
بريطانيا... «العمال» في العام الأول
ما حدث خلال الأسبوع الماضي بين رئيس الحكومة العمالية السير كير ستارمر ونواب حزبه يعدّ مثالاً نموذجياً للحالة تلك.
إذ كان من المفترض أن يكون الأسبوع احتفالاً بمرور عام على وجود حزب العمال في الحكم، بعد غياب دام قرابة عقد ونصف من الزمن من التشرذم في براري المعارضة. لكننا بدلاً من ذلك، شاهدنا رئيس الحكومة في وضعية لا يحسد عليها، ويضطر إلى الإذعان لضغوط نوابه، ويتراجع متقهقراً عن برنامجه السياسي الهادف إلى تقليص نفقات الحكومة لسد العجز في الميزانية، من خلال مشروع قانون يقضي بتقييد المساعدات المخصصة للمعاقين. أكثر من 120 نائباً عمالياً أعلنوا عصيانَهم، وهدَّدوا بالتصويت ضد مشروع القانون في البرلمان وإسقاطه، ما لم يتم قبول ما اقترحوه من تعديلات. التنازلات التي قدّمها رئيس الحكومة للنواب أفرغت مشروع القانون من محتواه، وتسببت في عجز في ميزانية الإنفاق بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني.
جلسة مساءلة رئيس الحكومة في البرلمان يوم الأربعاء الماضي تعدّ تاريخية. إذ تحوّل المشهد البرلماني إلى درامي فجأة، حين تبيّن أن وزيرة الخزانة في الحكومة لم تستطع السيطرة على مشاعرها وذرفت دمعاً، في قاعة تمتلئ بأكثر من 600 نائب برلماني، وصحافيين وزائرين. عدسات التلفزيون نقلت المشهد كاملاً. تلك الدمعات القليلة المذروفة من عينيّ وزيرة الخزانة في الحكومة، تسببت وقتياً تقريباً في تحذيرالأسواق المالية، وارتفع فجأة سعر الفائدة على ديوان الحكومة بنسبة مرتفعة، وانخفض سعر الجنيه الإسترليني، في مشهد يذكّر بما حدث خلال ولاية ليزا تراس المحافظة، في الجلسة المخصصة للميزانية.
بكاء وزير خزانة في جلسة عامة منقولة على الهواء يُعدّ سابقة، ولا يقارن مثلاً ببكاء السيدة مارغريت ثاتشر وهي تغادر 10 دواننغ ستريت للمرّة الأخيرة، أو بكاء السيدة تيريزا ماي، وهي تقرأ خطاب استقالتها. بكاء وزيرة الخزانة على الهواء جعل قرونَ الاستشعار بالخطر في الأسواق المالية تنتصب واقفة، وتتنبأ بأن وقت رحيل الوزيرة عن المنصب قد حلَّ، واحتمال أن يكون البديل وزير خزانة يساري التوجه، ومن المحتمل أن يلجأ منذ البداية إلى لعبة الاقتراض المفضلة للعماليين لتغطية العجز في الميزانية. اللافت للاهتمام أن رئيس الحكومة ستارمر كان جالساً بجانبها طوال الجلسة في البرلمان ولم يُحرّك ساكناً.
تأكيداته فيما بعد لوسائل الإعلام بأن الوزيرة باقية في منصبها غير مطمئنة. والرهان الآن ليس على رحيلها من عدمه، بل متى؟ وما لا يمكن الجدال حوله، هو أن حكومة العمال، تحت زعامة السير ستارمر، بعد عام من وصولها إلى الحكم، تعاني الأمرّين، وتبدو غير قادرة على إيجاد حلول، سواء للوضع الاقتصادي البائس، أو لقضايا الهجرة غير القانونية، أو تقليص النفقات الحكومية، وأن السير ستارمر فَقدَ السيطرة على نواب المقاعد الخلفية، الذين تمكنوا من إفراغ مشروع القانون من محتواه، حتى صار، على قول المعلقين، حِبراً على ورق. والأسوأ من ذلك، أن عدد 49 نائباً عمالياً صوّتوا ضد مشروع القانون في البرلمان رغم كل التنازلات التي قدّمها لهم رئيس الحكومة.
في مادة الثقافة السياسية لطلاب أقسام العلوم السياسية في الجامعات البريطانية، يتلقى الطلاب في السنة الأولى محاضرة أولية في الثقافة السياسية للشعب البريطاني. أهم ملامح تلك الثقافة وأبرزها؛ أن الناخبين البريطانيين يحبّون ويفضلون القائد القوي. ومن صفات القائد القوي أن يقود حزبه وشعبه. قيادة الحزب تتمثل في قدرته على لجم نواب المقاعد الخلفية بشكل يجعلهم موالين له على طول الخط. ومقابل ذلك، يقع عليه عبء أن يقودهم للفوز في الانتخابات. تلك المعادلة تختل من وقت لآخر. وحين يحدث الاختلال يكون عادة بعد سنتين أو ثلاث سنوات من وجود الحزب في الحكم، وليس من السنة الأولى، كما حدث للسير ستارمر.
عامٌ ليس سهلاً مَرّ على وجود حزب العمال في الحكم. خلاله ظلت حكومة السير ستارمر تتعثر في مطبّات الطريق. بعض تلك المطبّات من صنعها، وأخرى من صنع الظروف. لكن المحصّلة العامة هي أن العماليين قد خسروا الكثير. وما لم يتمكنوا سريعاً من توحيد صفوفهم وتحسين أدائهم، فإنهم سيخسرون ثقة الناخبين بهم، وبذلك يعبّدون الطريق أمام نايجل فاراج وحزبه للفوز بالانتخابات النيابية المقبلة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 40 دقائق
- الشرق الأوسط
دموع وزيرة
إذا كان الأسبوع الماضي عاصفاً بالزعيم البريطاني كير ستارمر، فهذا الأسبوع كان دوامة أغرقته إلى مستوى لم يهبط إليه أيٌّ من سابقيه في السنة الأولى من الحكم، فقد بلغت شعبيته إلى الحضيض. يوم الأربعاء هو موعد المساءلة البرلمانية الأسبوعية لرئيس الحكومة، ويحرص مديرو الحزب، المعروفون بـ«الكرابيج»، على حشد بنشات الحكومة، وتجهيز مداخلات إيجابية لدعم الزعيم الذي يُحيط به الوزراء، وتجاوره صاحبة ثاني أهم منصب، وزيرة المالية والمعاملات التجارية والاقتصاد، راتشيل ريفز. هاجمت زعيمة المعارضة كيمي بيدنوك، ستارمر لضعفه وفقده السيطرة على نوابه، بعد تصويت العشرات منهم ضد مشروعه لقانون جديد للرعاية الاجتماعية في الليلة السابقة. وفي محاولته ذكر «إيجابيات» الاقتصاد، وسط صيحات التأييد من نوابه، وضحكات السخرية من المعارضة، ناقضت الزعيمة المحافظة أرقامه، وأشارت إلى ريفز قائلة إنها تبدو «مزرية، وفي حالة يُرثى لها»، واتهمتها بعدم الكفاءة في إدارة المال والاقتصاد. واتجهت الأنظار للوزيرة لترى دموعها تنهمر على وجنتيها، وما زاد طين ستارمر بِلَّة أنه لم يلاحظ (أو هكذا ادعى في مقابلة تلفزيونية بعدها) الحالةَ المزرية للوزيرة الباكية، ولم يرد بالإيجاب فوراً على سؤال ما إذا كانت ستظل وزيرة للمالية. السؤال نفسه طرحناه بعد دقائق على مستشاري رئيس الوزراء والمتحدث الرسمي، في اللقاء الذي يعقب المساءلة البرلمانية، بلا إجابة شافية محددة. وفي دقائق تذبذبت الأسواق وسعر الجنيه وسندات إقراض الحكومة، رغم أن «أصدقاء» الوزيرة من النواب، ومستشاري الخزانة أمطروا الصحافيين بوابل من رسائل «التكسيت» يؤكدون أن دموع الوزيرة كانت لأسباب «شخصية». كانت الساعات التالية عصيبة لستارمر وحكومته، بسبب التقاربين المكاني والشخصي بين النواب والوزراء ومستشاريهم، وبين الصحافيين المدركين لحجم التمرد والتذمر بين نواب الحكومة، إلى جانب مشادة كلامية قبل الجلسة بين ريفز ورئيس البرلمان، السير ليندساي هويل، وكان قد وبّخها في جلسة الثلاثاء، موجهها للالتزام بمداخلات قصيرة ومباشرة بدلاً من إضاعة الوقت. التساؤلات على «واتساب البرلمانية»: إذا كانت ريفز تبكي «لأسباب شخصية» فلماذا تركها ستارمر و«كرابيج» الحزب تحتل مكانها المعتاد على البنش الأمامي؟ هل كانوا يأملون في أن تصبح «حالتها المزرية» القصة الإعلامية بدلاً من تركيز الصحافة على فقدان ستارمر سيطرته على الحزب والتعديلات الكثيرة التي أدخلت على مشروع القانون حتى يضمن تمريره؟ فبعد التعديلات التي أضافها المتمردون فقد مشروع القانون غايته، فبدلاً من توفير خمسة مليارات جنيه للخزانة، جعلته التعديلات أكثر تكلفة، بإضافة المصاريف البيروقراطية والإدارية (ويهمس بعض الوزراء بأنه كان من الأفضل سحبه من جدول الأعمال لتقديمه في وقت آخر)؛ وستضطر ريفز إلى فرض ضرائب لسد العجز، مناقضة تأكيداتها المتكررة بعدم زيادة الضرائب. ريفز أول امرأة تتولّى وزارة المالية في تاريخ بريطانيا، وأيضاً صاحبة أول عينين وزاريتين تذرفان الدموع في البرلمان. فعدم ضبط العواطف وإعلان الغضب أو البكاء علناً، ناهيك بكونه برلمانياً، أمر لا تتقبله الثقافة البريطانية الاجتماعية، وتعدّه ضعفاً لا قوة. السابقة الوحيدة لم تكن برلمانية، جورج أوزبورن وزير المالية الأسبق (2010-2016) ذرف الدموع في 2013 أثناء جنازة مارغريت ثاتشر، التي يعدّها المحافظون ثاني أعظم زعمائهم (بعد السير ونستون تشرشل). ريفز ظهرت في اليوم التالي تفتعل للكاميرات ابتسامة ثقة مع وزير الصحة ويزلي ستريتينغ، وستارمر، في افتتاح مركز صحة أو مستشفى محلي صغير لخدمة المجتمع. حدث يكفي له وزير الصحة (فالمركز نسخة مطورة، بتجهيزات القرن الـ21، فكرة قديمة قلّدتها المستوصفات التي بدأت في الريف المصري والمدن الصغيرة نهاية القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20) لإعلان إطلاق الحكومة خطة 10 سنوات لتطوير خدمة الصحة العامة، وهي شيء مقدس عند الشعب، بجانب طمأنة الأسواق بظهور ريفز التي قد لا نعرف السبب الحقيقي لدموعها حتى تنشر مذكراتها بعد انتهاء مدة صلاحيتها السياسية. وصادف يوم الجمعة مناسبة مرور عام على الفوز في الانتخابات، فجاء بصداع جديد لستارمر. النائبة اليسارية زهرة سلطانة انفصلت عن العمال، وتُخطط مع زعيم العمال السابق جيرمي كوربين لتأسيس حزب اشتراكي جديد، تمنحه الاستطلاعات 10 في المائة، ويجذب النواب المستقلين، فيكون عددياً رابع الأحزاب قوة. كوربين نجح في حشد الجماهير أثناء زعامته العمال (2016-2020)، وحصل في انتخابات 2019 على نصف مليون صوت أكثر من مجموع أصوات نواب العمال بزعامة ستارمر في انتخابات 2024.


عكاظ
منذ 5 ساعات
- عكاظ
لتنظيمهم احتجاجات مؤيدة لـ«فلسطين أكشن».. شرطة لندن تعتقل 27 في ساحة البرلمان
ألقت الشرطة البريطانية اليوم (السبت) القبض على أكثر من 27 شخصاً للاشتباه في ارتكابهم «جرائم تتعلق بالإرهاب»، بعد أن أظهروا دعمهم لحركة «فلسطين أكشن»، في أعقاب دخول قرار حظرها في لندن حيز التنفيذ، بحسب وسائل إعلام غربية نقلت عن مسؤولين. وأكدت شرطة لندن في منشور على حسابها في «إكس» أن عناصرها يتعاملون مع احتجاج مؤيد لـ «فلسطين أكشن» في ساحة البرلمان، موضحة أن هذه المجموعة الآن محظورة وبات تأييدها يعدّ فعلاً إجرامياً. وأشارت إلى أنها تنفذ عملية توقيف للمحتجين المؤيدين لهذه المنظمة، فيما ذكر مجموعة الناشطين المعروفين باسم «ديفيند آور جوريز» خلال بيان صحفي توقيف 27 شخصاً، بينهم كاهن وعدد من العاملين في مجال الرعاية الصحية، لارتكابهم أفعالاً جرمية بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب. وعرضت قناة «سكاي نيوز» البريطانية لقطات لاقتياد عدد من المحتجين بعضهم مكبل بالأصفاد أمام تمثال لبطل الاستقلال الهندي المهاتما غاندي في الساحة خلال هتافهم بدعم الحركة. وتجمّع المؤيدون اليوم بساحة البرلمان في وستمنستر، وحمل بعضهم لافتات كتب عليها «أنا أعارض الإبادة الجماعية. أنا أدعم (فلسطين أكشن)»، رغم أن شرطة لندن حذرت أمس من أن إبداء الدعم لمجموعة «فلسطين أكشن» سيعدّ فعلاً جرمياً بعد بدء سريان الحظر عند منتصف الليل في الإشارة إلى أن «ذلك يشتمل على إطلاق هتافات وارتداء ملابس ورفع أعلام أو رموز أو شعارات». ورد متحدث باسم مجموعة «ديفيند آور جوريز» التي تنظم الاحتجاجات على الشرطة بالقول: «نشيد بشرطة مكافحة الإرهاب على عملها الحاسم في حماية سكان لندن من بعض اللافتات التي تناهض الإبادة الجماعية في غزة وتؤيد هؤلاء الذين يتحركون لمنعها». يأتي ذلك بعد كانت الحكومة البريطانية حظرت «فلسطين أكشن» بموجب قوانين «مكافحة الإرهاب» في يونيو الماضي بعد أن اقتحم نشطاؤها قاعدة لسلاح الجو الملكي وألحقوا أضراراً بطائرتين احتجاجاً على ما قالت الحركة إنه دعم بريطانيا لإسرائيل، غير أن منتقدي القرار، بمن فيهم بعض خبراء الأمم المتحدة وجماعات حريات مدنية، يرون أن إتلاف الممتلكات لا يرقى إلى مستوى «الإرهاب». وصدّق البرلمان البريطاني على حظر «فلسطين أكشن» (الخميس)، ورفض القضاء أمس اعتراضاً كان الهدف منه الطعن في الحظر. وبموجب القوانين البريطانية، تُعتبر الدعوة إلى دعم جماعة محظورة أو التعبير عن تأييدها أو عرض رموزها من الجرائم التي يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 14 سنة أو غرامة مالية أو كليهما. وحظرت بريطانيا 81 جماعة بموجب قوانين «مكافحة الإرهاب»، من بينها تنظيما «القاعدة» و«داعش». أخبار ذات صلة


العربية
منذ 5 ساعات
- العربية
أوروبا أمام خيار إطلاق "آلية الزناد" للعقوبات رداً على إيران
يدفع القرار الإيراني بتعليق التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية رداً على الحرب الإسرائيلية والضربات الأميركية، بالترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى خضم النزاع الدائر، ويفرض عليها تفعيل جهودها سواء نحو ابتكار حلّ وسط، أو الانضمام إلى أميركا في مضاعفة الضغوط على طهران. لم تنضم دول الترويكا إلى الحرب الإسرائيلية ولم تشارك في الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، لكن حكوماتها ساندت ما سمّته حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. والمستشار الألماني فريدريتش ميرتس، قال إن إسرائيل "تقوم بالعمل القذر نيابة عنّا جميعاً"، في إشارة إلى الهدف الإسرائيلي بالتخلص من البرنامج النووي الإيراني. واعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أن إيران هي السبب في عدم الاستقرار الإقليمي. وفور إعلان إيران عن تعليقها التعاون مع المفتشين الدوليين، سارع وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى حض ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، على التحرك نحو مجلس الأمن "لإعادة فرض جميع العقوبات على إيران". وكان ساعر يشير بذلك إلى ما يسمّى "سناب باك" أو "آلية الزناد" وهي الآلية التي تتيح لمجلس الأمن استئناف العقوبات الأممية على إيران، إذا تقدّمت إحدى الدول الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق النووي) لعام 2015 بطلب إلى المجلس في هذا الشأن، على خلفية اتهام إيران بانتهاك التزاماتها الواردة في معاهدة حظر الانتشار النووي. ومعلوم أن العقوبات الأممية رُفعت عن إيران بموجب القرار 2231. وبما أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018 إبان الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، فلا يحق لواشنطن الطلب من مجلس الأمن تفعيل "سناب باك". ولذا، تبقى الترويكا الأوروبية هي المرشحة لهذا الدور، قبل أن ينتهي مفعول القرار 2231 في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ولا يحق لروسيا أو الصين استخدام الفيتو ضد مشروع قرار محتمل في هذا الشأن. وسبق للترويكا الأوروبية الاضطلاع بدور رئيسي في التوصّل إلى اتفاق 2015، في سياق مجموعة "خمسة زائد واحد". وفي أوائل ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، اضطلعت الترويكا بدور الوسيط لمدة ستة أشهر، خلال مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران. لكن تلك المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإنه حيّد الدور الأوروبي بسبب الخلافات بين ضفتي الأطلسي حول سبل حلّ الصراع الروسي - الأوكراني. واتفقت إيران وترامب على جعل سلطنة عُمان، وسيطاً. وحتى عندما عُقدت جولتان من التفاوض في أوروبا، فإن الاختيار وقع على إيطاليا مكاناً، لا على دولة عضو في الترويكا. وعقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ساد التوتر العلاقات الإيرانية - الأوروبية، لأن طهران اتهمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بأنها لم تفِ بالتزاماتها بموجب الاتفاق، الذي ينصّ على ضرورة أن تسدّ الأطراف الأخرى الفراغ الذي يحدثه انسحاب طرف معيّن. وعوض ذلك، سارعت الشركات الأوروبية إلى الانسحاب من السوق الإيرانية، كي لا تستهدفها عقوبات "الضغوط القصوى"، التي فرضها ترامب على طهران. هل تسارع الترويكا، تحت ضغط إسرائيلي وأميركي، إلى التوجّه إلى مجلس الأمن؟ وهي التي كانت حضّت مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي، على إصدار قرار يندّد بما سمّته انتهاك إيران لالتزاماتها الواردة في الاتفاق النووي على صعيد تخصيب اليورانيوم؟ اعتبر ذاك التنديد، بمثابة خطوة أولى نحو طرح الملف النووي الإيراني على مجلس الأمن. وازدادت الأمور تعقيداً، بعد اندلاع الحرب وتوقف المفاوضات غير المباشرة بين أميركا وإيران.