
الغازان القطري والأذربيجاني ينعشان اقتصاد سوريا
وفي 2 أغسطس/آب الجاري، بدأ ضخ الغاز الأذربيجاني عبر تركيا ليشكل -إلى جانب الغاز القطري الذي بدأ ضخه قبل شهر عبر الأردن- مصدرا أساسيا لإمداد سوريا بالكهرباء.
وكشف مدير المؤسسة العامة للنقل والتوزيع الكهربائي في سوريا خالد أبو ديه، في تصريح للجزيرة نت، عن توقيع اتفاق بين الفرق الفنية السورية والتركية لتفعيل آلية تدريجية لضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا، موضحا أن العملية ستبدأ بضخ 750 ألف متر مكعب يوميا لمدة 6 أيام، لضمان استقرار الضغط، على أن تصل الكمية تدريجيا إلى 3.4 ملايين متر مكعب يوميا.
وأشار إلى أن الغاز يجري ضخه حاليا عبر شبكة معزولة في منطقة حلب، مع خطط لنقله لاحقا إلى المناطق الوسطى والجنوبية عبر خط توينان بعد استكمال الإجراءات الفنية لرفع الضغط.
وأكد خالد أبو ديه أن هذا الإجراء سيؤدي إلى زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة تتراوح بين 25% و35%، ما سيرفع ساعات التغذية الكهربائية إلى ما بين 8 و10 ساعات يوميا في معظم المناطق.
وأضاف أن هذا الاتفاق يأتي ضمن إطار الشراكات الإستراتيجية بين سوريا وأذربيجان وتركيا في قطاع الطاقة، بدعم من صندوق التنمية القطري، مؤكدا أنه يمثل خطوة نوعية لتعزيز أمن الطاقة واستقرار المنظومة الكهربائية في البلاد.
والمشروع، الذي بدأ تنفيذه في 2 أغسطس/آب 2025، سيدخل إلى الشبكة السورية 800 ميغاواط من الكهرباء، بزيادة كبيرة عن المرحلة الأولى التي اقتصرت على 400 ميغاواط.
وسيجري نقل الإمدادات عبر خطوط تمر بأذربيجان وتركيا، قبل أن تصل إلى محطة حلب لتوزع لاحقا على مختلف المناطق السورية.
يُعد الغاز القطري و الغاز الأذربيجاني، الذي بدأ ضخه مؤخرا، عاملان أساسيان في تشغيل هذه المرحلة، إذ سيتم تحويله إلى طاقة كهربائية تغذي المدن، وتعيد النشاط لمئات المعامل والمصانع المتوقفة منذ سنوات.
يرى اقتصاديون أن هذه الخطوة تمثل تحولا إستراتيجيا في التعامل مع ملف الطاقة بسوريا، ليس فقط لتخفيف معاناة السكان، بل لإحياء الدورة الاقتصادية في مناطق صناعية كحلب وريف دمشق وحمص.
وفي حديث للجزيرة نت، أعرب وليد جميل، صاحب مصنع للمنسوجات في مدينة الشيخ نجار الصناعية بحلب، عن تفاؤله الكبير بتأثير ضخ الغاز الأذربيجاني على القطاع الصناعي.
وقال للجزيرة نت: كنا نعاني منذ سنوات من انقطاعات الكهرباء المتكررة، ما أجبرنا على الاعتماد على مولدات الديزل بتكاليف باهظة جعلت منتجاتنا غير قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية، واليوم، مع بدء ضخ الغاز وزيادة ساعات التغذية الكهربائية إلى 5 ساعات يوميا، ومع توقعات بوصولها إلى 8-10 ساعات، أصبح بإمكاننا تشغيل خطوط الإنتاج بشكل أكثر انتظاما".
وأضاف "هذا المشروع لن يُعيد فقط تشغيل المصنع بنسبة 70% من طاقته الإنتاجية، بل سيسمح لنا بتوظيف 50 عاملا إضافيا خلال الأشهر القليلة المقبلة، ما يعني فرص عمل جديدة ودعما للاقتصاد المحلي".
وأشار جميل إلى أن استقرار إمدادات الكهرباء سيخفض تكاليف الإنتاج بنسبة تصل إلى 30%، مما سيجعل المنتجات السورية أكثر تنافسية.
من جهته، تحدث عبد الله نجار، صاحب معمل لتصنيع المواد الغذائية، عن التحديات التي واجهتها منشأته بسبب نقص الطاقة.
وقال للجزيرة نت "خلال السنوات الماضية، اضطررنا للتوقف عن الإنتاج لفترات طويلة بسبب عدم توفر الكهرباء، ما أدى إلى خسارة عقود تصدير وتسريح أكثر من نصف العمال. مع وصول الغاز الأذربيجاني، وتوقعات زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة 25-35%، أصبح لدينا أمل حقيقي باستعادة النشاط الكامل".
وأضاف "المعمل يعتمد بشكل كبير على الكهرباء لتشغيل آلات التعليب والتبريد، وتحسّن التغذية الكهربائية سيسمح لنا بزيادة الإنتاج بنسبة 40% خلال العام المقبل، مع خطط لتوسيع السوق إلى دول الجوار".
وأشاد نجار بالدور القطري في تمويل المشروع، معتبرا أنه "خطوة إستراتيجية لإنعاش الاقتصاد السوري وتخفيف معاناة المواطنين".
الطاقة والبطالة
يشير باحثون في الشأن الاقتصادي السوري إلى أن ارتفاع معدلات البطالة ، خصوصا بين الشباب، كان مرتبطا بانهيار البنية التحتية الصناعية والطاقة، ومع تحسّن تغذية الكهرباء من خلال الغاز الأذربيجاني و الغاز القطري، من المتوقع أن يعاد فتح العديد من الورش والمعامل التي كانت تعتمد على مولدات بتكلفة باهظة أو توقفت كليا.
وحسب التقديرات، سيسهم المشروع في رفع عدد ساعات تشغيل الكهرباء اليومية إلى 5 ساعات، بنسبة تحسّن تصل إلى 40%، ما يعني إعادة تشغيل خطوط إنتاج في المصانع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الآلاف من فرص العمل المرتبطة مباشرة بسوق الكهرباء والصناعة.
وبلغ إجمالي ما قدّمه صندوق قطر للتنمية لقطاع الكهرباء السوري حتى الآن أكثر من 760 مليون دولار، ما يعكس توجها قطريا إستراتيجيا لتعزيز ما يعرف بـ"الدبلوماسية الاقتصادية"، عبر مشاريع تعزز الاعتماد على الذات وتوفر بدائل مستدامة للمساعدات التقليدية.
وشدد خالد أبو ديه على استمرار وزارة الطاقة في جهودها لتطوير البنية التحتية وتأهيل محطات التوليد، إلى جانب دعم مشاريع الطاقة المتجددة، لتحقيق تحسّن ملموس في واقع الكهرباء خلال الفترة المقبلة، لتلبية احتياجات المواطنين وتعزيز استدامة القطاع.
وقال الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، الدكتور خالد تركاوي، في حديث للجزيرة نت، إن الطاقة تُعدّ عصب الاقتصاد، مشيرا إلى أن أي مصنع أو منشأة اقتصادية لا يمكن أن تعمل بدون مصادر الطاقة كالكهرباء، والمازوت، والغاز.
وأضاف أن إدخال الغاز إلى سوريا، بغض النظر عن نوعه، يعد بمثابة إطلاق حقيقي لعجلة الاقتصاد السوري.
وأكد تركاوي أن الزيادات في الطاقة الكهربائية، سواء كانت للاستخدام المنزلي أو الصناعي، تُعتبر خطوة إيجابية، خاصة في المناطق الصناعية مثل مدينة الشيخ نجار في حلب، التي تعاني حاليا من نقص حاد في الطاقة، مشيرا إلى أن أي زيادة في الإمدادات الكهربائية ستكون إضافة قيمة.
وأوضح أن الهدف هو تشغيل مدينة الشيخ نجار بنسبة 100%، منوها بأن إدخال الغاز الأذري إلى حلب ومحيطها يمكن أن يغطي احتياجات المدينة الصناعية بالكامل، مع إمكانية تمديد الإمدادات إلى مدن أخرى مثل حماة وحمص.
ونفى تركاوي أن يكون إدخال الغاز إلى سوريا حلا مؤقتا، مؤكدا أن الغاز يعد منتجا إستراتيجيا يتم نقله عبر أنابيب، وليس شحنات مؤقتة، وأوضح أن الأنابيب تمثل استثمارا طويل الأجل بعوائد تمتد لعقود، مما يعزز أهميتها الاقتصادية والإستراتيجية للبلاد.
في سياق آخر، لفت تركاوي إلى أن المنطقة تشهد إعادة هندسة اقتصادية، وأوضح أن هذه الهندسة تهدف إلى دمج اقتصاديات دول المنطقة، مما يوسع الأسواق ويعزز التشابك الاقتصادي بينها.
وأشار إلى أن هذا التكامل يتيح للاقتصاد السوري، وغيره من الاقتصادات الضعيفة، الارتباط باقتصاديات أقوى وأسرع نموا، مما يُسهم في دفع عجلة التنمية ويجعل المنطقة قوة اقتصادية محتملة في المستقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
من مصدات السيارات إلى صناعة الأثاث.. ورش تركية تعيد تدوير النفايات
تنشط مصانع وورش محلية في إعادة تدوير مصدات السيارات القديمة في ولاية قيصري وسط تركيا، إذ يتم تحويلها إلى مستلزمات صناعية ومكونات أنيقة تستخدم في صناعة الأثاث، مثل الأقدام، والعجلات، والمقابض، وقطع الزينة التي تستخدم في الأرائك والأسرة. وتبدأ العملية بجمع المركبات الخارجة من الخدمة بسبب انتهاء عمرها الافتراضي أو عدم أهليتها للسير، إذ يقوم تجار الخردة في المنطقة الصناعية الجديدة بجمعها وفرز مكوناتها. وفي المرحلة التالية، ترسل المصدات غير الصالحة لإعادة الاستخدام إلى مصانع تدوير البلاستيك في المنطقة الصناعية بقيصري، حيث تُفكك وتكسر داخل آلات خاصة، ثم تخضع لمعالجات حرارية وكيميائية لتحويلها إلى مادة أولية حبيبية تعرف باسم "الغرانول". ويتم لاحقا صب هذه المادة في قوالب خاصة وتعريضها للحرارة، لتأخذ شكل مكونات الأثاث المطلوبة، مثل أقدام الأرائك ومقابض الأدراج وبعض العناصر الزخرفية. تصدير ودعم للاقتصاد يوسف أوزكان، صاحب شركة "كايبلاس" المنتجة لهذه القطع، ورئيس جمعية صناعيي البلاستيك في قيصري، ونائب رئيس اتحاد مصنعي البلاستيك في تركيا، قال إن إعادة تدوير المخلفات وتحويلها إلى منتجات نافعة يمثلان أولوية وطنية واقتصادية. وأوضح أن قيصري تؤدي دورا كبيرا في تلبية احتياجات تركيا من الأثاث، ما حفز عمليات الشركة لإعادة تدوير المنتجات المصنعة من مصدات السيارات لخدمة ما تحتاجه الولاية، فضلا عن تصدير تلك المكونات محليا ودوليا، ما يسهم "بشكل ملموس في دعم الاقتصاد". وأشار أوزكان إلى أن الشركة تصدر منتجاتها إلى دول عديدة مثل ألمانيا وإيطاليا والبلقان وإيران والعراق وبلغاريا. ولفت إلى أن المنتجات المصنعة من المصدات المعاد تدويرها تستخدم في أنواع مختلفة من الأثاث والمنتجات الصناعية، باستثناء العبوات التي يتم استخدامها لحفظ المواد الغذائية. وذكر أوزكان أن تركيا تعتمد بنسبة 85% على الاستيراد في تأمين المواد الخام البلاستيكية، نظرا لوجود مصنع بتروكيميائي واحد فقط في البلاد، ما يجعل من التدوير خيارا إستراتيجيا لتقليص هذه الفجوة. إعلان وتابع: "نغطي نحو 40% من استهلاكنا السنوي من المواد الخام عبر إعادة التدوير. وإذا لم نعتمد على ذلك، فسنضطر لاستيراد المادة الأصلية الأعلى تكلفة، ما يعني أعباء مالية إضافية على الاقتصاد". كما أشار إلى أن العديد من العلامات التجارية، المحلية والدولية، باتت تشترط على مورديها أن تحوي المنتجات نسبة لا تقل عن 25% من المواد المعاد تدويرها، وهو ما يتماشى أيضا مع سياسات الأسواق الخارجية. وشدد أوزكان في ختام حديثه على أن إعادة التدوير لا تقتصر على البلاستيك فقط، بل تشمل أيضا المعادن، والورق، والخشب، والسيراميك، والزجاج، مشيرا إلى أن تحويل النفايات إلى منتجات صناعية أصبح حاجة ملحّة للحد من التلوث البيئي، ودعم الصناعة والاقتصاد.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
كيف تُغذّي أزمة الكهرباء الاقتصاد المنهك في سوريا؟
في ظل التحوّلات الجيوسياسية وأزمات الطاقة العالمية، لم يعد التضخّم ظاهرة داخلية تخصّ الدول النامية فحسب، بل أصبح مرآة لهشاشة الروابط الاقتصادية في عالمٍ متشابك. وفي سوريا، حيث تتداخل الصدمات الداخلية مع الضغوط الخارجية، تُمثّل أزمة الكهرباء نقطة انطلاق لفهم ديناميات التضخم ضمن سياق استثنائي. الكهرباء: من خدمة غائبة إلى محفّز تضخّمي لم يعد انقطاع الكهرباء مجرّد عارض تقني، بل تحوّل إلى أزمة بنيوية تؤدي إلى تضخّم متسلسل. إذ يضطر المواطنون إلى شراء المياه من صهاريج خاصة بسبب تعطل المضخات، ما يرفع كلفة الإنفاق ويعيد تعريف الفقر النقدي. أما المولدات الخاصة، فباتت رمزًا للصمود، لكنها تشكل عبئًا اقتصاديًا في ظل ارتفاع أسعار الوقود وتراجع الإنتاج المحلي من المازوت والغاز. تعتمد سوريا على الطاقة الحرارية المكلفة، حيث تبلغ كلفة الكيلوواط/ساعة نحو 12 سنتًا بالدولار، بينما لا تتجاوز القدرة الإنتاجية 1300 ميغاواط من أصل حاجة تقدّر بـ6500 ميغاواط. هذا العجز، الذي يتجاوز 80%، يُطلق سلاسل تضخّم تطال الخدمات والسلع والمستلزمات الإنتاجية. التشوّهات النقدية والمالية الداخلية توسّع العرض النقدي لتمويل العجز أدى إلى تآكل قيمة الليرة، فيما يُعرف بالتضخّم البنيوي. ضعف التنسيق بين السياسات المالية والنقدية أعاق السيطرة على الأسعار، لا سيما في بيئة ما بعد الأزمة. فقدان الثقة بالعملة الوطنية دفع المواطنين إلى التحوّط بالدولار والذهب، ما زاد من اضطراب سلوك السوق. هذه المعطيات تتقاطع مع نظريّتي 'التضخّم المدفوع بالتكاليف' و'التضخّم السياسي'، حيث تُسهم التدخلات الحكومية غير المدروسة في تفاقم عدم الاستقرار النقدي. تُظهر التجارب في لبنان وفنزويلا أن التضخم في ظل الأزمات السياسية يتحوّل إلى عنصر يعيد تشكيل الهياكل الاجتماعية العلاقات الاقتصادية الدولية كقوّة ضاغطة رفعت العقوبات المفروضة على سوريا كلفة استيراد المواد الأساسية، ما انعكس مباشرة على أسعار السلع. أدّت تقلبات سعر الصرف إلى تضخّم متسارع، خاصة في ظل اعتماد الاقتصاد المحلي على الحوالات والتهريب. تراجع المساعدات الدولية أضعف القوة الشرائية وزاد الضغط على القطاعات الحيوية. إعلان ونظرًا لغياب البيانات الشفافة، لا تنطبق النماذج التحليلية الدولية على الحالة السورية، ما يستدعي تطوير مؤشرات محلية بديلة، أكثر واقعية وفاعلية. من لبنان إلى فنزويلا: دروس مقارنة تُظهر التجارب في لبنان وفنزويلا أن التضخم في ظل الأزمات السياسية يتحوّل إلى عنصر يعيد تشكيل الهياكل الاجتماعية. ففي لبنان، على سبيل المثال، أدّت سياسات تثبيت العملة دون إصلاحات بنيوية إلى انهيار شامل، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل تمثل السياسات النقدية وحدها مخرجًا؟سوريا بحاجة إلى مقاربة أوسع تُعيد تقييم أدوات التضخّم في ضوء واقعها الجغرافي والسياسي. وعود ما بعد التحرير في سوريا والاختبارات الواقعية بدأت الحكومة السورية إطلاق مشاريع لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء، من بينها محطات غازية وشمسية بطاقة تصل إلى 5000 ميغاواط. وقد تم توقيع اتفاقيات دولية بقيمة 7 مليارات دولار مع شركات من قطر وتركيا والولايات المتحدة، إلى جانب اتفاق لتزويد سوريا بالغاز عبر الأردن. كما وافق البنك الدولي على منحة بقيمة 146 مليون دولار لدعم البنية التحتية الكهربائية. لكن يبقى السؤال: هل تكفي هذه المشاريع لكسر الحلقة التضخمية؟ وهل ستنعكس فعليًا على قدرة المواطنين في تلبية حاجاتهم الأساسية؟ توصيات تنفيذية إنشاء وحدة مستقلة لضبط سعر الصرف خارج إطار المصرف المركزي، ترتبط مباشرة بالقطاع الإنتاجي. تسعير الخدمات تدريجيًا وفق سلة عملات لتخفيف التبعية للدولار. دعم الطاقة البديلة في المناطق الريفية لتقليل كلفة الإنتاج وتعزيز الاستدامة.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الغازان القطري والأذربيجاني ينعشان اقتصاد سوريا
حلب – أطلقت سفارة دولة قطر في دمشق المرحلة الثانية من مشروع دعم قطاع الكهرباء، بتمويل من صندوق قطر للتنمية، وبشراكة مباشرة مع وزارة الطاقة السورية، ضمن توجهها لدعم الاستقرار الاقتصادي والإنساني في سوريا. وفي 2 أغسطس/آب الجاري، بدأ ضخ الغاز الأذربيجاني عبر تركيا ليشكل -إلى جانب الغاز القطري الذي بدأ ضخه قبل شهر عبر الأردن- مصدرا أساسيا لإمداد سوريا بالكهرباء. وكشف مدير المؤسسة العامة للنقل والتوزيع الكهربائي في سوريا خالد أبو ديه، في تصريح للجزيرة نت، عن توقيع اتفاق بين الفرق الفنية السورية والتركية لتفعيل آلية تدريجية لضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا، موضحا أن العملية ستبدأ بضخ 750 ألف متر مكعب يوميا لمدة 6 أيام، لضمان استقرار الضغط، على أن تصل الكمية تدريجيا إلى 3.4 ملايين متر مكعب يوميا. وأشار إلى أن الغاز يجري ضخه حاليا عبر شبكة معزولة في منطقة حلب، مع خطط لنقله لاحقا إلى المناطق الوسطى والجنوبية عبر خط توينان بعد استكمال الإجراءات الفنية لرفع الضغط. وأكد خالد أبو ديه أن هذا الإجراء سيؤدي إلى زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة تتراوح بين 25% و35%، ما سيرفع ساعات التغذية الكهربائية إلى ما بين 8 و10 ساعات يوميا في معظم المناطق. وأضاف أن هذا الاتفاق يأتي ضمن إطار الشراكات الإستراتيجية بين سوريا وأذربيجان وتركيا في قطاع الطاقة، بدعم من صندوق التنمية القطري، مؤكدا أنه يمثل خطوة نوعية لتعزيز أمن الطاقة واستقرار المنظومة الكهربائية في البلاد. والمشروع، الذي بدأ تنفيذه في 2 أغسطس/آب 2025، سيدخل إلى الشبكة السورية 800 ميغاواط من الكهرباء، بزيادة كبيرة عن المرحلة الأولى التي اقتصرت على 400 ميغاواط. وسيجري نقل الإمدادات عبر خطوط تمر بأذربيجان وتركيا، قبل أن تصل إلى محطة حلب لتوزع لاحقا على مختلف المناطق السورية. يُعد الغاز القطري و الغاز الأذربيجاني، الذي بدأ ضخه مؤخرا، عاملان أساسيان في تشغيل هذه المرحلة، إذ سيتم تحويله إلى طاقة كهربائية تغذي المدن، وتعيد النشاط لمئات المعامل والمصانع المتوقفة منذ سنوات. يرى اقتصاديون أن هذه الخطوة تمثل تحولا إستراتيجيا في التعامل مع ملف الطاقة بسوريا، ليس فقط لتخفيف معاناة السكان، بل لإحياء الدورة الاقتصادية في مناطق صناعية كحلب وريف دمشق وحمص. وفي حديث للجزيرة نت، أعرب وليد جميل، صاحب مصنع للمنسوجات في مدينة الشيخ نجار الصناعية بحلب، عن تفاؤله الكبير بتأثير ضخ الغاز الأذربيجاني على القطاع الصناعي. وقال للجزيرة نت: كنا نعاني منذ سنوات من انقطاعات الكهرباء المتكررة، ما أجبرنا على الاعتماد على مولدات الديزل بتكاليف باهظة جعلت منتجاتنا غير قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية، واليوم، مع بدء ضخ الغاز وزيادة ساعات التغذية الكهربائية إلى 5 ساعات يوميا، ومع توقعات بوصولها إلى 8-10 ساعات، أصبح بإمكاننا تشغيل خطوط الإنتاج بشكل أكثر انتظاما". وأضاف "هذا المشروع لن يُعيد فقط تشغيل المصنع بنسبة 70% من طاقته الإنتاجية، بل سيسمح لنا بتوظيف 50 عاملا إضافيا خلال الأشهر القليلة المقبلة، ما يعني فرص عمل جديدة ودعما للاقتصاد المحلي". وأشار جميل إلى أن استقرار إمدادات الكهرباء سيخفض تكاليف الإنتاج بنسبة تصل إلى 30%، مما سيجعل المنتجات السورية أكثر تنافسية. من جهته، تحدث عبد الله نجار، صاحب معمل لتصنيع المواد الغذائية، عن التحديات التي واجهتها منشأته بسبب نقص الطاقة. وقال للجزيرة نت "خلال السنوات الماضية، اضطررنا للتوقف عن الإنتاج لفترات طويلة بسبب عدم توفر الكهرباء، ما أدى إلى خسارة عقود تصدير وتسريح أكثر من نصف العمال. مع وصول الغاز الأذربيجاني، وتوقعات زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة 25-35%، أصبح لدينا أمل حقيقي باستعادة النشاط الكامل". وأضاف "المعمل يعتمد بشكل كبير على الكهرباء لتشغيل آلات التعليب والتبريد، وتحسّن التغذية الكهربائية سيسمح لنا بزيادة الإنتاج بنسبة 40% خلال العام المقبل، مع خطط لتوسيع السوق إلى دول الجوار". وأشاد نجار بالدور القطري في تمويل المشروع، معتبرا أنه "خطوة إستراتيجية لإنعاش الاقتصاد السوري وتخفيف معاناة المواطنين". الطاقة والبطالة يشير باحثون في الشأن الاقتصادي السوري إلى أن ارتفاع معدلات البطالة ، خصوصا بين الشباب، كان مرتبطا بانهيار البنية التحتية الصناعية والطاقة، ومع تحسّن تغذية الكهرباء من خلال الغاز الأذربيجاني و الغاز القطري، من المتوقع أن يعاد فتح العديد من الورش والمعامل التي كانت تعتمد على مولدات بتكلفة باهظة أو توقفت كليا. وحسب التقديرات، سيسهم المشروع في رفع عدد ساعات تشغيل الكهرباء اليومية إلى 5 ساعات، بنسبة تحسّن تصل إلى 40%، ما يعني إعادة تشغيل خطوط إنتاج في المصانع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الآلاف من فرص العمل المرتبطة مباشرة بسوق الكهرباء والصناعة. وبلغ إجمالي ما قدّمه صندوق قطر للتنمية لقطاع الكهرباء السوري حتى الآن أكثر من 760 مليون دولار، ما يعكس توجها قطريا إستراتيجيا لتعزيز ما يعرف بـ"الدبلوماسية الاقتصادية"، عبر مشاريع تعزز الاعتماد على الذات وتوفر بدائل مستدامة للمساعدات التقليدية. وشدد خالد أبو ديه على استمرار وزارة الطاقة في جهودها لتطوير البنية التحتية وتأهيل محطات التوليد، إلى جانب دعم مشاريع الطاقة المتجددة، لتحقيق تحسّن ملموس في واقع الكهرباء خلال الفترة المقبلة، لتلبية احتياجات المواطنين وتعزيز استدامة القطاع. وقال الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، الدكتور خالد تركاوي، في حديث للجزيرة نت، إن الطاقة تُعدّ عصب الاقتصاد، مشيرا إلى أن أي مصنع أو منشأة اقتصادية لا يمكن أن تعمل بدون مصادر الطاقة كالكهرباء، والمازوت، والغاز. وأضاف أن إدخال الغاز إلى سوريا، بغض النظر عن نوعه، يعد بمثابة إطلاق حقيقي لعجلة الاقتصاد السوري. وأكد تركاوي أن الزيادات في الطاقة الكهربائية، سواء كانت للاستخدام المنزلي أو الصناعي، تُعتبر خطوة إيجابية، خاصة في المناطق الصناعية مثل مدينة الشيخ نجار في حلب، التي تعاني حاليا من نقص حاد في الطاقة، مشيرا إلى أن أي زيادة في الإمدادات الكهربائية ستكون إضافة قيمة. وأوضح أن الهدف هو تشغيل مدينة الشيخ نجار بنسبة 100%، منوها بأن إدخال الغاز الأذري إلى حلب ومحيطها يمكن أن يغطي احتياجات المدينة الصناعية بالكامل، مع إمكانية تمديد الإمدادات إلى مدن أخرى مثل حماة وحمص. ونفى تركاوي أن يكون إدخال الغاز إلى سوريا حلا مؤقتا، مؤكدا أن الغاز يعد منتجا إستراتيجيا يتم نقله عبر أنابيب، وليس شحنات مؤقتة، وأوضح أن الأنابيب تمثل استثمارا طويل الأجل بعوائد تمتد لعقود، مما يعزز أهميتها الاقتصادية والإستراتيجية للبلاد. في سياق آخر، لفت تركاوي إلى أن المنطقة تشهد إعادة هندسة اقتصادية، وأوضح أن هذه الهندسة تهدف إلى دمج اقتصاديات دول المنطقة، مما يوسع الأسواق ويعزز التشابك الاقتصادي بينها. وأشار إلى أن هذا التكامل يتيح للاقتصاد السوري، وغيره من الاقتصادات الضعيفة، الارتباط باقتصاديات أقوى وأسرع نموا، مما يُسهم في دفع عجلة التنمية ويجعل المنطقة قوة اقتصادية محتملة في المستقبل.