logo
ماذا نعرف عن كاتس الذي وعد بحرق طهران؟

ماذا نعرف عن كاتس الذي وعد بحرق طهران؟

الجزيرةمنذ يوم واحد

هناك الكثير من التناقضات بين تل أبيب وطهران ربما تفوق في وضوحها الخلافات التي تشغل الصراع بين إسرائيل وإيران. فتل أبيب هي مدينة مستحدثة طرأت على التاريخ مطلع القرن الماضي، حيث بدأ تأسيسها في زمان الانتداب البريطاني فوق أرض فلسطين المحتلة على أطراف مدينة يافا، قبل أن تتوسع على حساب المدينة الأصلية والقرى الفلسطينية التي هُجِّر أهلها، لتصبح أول مدينة لليهود في العصر الحديث، وعاصمتهم الأولى.
وفي المقابل فإن طهران مدينة عريقة تعود جذورها إلى عدة قرون مضت (رغم أنها لم تتطور إلى مركز إداري وسياسي إلا في القرن الثامن عشر)، في حين أنها تنتمي إلى محيط جغرافي أكثر عراقة تعاقبت عليه الدول والإمبراطوريات المتوارثة على مدار آلاف السنين منذ ممالك عيلام القديمة، مرورا بالساسانيين والأخمينيين وصولا إلى العصر الحديث.
وبينما تنبسط جغرافيا تل أبيب أمام البحر الذي ترتفع عن مستواه خمسة أمتار بتعداد سكاني لا يتجاوز نصف مليون شخص، تتحصن طهران بسلسلة جبال شاهقة الارتفاع، متربعةً على سفوحٍ يصل ارتفاعها إلى 1900 متر فوق سطح البحر، وتزدحم بأكثر من 14 مليون نسمة.
في وسط مباني تل أبيب الحديثة، وفي مخبأ مُحصَّن تحت الأرض، تُوهِم الشاشات المكتظة الجالسين أمامها أن الآلة قادرةٌ على حسم الحرب إلى حدٍّ نسي فيه هؤلاء أنَّ الأرض التي يختبئون في باطنها هي التي تمتلك كلمة الحسم. وعبر شاشة صغيرة بين تلك الشاشات، انفلتت تغريدة حربية شديدة اللهجة، يتوعد فيها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بحرق طهران، في الوقت الذي انطلقت فيه الطائرات الإسرائيلية لتصب حمولاتها المتفجرة فوق عشرات المواقع في العاصمة الإيرانية.
ولكن بعد 12 يوما من السجال الناري، لم تحترق طهران كما توعد كاتس، ونزل سكانها إلى الشوارع للاحتفال عقب إعلان وقف إطلاق النار، وبينهم كان يمشي رجلٌ أشيب، يعتمرُ قبعة "بيسبول" سوداء، يصافح الجموع بابتهاج، كان ذلك إسماعيل قآني قائد فيلق القدس، الذي نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" خبر مقتله في ضربة إسرائيلية قبل أيام.
في المقابل، شاهد العالم الصواريخ الإيرانية وهي تضيء سماء تل أبيب كاسرة الكثير من الأساطير حول "أرض إسرائيل" الآمنة وسمائها المنيعة.
هذه هي الحرب الأولى التي يكون فيها يسرائيل كاتس في موقع عسكري رفيع المستوى منذ بداية تاريخه السياسي، وهي حرب تليق مجرياتها ونتائجها برصيده "الفقير" تماما، فالرجل يشترك مع رئيس وزرائه في ضآلة تاريخهما العسكري مقارنةً مع مَن سبقهما في قيادة الحروب التي خاضتها إسرائيل. وبينما ينحدر الرجلان من منبت شرق أوروبي، ويعتنقان معا النمط نفسه في ممارسة الحرب، يبدو أنهما يشتركان فيما هو أكثر من ذلك بكثير.
التغريدات بديلا عن مواجهة الموت
وُلد يسرائيل كاتس عام 1955 في مدينة عسقلان المحتلة لأبوين جاءا من منطقة ماراموريش برومانيا. وهكذا وجد كاتس نفسه جزءا من مجتمع اليهود المهاجرين من رومانيا إلى إسرائيل، والمحملين بتاريخٍ من الاضطهاد الذي مارسه عليهم النظام الشيوعي الروماني قبل الهجرة إلى "أرض الميعاد".
يحمل مجتمع اليهود الرومانين في إسرائيل إرثا طويلا من الحكايات حول "المقايضة"، حيث قايض بهم النظام الحاكم في رومانيا إسرائيل مقابل المال والبرسيم وآليات الزراعة، وحتى الثيران والخنازير. وعلى مدار أربعة عقود فرضت فيهما الحكومتان تعتيما شاملا على جميع التفاصيل في تلك العلاقة الغريبة.
كان النظام في رومانيا يقايض مواطنيه اليهود مع الحكومة الإسرائيلية مقابل 120 دولارا للشخص، وقد بلغت عوائد هذه العملية ما بين عام 1948-1952 قرابة 15 مليون دولار، حسبما أوردت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فضلا عن أولئك الذين تمت مقايضتهم مقابل صفقة خنازير أدارها رجل الأعمال اليهودي "هنري جاكوبير" (Henry Jacober).
وفي الإجمال، يبلغ تعداد اليهود من أصول رومانية في إسرائيل قرابة 400 ألف نسمة، لا يزالون يرون في قوميتهم الرومانية سببا للزهو رغم كل شيء، وضمن هذا النسيج الاجتماعي المتفاخر بنخبويته، دفع الزوجان كاتس بابنهما إلى الجامعة العبرية التي تحمل رمزية "الطلائعية الصهيونية" كونها تأسست قبل إقامة الدولة الصهيونية بـ23 عاما وتُعد المهد الأول لصناعة "الهوية الوطنية الإسرائيلية" من خلال اعتماد اللغة العبرية لغةً للتدريس والمعاملات في الجامعة.
لم تخلُ فتوة كاتس من أعمال متهورة ربما تفسر "عدوانيته" المتزايدة في شيخوخته، فقبل أكثر من أربعين عاما، احتجز كاتس رئيس الجامعة رافائيل مشولام في غرفته على خلفية احتجاجات عنيفة ضد إدارة الجامعة لسماحها بانتساب طلبة فلسطينيين من المدن المحتلة وظهورهم في حرمها، حينها أوقفته الجامعة عن ممارسة النشاط الطلابي لمدة عام كامل.
كان دخول كاتس الأول إلى السياسة الإسرائيلية عام 1998 بديلا لإيهود أولمرت في عضوية الكنيست عن حزب الليكود ، حيث عمل في عدة لجان، منها الشؤون الخارجية والأمن، والمالية، والقانون والدستور والعدالة، والداخلية والبيئة. كما عمل في لجنة الالتماسات العامة، واللجنة المشتركة لميزانية الأمن، واللجنة الخاصة لمناقشة قانون جهاز الأمن، وشغل أيضا منصب رئيس مؤتمر حزب الليكود.
وبحلول عام 2003، تولى حقيبته الوزارية الأولى في وزارة الزراعة ضمن حكومة أرييل شارون. وعقب تلك الولاية، بدأت تُوجَّه إلى كاتس اتهامات بالفساد لمحاباته أفرادا من عائلته بمنحهم مناصب حكومية وامتيازات، مستغلا موقعه الوزاري، وكما هو حال نتنياهو شريكه الحالي في الحرب، أفلت من تلك الاتهامات وواصل تقدمه في مناصبه الحكومية متوليا حقيبة المواصلات ثم وزارة الاستخبارات قبل أن يتولى منصب وزير الخارجية لأول مرة عام 2019.
بعدها شغل كاتس حقائب المالية ثم الطاقة والبنية التحتية قبل أن يعود لوزارة الخارجية مجددا مطلع عام 2024. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، عُيَّن كاتس في منصب وزير الدفاع بعد إقالة نتنياهو لسلفه يوآف غالانت.
في رحلته الحافلة بـ"التطرف السياسي"، لم يدّخر كاتس أي فرصة كان يمكنه من خلالها محاولة محو ما هو "عربي" وإثبات ما هو "عبري"، ففور استلامه حقيبة وزارة المواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، أصدر قرارا بتغيير اللافتات على الطرق لتحمل أسماء المناطق بالعبرية، وتكون الترجمة إلى الإنجليزية والعربية حرفيةً عن العبرية، دون كتابة الأسماء العربية الأصلية للمناطق. لكن هذا "العدوان الثقافي" لم يُجْدِ نفعا في منع المقاومين الفلسطينيين من تنفيذ هجمات على تلك الطرق ضد الإسرائيليين؛ جنودا ومستوطنين.
حاول كاتس أيضا من خلال الكنيست تشريع قانون لترحيل عائلات المقاوِمين، عدا عمّا عُرف عنه من تشدد في رؤيته تجاه قطاع غزة بلغت حد الانسحاب من حكومة شارون عام 2004 لدى إعلان الأخير خطة فك الارتباط والانسحاب من القطاع، وحين دار الزمان دورته، عاد كاتس ليهدد بضم أجزاء من قطاع غزة إذا لم تطلق حماس سراح الأسرى في أعقاب السابع من أكتوبر.
وبينما يطلق يديه في كتابة تغريدات التعازي بالجنود القتلى في كمائن المقاومة في قطاع غزة، يصمُّ كاتس أذنيه عن كل النداءات التي يوجهها الجنود ومن خلفهم المجتمع الإسرائيلي استجداءً لوقف الحرب، بدلا من المزيد من تغريدات التعازي التي تُذيل بالخاتمة ذاتها: لتكن ذكراهم مباركة!
وإن بدا كاتس في كلماته متباهيا بصورة لا تتوقف بقوة إسرائيل، فإنه بدلا من مخاطبة مجتمعه المستنزف فيما يخص "قضية الرهائن" وما تبعها من أزمات ولّدتها المواجهة مع إيران، يتجه ليخاطب الفلسطينيين في غزَّة داعيا إياهم للخروج في الاحتجاج لطرد حماس من القطاع في الوقت ذاته الذي يقتل فيه جيشه أسراه ويفشل في استعادتهم، فيما يبدو أنه مستوى جديد من "الفقر الفكري" الذي تواجهه إسرائيل منذ بداية الحرب.
وإمعانا في التردي السياسي، اختار كاتس أن ينسب مطالب إطلاق سراح أسرى الاحتلال إلى عشرات من أهالي بيت لاهيا، الذين ادّعى خروجهم في احتجاج للمطالبة بطرد حماس من غزة والإطلاق الفوري لسراح "الرهائن" الإسرائيليين.
ساطعٌ على السفح.. معتمٌ على القمة
يواجه كاتس في منصبه الجديد تحديات غير مسبوقة في مسيرته المهنية، أظهرت فقره ومحدوديته مقارنة بأسلافه. فما بين حرب لم تتوقف في غزة، وصراع داخلي مستمر منذ أزمة الإصلاحات القضائية، ثم تداعيات فشل السابع من أكتوبر، والسجال حول تجنيد الحريديم والتهديد بحل الكنيست وتحركات المستوطنين بضم الضفة الغربية، وصولا إلى الحرب مع إيران.
هذه المائدة المزدحمة بالقضايا الصعبة لربما كانت تحتاج إلى وزير أكثر خبرة وتمرسا، لكن نتنياهو وحده لم يرَ ذلك. فكل ما يريده رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل هو وزير حربٍ يتناغم مع قراراته بما يُمكِّن نتنياهو من الحفاظ على حكومته، وتمرير القرارات التي يريدها في إدارة الحرب دون أن يواجه شخصيات عسكرية وازنة تعارضه كما كان الأمر في حالة غالانت الذي أُقيل من الحكومة على خلفية دعمه لتجنيد الحريديم.
يُعد الولاء لنتنياهو إذن هو المؤهل الأكبر لكاتس في منصبه الجديد. وفيما يبدو فإن الرجل يعوّض فقره المهني بإطلاق المزيد من تصريحات التهديد والبطش والتخويف شديدة اللهجة، بخلاف تهديده بـ"حرق طهران"، فقد توعد أعداء إسرائيل بقوله: "إذا رفع الأعداء يدا ضد دولة إسرائيل مرة أخرى فسوف تُقْطَع تلك اليد"، فضلا عن استخدامه لغة متعجرفة يحاول من خلالها الإيحاء بأن بقاء الساسة والرموز في المنطقة مرهون بسماح إسرائيل بذلك، ومثال هذا ما قاله حول التهديد باغتيال المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، حيث قال: "رجل كهذا لا يمكن أن نسمح له بالبقاء".
لم تمضِ أيام طويلة حتى أعلن كاتس نفسه أن إسرائيل لم تجد فرصة متاحة لاغتيال خامنئي. ولم يكن المرشد الإيراني وحده الحاضر على قائمة تهديدات كاتس، فقد وجَّه نيران كلماته الغاضبة ضد نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، بقوله: "إسرائيل فقدت صبرها تجاه الإرهابيين الذين يهددونها. إذا ارتكبت أفعال إرهابية، فلن يبقى حزب الله"، كما أطلق تهديدات مماثلة ضد قادة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
هذا الإسراف في التصريحات والتهديدات يُذكِّر بمَثَلٍ فرنسي يقول: "ساطعٌ على السفح، معتمٌ على القمة"، وهو مَثَل استخدمه المنظر الحربي كلاوزفيتز كنايةً عن أن أكثر القادة الحربيين إخفاقا على مدار التاريخ كانوا هم الأكثر تهوّرا في بداياتهم العسكرية.
وهنا تكمن المفارقة التي يجسّدها كاتس باندفاعه في التصريحات، فهو يريد أن يحطم ويحرق ويفعل الأفاعيل بخصومه، بينما لم تتجاوز خدمته في الجيش ثلاثة أعوام هي مدة تجنيده ما بين عامي 1973-1977، التي لم يصل فيها إلى مواقع متقدمة وحساسة عسكريا تؤهله لامتلاك ذلك النوع من الخبرة الذي حازه جنرالات إسرائيليون سابقون ممن شغلوا منصب وزير الدفاع، وأقرب مثال هو سلفه يوآف غالانت الذي يمتلك خبرة عسكرية متقدمة تزيد على خمسة وثلاثين عاما، أي أكثر من عشرة أضعاف تجربة كاتس العسكرية.
وبين ما تفرضه المعركة على الأرض من ظروف متغيرة، وبين التصريحات والتهديدات عالية السقف، يبدو وكأن كاتس يحاول أن يبني مجده العسكري في السبعين من عمره في أكثر مراحل تاريخ إسرائيل حرجا، وهو يفعل ذلك بينما يتلقى مفاجآت عسكرية متتالية ليس فقط على جبهة إيران، ولكن أيضا في قطاع غزة الذي تخوض فيه إسرائيل الحرب منذ أكثر من 20 شهرا دون أي أفق لتحقيق وعود كاتس ونتنياهو بإرجاع الرهائن عبر المزيد من الضغط العسكري.
سيف من خشب
وفي خضم لغة التهديد هذه، لم يفلح كاتس في اتخاذ قرارات على قدر الكلمات التي يطلقها بتمجيد مطلق لقوَّة إسرائيل، كما لا يزال عاجزا عن أن يغرس في جنوده الجرأة على المواجهة في ميدان المعركة بما يكفي لئلا يهربوا بآلية ثقيلة من مقاتل بسلاح بسيط يحاول بيده أن يفتحها، كما ظهر في الفيديو الذي نشرته كتائب القسام لاستهداف حافلة الجنود الصهاينة في خان يونس مؤخرا. وبدلا من ذلك اكتفى وزير الدفاع بتعزية عائلات هؤلاء الجنود عبر حسابه على منصة "إكس"، واصفا إياهم بالمقاتلين الشجعان الذين قُتلوا وهم يدافعون عن دولة إسرائيل ويسعون لتحرير الرهائن.
يحب كاتس التعبير عن نفسه كثيرا عبر مواقع التواصل على ما يبدو، لكن تعليقات الإسرائيليين عليه كثيرا ما تكون صادمة لكبريائه. في تغريدة له عبر حسابه على منصة X حول المواجهة مع إيران، تلقى كاتس العديد من الردود الساخرة من الإسرائيليين، وأخرى كانت لاذعة كتلك التي وصفته بالخادم لمصالح حزبية ضيقة بدلا من أن يكون خادما لمصالح الدولة العليا. وتساءلت صاحبة التغريدة ذاتها متهكمة: "مَن أنت؟ معلق على الإنترنت؟ إنك وزير الدفاع بحق السماء!".
لا تقتصر ردود الأفعال ضد كاتس على مواقع التواصل، لكنها تضرب صفوف الجيش الذي يقوده. ففي مطلع يونيو/حزيران الحالي، نشرت "الغارديان" البريطانية تقريرا قالت فيه إن أربعين ضابطا في الجيش أرسلوا رسالة إلى نتنياهو يرفضون فيها الاستمرار في الخدمة في الحرب الأبدية التي يخوضها ضد قطاع غزة، لأنهم يرون أنها لا تهدف إلا لاستمرار نتنياهو في الحكم، ولم يعلق كاتس على تلك الرسالة.
يرى كاتس ويسمع ما يقوله ضباط وجنود جيشه الغاضبون، ومنهم أعضاء في وحدة 8200 الأكثر نخبوية في الجيش، حيث يقولون: "قد قُتل بالفعل العديد من الرهائن جراء تفجيرات جيش الدفاع الإسرائيلي.. فيما تواصل الحكومة التضحية بحياتهم"، لكنهم لا يملكون القدرة أو الصلاحية للإجابة عن مطالبتهم. بخلاف تبعيته المطلقة لنتنياهو شبرا بشبر وذراعا بذراع، فإن رجل الحروب في إسرائيل اليوم هو صاحب أيادٍ ناعمة اعتادت نعيم الحياة الدبلوماسية، حيث ربطات العنق والياقات المكوية بعناية، أكثر مما ألفت الإمساك بالسلاح في الميدان.
بينما يتخذ من موقعه الوزاري أداة لتحقيق إملاءات نتنياهو لاستمرار القتال، يواصل الجيش تحت قيادة كاتس خسارة جنوده في جبهات القتال بينما تضربه الانقسامات والدعوات لوقف الحرب، ويتمزق من خلفها المجتمع الإسرائيلي بأسره. وعلى نحوٍ ما، فإن هذا يُذكِّر بما أورده "جايمس غليك" في كتابه "نظرية الفوضى"، مقتبسا أغنيةً فولكلوريةً أميركيةً تقول: "بسبب مسمارٍ سقطت حدوة حصانٍ، وبسبب حدوةٍ تعثّر حصانٌ، وبسبب حصانٍ سقط فارسٌ، وبسبب فارسٍ خُسِرت معركةٌ، وبسبب معركةٍ فُقِدت مملكةٌ"، مبرهنا أنه "في العلم، كما في الحياة، فالحوادث المُتسلسلة تصل إلى نقطةٍ حرجة، بحيث يتضخّم بعدها أثر الأشياء الصغيرة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مجموعة السبع تدعو إلى استئناف المحادثات بشأن نووي إيران
مجموعة السبع تدعو إلى استئناف المحادثات بشأن نووي إيران

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

مجموعة السبع تدعو إلى استئناف المحادثات بشأن نووي إيران

أعلن وزراء خارجية دول مجموعة السبع في بيان مشترك الاثنين، دعمهم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وطالبوا باستئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج طهران النووي. وجاء في بيان الوزراء "ندعم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران وندعو لاستئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نووي". وطالب البيان بمفاوضات تؤدي إلى اتفاق شامل وقابل للتحقق ودائم بشأن البرنامج النووي الإيراني. وقال وزراء مجموعة السبع "نؤكد دعمنا أمن إسرائيل". في سياق متصل قال مندوب إيران بالأمم المتحدة، إن استناد واشنطن للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير الهجوم علينا تحريف للقانون. وأضاف أن الهجوم الأميركي على "منشآتنا النووية عمل عدواني مخالف لميثاق الأمم المتحدة". وطالب الدبلوماسي الإيراني بإجراءات تنفيذية بموجب الفصل السابع لمحاسبة أميركا وإسرائيل. وكانت إسرائيل شنت عدوانا جويا على إيران في 13 يونيو/حزيران، حيث قصفت العديد من المنشآت النووية والقواعد العسكرية وحتى المرافق المدنية، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى، منهم كبار القادة العسكريين. وفي المقابل، ردت إيران بضربات صاروخية استهدفت مناطق حساسة في إسرائيل، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى وأكثر من 3 آلاف جريح. وقد تدخلت الولايات المتحدة في الحرب إلى جانب إسرائيل واستهدفت 3 منشآت نووية في إيران في 22 يونيو/حزيران. وتحت ضغط أميركي توصلت إيران وإسرائيل لاتفاق لوقف إطلاق النار في 24 يونيو/حزيران.

كيف تخبرنا حرب إيران وإسرائيل بقرب انتهاء المشروع الصهيوني؟
كيف تخبرنا حرب إيران وإسرائيل بقرب انتهاء المشروع الصهيوني؟

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

كيف تخبرنا حرب إيران وإسرائيل بقرب انتهاء المشروع الصهيوني؟

عمليًا توقفت الحرب الإسرائيلية الإيرانية يوم الثلاثاء 24 يونيو/ حزيران 2025 بعد إعلان دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين الطرفين، مباشرة بعد أن شنت الولايات المتحدة الأميركية قصفًا جويًا مكثفًا على أهم المفاعلات النووية الإيرانية، وهي: نطنز وفوردو وأصفهان، أحدث فيها دمارًا كبيرًا حسب الرواية الأميركية، وبعد أن قصفت إيران قاعدة العديد القطرية، بعد إخطار مسبق لأميركا وقطر. وبعيدًا عن خلفيات ومرجعيات هذه العمليات العسكرية، خاصة في ظل نفي إيران النيل من ترسانتها من اليورانيوم المخصب، وفي غياب الإعلان من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وجود إشعاعات في منطقة المفاعلات، مما ينفي تدمير اليورانيوم الذي قيل إنه تم نقله إلى مناطق أخرى، وفي ظل وجود تسريب لخبر عمليات القصف الأميركية على إيران حسب وزير الدفاع الأميركي، فإن المؤكد من خلال التحقيقات الصحفية الغربية ذاتها، أن إسرائيل توسلت بشكل سري من أطراف عربية وغربية، ضرورة السعي لوقف الحرب لما أحدثته من دمار كبير في تل أبيب، وحيفا، وعين السبع، ومناطق إسرائيلية أخرى. ولكن دون أن تتضح صورة هذه الحرب بالوكالة وتحديد المنهزم من المنتصر، ما دام الدمار والخسائر شملا الدولتين معًا، إذ يبدو أن ما أسفرت عنه المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران استوت فيه الهزيمة بالنصر لكلا الطرفين، إلا أن هذه الحرب من منظور إسرائيلي محض حققت عددًا من الإنجازات العسكرية، ولكنها حققت في المقابل إخفاقات سياسية وإستراتيجية، وإخفاقات عسكرية واضحة، خاصة فيما يتعلق بالقدرة الدفاعية الإسرائيلية. الشيء نفسه ربما ينطبق على الطرف الإيراني، وإن كانت الكفة الإيرانية راجحة، رغم فقدانها قادةً عسكريين من الصف الأول وعلماء ذرة كبارًا، لكونها استطاعت أن تواجه تحالفًا غربيًا وليس فقط إسرائيل، سواء بمد إسرائيل بالسلاح والعتاد، أو بالمعلومات الاستخبارية، أو بالضغط الدبلوماسي عبر الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما استطاعت أن تعري الجيش الإسرائيلي وأنظمته الدفاعية، كما فككت وهْم أقوى الجيوش والهيمنة والقوة الإسرائيلية بالمنطقة، وهذا وحده انتصار على المستوى الرمزي في تعضيد وتقوية السردية العربية الإسلامية المناهضة للصهيونية والاستعمار بشتى أشكاله المعاصرة. وتسنيد لسردية المقاومة بشكل غير مسبوق. من المؤكد أن المواجهة العسكرية قد انتهت مرحليًا، لتبدأ جولات من المفاوضات على قاعدة توازن الضعف الإستراتيجي بين إيران وإسرائيل، فإسرائيل لا يمكنها أن تصبح قوة إقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط، وإيران لا يمكنها أن تكون كذلك، وهو توازن يشمل أيضًا توازن القوى، أو ما تبقى منها، لصالح الهيمنة الأميركية وتحكمها في مصير الشرق الأوسط إلى حين، لأن من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية أن تبقي تحت مراقبتها توازنًا للقوة والضعف بين إسرائيل وإيران؛ خشية أن يدخل الصراع بينهما أطوارًا أخرى تبدأ على قاعدة تغيير الإستراتيجيات، بالنظر إلى كون إسرائيل تتوعد بمتابعة النَّيل من قوة إيران الإقليمية ومن نظامها السياسي، وإعلان إيران انسحابها من معاهدة الأسلحة النووية وعدم السماح للوكالة الذرية بالدخول إلى إيران. وعدم تنازلها أو تراجعها عن مقومات بلادها الدفاعية من الصواريخ الباليستية. ضمن هذا السياق، يبدو أن الصراع القادم، وهو صراع قديم حديث، سيتخذ أبعادًا سردية، حيث تعارض السرديات وصراعها هو ما سيغذي العلاقات بين إيران وإسرائيل والغرب من ورائها. فهناك سردية المقاومة والممانعة ورفض الاستعمار والاستيطان والاحتلال، في مقابل سردية الغرب الذي يزعم الدفاع عن الحق والعدل والسلم العالمي، ونشر الحضارة، والإنسانية والتقدم. لذلك، فالانتصار القادم ستحدده السردية التي سوف تنتصر. وإذا استحضرنا الدراسات الثقافية والديكولونيالية، يتضح أن انتصار السرديات من عدمه يتحدد بالعوامل الداخلية، أكثر من العوامل الخارجية، فكيف سيكون مآل السردية الغربية والإسرائيلية تحديدًا على وقع انتشار أصوات يهودية تنتقد علنًا وبصوت قوي السردية الإسرائيلية الصهيونية، والتي تشكلت كتيار مناهض منذ نكبة 1948، تاريخ تأسيس إسرائيل، والتي تقوَّت بشكل لافت فيما بعد، وإن كانت قد اتخذت أبعادًا دولية بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خاصة بعد الانقلاب الكبير الذي عرفه الوعي العالمي والغربي لما أحدثته إسرائيل منذ ما يقارب السنتين من دمار وتقتيل وإبادة جماعية لشعب أعزل، شملت الأطفال والشيوخ والنساء والرجال المدنيين العزل، كما شملت الحجر والشجر وكل كائن حي فوق أرض غزة. هذا التيار، من خلال بعض ممثليه، اعتبر أيضًا أن الحرب الإسرائيلية الغادرة على إيران حلقة من حلقات التغول الصهيوني وحلقة من سلسلة الصهيونية العالمية، وأن الخاسر الأكبر هو الشعب اليهودي، الذي بدا وكأن حكومة نتنياهو باتت تضحي به وبمستقبل السلم والسلام بالمنطقة من أجل أهداف سياسية شخصية، ووعود زائفة بأرض الميعاد، وأحلام صهيونية استعمارية ترتكز على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والميز العنصري المطبق على تشكيلات اليهود الإثنية، وعلى الفلسطينيين من عرب الداخل في الوقت نفسه. الصراع الإسرائيلي الإيراني على ضوء التاريخ يستدعي الحديث عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية استحضار التاريخ المعقد بين إسرائيل وإيران، من منطلق أن العلاقة بين الدولتين عرفت مدًا وجزرًا على امتداد تاريخ إسرائيل، فالتوترات العسكرية ابتدأت مع بداية الصراع مباشرة بعد سقوط نظام الشاه بهلوي عقب الثورة الإسلامية سنة 1979، خاصة أن نظام الشاه كان مواليًا للغرب، وأحد أذرعه في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي، فالصراع يتخذ أبعادًا دينية واضحة، وإن كان يخفي صراعًا حول المصالح في منطقة شديدة الخصوصية والثراء. فمن صداقة وتبعية أيديولوجية للغرب، بزعامة أميركا في ظل نظام الشاه، إلى صراع خفي تارة، وواضح للعلن تارة أخرى، ظلت إسرائيل تنظر بعين الشك والريبة والرفض للدولة الإسلامية الناشئة مباشرة بعد ثورة الخميني. وإذا كانت السنوات الفاصلة بين 1948 تاريخ نشأة إسرائيل بقرار جائر من الأمم المتحدة، مقابل حل الدولتين الذي لم يحصل أبدًا بسبب استهتار إسرائيل، بدعم غربي- أميركي- بالقانون الدولي، دخلت هذه الأخيرة في صراع مع العالم العربي بسبب القضية الفلسطينية، والاحتلال الاستيطاني الذي ترافق بكل أشكال الإبادة العرقية والتجويع والتهجير، فإن نظام الشاه كان بعيدًا عن هذا الصراع، بل مناصرًا لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، إذ لم يكن لإيران أي دور أو وجود في الصراع العربي الإسرائيلي في سنوات حروب: 1956- 1967- 1973، بيدَ أن الأمر سيختلف جذريًا بعد سنة 1979. من هنا تحوّل الموقف الإسرائيلي من إيران رأسًا على عقب. وهو تحول ابتدأ بشيطنة نظام الخميني وولاية الفقيه؛ بسبب رؤيته المناصرة للقضية الفلسطينية. هكذا، نشأت حرب باردة بين الدولتين، كتجلٍّ حقيقي للحرب الباردة بين القطبين: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، وهو ما استمر إلى حدود التسعينيات من القرن الماضي، خاصة بعد سقوط جدار برلين وانهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، خاصة أن إيران الثورة الإسلامية كانت حليفًا إستراتيجيا للاتحاد السوفياتي، وفيما بعد لروسيا وريثة هذا القطب، مقابل عداء مستحكم للولايات المتحدة الأميركية وللغرب بشكل عام. وبالرغم من أن إيران لم تشكل يومًا تهديدًا مباشرًا لإسرائيل ولا لأميركا، ولم يكن في حسابها العمل على زوال دولة إسرائيل، بقدر ما كانت مناصرة للقانون الدولي وساعية إلى إنصاف الفلسطينيين بنفس قدر مناصري القضية من مختلف بلدان العالم المطالبة باحترام القانون الدولي، فإن الصراع مع إسرائيل لم يكن صراعًا دينيًا مع اليهود، بدليل وجود طائفة يهودية كبيرة في إيران، بقي بعضها مستقرًا ببلاد فارس حتى بعد قيام الثورة الإسلامية، بل كان صراعًا ضد الصهيونية العالمية، وضد الأطماع الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، وهنا افترقت السبل بين عهدَين ونظامَين في إيران، لتصبح بالنهاية جزءًا من الصراع العربي الإسلامي ضد إسرائيل. وهكذا، نشأ الصراع بين إيران وإسرائيل في الثمانينيات والتسعينيات، واشتدت حدته في الألفية الجديدة على قاعدة عداء سياسي وتوترات عسكرية وهجمات إلكترونية وحرب بالوكالة، وهو ما دفع إيران إلى العمل على صناعة أذرع أيديولوجية كامتداد للثورة الإسلامية في المنطقة، من خلال أحزاب تابعة لإيران في لبنان، وسوريا، واليمن، والعراق. وهنا منشأ الخطأ الإستراتيجي لإيران في خلق توترات إقليمية مع العالم العربي، وهي توترات غذتها السردية الغربية بامتياز، من جهة، ورغبة إيران في تصدير الثورة الإسلامية إلى العالم العربي من جهة أخرى، حيث دعمت إيران حزب الله في لبنان الذي سيصبح العدو رقم واحد لإسرائيل التي اعتبرت إيران أكبر تهديد أيديولوجي وإستراتيجي بعد نهاية الحرب الباردة. وهو ما دفعها لدعم الأكراد في إيران، أو العراق ضد النظام الإيراني، وعارضت أي نفوذ إيراني في سوريا ولبنان. لكن حدة الصراع سوف تشتد بعد أن أعلنت إيران تطوير برنامجها النووي المدني، بدعوى سعيها للحصول على أسلحة نووية حوالي 2004، لتقوم إسرائيل سنة 2010 بإطلاق فيروس ستوكسنت، وهو فيروس حاسوبي يُدمر أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية بدعم استخباراتي وتكنولوجي أميركي، لتتوالى بعدها، أي ما بين 2025-2020، الهجمات الإلكترونية، واغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين، وضربات لقواعد إيرانية في سوريا ولبنان… إلخ، وهو ما دفع إيران لتقوية تحالفها الإستراتيجي مع حزب الله، والمليشيات الشيعية العراقية، والحوثيين في اليمن. بيد أن سلسلة الاغتيالات -التي تنتهك القانون الدولي- لقادة عسكريين إيرانيين ستتخذ منحًى تصعيديًا غير مسبوق، ابتدأ باغتيال الجنرال قاسم سليماني ولم ينتهِ باغتيال الصف الأول من القادة العسكريين والعلماء في حرب يونيو/ حزيران 2025، خاصة بعد أن انحازت إيران، علنًا، لدعم القضية الفلسطينية في حرب غزة مباشرة بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث أدت هذه الحرب إلى اتساع نطاق الصراع. مفكرون يهود ضد الأطماع الصهيونية لم تنشأ الصهيونية العالمية وتبريرها الاستشراقي- الاستيطاني لقيام دولة إسرائيل على حساب فلسطين الأرض والشعب والتاريخ، إلا ونشأ ضدها فكر تنويري عالمي تحرري، تشكل من عدد من المفكرين اليهود أنفسهم، ظلوا يناضلون ضد الصهيونية، خاصة بعد نكبة 1948 وما تلاها من حروب وعدوان إسرائيلي على العالم العربي والإسلامي. ومن بين هؤلاء المفكرين نجد ألبرت أينشتاين، الذي كان داعية سلام ملتزمًا، وكثيرًا ما حذّر من مخاطر الأسلحة النووية، ودعا إلى حلول عادلة مع المجتمعات العربية، وسيغموند فرويد الذي رفض التوقيع على عريضة تطالب بوطن يهودي في فلسطين، معتبرًا أن المنطقة لا يمكن أن تصبح أبدًا دولة يهودية، في حين انتقدت، بشكل كبير، الفيلسوفةُ حنة أرندت استخدام المشاعر المعادية للسامية كمبرر للمشروع الصهيوني، مفككة الزعم الواصل بين الصهيونية ومعاداة السامية، حيث هناك فرق كبير بينهما. وهو ما ذهب إليه أيضًا الفيلسوف واللساني العالمي اليهودي نعوم تشومسكي الذي ألّف كثيرًا في القضية الفلسطينية مفككًا مزاعم الصهيونية الإسرائيلية إلى جانب المؤرخ إيلان بابيه، في حين كان نورمان فينكلشتاين من أشد منتقدي السياسات العسكرية الإسرائيلية، ولم يتوقف عن الدعوة إلى السبل الدبلوماسية والقانونية، منبهًا إلى ضرورة احترام الشرعية الدولية، فيما وصف ريتشارد فالك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة، بعض السياسات الإسرائيلية بأنها "جرائم ضد الإنسانية" وانتقد بشدة نهجها العسكري. وإذا كان الفيلسوف الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتش ندد بالاحتلال ووصفه بأنه "نازي"، ودعا الجيش إلى ضرورة عصيان كل الأوامر غير الأخلاقية فيما يتعلق بالإبادة الجماعية للفلسطينيين، فقد وصف الفيلسوف وعالم الرياضيات موشيه ماخوفر الصهيونية بأنها مشروع استعماري، وعارض بقوة الحلول العسكرية. وعلى نفس المنوال رفض الحاخام الإصلاحي وأحد مؤسسي المجلس الأميركي لليهودية إلمر بيرغر القومية اليهودية والمشروع الصهيوني، وهو ما يوافق في العمق رؤية آرون صموئيل تاماريس وآخرين كثرٍ من قبيل أبراهام مليستر، وسيغموند باومان… إلخ. كلها أصوات شكلت تيارًا قويًا ضد الصهيونية وضد إسرائيل العسكراتية، ولم تتوقف عن الدعوة إلى التخلي عن الأحلام الصهيونية والاستعمارية الاستيطانية، مناصرة علنًا، ودون مواربة، السلم والسلام ومفككة المزاعم الإسرائيلية، ومن ثم السردية الغربية. هذه الدعوات لا تنفصل عن البعد الأخلاقي لليهودية التي اعتبرها هذا التيار الكبير والقوي ضحية للصهيونية والإمبريالية المتجددة، ومزاعم واهية تنال من الإنسانية بشكل عام. وإذا كان النقد الأيديولوجي والأخلاقي للقومية اليهودية (حنة أرندت، ألمر بيرغر، يشعياهو ليبوفيتش)، وصولًا إلى المعارضة السياسية للأساليب العسكرية (نعوم تشومسكي، ريتشارد فولك، دانيال ماشوفر)، وسياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين والتضحية باليهود على أعتاب الصهيونية (مارك إيليس، يعقوب كوهين، عيكا إلدار)، فإن الأمر لم يتوقف عند حرب غزة وباقي حروب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وضد أطماع الصهيونية في إسرائيل الكبرى، أو الشرق الأوسط الجديد، بل استمر هذا التيار، من خلال ممثليه ومن ينتمي إليه من دعاة السلام ومناهضي الصهيونية في التعبير عن معارضتهم الشديدة وتنديدهم بإسرائيل العسكراتية وباليمين المتطرف في حرب إسرائيل الأخيرة ضد إيران. وإذا كانت غزة قد أسقطت كل الأقنعة والزيف عن الغرب وإسرائيل، فإن ذلك قد أحدث انقلابًا كبيرًا في رؤى مفكرين ومثقفين ومؤرخين ممن ناصروا قبلًا إسرائيل وناضلوا من أجلها، ومن بينهم المفكر والمحلل السياسي اليهودي بيتر بينارت، الذي أعلن انقلابه الفكري في تصريحات خاصة لشبكة "سي إن إن " الأميركية، معتبرًا أن وجهة نظره تغيرت بشأن الحرب الإسرائيلية، بعد إيمانه في وقت سابق بأن إسرائيل "تناضل" من أجل البقاء. ذلك أن وجهة نظره تغيرت تجاه إسرائيل، بعد اليوم الأول الذي قضاه رفقة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، موضحًا أن الظروف التي يعيش فيها الفلسطينيون "أكثر وحشية" مما يتخيل. وقد أصدر منذ أسابيع كتابًا مزلزلًا بعنوان: " أن تكون يهوديًا بعد دمار غزة: مراجعة أخلاقية"، معلنًا التمرد الأخلاقي على السردية الصهيونية. وفي ندوةٍ عقدها طلبة جامعة "برنستون" الأميركية، نهاية السنة المنصرمة، اعتبر المفكر والمؤرخ الأميركي اليهودي المناهض لسياسة الاحتلال، نورمان فنكلستين أن إسرائيل تواجه أزمة وجود لأول مرة منذ نشأتها، حيث اعتبر أنها عطلت كل الحلول الممكنة، وقوضت كل الآمال في حياة سلمية مع العالم العربي والإسلامي، معتبرًا إياها تعاني من أزمة وجودية شرعية.

محللون: ترامب يقايض نتنياهو بالعفو لإنهاء الحرب وإنقاذ مستقبله السياسي
محللون: ترامب يقايض نتنياهو بالعفو لإنهاء الحرب وإنقاذ مستقبله السياسي

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

محللون: ترامب يقايض نتنياهو بالعفو لإنهاء الحرب وإنقاذ مستقبله السياسي

بينما تزداد الضغوط الدولية لإنهاء الحرب على قطاع غزة ، تبرز ملامح صفقة غير تقليدية تتداخل فيها الحسابات السياسية مع الملفات القضائية، حيث يطرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، خيار العفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كأداة ضغط لينهي الحرب، في معادلة يصفها محللون بـ"المقايضة الكبرى". وضمن هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس مئير مصري، أن الحديث عن عفو محتمل ليس سابقة في السياسة الإسرائيلية، مستبعدا أن يكون له تأثير جوهري على مسار القضاء. لكنه في الوقت نفسه لم يُخف – خلال مشاركته في برنامج مسار الأحداث، امتعاضه من تدخل ترامب، واصفا تغريداته بأنها لا تتجاوز استعراضا شعبويا يفتقر إلى الجدية، رغم ما تمنحه من زخم إعلامي للمسألة. وداخل إسرائيل، لا يبدو المشهد القانوني أقل تعقيدا، فمحاكمة نتنياهو -المطلوب كذلك للمحكمة الجنائية الدولية – التي أُجلت لأسباب وُصفت بأنها أمنية، لا تزال قائمة، رغم ما نُقل عن وساطات سرية لإنهائها، كما أن القضاء رفض تأجيل شهادته إلى أجل غير مسمى، وأكدت النيابة العامة أن وقف المحاكمة لا يتم إلا بطلب رسمي لم يُقدَّم بعد. قناعة سياسية في تحليل أوسع، يرى الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن تحرك ترامب لا يُفسَّر بدافع شخصي تجاه نتنياهو، بل يستند إلى قناعة سياسية مفادها، أن إنهاء الحرب في غزة يمر بتسوية قضائية ترفع عن نتنياهو أعباء المحاكمة. ويشير في حديثه إلى برنامج "مسار الأحداث" إلى أن هذه القناعة دفعت ترامب إلى استخدام نفوذه بهدف الضغط على المؤسسة الإسرائيلية، حتى لو تطلّب الأمر التلويح بورقة المساعدات العسكرية كأداة ضغط في هذا المسار. ورغم غرابة الطرح، يرى مصطفى، أن هناك تيارات داخل الحكومة الإسرائيلية تتعامل معه بواقعية، بل وربما بترحيب، في ظل تصاعد الخسائر وتعثر الحملة العسكرية. ومن أبرز هؤلاء، بحسب تقديره، يظهر نتنياهو نفسه بوصفه الأكثر حرصًا على الخروج من الحرب بسيناريو سياسي آمن يعيد ترتيب الأوراق الداخلية قبل خوض أي استحقاق انتخابي قادم. وينتظر أن تحسم زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى واشنطن ملامح "المرحلة التالية"، سواء على صعيد الحرب أم ملف المحاكمة. فواشنطن، وفق المتحدثة باسم البيت الأبيض، تُكثف اتصالاتها مع تل أبيب، في وقت يستعد فيه نتنياهو للقاء ترامب ومسؤولين أميركيين على أمل إيجاد صيغة تحفظ ماء وجه الجميع. ضغوط داخلية وبينما تتصاعد وتيرة المباحثات، لا تغيب الضغوط الداخلية، حيث باتت أصوات بارزة من داخل المعارضة الإسرائيلية –مثل يائير لبيد وأفيغدور ليبرمان– تُجاهر بأن الحرب فقدت معناها، وأن لا إستراتيجية واضحة في غزة، بل ربما أصبحت عبئا على إسرائيل أكثر مما هي رصيد. ورغم تأكيد مئير مصري على أن وقف القتال لا يُعد تنازلا، بل فرصة لـ"إعادة بسط السيطرة على غزة عقودا"، فإن تعليقاته تعكس عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، فرؤية الجيش والأجهزة الأمنية لما يجري في القطاع لا تتطابق بالضرورة مع طروحات التيار الديني القومي المتشدد. بدوره، يوضح المسؤول الأميركي السابق توماس واريك، أن إدارة بلاده ترى في إنهاء الحرب فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في إسرائيل وفلسطين معا، لكنه يشير إلى أن العائق الحقيقي يتمثل في غياب توافق حول "اليوم التالي لغزة"، خاصة أن حركة حماس ترفض أي صيغة تُقصيها من المشهد كليا. ومع أن تصريحات واريك تحمل نبرة تفاؤل حذرة، فإنه لا يخفي أن ترامب يحاول الاستثمار في ورقة نتنياهو لتحسين فرصه الانتخابية، تماما كما يفعل الأخير في الداخل الإسرائيلي، فكل منهما يحتاج الآخر، لكن كلٌ على طريقته. وفي ظل هذا التداخل بين المصالح، يرى مهند مصطفى، أن صفقة وقف الحرب قد تمر على مرحلتين: الأولى عبر مقترح مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ، الذي يفتح نافذة لبدء مباحثات. أما المرحلة الثانية، فتتمثل حسب مصطفى في وقف كامل لإطلاق النار بحلول نهاية عام 2025، يعقبه الذهاب إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل مطلع عام 2026، محمّلة بـ"إنجازات إستراتيجية" يعرضها نتنياهو على ناخبيه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store