
تعطيش غزة.. نفاد الوقود يهدد تحلية المياه ويفاقم المأساة الإنسانية
غزة- في وقت لا يزال فيه أهالي قطاع غزة يعانون من التجويع الممنهج بفعل الحصار الإسرائيلي، تتفاقم مأساة إنسانية جديدة مع توقف عدد كبير من محطات تحلية المياه عن العمل بسبب نفاد الوقود، مما ينذر بكارثة عطش جماعي تهدد 2.2 مليون إنسان.
وفي خيام النزوح ومراكز الإيواء المؤقتة، تتكرر مشاهد الأطفال وهم يتنقلون بأوانٍ بلاستيكية بحثا عن قليل من الماء، بينما تقف الأمهات والآباء في طوابير طويلة تحت الشمس الحارقة، على أمل أن تصل إليهم شاحنة مياه واحدة في اليوم.
ويعتمد غالبية سكان غزة في التزود بالماء على جهود المؤسسات والمبادرات الخيرية، ومع اشتداد الأزمة، يُحذِّر العاملون في هذا المجال من انهيار كامل في خدمات "سُقيا الماء"، في وقت تعجز فيه المحطات عن مواصلة العمل ويزداد الطلب بشكل غير مسبوق.
انعدام السُقيا
ويقول منسق إحدى المبادرات الخيرية، أحمد عبدو، إن أزمة المياه في القطاع وصلت إلى مرحلة حرجة مؤخرا، في ظل توقف غالبية محطات التحلية عن العمل بسبب نفاد الوقود أو تعطّلها، إضافة إلى إغلاق عدد كبير منها في الشمال، بعد أوامر النزوح الإسرائيلية التي أجبرت السكان على مغادرة مناطقهم.
وأوضح عبدو في حديثه للجزيرة نت أن شاحنات نقل الوقود لم تعد قادرة على العمل بسبب انعدام الوقود، في حين توقفت بعض محطات التحلية الأخرى نتيجة أعطال فنية لا يمكن إصلاحها لعدم توفر قطع الغيار، مما فاقم حجم الكارثة.
وقال إن مشكلة توفير المياه للنازحين والمواطنين باتت "كبيرة جدا"، حيث اضطرت المبادرة التي يشرف عليها إلى إيقاف 3 مشاريع إنسانية لتوفير مياه الشرب، بسبب صعوبة تأمين الكميات المطلوبة.
وأشار إلى أن الضغط الشديد على المحطات القليلة المتبقية من المواطنين والمؤسسات، أدى إلى ازدحام كبير وتأخير في الحصول على المياه، مضيفا "اليوم السبت، لم نتمكن من توزيع سوى شاحنة ماء واحدة فقط، وهي الأولى منذ أيام، بعدما كنا نوزع يوميا 4 أو 5 شاحنات".
وأضاف أن الشاحنة التي تم توزيعها لم تفِ بحاجة العدد الكبير من النازحين الذين احتشدوا حولها، ونفد الماء قبل أن يتمكن غالبيتهم من الحصول على شيء منه. وختم قائلا: "الناس عطشى، وخائفون ويعانون بشدة، فلا ماء للشرب، ولا حتى ماء مالح للتنظيف".
تهديد بالإغلاق
وفي الوقت الذي أغلقت فيه العديد من محطات التحلية أبوابها، تكافح محطة عبد السلام ياسين "إيتا"، وهي أكبر شركة عاملة في هذا المجال في غزة، من أجل الاستمرار في العمل.
وتتعاون "إيتا" مع منظمات دولية ك اليونيسيف و اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تحلية المياه وتوزيعها مجانا على المواطنين، إذ توفر هذه المنظمات الوقود والفلاتر والمواد الكيميائية اللازمة، غير أن اليونيسيف أبلغت الشركة قبل 10 أيام بتوقف دعمها بعد أن عجزت عن توفير الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية.
وفي ظل هذا التوقف، اضطرت "إيتا" إلى نشر إعلانات تطلب فيها من السكان المحليين شراء الوقود لصالح المحطة، في محاولة لضمان استمرار عملها الحيوي.
ويقول أحد المسؤولين في الشركة، المهندس محمود صالح، "منذ الثاني من مارس/آذار، لم يدخل أي وقود إلى غزة، كنا نعتمد على ما توفره لنا المؤسسات الشريكة، وما تبقى لدينا من مخزون، إضافة إلى ما تم شراؤه الوقود من السوق السوداء شارف على النفاد، ولم يعد هناك وقود في الأسواق".
وأوضح صالح أن الشركة أعلنت حالة الطوارئ، محذرا من أنها قد تُجبر على إغلاق محطاتها الثلاث (شمال وجنوب القطاع) في أي لحظة.
وتعرضت الشركة لأضرار جسيمة خلال الحرب الأخيرة، حيث دمّر الاحتلال مقرها الرئيسي في حي الزيتون "الغربي" بالكامل، إلى جانب تدمير العديد من مركبات نقل المياه.
وتابع صالح "نضطر اليوم لشراء لتر السولار بنحو 33 دولارا من السوق السوداء، رغم أن سعره الحقيقي لا يتجاوز دولارين". وتستهلك محطات "إيتا" الثلاث بين 3 آلاف و4 آلاف لتر من مادة السولار يوميا لتشغيل مرافق التحلية وشاحنات توزيع المياه.
الإبادة بالتعطيش
من جهته، حذّر المدير العام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، من تفاقم أزمة المياه في القطاع إلى مستويات كارثية.
وقال للجزيرة نت "غزة تتجه نحو كارثة عطش جماعي تضاف إلى جريمة التجويع والإبادة الجماعية التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي بحق أكثر من 2.2 مليون إنسان".
ولفت الثوابتة إلى أن توقف محطات تحلية المياه في مختلف المحافظات نتيجة نفاد الوقود وانقطاع خطوط الإمداد الدولية، ينذر بكارثة صحية وبيئية حقيقية، لا سيما مع دخول فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة، ووجود مئات آلاف النازحين في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
وأضاف "من المؤسف أن العديد من المنظمات الدولية لا تفي بوعودها ولا توفر الحد الأدنى من احتياجات تشغيل هذه المحطات الحيوية، رغم معرفتها أن 97% من مياه غزة غير صالحة للشرب، وأن السكان يعتمدون على هذه المحطات بشكل شبه كامل للبقاء على قيد الحياة".
وحمّل الثوابتة الاحتلال الإسرائيلي و الولايات المتحدة الأميركية والجهات الدولية التي "تتواطأ بالصمت" المسؤولية الكاملة عن "جريمة التعطيش الجماعي" التي تُرتكب ببطء وبقصد، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني و اتفاقيات جنيف وحقوق الإنسان الأساسية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
جفاف غير مسبوق يهدد محاصيل القمح في سوريا
تواجه سوريا هذا العام أزمة زراعية حادة بفعل موجة جفاف تعد الأسوأ منذ أكثر من 6 عقود، مما يهدد محاصيل القمح بشكل خطير ويزيد من احتمالات انعدام الأمن الغذائي لنحو 16 مليون شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وتضرر نحو 2.5 مليون هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح جراء ظروف مناخية قاسية، أبرزها انخفاض معدلات هطول الأمطار وقصر موسم الشتاء، وفق ما أفادت به منظمة الأغذية والزراعة (فاو). وتشير بيانات المنظمة إلى أن 95% من القمح البعل تضرر بشكل شبه كلي، بينما يتوقع أن يكون إنتاج القمح المروي أقل بـ30% إلى 40% من المعتاد، مما يُنذر بفجوة تتراوح بين 2.5 و2.7 مليون طن من الإنتاج المحلي. وتقول هيا أبو عساف، مساعدة ممثل الفاو في سوريا، إن "الظروف المناخية التي شهدها الموسم الزراعي الحالي هي الأسوأ منذ حوالي 60 عاما"، قائلة إن "سوريا شهدت موسم شتاء قصيرا وانخفاضا في مستوى الأمطار". وأشارت إلى أن آثار الجفاف لم تقتصر على القمح فحسب، بل طالت أيضا المراعي الطبيعية الضرورية لتربية المواشي. تغيرات مناخية قاسية وكانت سوريا تحقق اكتفاء ذاتيا من القمح قبل عام 2011 بإنتاج سنوي بلغ 4.1 ملايين طن، لكن سنوات الصراع المسلح إلى جانب تغيرات المناخ المستمرة والانخفاض الحاد في منسوب المياه الجوفية، أدى إلى تراجع الإنتاج بشكل كبير، مما دفع البلاد إلى الاعتماد بشكل متزايد على الاستيراد. وفي الميدان، يعاني المزارعون من ضغوط متزايدة. ففي ريف عامودا شمال شرق البلاد، يشير المزارع جمشيد حسو (65 عاما) إلى صعوبة الموسم قائلا: "رغم سقي الأرض 6 مرات باستخدام المرشات، بقي طول السنابل قصيرا وحبوبها صغيرة". ويضيف أنه اضطر لحفر آبار عميقة تتجاوز 160 مترا للوصول إلى المياه، وهو أمر مكلف وغير مستدام على الأمد الطويل. وتحذر الفاو من انخفاض كبير في مستويات المياه مقارنة بالسنوات السابقة، واصفة الوضع بـ"المخيف"، خاصة مع ارتفاع التكاليف الزراعية وضعف الدعم. جفاف متواصل ويعمّق الجفاف المتواصل، المقترن بتداعيات تغيّر المناخ الذي يزيد من تقلبات الطقس ويفاقم موجات الحرارة وشح الأمطار، الأزمة المعيشية في بلد يعيش فترة انتقالية ويواجه آثار سنوات من الصراع. وتلعب الزراعة دورا محوريا في دعم الاقتصاد المحلي وتأمين مصادر دخل للعديد من العائلات، لا سيما في المناطق الريفية. ويؤكد حسو "ما لم يُقدَّم لنا الدعم، لن نستطيع الاستمرار. نحن نسير إلى المجهول، وإذا فقدنا الزراعة، سيفقد الناس قوتهم وسيتفاقم الفقر والجوع".


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
الجفاف يهدد الأمن الغذائي بسوريا والحكومة تبحث عن حلول
دمشق- تشهد سوريا موجة جفاف غير مسبوقة تهدد بتلف نسبة كبيرة من المحاصيل الزراعية، مما دفع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) إلى التحذير من أن هذه الموجة قد تشكل خطرا كبيرا على الأمن الغذائي لملايين السوريين. وتشير التقارير الصادرة عن المنظمة الدولية إلى أن شدة الجفاف وشموله مناطق واسعة في البلاد فاقما حجم الكارثة، في حين يعاني محصول القمح -الذي يعد المحصول الإستراتيجي في البلاد- أزمة كبيرة هذا الموسم بسبب غياب مياه الري وقلة هطول الأمطار. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج القمح خلال عام 2025 انخفض لما دون النصف، حيث بلغت تقديرات الإنتاج 38 ألف طن في حين كان الإنتاج سابقا ما يقارب 100 ألف طن، وهذا لا يكفي سوى أشهر عدة من تقديم مادة الخبز للمواطنين. وتتوقع المنظمة "عجزا غذائيا يقدّر بـ2.7 مليون طن من القمح هذا العام، وهو ما يكفي لإطعام 16.3 مليون شخص لمدة عام كامل"، بحسب تصريحات نقلتها وكالة رويترز عن ممثل الفاو في سوريا طوني العتل. ودفع الإنتاج المتدني لهذا العام الحكومة السورية إلى توقيع عقود مع دولة صديقة لاستيراد شحنات من القمح لسد النقص حتى حلول العام المقبل. جفاف غير مسبوق وبحسب تقرير للجزيرة نت، شهدت سوريا اتجاها متزايدا نحو الجفاف بين عامي 1981 و2021، مع تسجيل أحداث جفاف كبيرة في سنوات 1999 و2010 و2014 و2017 و2021، مما يشير إلى أن الجفاف يتحول من موسمي متقطع إلى حالة ممتدة ومتزايدة الحدة. واستطلعت الجزيرة نت آراء بعض المزارعين والمسؤولين بهدف الوقوف على جوانب الأزمة والتعرف على الإجراءات الحكومية للحد من تأثيرها. ويقول المزارع السوري حسين العبد الله إن المحاصيل بحاجة لعملية إنعاش فورية نتيجة حالة الجفاف التي لم يشهد مثلها رغم عمله في الزراعة منذ سنوات. وأشار العبد الله في حديثه إلى أن من لا يملك بئر ماء لا يمكن أن يعيش لا هو ولا أرضه جراء الجفاف الذي أصبح يؤثر على المحاصيل الزراعية من جهة، وعلى الأمن المائي في المسطحات المائية والأنهار من جهة أخرى. وأضاف أن الجفاف هذا العام سبّب خسائر كبيرة للمزارعين بالمحاصيل الزراعية البعلية والأشجار المثمرة، والكثير منهم لم يجن محصوله هذا العام، وهذا سبّب كارثة كبيرة للمزارع الذي ينتظر موسمه من العام إلى العام. وناشد العبد الله المنظمات والدول العربية والأجنبية والحكومة السورية الإسراع إلى إنقاذ المزارع وتقديم الخدمات الزراعية الضرورية له من خلال الحبوب الهجينة والأدوية اللازمة والقروض الحسنة، كما حث على تقديم المساعدة للمزارعين بحفر آبار جوفية. آثار سلبية من جهته، أوضح مدير الهيئة العامة للموارد المائية في وزارة الطاقة المهندس أحمد الكوان أن موجة الجفاف الناتجة عن قلة الهاطل المطري لهذا العام ستكون لها آثار سلبية على الواقع الزراعي في سوريا. وبفعل هذه الحالة غير المسبوقة ستتأثر الخطة الزراعية بقلة الهطول المطري وانخفاض مناسيب المياه الجوفية وغزارة الينابيع وتخزين السدود. وحذر الكوان في حديثه للجزيرة نت من أن يؤدي ذلك إلى عدم إمكانية تأمين المياه بالشكل الكافي لجميع الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية للمزارعين. وأضاف أن الضرر لا يقتصر على الزراعة فقط، إنما يمتد إلى الثروة الحيوانية بسبب نقص الأعلاف وتدهور المراعي وانتشار الأوبئة في المحاصيل الزراعية. وستتأثر شريحة واسعة من المواطنين بخسائر القطاع الزراعي بسبب قلة إنتاج بعض المحاصيل الرئيسية جراء خروج بعض الأراضي من الإنتاج، إضافة إلى مواجهة صعوبات كثيرة في تأمين مياه الشرب بالشكل الأمثل، وانخفاض نصيب الفرد من المياه المخصصة للشرب. وستتسبب هذه الأوضاع في هجرة بعض سكان الريف المعتمدين على الزراعة إلى المدينة للحصول على عمل، مما سيؤدي إلى تدني جودة المياه ومستوى المعيشة. بدوره، يقول مدير الزراعة والإصلاح الزراعي في إدلب مصطفى الموحد إن الجفاف ضرب المنطقة بشكل عام، وليس سوريا فقط، موضحا أنه من خلال تتبع الأرقام والإحصائيات وجد أن موجة الجفاف هذه لم تحدث منذ عام 1958. وأضاف الموحد في حديثه للجزيرة نت أن موجة الجفاف هذه تسببت في خروج كامل إنتاج المحاصيل البعلية بمنطقتي الاستقرار الثانية والثالثة عن الإنتاج، في حين خرج 90% من منطقة الاستقرار الأولى من الإنتاج بمنطقة إدلب. وأشار إلى أن الجفاف أثر أيضا على المحاصيل المروية بانخفاض نسبة الإنتاج إلى النصف تقريبا، سواء في محصول القمح أو البقوليات أو المواد العطرية والخضروات، كما طال أيضا الأشجار المثمرة -خاصة أشجار الزيتون- لعدم وجود مخزون مائي في التربة لتستفيد منه. إرشادات للمزارعين وعملت وزارة الزراعة على تقديم الإرشادات الفنية للمزارعين بالقيام بعملية ري تكميلي حتى تستطيع الأشجار المثمرة مقاومة عوامل الجفاف، بالإضافة إلى توجيههم بضرورة ري المحاصيل الزراعية كالقمح وباقي الحبوب والبقوليات لمن يملك آبارا ووسائل ري. ويشير الكوان إلى أن البلاد تتجه لعملية الترشيد المائي في استخدامات المياه، ولا سيما في القطاع الزراعي الذي يعتبر المستهلك الأساسي للمياه، كما تسعى إلى تقنين استخدام المياه في قطاع الري بالتعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ومستخدمي المياه من خلال: التوجه بالخطة الزراعية نحو الزراعات الملائمة لظروف وندرة الموارد المائية المتاحة. العمل على معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي قبل صرفها إلى المجاري المائية بهدف استخدامها في الري الزراعي كمصدر إضافي. التحول إلى منظومة الري الحديث. نشر ثقافة العمل الجماعي والتشاركية في مجال استخدام المياه. التوجه إلى مستخدمي المياه من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لخلق أسلوب تواصل مع شريحة واسعة منهم، ورفع الوعي لديهم، وتسليط الضوء على التكاليف الكبيرة التي تتحملها الدولة لتأمين المياه بالكمية والنوعية المناسبة. منع مخالفات الحفر العشوائي التي تستنزف المياه الجوفية دون مراقبة، حيث إن مشكلة الحفر العشوائي للآبار هي مشكلة قديمة يمكن وصفها بأنها ممارسات خاطئة غير نظامية متجاوزة للقانون بسبب مفاهيم مائية خاطئة ناتجة عن غياب الوعي المائي والثقافة المائية لدى المواطنين. تقنين استخدام على المياه، والبحث عن مصادر مائية اضافية، والعمل على تحقيق أهداف الاستعمال المستدام للمياه، وهي الكفاءة الاقتصادية والمساواة الاجتماعية والاستدامة البيئية. تطوير الكوادر المختصة مع ما يلزم من البنية التحتية، ووضع خطة تشغيل وصيانة لتحقيق الاستدامة.


الجزيرة
منذ 6 أيام
- الجزيرة
تعطيش غزة.. نفاد الوقود يهدد تحلية المياه ويفاقم المأساة الإنسانية
غزة- في وقت لا يزال فيه أهالي قطاع غزة يعانون من التجويع الممنهج بفعل الحصار الإسرائيلي، تتفاقم مأساة إنسانية جديدة مع توقف عدد كبير من محطات تحلية المياه عن العمل بسبب نفاد الوقود، مما ينذر بكارثة عطش جماعي تهدد 2.2 مليون إنسان. وفي خيام النزوح ومراكز الإيواء المؤقتة، تتكرر مشاهد الأطفال وهم يتنقلون بأوانٍ بلاستيكية بحثا عن قليل من الماء، بينما تقف الأمهات والآباء في طوابير طويلة تحت الشمس الحارقة، على أمل أن تصل إليهم شاحنة مياه واحدة في اليوم. ويعتمد غالبية سكان غزة في التزود بالماء على جهود المؤسسات والمبادرات الخيرية، ومع اشتداد الأزمة، يُحذِّر العاملون في هذا المجال من انهيار كامل في خدمات "سُقيا الماء"، في وقت تعجز فيه المحطات عن مواصلة العمل ويزداد الطلب بشكل غير مسبوق. انعدام السُقيا ويقول منسق إحدى المبادرات الخيرية، أحمد عبدو، إن أزمة المياه في القطاع وصلت إلى مرحلة حرجة مؤخرا، في ظل توقف غالبية محطات التحلية عن العمل بسبب نفاد الوقود أو تعطّلها، إضافة إلى إغلاق عدد كبير منها في الشمال، بعد أوامر النزوح الإسرائيلية التي أجبرت السكان على مغادرة مناطقهم. وأوضح عبدو في حديثه للجزيرة نت أن شاحنات نقل الوقود لم تعد قادرة على العمل بسبب انعدام الوقود، في حين توقفت بعض محطات التحلية الأخرى نتيجة أعطال فنية لا يمكن إصلاحها لعدم توفر قطع الغيار، مما فاقم حجم الكارثة. وقال إن مشكلة توفير المياه للنازحين والمواطنين باتت "كبيرة جدا"، حيث اضطرت المبادرة التي يشرف عليها إلى إيقاف 3 مشاريع إنسانية لتوفير مياه الشرب، بسبب صعوبة تأمين الكميات المطلوبة. وأشار إلى أن الضغط الشديد على المحطات القليلة المتبقية من المواطنين والمؤسسات، أدى إلى ازدحام كبير وتأخير في الحصول على المياه، مضيفا "اليوم السبت، لم نتمكن من توزيع سوى شاحنة ماء واحدة فقط، وهي الأولى منذ أيام، بعدما كنا نوزع يوميا 4 أو 5 شاحنات". وأضاف أن الشاحنة التي تم توزيعها لم تفِ بحاجة العدد الكبير من النازحين الذين احتشدوا حولها، ونفد الماء قبل أن يتمكن غالبيتهم من الحصول على شيء منه. وختم قائلا: "الناس عطشى، وخائفون ويعانون بشدة، فلا ماء للشرب، ولا حتى ماء مالح للتنظيف". تهديد بالإغلاق وفي الوقت الذي أغلقت فيه العديد من محطات التحلية أبوابها، تكافح محطة عبد السلام ياسين "إيتا"، وهي أكبر شركة عاملة في هذا المجال في غزة، من أجل الاستمرار في العمل. وتتعاون "إيتا" مع منظمات دولية ك اليونيسيف و اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تحلية المياه وتوزيعها مجانا على المواطنين، إذ توفر هذه المنظمات الوقود والفلاتر والمواد الكيميائية اللازمة، غير أن اليونيسيف أبلغت الشركة قبل 10 أيام بتوقف دعمها بعد أن عجزت عن توفير الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية. وفي ظل هذا التوقف، اضطرت "إيتا" إلى نشر إعلانات تطلب فيها من السكان المحليين شراء الوقود لصالح المحطة، في محاولة لضمان استمرار عملها الحيوي. ويقول أحد المسؤولين في الشركة، المهندس محمود صالح، "منذ الثاني من مارس/آذار، لم يدخل أي وقود إلى غزة، كنا نعتمد على ما توفره لنا المؤسسات الشريكة، وما تبقى لدينا من مخزون، إضافة إلى ما تم شراؤه الوقود من السوق السوداء شارف على النفاد، ولم يعد هناك وقود في الأسواق". وأوضح صالح أن الشركة أعلنت حالة الطوارئ، محذرا من أنها قد تُجبر على إغلاق محطاتها الثلاث (شمال وجنوب القطاع) في أي لحظة. وتعرضت الشركة لأضرار جسيمة خلال الحرب الأخيرة، حيث دمّر الاحتلال مقرها الرئيسي في حي الزيتون "الغربي" بالكامل، إلى جانب تدمير العديد من مركبات نقل المياه. وتابع صالح "نضطر اليوم لشراء لتر السولار بنحو 33 دولارا من السوق السوداء، رغم أن سعره الحقيقي لا يتجاوز دولارين". وتستهلك محطات "إيتا" الثلاث بين 3 آلاف و4 آلاف لتر من مادة السولار يوميا لتشغيل مرافق التحلية وشاحنات توزيع المياه. الإبادة بالتعطيش من جهته، حذّر المدير العام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، من تفاقم أزمة المياه في القطاع إلى مستويات كارثية. وقال للجزيرة نت "غزة تتجه نحو كارثة عطش جماعي تضاف إلى جريمة التجويع والإبادة الجماعية التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي بحق أكثر من 2.2 مليون إنسان". ولفت الثوابتة إلى أن توقف محطات تحلية المياه في مختلف المحافظات نتيجة نفاد الوقود وانقطاع خطوط الإمداد الدولية، ينذر بكارثة صحية وبيئية حقيقية، لا سيما مع دخول فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة، ووجود مئات آلاف النازحين في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة. وأضاف "من المؤسف أن العديد من المنظمات الدولية لا تفي بوعودها ولا توفر الحد الأدنى من احتياجات تشغيل هذه المحطات الحيوية، رغم معرفتها أن 97% من مياه غزة غير صالحة للشرب، وأن السكان يعتمدون على هذه المحطات بشكل شبه كامل للبقاء على قيد الحياة". وحمّل الثوابتة الاحتلال الإسرائيلي و الولايات المتحدة الأميركية والجهات الدولية التي "تتواطأ بالصمت" المسؤولية الكاملة عن "جريمة التعطيش الجماعي" التي تُرتكب ببطء وبقصد، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني و اتفاقيات جنيف وحقوق الإنسان الأساسية.