
العولمة في مأزق .. الصراعات العسكرية تعيد فكرة التوطين الصناعي للواجهة
لم تعد العولمة كما كانت، فبعد عقود من تفكيك الحدود التجارية وتوسّع سلاسل الإمداد عبر القارات، باتت الدول تعيد التفكير في نموذجها الاقتصادي، لا بدافع الكفاءة، بل بغرض تعزيز الأمن الاستراتيجي وضمان الاستقلال الصناعي، في ظل عالم بات أكثر اضطرابًا وتقلّبًا.
فمع اتساع رقعة الصراعات العسكرية، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، واحتدام التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، أصبحت سلاسل التوريد العالمية أكثر هشاشة، وكشفت الأزمات المتتالية عن عيوب خطيرة في الاعتماد المفرط على الإنتاج الخارجي.
في هذا السياق، برزت فكرة "التوطين الصناعي" مجددًا كاستراتيجية وطنية للحماية من تقلبات الأسواق والمخاطر السياسية.
ولم يعد الحديث عن توطين الصناعات محصورًا في الخطاب السياسي أو التنموي، بل أصبح قرارًا اقتصاديًا تدرسه كبرى الشركات العالمية، مدفوعة بتغير أولويات الدول من الانفتاح إلى التأمين، ومن الكفاءة إلى الاستقرار.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
مأزق العولمة الجديد
لطالما رُوّج للعولمة بوصفها "النهاية الحتمية" للتاريخ الاقتصادي، ورافعة لا يمكن كبحها نحو عالم أكثر تكاملاً وانفتاحًا.
وقد لعبت مجموعة من الكتب والمؤلفين البارزين دورًا محوريًا في ترسيخ هذا التصوّر، أبرزها كتاب "العالم مسطح" (The World is Flat) للكاتب الأميركي توماس فريدمان، الذي حقق شهرة عالمية بعد صدوره عام 2005.
في هذا الكتاب، وصف فريدمان كيف أن التكنولوجيا، والإنترنت، وتحرير التجارة، قد "سطّحت" العالم، فأزالت الحواجز بين الدول والشركات، ومكّنت أي شخص في أي مكان من العمل والمنافسة على قدم المساواة مع الآخرين.
كما أشار فريدمان وآخرون إلى أن العولمة ليست خيارًا، بل ضرورة اقتصادية في ظل تشابك الأسواق وسرعة الابتكار.
وفي كتابه الشهير "صراع الحضارات ونظام العالم الجديد"، رأى المفكر فرنسيس فوكوياما أن العولمة تمثل ذروة تطور النظام الليبرالي العالمي، مؤكداً أن التراجع عنها يُعد ضربًا من المستحيل.
ومع أن هذه الأطروحات ظلت مهيمنة لعقود، إلا أن الواقع الذي فرضته الحروب والتوترات الجيوسياسية يعيد اختبارًا صعبًا في مواجهتها.
وأعدت تلك الصراعات العديد من التساؤلات للظهور، كان يظن أولئك المؤلفون أنه قد لا تطرح مجددًا مثل هل نشهد بداية عصر جديد تتصدّره عبارات مثل "صُنع محليًا" و"الاكتفاء الذاتي" و"الأمن الصناعي"؟
وتتكشف الإجابة يومًا بعد يوم، مع كل اضطراب جديد في الممرات البحرية، وكل عقوبة اقتصادية، فبات كل انفجار عسكري يُعيد رسم ملامح خريطة الصناعة في العالم.
الصراعات تعيد خلط الأوراق
مع تفجر الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، ولا سيما بعد تصعيدات غزة والهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، دخلت سلاسل الإمداد العالمية في اختبارات قاسية.
فكما أظهرت تقارير من وكالة بلومبرج، فإن النزاع في البحر الأحمر وحده تسبب في زيادة تكاليف الشحن بنسبة تتجاوز 300% على بعض المسارات خلال الربع الأول من عام 2024.
فعلى سبيل المثال ارتفعت تكلفة شحن الحاوية الواحدة من الصين إلى أوروبا من 1400 دولار إلى أكثر من 6000 دولار في أوائل 2024، وفقًا لبيانات مؤشر دروري للشحن البحري.
تلك التكلفة أجبرت الشركات على إعادة النظر في اعتمادها على طرق نقل دولية محفوفة بالمخاطر، وفي ظل هذه الاضطرابات، لجأت كبرى شركات الشحن إلى إعادة توجيه السفن عبر رأس الرجاء الصالح.
وأضاف هذا المسار من 10 إلى 14 يومًا إضافيًا إلى رحلات التوريد، ورفع التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ، بحسب بيانات صادرة عن إس آند بي جلوبال ماركت إنتليجينت.
كما أشار تقرير لرويترز في مايو 2024 إلى أن بعض المصانع الأوروبية التي تعتمد على مدخلات خام من آسيا بدأت في تقليص إنتاجها مؤقتًا بسبب تأخر الإمدادات وارتفاع كلفة النقل، وهو ما أعاد النقاش حول الاعتماد المفرط على سلاسل التوريد الطويلة والمعقدة.
من جهة أخرى، توقعت شركة دي إتش إل في تحليل حديث نُشر على موقعها الرسمي أن موجة الصراعات الجيوسياسية ستُسرّع التوجه نحو استراتيجيات التوطين الصناعي.
وتقوم هذه الاستراتيجية على إعادة توطين المصانع ومراكز الإنتاج إلى دول أقرب إلى الأسواق الاستهلاكية، أو حتى داخل الدولة نفسها، بهدف تقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الدولية المعرضة للمخاطر مثل الحروب أو الأزمات.
ووفقًا للتقرير، فإن هذا التوجه قد لا يقلل فقط من المخاطر اللوجستية، بل يعزز أيضًا المرونة الاستراتيجية للشركات متعددة الجنسيات في مواجهة الأزمات غير المتوقعة.
نماذج على صعود فكرة التوطين
مع تعاظم المخاوف الجيوسياسية والاضطرابات في سلاسل الإمداد، تتجه كبرى الاقتصادات العالمية إلى مراجعة جذريّة لاستراتيجياتها الصناعية، وهو ما يُعد تحوّلاً ملحوظًا نحو فكرة التوطين الصناعي، سواء عبر إعادة المصانع إلى الداخل أو تنويع مواقع الإنتاج الإقليمي.
في عام 2022، أطلقت واشنطن "قانون الرقائق والعلوم"، كردّ مباشر على التهديدات المتزايدة المرتبطة بالاعتماد على مصانع أشباه الموصلات في آسيا، وخاصة تايوان.
وبموجب القانون خصصت الحكومة الأميركية أكثر من 50 مليار دولار لدعم إنتاج الرقائق محليًا، منها 39 مليارًا لدعم إنشاء مصانع، و13.2 مليار للبحث والتطوير، في خطوة تهدف إلى تقليل التعرض لمخاطر الانقطاعات الجيوسياسية في الإمدادات.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز، بدأت شركات كبرى مثل إنتل وTSMC بناء مصانع في ولايات مثل أريزونا، فيما وصفته الصحيفة بأنه "رد اقتصادي على التهديد الجيوسياسي الصيني".
التوجهات العالمية نحو التوطين الصناعي أو تنويع سلاسل الإمداد
أما في القارة الأوروبية، أصبحت عبارة "السيادة الصناعية" تتردد كثيرًا في الخطابات الرسمية، لا سيما من قبل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
فمع تداعيات الحرب في أوكرانيا وانكشاف هشاشة الاعتماد على الغاز الروسي، سعت دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى تعزيز استراتيجياتها الصناعية محليًا.
وأطلقت برامج ضخمة لدعم التصنيع المحلي في قطاعات حيوية، من الدفاع والطاقة المتجددة إلى الصناعات الدوائية. ووفقًا لما نشرته رويترز في أبريل 2025، فإن هذه الاستثمارات تُعد جزءًا من محاولة أوسع لفك الارتباط مع سلاسل الإمداد المتمركزة في آسيا.
حتى الاقتصادات الآسيوية التي طالما كانت مصنع العالم بدأت بإعادة تقييم مواقع إنتاجها. ففي اليابان، كشفت وزارة التجارة في تقرير لصحيفة نيكي آسيا عن حوافز تصل إلى 5 مليارات دولار للشركات التي تُعيد تصنيع مكونات استراتيجية مثل الأدوية والإلكترونيات إلى الداخل الياباني. وتسير كوريا الجنوبية في الاتجاه نفسه، خاصة في القطاعات الحساسة المرتبطة بالتقنيات الدقيقة والرقائق.
أما الهند، فترى في هذا التحول فرصة لإعادة تموضع دورها الصناعي عالميًا حيث أطلقت برنامج "صُنع في الهند" منذ سنوات، لكنه اكتسب زخمًا جديدًا مؤخرًا، مع تصاعد اهتمام الشركات العالمية بنقل جزء من إنتاجها بعيدًا عن الصين.
الأمر ليس بهذه البساطة
رغم التصاعد اللافت في الدعوات الحكومية إلى إعادة التوطين الصناعي وتقليل الاعتماد على الخارج، فإن الواقع الاقتصادي العالمي أكثر تعقيدًا.
فتفكيك العولمة ليس أمرًا يُنجز بجرة قلم، إذ لا تزال معظم اقتصادات العالم مرتبطة بشبكة مترابطة من سلاسل التوريد والتبادل التجاري يصعب فصلها دون تكاليف اقتصادية هائلة.
فحتى مع اشتعال الأزمات الجيوسياسية، استمرت سلاسل الإمداد العالمية في العمل، وإن تحت ضغوط متزايدة، ما يدل على أن العولمة لم تنهَر بقدر ما أعادت تشكيل نفسها بصيغ أكثر مرونة.
ووفقًا لتقرير مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، فإن نقل 10% فقط من سلاسل الإمداد العالمية إلى الداخل قد يكلّف الشركات ما يزيد على 1 تريليون دولار خلال عقد.
وفي هذا السياق، لا تتجه جميع الشركات الكبرى نحو "التوطين التام"، بل يعتمد كثير منها نموذجًا مختلطًا يجمع بين التوطين الجزئي وتنويع مراكز الإنتاج لتقليل المخاطر الجيوسياسية دون التفريط في الكفاءة الاقتصادية.
ومن أبرز النماذج على ذلك شركة "أبل"، التي بدأت منذ عام 2023 بنقل أجزاء من عمليات تصنيع أجهزتها إلى الهند وفيتنام، دون أن تتخلى كليًا عن الصين.
ووفقًا لتقرير نشرته سي إن بي سي، فإن "عصر الصين كمصنع العالم يواجه تحديًا غير مسبوق"، إلا أن شركات التكنولوجيا ما زالت تعتمد على شبكات واسعة وعابرة للحدود لتأمين الإنتاج.
فمع استمرارية التجارة العالمية، والتشابك الاقتصادي العميق، والتحديات اللوجستية المرتبطة بإعادة بناء البُنى الصناعية من البداية، يصبح الانتقال إلى نماذج التوطين الكامل أمرًا صعبًا ومكلفًا.
وفي الوقت ذاته تشير التطورات العالمية الأخيرة إلى أن العولمة لم تعد كما كانت، فمع تصاعد الحروب والتوترات الجيوسياسية، بدأت الدول والشركات تعيد التفكير في سلاسل التوريد الطويلة والمعقدة، وتبحث عن طرق أكثر أمانًا واستقرارًا لإنتاج السلع.
لذا فإن المستقبل قد لا يَعِد بقطيعة تامة مع العولمة، لكنه بالتأكيد ينذر بنهاية عصر "الاعتماد الكامل على الخارج"، وبداية عهد جديد من الواقعية الاقتصادية، يُعيد توزيع خطوط الإنتاج، ويضع السيادة الصناعية في قلب الحسابات الاستراتيجية للدول والشركات على حد سواء.
المصادر: أرقام- بلومبرج- رويترز- فايننشال تايمز- سي إن بي سي- نيكاي آسيا- ذا إيكونيميست- إس آند بي جلوبال ماركت إنتليجينت- وزارة التجارة الأمريكية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ 19 دقائق
- الاقتصادية
5 قطاعات غير نفطية تشكل آفاق نمو قوي للاقتصاد السعودي في خانة العشرات
تسجل 5 قطاعات غير نفطية آفاق نمو قوي، يشكل ملامح الاقتصاد السعودي، مدعوما بمشاريع رؤية 2030، التي رفعت إسهامات القطاعات غير النفطية في اقتصاد البلاد إلى مستوى قياسي بلغ 54.8% من الناتج المحلي الإجمالي. رجح خبراء تحدثوا لـ"الاقتصادية" أن تسجل تلك القطاعات، التي تشمل الصناعات التحويلية، وخدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق، والتشييد والبناء، والنقل والتخزين والاتصالات، مزيدا من التوسع خلال السنوات المقبلة، بما يعزز إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي بنمو في خانة العشرات. نمت الإيرادات غير النفطية 171% منذ عام 2016، في وقت زادت فيه صادرات الخدمات 220%. ووصل إسهام القطاع غير النفطي إلى مستوى قياسي بلغ 54.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وهو الأعلى على الإطلاق. مؤشر الأنشطة غير النفطية ارتفع 5.3%، مدعوما بأداء جيد لعدد من القطاعات الفرعية، ليظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي على زيادة في صادرات السلع غير النفطية 13.4% في الربع الأول من هذا العام، بحسب تقرير هيئة الإحصاء السعودية. سجلت صادرات السعودية غير النفطية رقما قياسيا بلغ 207 مليارات ريال العام الماضي، بارتفاع 14% على أساس سنوي و220% مقارنة بما كانت عليه في 2016، قبل انطلاق الرؤية. الصناعات التحويلية تجذب الاستثمارات وتدعم قطاعات أخرى بلغت حصة قطاع الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي السعودي 15.3% العام الماضي، وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء. وسجل القطاع زيادة بـ4.7%. كان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح قد وصف قطاع الصناعات التحويلية بأنه الأهم في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، إلى جانب قطاعات أخرى، مثل الإنشاء، والتأمين، والبنية التحتية، والسياحة. يشمل القطاع صناعة المنتجات الغذائية والمشروبات، والورق، والفحم ومنتجات تكرير النفط، والكيماويات، والمعادن، والأثاث، والمعدات الكهربائية، وغيرها. وسجلت جميع هذه الصناعات نموا العام الماضي، بنسب راوحت بين 2.8% و13.6%، وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء؛ كانت نسبة النمو الأعلى من نصيب صناعة الورق ومنتجاته. قال المهندس خليل بن سلمة، نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة، لـ'الاقتصادية' في وقت سابق إن السعودية دخلت في صناعات عالية التعقيد، بينها صناعة السيارات والطيران باستخدام مواردها الطبيعية. أكد بن سلمة أن السعودية تسعى إلى استغلال مواردها الطبيعية بفاعلية عبر تصنيعها محليا، بدلا من تصديرها كمواد خام، ما يسهم في رفع مستوى التعقيد الاقتصادي وقيمة الصادرات. قطاع الضيافة يحقق نموا مطردا مع التوسع في استضافة الفعاليات بلغت حصة قطاع تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق من الناتج المحلي الإجمالي السعودي 11.7% العام الماضي، بحسب بيانات الهيئة. وحققت عمليات نقاط البيع في قطاع أنشطة الإقامة والخدمات الغذائية 16.8 مليار في أبريل الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي السعودي. بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، الذي يشمل أيضا إصلاح المركبات والدراجات النارية، 144.6 مليار ريال في الربع الأول من هذا العام، بنمو نسبته 8.4%، حقق القطاع نموا في خانة المئات من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. يرى حسام الخزيمي، الخبير المتخصص في قطاع الفنادق والرئيس التنفيذي لشركة "إيڤولڤ للضيافة"، أن هذا القطاع على وجه الخصوص يحظى بآفاق نمو قوية، في ظل توجه السعودية نحو استضافة الفعاليات الضخمة وجذب السياح الأجانب إلى البلاد. وقال لـ "الاقتصادية": "نحن على بعد نحو 5 سنوات من استضافة إكسبو 2030، وهو حدث ضخم يمتد لأشهر وعادة ما يستقطب ملايين السياح إلى الدولة المستضيفة؛ كذلك هناك كأس العالم 2034، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية، وغير ذلك الكثير. هذه الفعاليات يكون لها أثر سياحي ممتد، كما أن مراحل الاستعداد لها تكون جاذبة أيضا". يشار إلى أن "إكسبو 2030 الرياض" مرشح لجذب أكثر من 40 مليون زيارة؛ وسيتحول موقعه، الذي سيمتد على مساحة 6 آلاف متر مربع، إلى بعد ختام فعالياته إلى قرية عالمية ومركز لأنشطة التجزئة والمطاعم. لا يقتصر إسهام مثل هذه الفعاليات على قطاع الضيافة فحسب، وإنما يمتد إلى قطاعات عدّة، مثل الخدمات وتجارة الجملة والتجزئة والنقل واللوجستيات، بحسب الخزيمي. كان قطاع السفر والسياحة مساهما رئيسيا في نمو الناتج المحلي الإجمالي غبر النفطي، حيث ارتفع 270% منذ 2016. وبلغ عدد السيّاح في السعودية 116 مليون سائح العام الماضي، بما يشمل 29.7 مليون سائح وافد. لذلك، يعد القطاع رافدا مهما لتحقيق النمو في قطاعات عدة أخرى، مثل الأغذية والترفيه والنقل. قطاع التشييد يملك عديدا من الروافد لزيادة الناتج المحلي والصادرات بلغت حصة قطاع التشييد والبناء من الناتج المحلي الإجمالي السعودي 8.2% العام الماضي، وفقا لبيانات هيئة الإحصاء، في الوقت الذي سجلت فيه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى هذا القطاع نموا ضخما في خانة العشرات؛ وبلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع 89.2 مليار ريال في الربع الأول من هذا العام. رجح خبراء تحدثوا لـ"الاقتصادية" أن تشهد قيمة سوق البناء والتشييد في السعودية نموا مطردا لتصل إلى نحو 361 مليار ريال بحلول 2030، بينما يؤكدون أن السوق ستبلغ هذا العام 277.5 مليار ريال، مقارنة بــ263 مليار العام الماضي. يرى الدكتور ماجد بن عثمان الركبان، المتخصص في القيادة التنظيمية في القطاع العقاري، أن القطاع مسهم رئيس في توليد فرص العمل والاستثمارات. وقال: "ضخ معروض سكني كبير يثبت السعي الجاد نحو توفير سوق متوازنة من حيث العرض والطلب، وهو ما سيزيد إسهام القطاع في الناتج المحلي ويجذب الاستثمارات في قطاع التطوير العقاري السكني والتجاري والقطاعات المرتبطة به". "تؤدي زيادة الطلب على العقار بالضرورة إلى نمو القطاعات المرتبطة بمدخلات الإنتاج، أي مواد البناء؛ وهذا يحقق نموا مضافا في قطاع مهم ويوفر فرصا جديدة في التصدير، نتيجة تراكم الخبرات لدى الموردين والمصانع المحلية، التي يمكن لها أن تلبّي الطلب في الأسواق الإقليمية"، وفقا للركبان. يضاف إلى هذا "تصدير الخدمات، سواء كانت هندسية أو غيرها، ونقل التجارب المحلية للأسواق الإقليمية، وهو ما يصب في النهاية في زيادة الصادرات غير النفطية عبر إسهام هذا القطاع". فرص لنمو مستدام في القطاع العقاري يرى الركبان أن استدامة النمو في القطاع العقاري تستلزم وجود "سياسات واضحة وأنظمة تشريعية داعمة لذلك". وقال: "لا بد من معالجة التحديات أمام القطاع للنمو، ومنها ارتفاع تكلفة الأراضي، التي تشكل تحديا رئيسيا حاليا فيما يتعلق بتكلفة المنتج النهائي. يحتاج القطاع العقاري في السعودية إلى كثير من العمل لتحقيق رؤية 2030 وما بعدها، مع السعي إلى أن يكون القطاع جاذبا للاستثمارات التي تحقق له الاستقرار والنمو". يشار إلى أن حصة قطاع خدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات رجال الأعمال بلغت 13.1% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي العام الماضي، بحسب بيانات الهيئة. وفي الربع الأول من هذا العام، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع 68.1 مليار ريال. قطاع الاتصالات يتأثر بالنمو السكاني ويؤثر في نمو القطاعات المختلفة بلغت حصة قطاع النقل والتخزين والاتصالات من الناتج المحلي الإجمالي السعودي العام الماضي 6.2%، وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء. القطاع، الذي ارتفع حجم ناتجه المحلي 6% في الربع الأول من هذا العام إلى 71.6 مليار ريال وفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء، يجذب استثمارات أجنبية وصلت إلى 112 مليار دولار في 2023، وفقا لأحدث بيانات متوفرة. يصف المهندس سلمان البدران، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "موبايلي"، نمو قطاع الاتصالات بأنه "مُمكّن لنمو جميع القطاعات الحكومية وقطاعات الأعمال الأخرى". ويرى أن نمو القطاعات المختلفة "يتطلب ممكنات تقنية وتحولا رقميا وبنية تحتية رقمية، الذي تقوم شركات الاتصالات بالدور الأكبر فيه، وهو ما يعزز آفاق النمو في هذا القطاع". وقال لـ "الاقتصادية": "لو قارنّا نسبة نمو قطاع الاتصالات مع نسبة نمو الناتج المحلي في السنوات الماضية، سنجد أن قطاع الاتصالات ينمو بنسبة أعلى، وهذا يعزز التوقعات بزيادة إسهام القطاع كنسبة مئوية في الناتج المحلي". من المتوقع أن يسهم النمو السكاني ورؤية السعودية لزيادة عدد السياح والزائرين خلال السنوات في نمو قطاع الأفراد في شركات الاتصالات، بالتالي نمو مجمل إيرادات القطاع، وهو ما سيظهر على الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، بحسب الرئيس التنفيذي السابق لشركة "موبايلي". كذلك يمكن لقطاع الاتصالات أن يسهم بشكل مباشر في زيادة الصادرات، من خلال تحول السعودية إلى "مركز تقني ورقم إقليمي وعالمي يقدم خدمات ومنتجات لجميع مزودي الخدمة والمستفيدين حول جميع العالم"، وفقا للبدران.


الشرق السعودية
منذ 20 دقائق
- الشرق السعودية
السفير الإيراني لدى السعودية: الرياض لعبت دوراً فاعلاً لمنع التصعيد
في الخامس من سبتمبر 2023، حطّ الدكتور علي رضا عنايتي رحاله في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، ليتسلّم مهامه سفيراً لإيران لدى السعودية، في أعقاب اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية الذي وُقّع في العاشر من مارس من العام نفسه، برعاية صينية، بعد انقطاع دام نحو سبع سنوات. وبعد مضي قرابة عامين على إعادة التواصل الدبلوماسي بين الرياض وطهران، يرى السفير عنايتي في حوار مع "الشرق الأوسط"، أن ما تحقق خلال هذه الفترة "يعادل إنجاز سنوات"، عازياً ذلك إلى "قوة وجوهر العلاقات" بين البلدين. واعتبر الدبلوماسي الإيراني الموقف السعودي من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على بلاده "مشرفاً"، مشيراً إلى أن الرياض لعبت دوراً فاعلاً في تهدئة الأوضاع والضغط لتفادي التصعيد. وقال: "نرحب بأي دور لإخواننا في المملكة، خاصة سمو الأمير محمد الذي كان دائماً معنا". يحمل السفير الإيراني سجلاً طويلاً من العمل في السعودية؛ إذ تعود بداياته إلى عام 1990 حين شغل منصب قنصل لبلاده في جدة، قبل أن يُعيَّن قائماً بالأعمال في الرياض مطلع الألفية، ليعود بعد أكثر من عقدين سفيراً في 2023، حاملاً معه خبرات متراكمة في الشأن الإقليمي. اعتداءات "سافرة" على إيران وصف السفير الإيراني الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على بلاده بأنها "سافرة"، موضحاً أن طهران كانت منخرطة حينها في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة. وقال: "هوجمت إيران منتصف الليل في حين كان الناس نائمين في بيوتهم، واستُشهد من استُشهد. هذا اعتداء سافر بكل معنى، ورأينا من حقنا المشروع، وبناءً على ميثاق الأمم المتحدة، أن نرد الصاع صاعين، ونُري العدو أن إيران لا تدخل في الحرب، لكنها تدافع عن نفسها بقوة وصمود". تماسك دول الإقليم قال عنايتي إن ردود الفعل الإقليمية على الهجمات الإسرائيلية عكست تماسكاً واضحاً، مشيراً إلى أن أول اتصال تلقاه وزير الخارجية الإيراني جاء من نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان لإدانة "الاعتداء السافر"، تلاه بيان من "الخارجية" السعودية. وأضاف: «تُوجّت هذه المواقف المشرفة باتصال هاتفي من سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بالرئيس بزشكيان لإدانة واستنكار الاعتداءات، وبعد ذلك اتصال من الرئيس بزشكيان بأخيه الأمير محمد، إلى جانب مواقف عدة من دول مجلس التعاون تجاه الجمهورية الإسلامية". محمد بن سلمان "دائماً معنا" أشاد السفير بالجهود السعودية الأخيرة للتهدئة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، قائلاً: "هذه جهود مباركة ورحبنا بها، ونرى أن للمملكة دوراً في تهدئة المواقف والأمور، والضغط لمنع الاعتداءات، وهذا دور مشرّف. وفي الحوارات والاتصالات واللقاءات الثنائية، أكدت إيران دور المملكة ومواقفها المشرفة؛ من تنديد بالاعتداءات، وتوظيف الجهود لمنع هذا الاعتداء. وأيضاً نرحب بأي دور لإخواننا في المملكة، خاصة سمو الأمير محمد الذي كان دائماً معنا". 400 ألف إيراني زاروا السعودية أوضح الدكتور عنايتي أن العلاقات شهدت تقدماً كبيراً منذ عودتها، مشيراً إلى أن ما تحقق خلال عامين يعادل منجزات عدة سنوات، وأضاف: "ما جنيناه من هذه العلاقات طوال العامين لا أحد يتخيل أنه تحقق في سنتين، بل في عدة سنوات، وكأن العلاقات لم تُقطع، وهذا يدل على جوهر وصميم هذه العلاقات". وقال السفير: "هذه السنة، أكثر من 200 ألف معتمر إيراني جاءوا، ولو أضفنا عدد الحجاج أيضاً فسيكون هناك 400 ألف إيراني زاروا المملكة خلال عام، وهذا مؤشر إيجابي جداً. كل هذه الأعداد جاءت للمملكة وتعرفت عليها عن كثب". زيارة خالد بن سلمان علّق السفير على زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، قائلاً: "إيران اعتبرتها زيارة سيادية ومهمة جداً، ونقطة انعطافة تاريخية في العلاقات". وأضاف: "هذه الزيارة ولقاء سموه بالرئيس بزشكيان، وسماحة المرشد، ولقاؤه برئيس هيئة الأركان (الذي قضى في الأحداث الأخيرة)، أوجدت انطباعاً بين الطرفين أننا شركاء في بناء الإقليم، والانطباع للطرف الإيراني كان جداً رائعاً". وتابع: "مخططون لأن نكمل ما يترتب على هذه الزيارة، ونرى أنها ساعدت العلاقات الإيرانية - السعودية أن تدخل من علاقات روتينية إلى علاقات جذرية". العلاقات والتطلعات يرى السفير عنايتي أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بحاجة إلى المزيد من الجهود لتعزيزها، مبيناً أن هناك اتفاقيات قيد البحث والدراسة. وقال: "لدينا الاتفاقية العامة للتجارة والاقتصاد والاستثمار والثقافة والشباب والرياضة، وقد تم التأكيد عليها في اتفاق بكين، وهناك اتفاقية ثانية لتفادي الازدواج الضريبي تمت مناقشتها والتوقيع عليها بالأحرف الأولى، وتقدمنا بمشروع اتفاقية لدعم وتشجيع الاستثمار المتبادل، واتفاقية للنقل البري يمكنها أن تلحق المملكة والإمارات وسلطنة عمان بالضفة الشمالية وتصبح ممراً لآسيا الوسطى". وعن دور بلاده في الإقليم قال الدكتور علي رضا عنايتي إن طهران تؤيد نموذجاً للأمن الإقليمي يستند إلى التنمية والاقتصاد والثقافة، وليس إلى القوة العسكرية. ورداً على سؤال حول نظرة البعض لدور إيران كعامل زعزعة، قال: "نحن لسنا دخلاء على الإقليم لنلعب دوراً ونحمله عليه، نحن جزء من الإقليم ومن أبنائه ونعيش فيه". وأضاف: "لدينا مشتركات ثقافية وتاريخية ودينية كثيرة في المنطقة، وإذا ما حدث أي اختلاف في بعض الرؤى السياسية، فلا يفسد للود قضية. هذا الاختلاف يمكن تداركه بآلية وحيدة وهي الحوار، وليس هناك سبيل أفضل - بل لا بديل عنها - لما يحصل بين أخ وأخ، بين جار وجار، بين قضية وأخرى". وأكد أن "أمننا الجماعي واحد. لا يمكننا الحديث عن الأمن المجزّأ. نحن نردد ونكرر ما نسمع من الإقليم: الأمن المبني على التنمية. نحن مع هذه اللافتة. عندما يُبتعد عن الأمن القائم على العتاد والذخائر والعسكرة، والجيوسياسة والسياسة، يمكن استبدال بذلك الأمن المرتكز على التنمية والاقتصاد والتجارة والثقافة والشعوب". **هذا المحتوى من صحيفة "الشرق الأوسط"


الرياض
منذ 20 دقائق
- الرياض
بمناسبة اليوم الدولي للعمل البرلمانيالبرلمان العربي يدعو للتصدي للتحديات العابرة للحدود
أكد رئيس البرلمان العربي محمد بن أحمد اليماحي أن اليوم الدولي للعمل البرلماني يمثل فرصة مهمة لتسليط الضوء على الدور الحيوي الذي تضطلع به البرلمانات في تجسيد إرادة الشعوب، وصون الحقوق والحريات، وترسيخ أسس الحكم الرشيد. وقال إن الاحتفال بهذا اليوم العالمي يأتي في ظل تحديات متصاعدة تواجه المجتمعات على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يُحَتِّم على البرلمانات أن تضطلع بدورها الكامل تلبية لتطلعات الشعوب حماية مصالحها العليا، مشددًا على أن البرلمانات ليست فقط مؤسسات للتشريع، بل هي أدوات لتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان المساواة، وتعزيز الاستقرار. ودعا "اليماحي" بهذه المناسبة إلى توحيد الجهود وتعميق الحوار البرلماني، وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة، بما يسهم في بناء منظومة برلمانية دولية قادرة على التصدي للتحديات العابرة للحدود ودعم الاستقرار الإقليمي والدولي، مشددًا على أن التحديات الراهنة – وعلى رأسها النزاعات المسلحة، وأزمات الأمن الغذائي والمائي، وتغير المناخ، وتفاقم موجات اللجوء والنزوح – تتطلب رؤى موحدة وجهودًا متكاملة، تُعبّر عنها إرادة برلمانية جماعية فاعلة، تستند إلى المبادئ المشتركة للعدالة، والسلام، والتنمية. وأكد رئيس البرلمان العربي على الدور المتنامي الذي يضطلع به البرلمان العربي في دعم العمل البرلماني العربي المشترك، وتعزيز آليات التنسيق والتعاون بين البرلمانات الوطنية في الدول العربية، وتمثيل صوت الشعب العربي في المحافل الإقليمية والدولية. كما شدد على ضرورة الاستثمار في تطوير القدرات البرلمانية، لاسيما من خلال تعزيز المشاركة السياسية للمرأة والشباب، واعتماد أدوات التكنولوجيا والابتكار في العمل البرلماني، بما يسهم في زيادة كفاءة الأداء التشريعي والرقابي. واختتم رئيس البرلمان العربي بيانه بالتأكيد على التزام البرلمان العربي بمواصلة جهوده في تعزيز دور الدبلوماسية البرلمانية، بما يخدم قضايا الأمة العربية، ويدعم الاستقرار والتنمية في المنطقة العربية، ويعكس تطلعات الشعب العربي نحو مستقبل أكثر عدالة وازدهارًا.