logo
"فيلة صغيرة في بيت كبير" لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل

"فيلة صغيرة في بيت كبير" لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل

الجزيرة٢٠-٠٦-٢٠٢٥

كالسراب الذي يخدع العطشان السائر لأيام في صحراء قاحلة، تخدع كلمة "رواية" المنقوشة على غلاف نص "فيلة صغيرة في بيت كبير" القارئ. وهذه الخدعة لم تقف فقط عند حدود الغلاف الأمامي، بل تربعت في الغلاف الخلفي أيضا. قد يتساءل العامة عن سبب اللغط الدائم بخصوص تصنيف العمل، وما أهمية ذلك إن كان العمل جميلا؟ ماذا يهم القارئ إن كان النص رواية أو قصة قصيرة أو متتالية قصصية أو حتى سيرة ذاتية أو غيرية؟
بالطبع نحتفي كقراء ونقاد بالعمل الجيد ونشجع صاحبه، ولكن في نهاية المطاف، للرواية، كما الشعر وكما المسرحية، خصائص وميزات تختلف عن بقية الفنون الأدبية، وتقديم عمل على أنه رواية وهو في الواقع غير ذلك، لا يقل خيبة عن شرائك تذكرة لفيلم سينمائي للتفاجؤ فور دخولك قاعة العرض بأن الفيلم الذي وعدت نفسك برؤيته ليس إلا مسرحية. هل هذا يقلل دور المسرحية على حساب الفيلم؟ بالطبع لا، فللمسرحية جمهورها كما السينما، ولكن لماذا خلط الأوراق؟
يقول قائل إننا في زمن الحداثة الأدبية حيث تتقاطع أجناس الأدب وتضيع المسافات بين الرواية والقصة والمسرحية، وحتى الشعر، وهذا في الواقع أزمة تدعونا للوقوف عند عتبتها ومساءلة أنفسنا: من قرر تجريد الأجناس الأدبية من لبناتها؟ وما قيمة الأدب إن خلطنا حابله بنابله؟ ومن قال إن الإبداع يعني الفوضى وهدم ركائز نقدية عمرها مئات السنوات؟
بيت نور أبو فراج كان جميلا، لكنه أغلق نوافذه على عالم الرواية السحري الذي وعدنا به غلاف النص: رواية "فيلة صغيرة في بيت كبير"، لتبدأ قراءة العمل مشدوها بلغة ورقة ودقة لغة الكاتبة في التعبير والوصف عن أزماتها النفسية وعلاقتها بذاتها وبالآخر من حولها، سواء كان هذا الآخر أفراد أسرتها، مجموعة أصدقاء، البيوت والمدن التي عاشتها وعاشت بها، وحتى بذاتها المفقودة في بلد يتأرجح فوق سكة الحرب الصدئة.
الذات الحاضرة.. والشخصيات الغائبة
بفصول قصيرة لم يتعد أغلبها أربع صفحات، كتبت نور قصتها. وأسمح لنفسي أن أقول قصتها وفقا للكثير من المعلومات التي ضختنا بها الرواية "إن آمنا أنها كذلك" عن بطلة العمل، من سنها ودراستها واسمها ورغبتها في الكتابة وغيرها من التفاصيل الأخرى التي تركتنا مقيدين بفكرة أن نور تكتب عن نور، ونور من نور.
نص نور يبدأ من الذات، ويمر وينتهي بها، وهنا كانت حتمية موت أية شخصية قد تنافس نور في سيرتها المحكية عن لسانها. وإن غابت الشخوص عن الرواية فماذا يبقى منها؟ قد نقول تبقى الحبكة، التي بدورها كانت مفقودة هي الأخرى، فالعمل يبدأ وينتهي من دون خيط رابط للأحداث شبه المغيبة، فنور تنتقل من فكرة لأخرى ومن مشهد لآخر كمن يقفز بين جبال عائمة، تهتز بعنف مع كل قفزة لأنها لا تقف على أساس صلب.
وبالحديث عن الذات، واحدة من أهم سمات الرواية الناجحة أن يكون صوت القص منفصلا عن صوت الكاتب، وهذا ما لم تنجح به الكاتبة. فنور الكاتبة كانت نسخة مطابقة لنور في الكتاب، وهذا ليس أمرا تعاب عليه الكاتبة لو لم يبوب عملها بـ "رواية".
"فيلة صغيرة في بيت كبير" هو أقرب لأدب الشذرات، أو الخواطر التي يعدها الكثير من النقاد وأنا منهم ضربا من الكتابة، لكنها ليست جنسا أدبيا فنيا تحكمه قواعد لغوية وبنى معمارية كتابية.
الرواية.. معمار سردي له شروط
أزمة هذا النص أنه يفتقد إلى التحول الفني الأدبي، ونقول هنا الأدبي لأنه يشمل الرواية وغيرها من فنون الكتابة كالقصة وحتى الشعر في بعض الأحيان. أنت تقرأ النص وتفرغ منه من دون تحول، صدمة، تقرأ بصوت واحد لا يقابله أي صوت آخر، لا مسافات جمالية. أنت لا تقرأ عن شخصية، بل عن الكاتبة نفسها، عن همومها ومشاكلها وصراعاتها الداخلية النفسية وعن المجتمع الذي جزأها إلى شخصيتين، رافضة وخانعة، صادقة وكاذبة، قوية وضعيفة، اجتماعية ومنطوية، لتأتي الحرب وتكمل هذا الفصام في شخصيتها المتشظية.
لنذكر هنا كتابنا ودور نشرنا بأن الرواية هي معمار سردي أدبي له أسس وتقنيات. شخصيات تتطور، أزمنة وأمكنة تتغير، حبكات وقصص تنمو، صراعات تتناضح، نهاية قد ترضيك وقد تخيب آمالك، ونفهم أن تغيب واحدة من هذه الخصائص عن رواية ما، ولكن غيابها جمعاء وإصرار دار النشر أو الكاتب أو كائن من يكون أن يحشر العمل ضمن خانة الرواية قسرا، فهذا يسقط العمل مهما كان جماله وعمقه.
من الواجب والأمانة أن أذكر أن لا غبار على لغة نور في هذا النص… التي هي الأخرى لم تكن روائية، لكنها لغة عميقة في المعنى، دقيقة في الوصف، متأنية في التعبير، صادقة بمشاعرها، ويكاد يكون النص خاليا من الأخطاء النحوية والدلالية، وهذا الأمر بات نادرا ندرة الألماس في الرواية العربية خلال العقدين الأخيرين.
"فيلة صغيرة في بيت كبير" نص جميل على صعيد الأفكار المطروحة واللغة السلسة والتقسيم الفني الجذاب للفصول، غلافه أنيق وعنوانه ذكي.
في حوار مع الكاتبة نور أبو فراج في نادي صناع الحرف للقراءة عبر زوم، ذكرت الكاتبة أنها غير مقتنعة بأن كتابها هو رواية بالفعل. لكن أحدهم قرأ المخطوطة قبل نشرها وقال لها إنها رواية. هذه الفكرة تثلج الصدر، فعلى أقل تقدير نجد من يشاطرنا الرأي بأن هذا النص ليس رواية. والأجمل أن من يشاطرك هذا الرأي هو كاتب العمل نفسه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"أثر الصورة".. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الفوتوغرافي
"أثر الصورة".. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الفوتوغرافي

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

"أثر الصورة".. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الفوتوغرافي

يمضي كتاب "أثر الصورة.. الفوتوغرافيا وتاريخ فلسطين المهمش" أبعد مما هو مألوف في دراسات الأرشيف البصري. هذا العمل، الذي وضعه الباحثون عصام نصار وإسطفان شيحا وسليم تماري، ليس بحثا في الصور بقدر ما هو تدخل منهجي في خطاب ما بعد الاستعمار؛ يعامل الصورة بوصفها وسيلة لإنتاج المعنى، واستعادة المعارف المضطهدة، وتخيل ما كان يمكن أن يكون تاريخا محتملا لم تتح له فرصة التحقق على الأرض. الكتاب، الصادر حديثا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية بترجمة سعود المولى، يتمحور حول أرشيف الفلسطيني واصف جوهرية (1897-1973)، الذي جمع نحو 900 صورة في مشروع بدأه عام 1924 وانتهى عام 1948. ووزع الموسيقي صوره على سبعة ألبومات معنونة بـ"تاريخ فلسطين المصور"، رافقتها مذكرات مكتوبة بخط اليد تقع في ثلاثة مجلدات، إلى جانب فهرس مرجعي للصور. نجا هذا الأرشيف بأعجوبة من النهب أثناء الاحتلال، إذ أخفاه جوهرية داخل جدار في منزله بالقدس. ثم بمساعدة زوج ابنته تمكّن من استعادته، حيث أسهمت العائلة، بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، في إتاحته لأغراض هذا البحث. لكن هذا ليس أرشيفا بالمعنى الحيادي، فلم يكن صاحبه مجرد جامع للصور، بل راويا بصريا انتقائيا يعنون ويختار ويشرح ويحذف. ورغم عمله موظفا في الإدارة البريطانية، فإنه يحتفي بالعهد العثماني ويكرسه في صوره، كما لو أنه يرفض الاعتراف بأفوله. في المقابل، حين تصل عدسته إلى زمن الانتداب البريطاني، تتكثف المفارقات؛ فتتجاور صور طقوس وأعياد وحفلات موسيقية مع صور مشانق وموكب جنرالات وتفاصيل يومية للحياة الحضرية. يقارب كل فصل من فصول الكتاب هذه المادة الأرشيفية الضخمة من زاوية مختلفة. إذ يقول الكتاب الثلاثة في المقدمة "استخدمنا أدوات تحليل تستند إلى تخصصاتنا في مجالات التاريخ والاجتماع والدراسات البصرية، وإلى اهتمامنا بتوثيق فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين وتحليله ونقده". ويقدم العمل ككل صورة للعلاقات الاجتماعية في زمن واصف في القدس، ولدور الموثق والجامع للمواد الأرشيفية، ولإمكان تحول المقتنيات الخاصة إلى مادة لنقد الاستعمار بصورة نظرية. كما أن الكتاب بحسب المؤلفين "هو إعادة اعتبار الفلسطيني كإنسان ضمن سياق اجتماعي وبلد عادي تماما". عصام نصار.. الفوتوغرافيا بوصفها سردًا تكتسب "المجموعة الجوهرية"، كما أسماها صاحبها، أهمية زائدة بسبب "الخسارة المادية لموضوعها الأصلي: القدس كما كانت في عصره"، وفقًا لنصار. ولعل القيمة الأبرز لهذه الألبومات تكمن في قدرتها على منازعة رواية المنتصر، فهي تحضر كذاكرة مضادة لما أراده المشروع الصهيوني من محوٍ تامّ لمشهد التعدّد الثقافي والديني الذي طبع فلسطين ما قبل النكبة كما رآها ساكنوها، لا كما أرّخها المنتصرون. في ألبومه الأول، يفتتح جوهرية بمجموعة صور لا تخصه شخصيا. نرى، مثلا، زيارة القيصر الألماني فيلهلم الثاني إلى القدس عام 1898، أي حين لم يكن واصف قد تجاوز عامه الثاني. إن بداية مثل هذه لا يكون فيها جوهرية شاهدًا مباشرا تكشف أنه لم يكن معنيا بالتأريخ الشخصي بل بالذاكرة الجمعية. ومن بين الصور لقطة دخول الضباط البريطانيين القدس عام 1917، التُقطت بعدسة مصور من الكولونية الأميركية، وروِّجت عالميًّا بوصفها لحظة مجد استعماري. بيد أن جوهرية لا يذكر أسماء الجنرالات فيها، بل يكتب ببساطة "كنت في هذا اليوم (..) بضيافة أختنا عفيفة.. أذكر أن جميع الطوائف المسيحية دقت الأجراس..". لا تتكلم الصور، في تعليقاته، عن السلطة ولا الحدث، بل عن الحضور الفلسطيني. يلحظ نصار التحول في الألبومات من سجلّ اجتماعي لطبقة وسطى عثمانية إلى سردية وطنية ضمنية تتقاطع فيها مشاهد الموسيقى والأعياد مع لحظات الحرب والمآسي. صور من انتفاضات ومذابح، حفلات راقية وجماهير غاضبة، جميعها تتساوى في الألبوم. لكن نصّار يتوقف بشكل خاص عند مشهد نادر من الألبوم الثاني، حيث يخصّص واصف مساحة لضحايا مجزرة الخليل من اليهود، حيث يقول إن مفهوم "الانتماء" في فلسطين ما قبل النكبة كان أكثر تعقيدًا وأقل اختزالاً مما يروج له. وفي زمن تُختصر فيه الذاكرة الفلسطينية في مشاهد الدمار والنكبة، تُذكّرنا ألبومات واصف بأن ثمة حياة سبقت هذا الخراب، وأن في الأرشيف الشخصي ما يمكن أن يكون سيرةً موازية للتاريخ الرسمي. يقول نصار إن في سرد جوهرية إضافة لما لا يُرى: انطباع، تذكّر، اعتراض، أو حنين، فالصورة تصبح مساحة تأويل لا وثيقة. في إحدى الصور، يكتب "هذا حي السعدية"، رغم أن بيته لا يظهر في الكادر، يرسم سهمًا يشير إلى مكان بيت طفولته. هكذا، لا نقرأ التاريخ فقط، بل نقرأ الطريقة التي يُحب واصف أن يُروى بها. سليم تماري.. الفرجة والحرب في فصل بعنوان "مشهدية الفرجة ومشهدية الحرب"، يستلهم تماري فكرة للأميركية سوزان سونتاغ عن المسافة التي تخلقها الصورة وتُجسِّرها. وهذه المسافة في حالة أرشيف جوهرية، بحسب تماري، تتجلى في التصدع البصري بين صور القدس قبل الحرب العظمى وبعدها، من خلال هذا المنظور يقترح أن "فلسطين الحقيقية" في وعي جوهرية كانت تلك التي سبقت النكبة. يتناول تماري العالم المتعدد الطبقات والغني بالتفاصيل لجوهرية؛ موسيقي ومؤرشف فوتوغرافي في القدس في أوائل القرن العشرين. مكنته خلفيته من التنقل بين دوائر النخبة والعامة. تلقى تعليمه في مؤسسات أرثوذكسية وتبشيرية وعثمانية. علاقته بالموسيقى أتاحت له التحرك بسهولة بين المجتمعات المسيحية والمسلمة واليهودية، مقدمًا بذلك مثالًا حيًّا يناقض التصور الشائع للقدس كمدينة مقسمة بشكل صارم. تقاطعت حياته مع عوالم كثيرة: المهرجانات الدينية، والابتكارات المسرحية مثل "الكراكوز"، وفن السينما الناشئ، وعمالقة الموسيقى مثل سلامة حجازي وبديعة مصابني. من هنا، يُقسّم الكاتب مشاهد جوهرية إلى ثلاثة أنماط: مشاهد احتفالية (كموكب النبي موسى و"سبت النور")، ومشاهد أدائية (كالخيال الظلّ والعروض السينمائية)، ومشاهد الحرب (كاستسلام القدس والإعدامات). هذا التقسيم يسمح بقراءة مزدوجة: بصرية واجتماعية. لا يغيب الشارع من "المجموعة الجوهرية"، بما فيه من البنائين ونحاتي الحجارة والشرطة والفنانين، كل هؤلاء يحضرون جنبًا إلى جنب مع القادة الدينيين والسياسيين. تضفي هذه الدمقرطة الفوتوغرافية طبقة من التاريخ الاجتماعي غالبًا ما تُمحى من السجلات القومية أو الاستعمارية. إضافة إلى ذلك، فإن توثيقه للحياة العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى (حفر الخنادق، وأسرى الحرب البريطانيين، وصور الضباط العثمانيين) يوفر سجلاً بصريا مضادًا للروايات الرسمية. وفي وقت تحضر فيه كل هذه الطبقات والفئات، تغيب النساء من ألبومات جوهرية باستثناءات قليلة جدًا مثل مظاهرة النساء عام 1929، بينما تفيض مذكراته بهن من كل الأوصاف من محظيات ومطربات وفنانات. يصف تماري ألبومات جوهرية بأنها "جولة حسية في القدس"، يرسم فيها الأصوات وروائح الأطعمة ودكاكين البهارات وأغاني بائعي المواد الغذائية وألحانهم. بل إن جوهرية نفسه ألف قصيدة خلال المجاعة الكبرى عام 1915 بعنوان "كرشات محشية" أصبحت تعرف فيما بعد بالنشيد الوطني لفلسطين، ويوجد نسخة منها اليوم في أرشيف راديو بيروت. إسطفان شيحا.. الألبوم كمجال حسيّ أما إسطفان شيحا، فيذهب في تأملاته المعنونة "في المجال الحسي ورفض التقسيم" إلى ما هو أبعد من التحليل النصي أو البصري، إذ يرى في الصورة الاستشراقية عملية "سرقة فهرسية"، لا تُصادر الأرض فقط، بل تختزل الهوية والمعنى. يقول شيحا إن ألبوم جوهرية ضمّ جنبًا إلى جنب الصور الاستشراقية والاستعمارية مع الصور المنتجة والمتداولة محليًا، متسائلًا "عما ينتج حين تتحد هذه الصور، وربما تخفي إحداها الأصول الاجتماعية للأخرى في أرشيف فلسطينيٍّ". يطرح شيحا صور "المكتبة الخالدية" كمثال على أن الاستشراق شكل من أشكال "الاستيلاء الفهرسي بالقوة"، و"تحول الصورة إلى سلعة لمصلحة القوة الاستعمارية". تظهر المكتبة في صورة التقطها مصور من "الكولونية الأميركية" مرتين في ألبومات جوهرية، في الأولى خمسة علماء يقفون أمام بابها، ثم صورة لهم يجلسون داخلها. أزاح مصور الكولونية (مشروع تبشيري بروتستانتي) معنى الصورة من خلال إعادة إنتاجها كبطاقة بريدية شرحها "شيوخ وأفندية مسلمون" مجهولون، مختزلًا شخصيات حقيقية مثل الحاج راغب الخالدي وطاهر الجزائري في صور نمطية استشراقية صالحة للاستهلاك الغربي. أصبحت هذه الصورة دارجة عالميًا، مما أدى إلى محو السياق السياسي والاجتماعي لمواضيعها واستبداله بخيال استعماري عن "الأرض المقدسة". لكن جوهرية، حين يدرج الصورة نفسها في ألبوماته، يكتب متى التقطت ومن هؤلاء وأين كانوا وماذا يمثلون؟ أي أنه يعيد للصورة تفسيرها المحلي والمعرفي، ويعارض ابتلاعها الاستشراقي الذي يرمي إلى صياغة الإدراك نفسه، فيحدد من يَرى؟ وما الذي يُرى؟ وأي المعاني يُسمح لها بالظهور؟ تقاوم ألبومات جوهرية هذا الابتلاع بإصرارها على الحضور الفلسطيني، وتواجه ممارسات استبعاده من التاريخ والأرض ومن مجال الرؤية على يد الاستشراق والصهيونية والاستعمار. فأرشيفه -الذي جمعه في بداياته فنان يتسكع في مدينته ويعشقها ويراقب تحولاتها ويسكنها بكل ما في كلمة سكن من معنى- يكتسب اليوم معنى آخر بوصفه رفضًا سياسيا ومعرفيًّا للمحو.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store