إسلامي بحريني مميز. هذا الانفتاح الواعي أكسب البحرين بعدًا عالميًا، دون أن يفقدها طابعها المحلي وعروبتها. ولعلّ من أهم سمات هذه الحضارة أيضًا. بأنها حضارة أخلاقية جعلت من قيم الأخلاق أساساً لمنهجها في كل شؤونها ومجالاتها وفي مختلف الميادين وعلى مدار تاريخها، كما أنها اتسمت بتسامحها الديني وقبولها للآخر حيث عاش في البحرين عبر التاريخ أتباع ديانات مختلفة كالنصرانية واليهودية والوثنية والأسبذية، ثم جاء الإسلام وأرسى قواعد العدل والرحمة، فلم يُكره أحد على اعتناق الدين، بل ضُمنت لهم الحقوق والعيش الآمن، وفق ما أقره النبي ﷺ حين أرسل كتبه لحكام البحرين، وهذا التسامح ليس تنازلاً وضعفاً، بل تجسيداً لحضارة تُقيم ميزان العدل على الجميع وتتميز بعطائها السخي للحضارات الأخرى. ومن الخصائص اللافتة أيضاً أنها حضارة إنسانية، تُعلي من شأن الإنسان وكرامته، انطلاقاً من قوله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم»، فالحياة في البحرين تمحورت دائماً حول رفاه الإنسان وتعليمه وأمنه. ومن خصائص حضارة البحرين بأنها من بين الحضارات المعدودة التي تتسم بالأصالة والمرونة فهي على الرغم من تفاعلها وتأثرها بالحضارات المجاورة إلا أنها حافظت على شخصيتها وهويتها وجذورها مع سعة امتداد وقوة تأثيرها، مع قدرتها على التكيّف، حيث لم تقف عند الماضي، بل أعادت تشكيل ذاتها عند كل مرحلة تاريخية، محافظة على جوهرها، منفتحة على العصر. فقد واكبت الحداثة في التعليم والإدارة والاقتصاد، دون أن تقطع صلتها بماضيها المجيد. علاوةً على ذلك اتسمت بارتكازها على العلم واهتمامها بالعلوم والعلماء لذا نشطت فيها وعلى مدار تاريخها الحركة العلمية، فشهدت البحرين كثيراً من الإنجازات والابتكارات والإبداع والإنتاج العلمي الذي تميزت به وأضافته وبسخاء للحضارات البشرية الأخرى. فمثّل العلم قيمةً أساسيةً في الوعي البحريني منذ وقت مبكر، سواء في الحرص على تعلّم الدين أو على نشر الفقه والمعرفة في محيطها. ومن بين سمات حضارة البحرين بأنها متوازنة جمعت بين متطلبات الروح والعقل والجسد، لذا ظهرت فيها منذ بواكيرها المعابد والطقوس الدينية وانتشرت فيها عدة ديانات، وهي حضارة مؤمنة حيث بادر أهلها إلى اعتناق الإسلام واستقبلوه بإيمان راسخ وقناعة واعية، فجعلوا من قيمه منطلقاً في حياتهم، لا سيّما مبادئ التوحيد، والعدل، والتسامح، والإخاء. فكان الدين أساساً لنهضة المجتمع، ومحركاً للتماسك الاجتماعي، ومنظّماً للعلاقات والمعاملات، مما أكسب المجتمع البحريني طابعاً أخلاقياً متماسكاً عبر القرون. ومن أبرز السمات المتجذرة في حضارة البحرين أيضاً أنها حضارة سلمية، تؤمن بأنّ السلام أساس الاستقرار، وأن العنف لا يبني مستقبلاً. فقط ظلّت البحرين عبر تاريخها رافضةً للعنف والحروب، حريصةً على التعايش، تفضّل لغة الحوار على منطق القوة. وهذا النهج لم يكن فقط إرثاً تاريخياً، بل بات اليوم منطلقاً واضحاً في سياسة المملكة ومواقفها من القضايا الإقليمية والدولية وهذا الموقف يعكس امتداداً طبيعياً لروح حضارة بحرينية تؤمن بالإنسان، وترى في السلم قيمة إنسانية عُليا، لا تتبدل بتبدّل الظروف. إنّ هذا الموقف ليس مجرد سياسة مرحلية، بل هو انعكاس حقيقي لجوهر حضاري عميق، يؤمن بأنّ السلام هو السبيل الأمثل للرقي والازدهار، وأن السلم ركيزة ثابتة في هوية البحرين التاريخية والمعاصرة. إنّ ما تقدم يؤكد دون أدنى شك سمو حضارة البحرين وعُلُو شأنها وإنسانيتها وأصالتها. إنّ خصائص حضارة البحرين ليست طارئة ولا سطحية، بل نابعة من أعماق تكوينها التاريخي والديني والثقافي، وهي التي جعلتها -وما زالت- نموذجاً لحضارة حيّة، متزنة، ومؤثرة في محيطها الإقليمي والعالمي. * باحث في التاريخ وأكاديمي


الوطن
١١-٠٦-٢٠٢٥
- الوطن
الأضحية.. شعيرة بروح إنسانية
حدثني أحد الزملاء أنه وخلال فترة استيراد الذبائح الحية من أستراليا، كان من المعتاد أن يرافق الشحنات عدد من النشطاء في الدفاع عن حقوق الحيوان، من أجل ضمان أن تتم معاملة الخرفان بصورة جيدة. يقول زميلي؛ في أحد الأعوام قررت أن أشتري خروفاً أسترالياً حياً كأضحية، وأن أقوم بذبحه في المنزل، فتوجهت إلى منطقة الحظائر في سترة، وعثرت على خروف تتوفر فيه كل المواصفات، وبعد أن دفعت الثمن، سحبته لأضعه في سيارتي (سوبار فان)، إلا أنني تفاجأت باعتراض إحدى المسؤولات عن حماية حقوق الحيوان، موضحة أنه يجب أن تكون السيارة التي تنقل الخراف مفتوحة. ويضيف؛ بعد شد وجذب معها، شرحت لها أنني سأضع الخروف في سيارة مغطاة ومكيفة، حرصاً على راحته، لكنها أصرت على موقفها، مما اضطرني إلى دفع دينار لصاحب (بكب) ليقوم بنقل الخروف مع غيره من الخراف، وتسليمها لأصحابها بعد البوابة الرئيسية. تذكرت هذه المحادثة، وأنا أشاهد عشرات الفيديوهات التي توثق الأضحية في مختلف دول العالم، وكيف يتم التعامل معها، في الأغلب، بروح من الإنسانية والرحمة، كما أوصانا ديننا الحنيف، مع بعض الاستثناءات المؤسفة هنا وهناك، وهو ما يجعلنا ندرك أننا لسنا بحاجة لمن يعلمنا كيف نعامل الأضحية، فالإحسان إليها هو من صميم تعاليم الإسلام. رغم أن النصوص الدينية واضحة في الدعوة إلى الرحمة، إلا أن التطبيق الواقعي أحياناً يشهد تجاوزات، سواء من حيث طرق النقل أو الذبح أو حتى التعامل مع الأضحية قبل وأثناء وبعد النحر، وهنا تأتي أهمية الوعي المجتمعي، وأهمية تنظيم الجهات الرسمية لهذه العملية بما يحفظ كرامة الشعيرة، ويضمن حسن معاملة الحيوان. في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل الجهود التي يبذلها الكثيرون في الحفاظ على هذه الروح الإنسانية. من اختيار الأضحية بعناية، إلى توفير الراحة لها، وصولاً إلى الذبح السريع والرحيم. وفي هذا السياق، نرى أن المسلمين يملكون رصيداً روحياً وأخلاقياً عظيماً يجعلهم أقدر الناس على احترام الأضاحي، دون الحاجة إلى ضغوط من خارج ثقافتهم ودينهم. الأضحية في جوهرها درس في الطاعة والرحمة والكرم، وهي فرصة سنوية لتجديد النية، وتعميق الإحساس بالآخرين، وتقدير النعم. ومع كل تكبيرة تقال، وكل سكين تحد، وكل دم يراق في سبيل الله، هناك دعوة لأنسنة الشعائر والعودة إلى الروح النقية للإسلام. فما أحوجنا في هذا الزمن إلى أن نحيي شعائرنا بإحسان، وأن نذكر أنفسنا أن ديننا لم يأت فقط ليضبط العلاقة بين الإنسان وربه، بل بينه وبين كل مخلوق. وكل عام وأنتم بألف خير، وتقبل الله منكم طاعاتكم وقرباتكم..


البلاد البحرينية
٠٧-٠٦-٢٠٢٥
- البلاد البحرينية
السعودية ونجاح الحج.. نموذج حضاري في خدمة الإسلام
يتجدد في كل عام المشهد الإيماني الأعظم، حيث يحتشد الملايين من قاصدي بيت الله الحرام لتأدية مناسك الحج، ويُسطر على أرض المملكة العربية السعودية الشقيقة نموذج متفرد في التنظيم والإدارة والرعاية، يعكس عمق الالتزام برسالة الإسلام الخالدة في الرحمة والخدمة والإنسانية. لقد شكّل موسم حج هذا العام 1446هـ، محطة نجاح باهرة أبهرت العالم، بما تميز به من دقة في الترتيب، واستعداد متكامل على المستويات كافة، بدءا من الاستقبال في المنافذ، مرورا بالتنقل والإقامة، وصولا إلى أداء المناسك في المشاعر المقدسة بأمان وسهولة وطمأنينة. وهي جهود تقودها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، ضمن رؤية واضحة تجعل خدمة ضيوف الرحمن أولوية لا يعلو عليها شيء. وتُجسد الخدمات النوعية، والتقنيات الحديثة، والبنية التحتية المتطورة التي سخرتها المملكة، صورة مشرقة من صور التفوق في إدارة الحشود، وتأكيدا أن الحج في السعودية ليس فقط شعيرة دينية، بل مشروع حضاري وإنساني متكامل. هذا النجاح المستمر هو شهادة متجددة على المكانة الرفيعة التي تتبوؤها المملكة في قلب العالم الإسلامي، ودورها الرائد في جمع الكلمة ورعاية المقدسات وخدمة الإنسانية.