logo
دافيد برنياع... رئيس «الموساد» الإسرائيلي الذي هيأ لجيشه ظروف الضربات الفتاكة

دافيد برنياع... رئيس «الموساد» الإسرائيلي الذي هيأ لجيشه ظروف الضربات الفتاكة

الشرق الأوسطمنذ 4 ساعات

لم يكن مصادفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تخلص من كل القيادات العسكرية والأمنية، بالذات رئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي، ورئيس المخابرات العامة «الشاباك» رونين بار، وقادة اللواء الجنوبي والمخابرات العسكرية، أبقى على دافيد «ديدي» برنياع رئيساً لجهاز «الموساد». المفترض، من وجهة نظره، أنه هو أيضاً كان من قادة الأجهزة الأمنية المسؤولة عن إخفاقات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وليس هذا فحسب، بل عندما عُيّن برنياع رئيساً لفريق التفاوض الإسرائيلي مع «حماس» حول صفقة تبادل، دخل في صراع طويل ومرير مع نتنياهو. إذ كان يتوصل إلى تفاهمات حول نقطة معينة، لكن نتنياهو كان يجهضها. وبرنياع كان يخبر عدداً من الشخصيات بهذه الحقيقة فيسربون الأمر للصحف، فتهاجم نتنياهو، وتتهمه بعرقلة الجهود لإنهاء الحرب؛ فقط لكي يضمن بقاء حكومته. ونقل على لسانه أنه قال إنه كان بالإمكان التوصل إلى صفقة مع «حماس» في شهر مايو (أيار) 2024، وحقن دماء كل من قتلوا منذ ذلك الحين، لكن نتنياهو أجهضها. عملياً، كان نتنياهو يتمنى لو يستطيع التخلص من برنياع، بيد أن الخطة الحربية مع إيران استوجبت التنازل عن هذه الأُمنية. وكان الأمر يحظى بتهكّم برنياع، المعروف بنكاته اللاذعة.
الانشغال الإسرائيلي الكبير في المفاوضات مع «حماس»، تارة في الدوحة على بعد قصير من طهران، وطوراً في القاهرة، لم يمنع دافيد برنياع من ممارسة دوره في قيادة «مشروع الإعداد للحرب»، الذي تم على الأرض الإيرانية خلال الشهور الماضية. فجهاز «الموساد»، المخابرات الخارجية، تحت قيادة برنياع أدى دوراً حاسماً في العمل داخل إيران، لاستقبال العمليات الحربية العدوانية. بل اعتبر الموساد الركن الأساسي في هذه الحرب، ولولا عملياته لما تمكنت الطائرات الإسرائيلية من تنفيذ هجماتها واغتيالاتها.
ولد دافيد «ديدي» برنياع قبل 60 سنة في مدينة عسقلان (أشكيلون) وانتقل لاحقاً مع عائلته للسكن في مدينة ريشون لتسيون جنوب شرقي تل أبيب - يافا. وهو متزوج وأب لأربعة أولاد. وراهناً يسكن في بلدة صغيرة في منطقة السهل، شمال شرقي تل أبيب. وهو يتكلم خمس لغات تشمل إلى جانب العبرية، والعربية والإنجليزية اللغتين البنغالية والأوردية الهنديتين، ومن أبرز هواياته الركض لمسافات طويلة.
في الواقع، سلك برنياع طريقاً معاكساً لطريق غالبية زملائه من القادة العسكريين، الذين تسرّحوا من الجيش واستخدموا خبراتهم للتقدم في عالم رجال الأعمال. فهو خدم في الجيش مع وحدة الكوماندوز المختارة «سييرت متكال». ومدّد خدمته العسكرية سنة إضافية، لكي يكمل «عملية عسكرية وراء خطوط العدو». بيد أنه، بعد إكمال العملية، اختار السفر إلى الولايات المتحدة، وتحديداً مدينة نيويورك؛ للدراسة في مجالي إدارة الأعمال والاقتصاد.
وبالفعل، حصل برنياع هناك على درجة بكالوريوس علوم من معهد نيويورك للتكنولوجيا، ثم على الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بايس. ومن ثم، عاد إلى إسرائيل ليعمل في مجال تجارة العقارات والاستثمار العقاري وغيرهما من الأعمال. ويقول الكاتب المختص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، يوسي ميلمان، إن برنياع برع بشكل خاص في إدارة المفاوضات. وأصبح رجل أعمال من ذوي الاعتبار في تل أبيب.
غير أن الرجل عاد ليهتم بالقضايا الأمنية عندما غرقت إسرائيل في العمليات المسلحة القتالة. ففي عام 1994 أقدم طبيب مستوطن على تنفيذ مذبحة في مدينة الخليل، إذ أطلق الرصاص على المصلين في الحرم الإبراهيمي عند صلاة التراويح في رمضان؛ ما تسبب في مقتل 29 فلسطينياً (والجيش الإسرائيلي قتل 20 آخرين من الفلسطينيين الذين احتجوا على الجريمة)، وراحت التنظيمات تغرق المدن الإسرائيلية بالعمليات المسلحة.
ثم صُدم برنياع من اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلي إسحق رابين على يد متطرف يهودي مناوئ للسلام مع الفلسطينيين. ويومذاك قرر العودة إلى العمل العسكري واختار الانضمام إلى «الموساد». وحسب قوله، إن انتماءه لعائلة وطنية (والده كان من المقاتلين في التنظيمات اليهودية التي احتلت بلدتي صفد وسمخ في شمال فلسطين)، دفعه إلى التخلي عن الثروة المضمونة والعودة إلى خدمة العلم.
في الموساد قوبل دافيد برنياع بالترحاب؛ لأن قادة الجهاز كانوا قد بدأوا في تشكيل هيئة لمحاربة تمويل الإرهاب في العالم. ووجدوا في دراسته وأعماله مصدر إلهام لهذا الموضوع. لكن رئيس الموساد في حينه، مئير دجان، أخذه إلى مجال آخر في الوحدة المعروفة باسم «تسومت» المتخصّصة في تجنيد العملاء وجمع المعلومات والمهمات الخاصة.
وعام 1990، أُرسل برنياع إلى «إحدى الدول» للقيام بعملية سريّة مع قائده يوسي كوهن، الرئيس السابق للموساد. ومنذ تلك المهمة، والرجلان لا يفترقان. فقد تبناه كوهن طول الطريق، إلى أن أقنع نتنياهو بتعيينه مكانه في رئاسة الموساد، وتسلم منصبه في مطلع يناير (كانون الثاني) من عام 2021.
تدرّج برنياع في المسؤوليات، ونجح بإثارة إعجاب قادته ورؤسائه ومرؤوسيه، الذين يجمعون على أنه «حاد الذكاء ومتواضع وجريء وصاحب نكتة، ينظر حتى إلى خصومه باحترام... وذهنه يتفتّق عن عمليات مستحدثة باستمرار»، كما يقول أحد رؤسائه، تمير بوردو. ولذا؛ حظي بعدد كبير من الأوسمة، لا سيما عندما تولى رئاسة دائرة العمليات التنفيذية خلال الفترة ما بين 2013 و2019، وهي الفترة التي أصبحت فيها إيران ومشروعها النووي عنواناً أساسياًٍ لعمل الموساد. وفي ختامها عُيّن نائباً لرئيس الموساد، تحت قيادة كوهن.
استمرت 02 سنةالنشاطات السرّيّة التي أجراها الموساد على الأرض الإيرانية، وفقاً للمصادر في تل أبيب، دامت نحو 20 سنة، وبرنياع كان له دور شخصي وأساسي فيها منذ أن انضم للموساد عام 1996. إلا أنها تكثفت وتزايدت واتسعت في السنة الأخيرة. وبلغت أوجها، عندما اتُخذ القرار بشن الحرب وحصلت إسرائيل على «الضوء الأخضر» من واشنطن.
الصحافي كوبي بورنشتاين، كتب في العدد الأخير من صحيفة المتدينين «همشبحاة» (العائلة)، إن «رجال الموساد الموجودين في طهران، عملوا طيلة شهور قبل الحرب على تهريب عدد كبير من الطائرات المسيّرة المزوّدة بالمتفجرات، بالقطع، داخل حقائب وشاحنات وحاويات عبر خطوط نقل تجارية مدنية. وتولّى وكلاء (عملاء) الموساد إعادة تركيب القطع من جديد في مواقع داخل إيران. وهؤلاء الوكلاء كانوا قد تلقوا دورات تعليمية وتدريبية عدة على أرض دولة ثالثة وعادوا إلى إيران، وفيها نظموا دورات تدريب لوكلاء آخرين محليين.
ومع اندلاع الحرب، استُخدمت هذه الطائرات المسيّرة، وكذلك أسلحة إلكترونية أخرى جرى تفعيلها من السيارات التي سبق أن جُهّزت في الخارج قبل تهريبها، وراحت تشوّش على الرادارات والمضادات الجوية؛ ما أدى إلى شللها. وبهذه الطريقة تمكّنت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي من «التحرك بحرية في سماء إيران وتنفيذ غاراتها، تقريباً بلا اعتراض».
بورنشتاين كشف عن لقاء مع أحد الطيارين الإسرائيليين، قال فيه إن كل طاقم من بين قادة 200 طائرة تسلمت مهمات محددة، لإصابة 100 هدف، وكان الموساد المصدر لغالبيتها. وبضمن ذلك عناوين بيوت المسؤولين العسكريين وقادة «الحرس الثوري» وعلماء الذرة لاغتيالهم، وعناوين مصانع الصواريخ وبطاريات إطلاق. ولكن المهمة الأكثر بروزاً كانت «تنفيذ عملية جعلت جميع قادة سلاح الجو الإيرانية تتجه للاجتماع في مكان ما، وهناك جرى قصفه؛ ما أدى إلى قتل 13 شخصاً من الحاضرين».ختاماً، برنياع نفسه صرح يوم الأربعاء الماضي بأن «قوات الموساد ما زالت هناك تواصل مهامها، حتى اليوم، وستبقى هناك لمراقبة النشاط العسكري الإيراني». ورئيس أركان الجيش، ايال زامير، كشف عن أن هناك قوات كوماندوز للجيش الإسرائيلي عملت إلى جانب الموساد على أرض إيران.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عراقجي يطالب ترمب بـ«احترام خامنئي» إذا كان يرغب في التوصل لاتفاق
عراقجي يطالب ترمب بـ«احترام خامنئي» إذا كان يرغب في التوصل لاتفاق

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

عراقجي يطالب ترمب بـ«احترام خامنئي» إذا كان يرغب في التوصل لاتفاق

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مساء يوم الجمعة، إنه إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يرغب في التوصل لاتفاق فإن عليه الكف عن أسلوبه غير المحترم وغير اللائق تجاه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. The complexity and tenacity of Iranians is famously known in our magnificent carpets, woven through countless hours of hard work and patience. But as a people, our basic premise is very simple and straightforward: we know our worth, value our independence, and never allow anyone... — Seyed Abbas Araghchi (@araghchi) June 27, 2025 وشدد عراقجي في منشور على منصة «إكس»، على أن «الشعب الإيراني لا يقبل التهديدات والإهانات»، مشيراً إلى أن «إيران لن تتردد في الكشف عن قدراتها الحقيقية إذا أقدم البعض مدفوعاً بأوهامه على ارتكاب أخطاء جسيمة، وقال: «حسن النية يُقابل بحسن النية والاحترام يولد الاحترام». جاءت تصريحات عراقجي رداً على منشور لترمب على منصته «تروث سوشيال» قال فيها إنه كان يعلم على وجه الدقة مكان الزعيم الأعلى الإيراني لكنه لم يسمح لإسرائيل أو للجيش الأميركي بقتله. وأضاف مخاطبا خامنئي: «أنقذتك من موت بشع ومهين وكان عليك أن تشكرني». وتابع أنه منع إسرائيل من توجيه ضربة قاضية في طهران كانت ستسفر عن مقتل كثير من الإيرانيين. وقال ترمب «لماذا يقول ما يُسمى بالمرشد الأعلى، بكل صراحة وحماقة إنه انتصر في الحرب مع إسرائيل، وهو يعلم أن تصريحه كذب، فهو ليس كذلك. بصفته رجلاً مؤمناً، لا يُفترض به أن يكذب. لقد دُمِّرت بلاده، ودُمّرت مواقعه النووية الثلاثة»، في إشارة إلى مواقع فوردو ونطنز وأصفهان.

تركيا: يجب البقاء متأهبين لاحتمال انهيار وقف النار بين إسرائيل وإيران
تركيا: يجب البقاء متأهبين لاحتمال انهيار وقف النار بين إسرائيل وإيران

الشرق السعودية

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق السعودية

تركيا: يجب البقاء متأهبين لاحتمال انهيار وقف النار بين إسرائيل وإيران

قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، مساء الجمعة، إن "المنطقة بحاجة لأن تكون في حالة تأهب قصوى لاحتمال انهيار وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وتجدد الهجمات المتبادلة". وأضاف فيدان في مقابلة مع قناة "أ خبر" التركية، أن "الحرب انتهت بعد 12 يوماً، لكن هناك وقف إطلاق نار مبرم بناء على افتراض القضاء على القدرة النووية الإيرانية"، مؤكداً ضرورة "استمرار فترة الصمت الحالية، وجعلها دائمة، من خلال الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة". وذكر فيدان، في التصريحات التي أوردتها وكالة "الأناضول"، أن كلا الجانبين لديهما الرغبة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، مشيراً إلى أن الأوروبيين لديهم أيضاً "عملية يرغبون في المضي بها مع الإيرانيين". كما لفت إلى أن تركيا "تتابع عن كثب جميع التطورات في المنطقة، وتشارك فيها في معظم الأحيان كوسيطة". "منشآت إيران النووية تعرضت لأضرار بالغة" وأضاف فيدان في تصريحاته، أنه "نتيجة للعملية العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة، أصبح من الواضح أن المنشآت النووية في إيران تعرضت لأضرار بالغة، وأصبحت غير صالحة للاستخدام". وتابع فيدان قائلاً: "يمكننا الآن أن نتحدث عن ضربة كبيرة للغاية استهدفت البرنامج النووي" لإيران. ولكنه أكد أن "التحدي الأكبر أمامنا هو المفاوضات"، متسائلاً: "عندما تجلس إيران إلى الطاولة، هل سيقتصر الأميركيون على القضية النووية، أم سيطرحون ملفات أخرى؟ إذا طرحوا ملفات أخرى، فلا أعتقد أن الإيرانيين سيناقشونها". وأعرب فيدان عن اعتقاده بأنه ستكون هناك مفاوضات وجهود للتوصل إلى "تفاهم مشترك"، على غرار التوافق الذي كان قائماً خلال فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وأضاف: "لكن لا أعتقد أنه سيتم النظر بإيجابية في الوقت الحالي، بعد مرور 12 يوماً على الحرب، إلى العروض التي تطالب باستسلام شامل، وتشمل إزالة القدرات غير النووية أيضاً". وشدد وزير الخارجية التركي على أن الحرب بين إيران وإسرائيل لا تؤثر على البلدين فحسب، بل تشمل تداعياتها المنطقة أيضاً.

متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس؟
متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس؟

الشرق الأوسط

timeمنذ 3 ساعات

  • الشرق الأوسط

متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس؟

الآن وبعد أن صمت دوي الصواريخ وهجمات الطائرات المتبادلة، بين طهران وتل أبيب، هل من نتيجة مؤكدة ينبغي أن يخلص إليها اليمين الإسرائيلي، الذي أدمن أوهام القوة العسكرية، من دون أن يفكر عميقاً في معنى ومبنى السلام؟ يحيد يمين الحرب عن فهم معنى «الشالوم» دينياً وإيمانياً، ومن منطلق توراتي، ما يعني أن هناك من يتلاعب بالمقدرات الروحية، ويسخرها لصالح أهداف سياسية ضيقة. تعني كلمة «شالوم» الطمأنينة والأمان، لكن من الجلي أنه يتعذر الحصول عليهما من دون عدالة ترد الحقوق لأصحابها، وصدق مع الذات، لا يتخذ من المناجل والسيوف أدوات للعيش. لثمانية عقود، لم تتعرَّض المدن الإسرائيلية لقصفات جوية مؤثرة، كما تعرضت الأسبوعين الماضيين، وعليه فإن السؤال المطروح على مائدة النقاش: ما الذي خلفته الصواريخ الإيرانية؟ صباح الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) الحالي، كتب الصحافي الإسرائيلي أورن زيف، يقول: «سواء صمد وقف إطلاق النار أم لا، فإنه يحق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن ينسب لنفسه إنجازاً رئيسياً واحداً، وهو تحطيم شعور الإسرائيليين بالحصانة». مثيرة هي الأقدار التي خُلقت في الداخل الإسرائيلي، مشاهد مطابقة لما تابعه العالم من مآسٍ في غزة. الناس الفارون بملابس النوم مع أطفالهم، وممتلكاتُهم بين أيديهم، الرعبُ والذعر في عيونهم، والخوف على محياهم، والتكدس في الملاجئ تحت الأرض، هذا رغم الرقابة الذاتية المشددة التي قمعت، إلى حد كبير، وسائل الإعلام الغربية والشرقية ومنعتها عن نقل الصورة كاملة. والشاهد أن هذه الحرب التي أودت بحياة نحو ثلاثين شخصاً إسرائيلياً، جعلت الآلاف من الإسرائيليين، خصوصاً في تل أبيب وضواحيها، يشعرون بخوف حقيقي على حياتهم، كما أن غالبيتهم رسخ يقينهم بأن القبة الحديدية لن تفلح في توفير الأمان المطلق. منذ استيلائها على الأراضي الفلسطينية، لم تعرف إسرائيل أو تذق معنى الطمأنينة، أو تهنأ بالسلام الباطني والخارجي معاً، سواء من جراء الحروب الكبرى من الدول المجاورة، أو بسبب إطلاق النار والطعن، والانتفاضات، وجولات القتال مع «حماس» و«حزب الله». غير أن هذه المرة بدا الأمر مختلفاً، إذ لم يعد مجرد قلق وجودي، كما هي الحال دوماً، بل أضحى خوفاً شخصياً آنياً، خصوصاً بعد أن شعر الجميع أن الموت بات حاضراً في قلب البلاد، والشعور به قريب جداً، في صوت انفجار صاروخي، أو تحت ركام الدمار الذي تخلفه الضربات التي لم تُعترَض. هل أدرك اليمين الإسرائيلي المتطرف، أن الحياة عبر العداء للآخر، من مآلاتها موتٌ مشابه؟ الثابت أن ما كان يمكن قمعه أو إدارته سابقاً من خلال مظاهر الروتين، أصبح الآن يتطلب مواجهة مباشرة. إن القتل وتدمير المنازل وتعطيل الحياة اليومية، كلها تشير إلى نتيجة وأجندة واحدة. نتيجةٌ مفادها أن إسرائيل لم تعد مكاناً صالحاً للعيش الإنساني؛ الأصلُ فيه السلام، والاستثناء هو الحرب. أثبتت الهجمات الصاروخية الإيرانية، أن إسرائيل لا تتمتع بالحصانة المطلقة، حتى وإن تدرعت بمنظومات «باتريوت» و«ثاد» و«حيتس» الصاروخية المضادة، ولهذا كان من الطبيعي للغاية أن يتسرب الخوف والقلق والسخط، عبر النفوس، ويدفع ذلك الكثيرين إلى التفكير في الهجرة العكسية، عبر المنافذ البرية، ومنها إلى الدول التي يحملون جنسياتها، الأمر الذي يعد بالنسبة إلى إسرائيل، خسارة أشد هولاً. متى تنفتح أعين اليمين الإسرائيلي على الحقيقة المُرَّة، وهي أن ما يهدد الدولة العبرية، في حقيقة الحال، ليست إيران ولا «حماس»، لكن غطرستها، وهو ما تقرره الناشطة اليسارية الإسرائيلية، أورلي نُويْ، قبل بضعة أيام. نُويْ تعتبر أنه على مدى نحو 80 عاماً، أثبتت انتصارات الجيش الإسرائيلي العسكرية، أنها انتصارات مزعومة باهظة الثمن... لماذا؟ باختصار، لأن كلَّ انتصارٍ يدفعُ إسرائيلَ إلى هوة أعمق من العزلة والتهديد والكراهية. خلقت نكبة سنة 1948 أزمة لاجئين لا تزال حاضرة ولو أدبياً وقانونياً، ومهدت الطريق لنظام الفصل العنصري القائم حتى الساعة، وأدى انتصار سنة 1967 إلى احتلال لا يزال يغذي المقاومة الفلسطينية، وأدخل إسرائيل في دائرة انكسار حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، بينما عملية 7 أكتوبر سنة 2023، تحولت إلى إبادة جماعية جعلت إسرائيل دولة منبوذة عالمياً. «الأمة التي تستعرض عضلاتها خمسين عاماً ستتعب في النهاية»، هكذا خبر إسحق رابين النائب اليساري السابق يوسي ساريد. أدرك رابين أن العيش إلى الأبد بحد السيف، على عكس وعد نتنياهو المرعب، ليس خياراً قابلاً للتطبيق. الغطرسة العمياء لن تقود اليمين الإسرائيلي إلى الحياة... السلام أنفع وأرفع من الحرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store