
هل تنجح خطة نتنياهو لـ"شرق أوسط جديد" أم يفرض العرب واقعا مختلفا؟
بعد الغارات التي نفذتها إسرائيل بمشاركة أميركية على منشآت نووية إيرانية بدا أن تل أبيب تتحرك بأقصى ما تملك من قوة لإعادة رسم خريطة المنطقة متسلحة بما تصفه بـ"نصر إستراتيجي" على العدو الأخطر، ومروجة لفكرة شرق أوسط جديد تنحسر فيه مكانة إيران وتتلاشى القضية الفلسطينية.
ولم تكن الخريطة التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أشهر في الأمم المتحدة وغابت عنها الضفة الغربية و قطاع غزة مجرد صورة رمزية، فوفق المتابعين تمثل جزءا من تصور إسرائيلي لواقع إقليمي جديد تُحسم فيه القضايا العالقة بالقوة، وتتقدم فيه إسرائيل إلى صدارة المشهد كقوة مهيمنة لا كفاعل بين آخرين.
وفي هذا السياق، يرى الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن الضربة ضد إيران لم تكن سوى تتويج لسلسلة ممتدة من العمليات التي استهدفت ما تسميه إسرائيل "وكلاء طهران"، من غزة إلى لبنان.
ووفق مكي، فإن المشروع الإسرائيلي لا يقتصر على تفكيك المحور الإيراني، بل يمتد ليشمل فرض نموذج شرق أوسطي جديد يقوم على التعاون الاقتصادي والانضباط الأمني، ويقصي كل من يعارضه.
وتستند الرؤية الإسرائيلية -كما يصفها- إلى تصفية القوى الخارجة عن سيطرة الدولة، وتحويل دول المنطقة إلى كيانات "مطبعة" منشغلة بالتنمية، في حين تُقصى الجماعات المناهضة لإسرائيل وتُحاصر الأنظمة غير المنسجمة مع منطق السوق والتحالفات الغربية.
تحولات سياسية كبرى
ولا تبدو المعركة الأخيرة مجرد ضربة عسكرية، فبحسب تل أبيب باتت إيران أبعد عن امتلاك القدرة النووية، مما يمهد الطريق أمام تحولات سياسية كبرى، ومع ذلك يشير مكي إلى أن هذا الطموح يغفل حجم التعقيدات في المنطقة، ويحمل شيئا من الغرور الذي قد يصطدم مجددا بوقائع لا تنكسر بسهولة.
أما الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى فيتحدث عن 3 مقاربات إسرائيلية لرؤية الشرق الأوسط الجديد: الأولى ظهرت في تسعينيات القرن الماضي حين ربط شيمون بيريز بين السلام مع الفلسطينيين واندماج إسرائيل في المنطقة، وتمثلت الثانية في تجاوز القضية الفلسطينية لصالح تطبيع سريع ومباشر مع العرب.
أما المقاربة الحالية التي يقودها نتنياهو فترتكز على التفوق العسكري وحده، وهي لا حاجة فيها لاتفاقيات أو مقترحات سلام، بل قوة ضاربة تُسكت الخصوم وتفرض إيقاعا جديدا على الإقليم، وهكذا لا تعود تل أبيب تطالب بحل سياسي، بل تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية بالقوة بالتوازي مع تفكيك النفوذ الإيراني.
وبناء على هذه الركائز ترى إسرائيل أن إضعاف محور المقاومة وحسم الصراع الفلسطيني لصالحها يقودان حتما إلى تطبيع واسع مع العرب، وتعود في ذلك -بحسب مصطفى- إلى نظرية جابوتنسكي القديمة "العرب لا يقبلون بإسرائيل إلا إذا كانت قوة لا تُقهر".
لكن المعطيات على الأرض لا تسير في هذا الاتجاه بالسهولة المتخيلة، فحتى وإن تلقت إيران ضربة موجعة -كما تقول واشنطن وتل أبيب- فإن قدرتها على إعادة بناء برنامجها النووي لم تتلاشَ، كما أن الأطراف العربية -خاصة السعودية ومصر- لم تسلّم بعد بقيادة إسرائيلية للإقليم.
الرؤية الأميركية للمنطقة
بدوره، يرى الخبير العسكري الدكتور أحمد الشريفي أن الرؤية الأميركية للشرق الأوسط الجديد تتجاوز إسرائيل وحدها، وتهدف إلى إعادة تشكيل جغرافيا المصالح الأميركية على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي، لكنها بشكل يخدم التوازنات الإستراتيجية في وجه خصوم واشنطن، من طهران إلى بكين.
ولا يستبعد الشريفي أن تكون الولايات المتحدة بصدد هندسة بنية إقليمية جديدة تجمع الحلفاء وتُقصي الخصوم، لكن هذا لا يعني -من وجهة نظره- أن إسرائيل ستكون القاطرة الوحيدة للمشروع، فدول الخليج وبعض العواصم الإقليمية كأنقرة والدوحة والرياض باتت فاعلة في المعادلة، وتملك أوراقا تجعلها شريكة لا تابعة.
وفي خلفية هذه الحسابات، تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة رغم كل محاولات التهميش حسبما يرى الشريفي، فالسعودية مثلا لم تتخل عن شروطها للانضمام إلى ركب التطبيع، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، بل إنها تعمل على حشد دولي لإطلاق مؤتمر خاص بهذا الهدف.
وبحسب مكي، فإن هذا الحراك لا يخرج عن مسار مواجهة الرؤية الإسرائيلية التي تراهن على شطب القضية الفلسطينية من الذاكرة السياسية، كما أن مشاريع التنمية الخليجية الكبرى مثل نيوم تمضي في طريقها دون الحاجة إلى شراكة إسرائيلية، بل ربما تتفوق عليها وتحد من تأثيرها.
ولا يُختزل الدور الأميركي في هذا السياق في الدعم العسكري لتل أبيب، فثمة مؤشرات على رغبة في احتواء إيران بدلا من إسقاطها، بل إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب -قبل أن يعود للتصعيد- حملت رسائل موجهة لطهران تدعوها إلى الانضمام للنظام الدولي مقابل رفع العقوبات.
تبلور محور جديد
لكن -كما يقول مكي- فإن طبيعة النظام الإيراني لا تسمح بسهولة بقبول مثل هذا العرض إلا إذا فقدت طهران آخر ما تبقى من رصيدها الأيديولوجي، وحتى في حال الانكفاء لا يبدو أن إسرائيل قادرة على فرض واقع إقليمي منفرد، خاصة في ظل تبلور محور جديد يضم تركيا وبعض العواصم العربية.
هذا المحور -الذي تشكل بعض ملامحه العلاقة المتنامية بين أنقرة والرياض وعودة سوريا إلى دائرة التواصل العربي- قد يمثل -وفق مكي- موازنا فعليا للرؤية الإسرائيلية، وإن تطور وتبلور فسيحول دون فرض الشرق الأوسط الذي تحلم به تل أبيب، وسيعيد تشكيل المشهد على نحو مختلف.
إعلان
ويظهر الإخفاق الإسرائيلي في حسم معركة غزة وترددها في فرض تسوية نهائية في الضفة حدود ما يمكن أن تفعله القوة العسكرية.
وعلى الرغم من كل الدعم الأميركي فإن القضية الفلسطينية تبقى عصية على التصفية ما دامت تستعيد حضورها كلما ظن البعض أنها اندثرت.
وبينما يحاول نتنياهو تقديم نفسه باعتباره صانع التحولات الكبرى يرى مصطفى أن الداخل الإسرائيلي يشهد صراعا بين تيارين: أولهما إستراتيجي يسعى إلى تسويات عقلانية، وثانيهما أيديولوجي مسياني يرفض أي حل لا يتضمن الهيمنة المطلقة.
وفي اللحظة الراهنة يبدو أن واشنطن ممثلة بترامب تراهن على إنقاذ الأول عبر تمكين نتنياهو سياسيا حتى لو تطلب الأمر إعادة تشكيل الائتلاف الحاكم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
عراقجي: على ترامب التوقف عن استخدام لهجة غير لائقة تجاه المرشد
رد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرب إيران مجددا، وقال إن طهران لن تسمح لأحد بتقرير مصيرها، وإذا اضطرت فلن تتردد في كشف قدراتها الحقيقية. وكان ترامب لوّح أمس الجمعة بضرب إيران مجددا إذا عادت إلى تخصيب اليورانيوم، وأعلن أنه أوقف إجراءات كانت تهدف لتخفيف العقوبات عن طهران، وذلك بعد حديث المرشد الإيراني علي خامنئي عن انتصار بلاده في المواجهة مع إسرائيل. كما شدد ترامب على أنه لا يعتقد أن إيران ستعود إلى البرنامج النووي قريبا، وأنه ليس قلقا من وجود مواقع نووية سرية فيها. وجاء الرد الإيراني على تصريحات ترامب سريعا، حيث قال عراقجي إنه إذا كان الرئيس الأميركي صادقا في التوصل إلى اتفاق فإن عليه ترك نبرته غير المحترمة وغير المقبولة تجاه المرشد الإيراني. وقال عراقجي إن طهران لن تسمح لأحد بتقرير مصيرها، وإذا أدت الأوهام إلى أخطاء أسوأ فلن تتردد إيران في كشف قدراتها الحقيقية. وأضاف أن النظام الإسرائيلي لم يكن لديه خيار سوى اللجوء إلى الولايات المتحدة لتجنب القصف بصواريخ إيران. رسالة لمجلس الأمن وعلى صعيد آخر، أبلغت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي في رسالة أمس الجمعة أن هدف الغارات التي شنتها على إيران قبل أيام "كان تدمير قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم ومنع الخطر الذي يمثله حصول هذا النظام المارق على سلاح نووي واستخدامه له"، على حد قولها. وقالت وكالة رويترز للأنباء إنها اطلعت على الرسالة التي بررت فيها واشنطن هجماتها بأنها "دفاع جماعي عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تتطلب إطلاع مجلس الأمن المكون من 15 عضوا فورا على أي إجراء تتخذه الدول دفاعا عن النفس ضد أي هجوم مسلح". خطة إسرائيلية في الأثناء، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعليمات للجيش بإعداد "خطة" ضد إيران تشمل الحفاظ على التفوق الجوي، ومنع تقدم البرنامجين النووي والصاروخي. وأضاف كاتس أن إسرائيل ستعمل بشكل دائم لإحباط ما وصفها بـ"أي تهديدات إرهابية من هذا النوع، والرد عليها". ووجّه الوزير الإسرائيلي تحذيرا لمن سماه "رأس الأفعى المنزوعة الأنياب في طهران" قائلا "إن حصانته انتهت، وإن العملية الإسرائيلية الأخيرة كانت مجرد مقدمة لسياسة جديدة لإسرائيل اعتمدتها بعد 7 أكتوبر"، على حد قوله.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ترامب: وقف إطلاق النار بغزة بات قريبا
أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة خلال الأسبوع المقبل، واصفا الوضع في القطاع الفلسطيني بأنه مروع للغاية. جاء ذلك في تصريحات صحفية مساء أمس الجمعة على هامش احتفال عقد في البيت الأبيض باتفاق للسلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية بوساطة أميركية قطرية. وقال ترامب إنه "كان يتحدث للتو مع بعض المعنيين بمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الولايات المتحدة تقدم الكثير من الإمدادات والمساعدات الغذائية في هذه المنطقة. وأضاف "صحيح أننا غير منخرطين في الحرب، لكن الناس يموتون هناك ونراهم يحتشدون لأن لا طعام لديهم". الوسطاء يضغطون في الأثناء، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية -أمس الجمعة- جلسة أمنية مصغرة لمناقشة الحرب على غزة وإعادة الأسرى، في حين كشف مسؤولون إسرائيليون أن الوسطاء يمارسون ضغوطا للدفع نحو مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو ترأس جلسة أمنية مصغرة أمس، ومن المتوقع أن يعقد نتنياهو جلسة إضافية اليوم السبت. ونقلت الهيئة عن مصدر إسرائيلي قوله إن إسرائيل مستعدة للمفاوضات غير المباشرة، لكن يجب أن تكون في إطار مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قبل إرسال وفد إلى القاهرة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن الخلاف بين إسرائيل وحماس ما زال متعلقا بمسألة وقف الحرب. من جانبها، دعت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة إلى مشاركة واسعة في مظاهرة ستقام تحت شعار "نعيد المختطفين وننهي الحرب". وأفادت الهيئة بأن الوقت الحالي هو الأنسب للتوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب ويضمن عودة الأسرى، مشيرة إلى أن عصر الصفقات الجزئية قد انتهى، وأن المطلوب إعادة الجميع دفعة واحدة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
تحقيق إسرائيلي يكشف عن أوامر بقتل فلسطينيين أثناء تلقيهم مساعدات
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تحقيقا استقصائيا استند إلى شهادات ضباط وجنود كشفت فيه عن أوامر مباشرة تلقوها بإطلاق النار على فلسطينيين خلال محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات الأميركية بقطاع غزة اقرأ المزيد