
العمل الخيري بسوريا.. غياب بعهد الأسد وبحث عن الهوية بعده
وأخذت المؤسسات الإنسانية والإغاثية أشكالا مختلفة وتباينت أصنافها وفقا لنشاطها ومنطقة العمل ونوعية السلطات القائمة والتنسيق مع مصادر الدعم، لكن تغيرات عديدة طرأت على عملها منذ سقوط النظام، مع توقعات بتراجع دورها مستقبلا.
وقد أدى قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف المساعدات الخارجية قبل أشهر، وسياسات تقليص المساعدات التي تبنتها بعض الدول الكبرى إلى تراجع في عمل المنظمات الإنسانية في سوريا وتوقف بعضها.
نشأة المنظمات الإنسانية وأصنافها
أشارت دراسة -نُشرت في يناير/كانون الثاني من عام 2021- إلى أن العمل الإنساني غير الحكومي بشكله المؤسساتي لم يكن واضحا قبل اندلاع الثورة السورية ، حيث كانت تغلب على المبادرات الإنسانية والمدنية صفة الفردية أو العائلية أو التطوعية.
بعد عام 2011، بدأت الحاجة تتزايد لتقديم المساعدات للمتضررين والنازحين، حيث اتسمت في بداياتها بالشكل التطوعي غير المنظم، قبل أن يبدأ بعض الناشطين بتنظيم العمل من خلال تشكيل بعض الفرق التي تعمل على جمع التبرعات المحلية.
وبحسب الدراسة التي أعدها باحثون في مركز الحوار السوري، فإنه مع انحسار سيطرة النظام عن بعض المناطق برزت الحاجة بشكل أوضح لسد الفراغ الذي خلفه غياب المؤسسات الحكومية، في حين لم يدخل الدعم الإنساني الدولي حتى عام 2014، وكان لهذا التأخر أثر كبير في نشوء كيانات المجتمع المدني داخل سوريا وخارجها.
وبعد سنوات من الحرب، بدأت المنظمات بالانتقال إلى أشكال ذات طابع تنظيمي وإداري، لتتحول بعدها إلى منظمات مرخصة في عدد من الدول، وانقسمت المنظمات المدعومة دوليا إلى قسمين:
منظمات محلية تقوم بتنفيذ المشاريع وفقا لمعايير الجهة المانحة للتمويل.
منظمات محلية داعمة تقوم بأخذ التمويل الأممي أو الأجنبي وتقدمه لجهات منفذة تحت إشرافها.
أما منظومة العمل مع المنظمات العربية أو الإسلامية أو تبرعات الأفراد فقد تختلف، إذ غالبا ما كانت تتقدم المنظمات المحلية بمشاريعها وفقا للاحتياجات التقديرية بشكل مباشر من الداعم الذي قد يمول بعض المشاريع بناء على اقتناعه بجدوى المشروع.
التصنيف المحلي وتسييس العمل الإنساني
يرى خبراء أن التصنيف المحلي للمنظمات الإنسانية السورية وفقا لمكانتها على المستوى الداخلي والدولي ظل أمرا معقداً وتحكمه عوامل عديدة.
وبحسب دراسة للباحث صوفي روبورج في مكتبة وايلي، فإن الصورة داخل المنظمات تبدو غير متجانسة فيما يتعلق بالديناميكيات بين الموظفين على الأرض وأولئك الموجودين خارج البلاد، كما أنه عند الحديث عن الأصول التنظيمية داخلياً يتفوق "الارتباط العلائقي" بين الأصدقاء والعائلة على "الارتباط الجماعي".
وأشارت الدراسة، التي تناولت المنظمات الإنسانية الطبية في سوريا، إلى أن التصنيفات مثل "محلي" و"دولي" لم تكن دائما مفيدة، لكن ذلك لم يمنع من تسييس تصنيفات المنظمات، التي كان من الصعب تحقيق الوحدة بينها لأسباب مثل القيود الهيكلية التي تعمل في ظلها، بالإضافة إلى تأثير تلك الاختلافات التنظيمية في حجم وميزانية ومصادر التمويل.
فالمنظمات الأكبر حجما التي تبوأت نشاطا أوسع كانت أكثر قدرة على ترسيخ هيمنتها ووضع المعايير وأخذ المناصب التمثيلية وحتى الهيمنة على إنتاج المعرفة ونشر السياسات والأدبيات، بفضل إنشائها لأقسام البحث والمناصرة والإعلام، بينما كافحت المنظمات الصغيرة والمتوسطة فقط لتأكيد وجودها.
العلاقة مع السلطات
استغلت أطراف الصراع المساعدات الإنسانية، وقيدت وأعاقت وحولت المساعدات الإنسانية لصالحها، مما أدى إلى تقويض قدرة العاملين في المجال الإنساني على خدمة الناس وفقا لاحتياجاتهم بطريقة فعالة، وفقا لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.
وأوضحت دراسة للمركز أعدها الباحثان ويل تودمان وناتاشا هول، أن نظام الأسد قد استغل مرارا وتكرارا وصول المساعدات الإنسانية كسلاح، فحاصر مئات الآلاف من المدنيين كتكتيك عسكري، ودمر البنية التحتية المدنية، ووضع عقبات بيروقراطية وتشغيلية أمام عمال الإغاثة.
وفي حين أن الجماعات المسلحة غير الحكومية كانت أقل تدخلا من نظام الأسد بحسب الدراسة، فإنها أعاقت أيضا عمليات الإغاثة، واحتجزت في بعض الأحيان عمالا وفرضت ضرائب أو لوائح تعسفية.
كما أن تصنيفات الدول الغربية للإرهاب والعقوبات المفروضة عليها خلقت عن غير قصد عقبات أمام منظمات الإغاثة.
وزادت المنظمات الإنسانية غير الحكومية السورية من قوتها التفاوضية مع السلطات المحلية في شمال غرب سوريا الذي سيطرت عليه المعارضة والشمال الشرقي الذي تسيطر عليه الإدارة الذاتية، وذلك من خلال تنمية شبكات ومنتديات المنظمات غير الحكومية، بحسب الدراسة ذاتها.
تلاعب بالمساعدات وتمييز على أساس الولاء
وقد ذكرت دراسة لمنظمة هيومن رايتس واتش، أن الحكومة السورية في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد تلاعبت بنظام تقديم المساعدات الإنسانية، لضمان أن تحل فائدة الدولة محل احتياجات السكان.
وبذلك، فقد عرقلت قدرة المنظمات على وضع البرامج، وأعادت توجيه الأولويات نحو الحصول على قدر أكبر من الوصول والموارد، بدلا من خدمة المستفيدين بشكل غير منحاز.
وتشير الباحثة سارة الكيالي من المنظمة إلى أن حقوق السوريين من المساعدات كثيراً ما كانت تخضع لمطالب السلطات، مما أدى إلى زيادة خطر التمييز في توزيع المساعدات الإنسانية بناءً على الآراء السياسية والولاءات المتصورة.
كما خضعت إلى عدم تقييم الانتهاكات الحقوقية الرئيسية التي تواجه السكان والتصرف على أساسها، وفي بعض الحالات، ساهمت المساعدات في الانتهاكات الحقوقية المستمرة وتمويلها، لصالح منتهكي الحقوق.
وقد واجهت الكيانات التي قدمت المساعدات الإنسانية مخاطر حقوقية عديدة -بحسب الدراسة- مثل تقييد الوصول إلى مناطق المشاريع، واشتراط الشراكة مع الأفراد أو المنظمات المتورطة في سوء المعاملة.
وتعين عليها أيضا مواجهة سلسلة من قوانين التنظيم العمراني والاستثمار التي تمنح السلطات سلطة واسعة للاستيلاء على الممتلكات وهدمها دون شفافية كافية أو تعويض، مما ألحق ضررا غير متناسب بالسوريين الأفقر وأولئك الذين اعتبروا معارضين سياسيين.
دور المنظمات بعد سقوط النظام
وعقب سقوط نظام الأسد نشطت منظمات المجتمع المدني لسد الفراغ الذي تركه الانهيار السريع لمؤسسات النظام، وكرست هذه المنظمات ما لديها من وسائل إغاثية لأجل الاستجابة الطارئة.
وأشارت دراسة أجراها مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، إلى أنه بعد سقوط النظام حدثت حالة من الغياب لتوجهات تمويلية دولية تدعم دخول المنظمات المحلية إلى دمشق والجنوب، ويرجع ذلك إلى موقف الأمم المتحدة ومكاتبها التي تقيدت بتصنيفات الإرهاب.
وذكرت الدراسة التي أعدتها الباحثة حلا حاج علي أن المنظمات قد واجهت صعوبة في دخول مناطق الشمال والوسط المحررة وتلبية الاحتياجات الكبيرة فيها، إذ تطلبت هذه المناطق إغاثة عاجلة نظرا لتحررها مؤخرا من سيطرة النظام.
وعلّقت منظمات دولية، كانت شريكة مع صندوق الأمم المتحدة، نشاطاتها حتى إشعار آخر بحسب الدراسة، واختفت منظمات محلية تماما عن المشهد وأفرغت مكاتبها وحذفت أنشطتها، وذلك لارتباطها بالنظام المخلوع ودعمه وتمويله.
أهمية الحفاظ على المنظمات
ولا تقتصر حالة التراجع على المنظمات المرتبطة بنظام الأسد، بل تشمل جميع منظمات العمل الإنساني نتيجة العوامل المذكورة.
وفي بيان مدى خطورة ذلك، يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إن الدولة السورية لا تستطيع الآن القيام بكامل المهمة الإغاثية، وهي تحتاج وقتاً قد يكون طويلا لتحقيق ذلك، بالإضافة إلى أن المنظمات الإنسانية تلعب دورا مساندا لمؤسسات الدولة.
ويشرح عبد الغني، في حديث للجزيرة نت، أهمية تكريس عمل المنظمات الإنسانية في البلاد قائلا إنه لكي يستمر الدعم الإنساني في سوريا، فإنها تحتاج لجلب الموارد، ووجود مؤسسات مجتمع مدني قادرة، وتبرعات رجال الأعمال، وغيرها.
وبحسب مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن تراجع الدعم الدولي أدخل المنظمات الإنسانية في مصاعب كبيرة لا يعلمها الناس، مما يجعلهم يعتقدون أن المنظمات مقصرة في أدائها، وهذا أضر بمصداقيتها أمام المجتمع الذي أصبح يحتاج دعما أكبر من قدرة المنظمات والمؤسسات.
وتؤكد دراسة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، أن المنظمات أصبحت تعاني من "تحدي بقاء صناديق الدعم الدولية خلال الثورة وإعادة تنظيمها بالتنسيق مع الحكومة، وتغير السياسات الدولية تجاه سوريا، مما قد يفتح المجال لتراجع دور منظمات المجتمع المدني بشكل مبدئي".
وذكرت الدراسة التي أعدها الباحث محمد السكري، أنه قد تشكّل عوامل الانتقال من العمل على أساس الجماعة إلى المؤسسة صعوبة بنيوية لدى عدة منظمات، لا سيما ضمن إجراءات الاعتماد والترخيص.
وأشارت إلى أن الموازنة بين دور الدولة والمجتمع المدني خلال المرحلة الجديدة في سوريا سيشكل مفترق طرق ويرسم ملامح سوريا الجديدة الذي لا تتحمله الحكومة وحدها وإنما تتشارك معها المنظمات في المسؤولية وفق الأدوار المنوط بها تنفيذها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
العدل الأميركية تقرر استجواب ماكسويل في قضية إبستين
تسعى وزارة العدل الأميركية لاستجواب غيلين ماكسويل، الشريكة السابقة لجيفري إبستين المتهم بارتكاب جرائم جنسية، بحسب ما أفاد مسؤولون الثلاثاء، في وقت تواجه فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب انتقادات حيال طريقة تعاملها مع القضية. وتقضي البريطانية ماكسويل، التي كانت شخصية اجتماعية بارزة، عقوبة بالسجن 20 عاما بعدما أدينت بتهمة الاتجار الجنسي بالقاصرات لصالح إبستين الذي توفي في السجن عام 2019. وقال تود بلانش نائب وزيرة العدل الأميركية، في بيان على منصة "إكس"، إن "الرئيس ترامب طلب منا نشر كل الأدلة ذات المصداقية". وأفاد بلانش بأن مراجعة أجراها مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) للأدلة ضد إبستين خلصت إلى عدم وجود ما يمكن أن "يستدعي فتح تحقيق بحق أطراف أخرى لا تواجه اتهامات". لكنّه أشار إلى أن ماكسويل إذا كانت تملك معلومات عن أشخاص ارتكبوا جرائم بحق الضحايا، فإن كلا من "إف بي آي" ووزارة العدل مستعدان للاستماع إليها. وأضاف أنه على تواصل مع محامي ماكسويل ويتوقّع لقاءها قريبا. من جانبه، أكد ديفيد أوسكار ماركوس، محامي ماكسويل، عبر منصة "إكس"، أنه يجري محادثات مع الحكومة، مشددا على أن "غيلين ستدلي دائما بشهادتها الصادقة"، مضيفا أنه يشعر بالامتنان للرئيس ترامب لالتزامه بكشف الحقيقة في هذه القضية. وأثارت طريقة تعامل إدارة ترامب مع قضية إبستين انقساما داخل قاعدة مؤيديه، إذ طالب بعضهم بكشف "ملفات إبستين" كاملة للرأي العام. وفي تصعيد قانوني، رفع ترامب دعوى ضد روبرت مردوك وصحيفة "وول ستريت جورنال" بعد نشرها تقريرا عن علاقته الطويلة بإبستين.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
امتحانات الثانوية بسوريا 2025.. اختبار وطني في ظل انقسام المناهج
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات، خاصة في قطاع التعليم بسبب الاعتماد على مناهج تعليمية متعددة. ويواجه أكثر من 344 ألف طالب وطالبة، خلال امتحانات الشهادة الثانوية لعام 2025، واقعًا تعليميًّا مشتتًا نتيجة الاعتماد على 4 مناهج دراسية مختلفة، وهو ما يعكس عمق الانقسامات السياسية والعسكرية التي عاشتها البلاد خلال سنوات الحرب. هذا التنوع في المناهج يسلّط الضوء على التحدي الكبير الذي تواجهه الحكومة الانتقالية في سعيها لتوحيد النظام التعليمي وضمان تكافؤ الفرص بين الطلاب، بالتوازي مع جهود إعادة بناء البنية التحتية التعليمية ودمج ملايين الطلاب المنقطعين عن الدراسة. خلال سنوات الصراع، أدّت الانقسامات الجغرافية والسياسية في سوريا إلى نشوء 4 مناهج دراسية مختلفة، تعكس التوجهات المتباينة للسلطات المسيطرة على كل منطقة: منهاج دمشق: شهد تغييرات جوهرية بعد ديسمبر/كانون الأول 2024، أبرزها إلغاء مادة "التربية الوطنية" التي كانت تروج لأيديولوجيا حزب البعث، واستبدال مادة "التربية الدينية" بها، مع حذف أي محتوى يُمجد النظام السابق. منهاج إدلب: تم تطويره في المناطق المحررة، وركّز على حذف المواد المرتبطة بالنظام، مع تقديم محتوى محايد يراعي الوضع الانتقالي ويبتعد عن التوجهات السياسية. منهاج شمال شرق سوريا (قسد): يتميز بتعدد لغوي، حيث تُدرَّس بعض المواد بالكردية إلى جانب العربية، وقد سُمح باستمرار استخدامه بشكل مؤقت خلال عام 2025. منهاج مناطق سيطرة تركيا والجيش الوطني سابقًا: يستند إلى مناهج المجالس المحلية، مع تعديلات تركز على ترسيخ القيم الوطنية، وتجنّب المحتوى السياسي المثير للانقسام. هذا التعدد في المناهج يسلّط الضوء على التحديات الكبرى التي تواجه العملية التعليمية في سوريا خلال المرحلة الانتقالية، خاصة مع الحاجة إلى توحيد المحتوى التعليمي وتعزيز الهوية الوطنية المشتركة. التحديات الرئيسية تفاوت الاستعداد والتحضير: أدى تعدد المناهج الدراسية إلى تفاوت واضح في مستوى تحضير الطلاب، خصوصًا في المناطق التي تحررت مؤخرًا من سيطرة النظام، حيث تواجه المدارس هناك نقصًا حادًّا في الكتب وتأخّرًا في توزيع النسخ المحدثة. ضعف البنية التحتية: لا تزال حوالي 40% من المدارس مدمّرة أو غير صالحة للاستخدام، ما يجبر الطلاب على متابعة تعليمهم في مراكز مؤقتة تفتقر للكهرباء والخدمات الأساسية. صعوبات لوجستية: رغم افتتاح مراكز امتحانية جديدة في مدن مثل الحسكة، والقامشلي، والرقة، وصرين، ودير الزور، تبقى المسافات الطويلة عقبة رئيسية، خاصة للطلاب في المناطق النائية مثل عفرين، ما يزيد من أعبائهم المادية والجسدية. اضطراب إداري: لوحظت حالات من الفوضى وسوء التنسيق الإداري، لا سيما في محافظة حلب، بالتزامن مع تدفق طلاب من مناطق محررة حديثا، مما زاد من تعقيد تنظيم العملية التعليمية. واقع الطلاب في المناطق الأربع رصدت "الجزيرة نت" جانبًا من معاناة طلاب الثانوية العامة في مختلف المناطق السورية، حيث تتفاوت الظروف التعليمية بشكل واضح بحسب المنطقة. في دمشق، تحدث محمد (17 عاما)، طالب في الفرع العلمي، عن صعوبات واجهها بعد التعديلات التي طرأت على المنهج، لا سيما حذف مادة "التربية الوطنية"، مما أدى إلى تأخر توزيع الكتب الجديدة، وأربك المعلمين والطلاب على حد سواء. كما أشار إلى الاكتظاظ داخل المدارس نتيجة استقبالها طلابا نازحين، فضلا عن صعوبة التنقل بسبب الحواجز الأمنية، وهو ما أثار قلقه بشأن تأثير هذه العوامل على فرصه في القبول الجامعي. ومن إدلب قالت لينا (17 عاما)، طالبة في الفرع الأدبي، إن النقص الحاد في الكتب أجبرهم على الاعتماد على ملخصات غير كافية، خصوصًا في المواد النظرية مثل التاريخ. وأضافت أنه على الرغم من أن تنظيم الامتحانات كان مقبولًا، فإن بُعد المراكز الامتحانية والمخاطر الأمنية في الطرقات شكّلا عقبة كبيرة أمام الطلاب، مبدية قلقها من احتمال عدم معادلة شهاداتهم مع تلك الصادرة في دمشق، ما قد يؤثر على مستقبلهم التعليمي. أما في القامشلي، فأشارت روان (17 عاما)، طالبة في الفرع العلمي، إلى أن استخدام اللغة الكردية في بعض المواد شكّل عقبة حقيقية، كون لغتها الأم هي العربية، ما أجبرها على دراسة مكثفة خلال فترة قصيرة عقب إعلان توحيد الامتحانات. ورغم استفادتها من الأسئلة المترجمة، أكدت أن بُعد المركز وصعوبة المواصلات أثرا على التركيز، وتخشى من رفض الجامعات شهادتهم بسبب اختلاف المنهاج. وفي عفرين، أوضح عبد الله (18 عاما)، طالب ثانوية علمي، أن غياب الموارد أجبرهم على الاعتماد على كتب قديمة ونسخ مصورة، دون توفر مختبرات أو مكتبات، ما أثر سلبًا على تحضيره للمواد العلمية مثل الكيمياء. كما أشار إلى اضطراره للسفر يوميا لمسافة طويلة إلى المركز الامتحاني، مع مخاوف من عدم الاعتراف بنتائجهم الجامعية نتيجة اختلاف المنهاج عن باقي المناطق. رؤية وزارة التربية وموقف الحكومة في مقابلة خاصة مع "الجزيرة نت"، أكد عبد الله عبدو، مسؤول في أحد المجمعات التربوية، أن التفاوت الحاصل في المناهج هو التحدي الأكبر، مشيرًا إلى أن كل منطقة طورت منهاجها بشكل مستقل خلال سنوات الانقسام، ما أدى إلى اختلافات واضحة في المحتوى واللغة. وبيّن أن الوزارة شكلت لجانًا مشتركة مع مكاتب التعليم المحلية لضمان عدالة توزيع الأسئلة، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل منطقة. وأوضح عبدو أن وزارة التربية، رغم كونها الجهة المخولة بإقرار الأسئلة، تعمل على التشاور مع الجهات المحلية في كل منطقة. ففي دمشق، تتم صياغة الأسئلة مركزيا، بينما تُشرف فرق ميدانية على التوافق في إدلب، وتُنسّق الجهود لترجمة الأسئلة في شمال شرق سوريا. أما في المناطق التي كانت تحت سيطرة تركيا، فتتم مراجعة مقترحات المجالس المحلية ضمن آلية موحدة. وأكد أن الوزارة وضعت خطة طارئة لحذف محتوى النظام السابق، وتعمل حاليًا على صياغة منهاج موحد يعكس التنوع السوري ويعتمد على معايير دولية، وذلك عبر ورش عمل يشارك فيها خبراء محليون ودوليون. مفاضلات القبول الجامعي أظهرت بيانات وزارة التعليم العالي أن معدلات النجاح في امتحانات الثانوية العامة لعام 2025 كانت منخفضة نسبيًا، حيث بلغت 57.9% للفرع العلمي و63.72% للفرع الأدبي، ما أثار مخاوف من تعقيد إجراءات مفاضلات القبول الجامعي. وفي تصريح لـ"الجزيرة نت"، أوضح عبدو أن المفاضلات الحالية تراعي الفروقات بين المناهج الدراسية المعتمدة في المناطق المختلفة، لكن هناك جهودا حثيثة لتوحيد معايير القبول بدءًا من العام الدراسي 2025-2026. ومن بين الخطوات المنتظرة، إطلاق منصة إلكترونية تتيح التقديم الجامعي بطريقة مبسطة، إلى جانب تعديل آلية احتساب الدرجات لضمان العدالة بين الطلاب. دعم وتعزيز في إطار تعزيز الدعم للمناطق التي عانت من تدهور البنية التعليمية خلال سنوات الصراع، افتتحت وزارة التربية 5 مراكز امتحانات جديدة في مدن الحسكة، والقامشلي، والرقة، وصرين، ودير الزور. كما قررت تأجيل بدء الامتحانات لمدة أسبوع لمنح فرصة تسجيل للمتأخرين. وتواصل الوزارة تنفيذ خطة تدريجية لإعادة تأهيل المدارس، بالتوازي مع جهود لإعادة دمج نحو 2.4 مليون طالب منقطعين عن الدراسة في النظام التعليمي.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
ترامب: رئيس "المركزي" لم يُحسن التصرف وسيغادر منصبه قريبا
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي اليوم الثلاثاء إن رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول أبقى أسعار الفائدة مرتفعة للغاية وسيترك منصبه في غضون 8 أشهر. وذكر ترامب خلال اجتماع في البيت الأبيض مع الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن "أعتقد أن (باول) لم يُحسن التصرف، لكنه سيُغادر منصبه قريبا". ويواصل ترامب الضغط من أجل خفض الفائدة لكن الاحتياطي الفدرالي الأميركي يفضل متابعة مؤشرات الاقتصاد ضمن مسعاه لخفض التضخم السنوي إلى 2%. وقال ترامب خلال الشهر الجاري إنه يود أن يستقيل رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول من منصبه، لكنه أقر بأن كثيرين قالوا إن إقالته ستؤدي إلى ارتباك في الأسواق. وعبر البيت الأبيض وبعض الجمهوريين في الآونة الأخيرة عن انتقادهم لتكاليف مشروع تجديد المقر التاريخي لمجلس لاحتياطي الفدرالي في واشنطن التي تصل إلى 2.5 مليار دولار. وأكدت هذه الانتقادات وجهة النظر بأن إدارة ترامب تدرس بجدية التذرع بتلك التكاليف لمحاولة إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي قبل انتهاء فترة ولايته في مايو/أيار 2026. ولا توجد أي أدلة على وجود احتيال، ورفض مجلس الاحتياطي الفدرالي الانتقادات الموجهة لطريقة تعامله مع المشروع. وقال ترامب في المقابلة التي كرر فيها لاحقا انتقاداته بشأن تكاليف تجديد المقر "أتمنى لو أراد الاستقالة، فالأمر متروك له. يقولون إن ذلك سيسبب ارتباكا في الأسواق". وكان متحدث باسم المجلس قد أشار في وقت سابق إلى تصريحات باول المتكررة بأنه لا يعتزم الاستقالة ولن يفعلها إذا طلب منه ذلك. ويقول باول إنه ينوي إكمال فترة ولايته التي تنتهي في 15 مايو/أيار، وكان ترامب قد رشحه في أواخر 2017 لقيادة البنك المركزي ثم رشحه جو بايدن لولاية ثانية بعد 4 سنوات.