logo
«الداخلية» السورية لـ«الشرق الأوسط»: إعادة سلطة القانون تفرض سحب السلاح وتوحيد القوة بيد الدولة

«الداخلية» السورية لـ«الشرق الأوسط»: إعادة سلطة القانون تفرض سحب السلاح وتوحيد القوة بيد الدولة

الشرق الأوسطمنذ 9 ساعات
حملت دمشق «التيارات الانعزالية» في السويداء المسؤولية عما يحصل هناك، وذلك لرفضها الحوار ومحاولتها مصادرة القرار السياسي والعسكري، وفرض خطاب يُقصي الآخرين ويضع المحافظة في حالة عداء مفتعل مع الدولة السورية.
وكانت المواجهات التي اندلعت أمس الأحد، بين مسلحين من الطائفة الدرزية والعشائر البدوية هي أول عنف طائفي داخل المدينة نفسها، بعد توتر واسع النطاق نشب على مدى شهور في المحافظة.
وأسفرت المواجهات التي لا تزال متواصلة عن مقتل 89 شخصاً في المحافظة الواقعة بجنوب سوريا، فيما أعلنت وزارة الدفاع السورية سقوط 18 من قوات الجيش في هجمات مسلحة على نقاط عسكرية.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه «التيارات تحاول احتكار التمثيل، وتمنع أي انفتاح وطني جامع، وتضغط على الأفراد تحت شعارات لا تمثل المصلحة العامة، بينما الحل الحقيقي يكمن في فتح مسارات الحوار مع كل المكونات، وتمكين المؤسسات من أداء دورها، ورفع الصوت المدني الحقيقي في وجه خطاب الفوضى والعنف».
المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا
وبدأت القوات السورية بالانتشار في السويداء، الاثنين، مع تواصل الاشتباكات الدامية التي اندلعت، الأحد، بين فصائل محلية في السويداء ومجموعات مسلحة من عشائر البدو. وأعلنت وزارة الداخلية تدخلها المباشر «لفض النزاع» ووضع خطة لفرض الأمن وسحب السلاح المنتشر في المحافظة، وسط اتهامات من بعض الجهات في السويداء بأن دمشق تسعى لاستغلال التوتر العسكري لفرض سيطرتها على المحافظة.
ورد نور الدين البابا على تلك الاتهامات بالتأكيد على أن تدخل الدولة في السويداء ليس بدافع السيطرة، بل بدافع حماية المواطنين وإعادة الاعتبار للقانون، مؤكداً وقوف الحكومة على مسافة واحدة من جميع أبناء الشعب السوري، والتعامل وفق «معايير السيادة، والشرعية، والقانون»، بقوله: «إن إعادة سلطة القانون تقتضي سحب السلاح من الجميع، دون استثناء، وتوحيد القوة بيد الدولة فقط؛ لأنها الضامن الوحيد لوحدة التراب السوري».
وحول المقصود بتوصيف «المجموعات الخارجة عن القانون»، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية إن توصيف الدولة السورية لأي «مجموعات خارجة عن القانون»، لا ينبع من هوية طائفية أو عشائرية أو مناطقية، بل «يُبنى على أساس قانوني ووطني بحت». مؤكداً على أن هذا التوصيف لا يميز بين مكوّن وآخر، بل يعكس التزام الدولة بحماية النظام العام وضمان أمن المواطنين.
أحد أفراد قوات الأمن السورية يعبر سيارة محترقة في منطقة المزرعة إثر اشتباكات بين عشائر بدوية ومقاتلين محليين من السويداء (أ.ف.ب)
ومن هذا المنطلق، يتابع البابا، فإن الحكومة «تقف على مسافة واحدة من جميع أبناء الشعب السوري، وتتعامل مع الجميع وفق معايير السيادة، والشرعية، والقانون، لا وفق الاعتبارات الفئوية أو المناطقية التي يسعى البعض لفرضها في الخطاب العام. وإن الانحياز الوحيد الذي تعبّر عنه الدولة هو انحيازها للمواطن المدني، المسالم، الذي يطالب بالأمان والكرامة في ظل مؤسسات دولته».
كما أوضح أن عملية سحب السلاح ستشمل «كل ما يوجد خارج إطار مؤسسات الدولة، أياً كانت الجهة التي تحمله» بوصفه «سلاحاً غير شرعي، ويُعد تهديداً لوحدة البلاد وسلامة مجتمعها»، وبالتالي، فإن الدولة ترفض بشكل قاطع أي وجود مسلح مستقل، سواء كان لفصائل عشائرية أو لفصائل محلية، تحمل طابعاً مذهبياً أو سياسياً، حتى ولو ادعت تأييدها للدولة. مع التأكيد أن «الحفاظ على السلم الأهلي، ومنع اندلاع الفتن الداخلية، وإعادة سلطة القانون، تقتضي سحب السلاح من الجميع، دون استثناء، وتوحيد القوة بيد الدولة فقط؛ لأنها الضامن الوحيد لوحدة التراب السوري».
مظاهر مسلحة بين الأهالي في السويداء جنوب سوريا (أرشيفية - السويداء 24)
وأضاف المتحدث باسم وزارة الداخلية أن «ما تشهده السويداء من اضطرابات واشتباكات وسقوط ضحايا أبرياء فرض على الدولة مسؤولية لا يمكن تجاهلها، فتدخل الدولة لم يكن بدافع السيطرة، بل بدافع حماية الناس، وإعادة الاعتبار للقانون وإنهاء مظاهر الفوضى التي تسببت في تهجير السكان، وتهديد نسيج المنطقة». محملاً من أسماهم «بعض التيارات الانعزالية» في السويداء المسؤولية لرفضها الحوار، و«محاولتها مصادرة القرار السياسي والعسكري في السويداء، وفرض خطاب يُقصي الآخرين»، معتبراً أن ذلك «يضع المحافظة في حالة عداء مفتعل مع الدولة السورية».
وجاءت دعوة الحكومة للحوار متوافقة إلى حد كبير مع ما جاء في بيان صدر، الاثنين، عن دار الإمارة في قرية عرى من الأمير أبو يحيى حسن الأطرش، دعا فيه إلى إنهاء الاقتتال الداخلي وعدم الانجرار وراء الفتن. كما طالب بمنح فرصة حقيقية للحوار وفرض الأمن من خلال التواصل مع الدولة ومشايخ العقل ووجهاء المنطقة للتوصل إلى حل يرضي الجميع.
إلا أن الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في السويداء نحت نحو التصعيد معلنة رفض دخول أي جهات إلى المنطقة، ومنها «الأمن العام السوري وهيئة تحرير الشام»، بحسب بيان صادر عنها، يوم الاثنين، مع توجيه اتهام مباشر لتلك الجهات بالمشاركة في قصف القرى الحدودية مع درعا ومساندة مجموعات وصفتها بـ«التكفيرية»، باستخدام أسلحة ثقيلة وطائرات مسيّرة، محملة كامل المسؤولية «لكل من يساهم في الاعتداء أو يسعى لإدخال قوى أمنية إلى المنطقة»، وفق البيان. مع تأكيد المطالبة بالحماية الدولية الفورية كحق لحماية المدنيين وحقناً للدماء.
جلسة جمعت الرئيس السوري مع وفد من محافظة السويداء مارس الماضي (الرئاسة السورية)
يشار إلى أن عدداً من الفصائل المحلية في السويداء ومجموعات من الأهالي، كانت قد فتحت حواراً مع دمشق وتم التوصل إلى اتفاق يقضي بانضمام أبناء السويداء إلى قوى الأمن العام، أول مايو (أيار)، إلا أن فصائل وتيارات أخرى عارضت الاتفاق، ما ساهم في خلق أجواء غير إيجابية بين الحكومة السورية وبعض المرجعيات الدينية والاجتماعية في السويداء.
ولا تزال الاشتباكات متواصلة في بعض القرى في ريف محافظة السويداء الغربي، بحسب ناشط مدني في السويداء لـ«الشرق الأوسط»، قال إن هناك «محاولات لتقدم قوات وزارة الدفاع في ريف السويداء الغربي، ويجري استخدام أسلحة متوسطة وثقيلة، متهماً الحكومة بالتدخل لمساندة المجموعات المهاجمة من أبناء البدو».
انتشار الجيش السوري وقوات الأمن في السويداء جنوب سوريا الاثنين (سانا - أ.ف.ب)
وحول أسباب انفجار التوتر في السويداء، قال الناشط إن الأشهر الماضية شهدت تكراراً للانتهاكات على طريق دمشق - السويداء وريف السويداء الغربي، من قبل عناصر منتسبة للأمن العام ووزارة الدفاع، غالبيتهم من أبناء البدو ومن أبناء درعا من الذين عادوا من الشمال السوري. بحسب تعبيره، وتفاقمت الانتهاكات في الأسابيع الأخيرة، آخرها الاعتداء على تاجر خضار وسلبه سيارته من قبل مجموعة مسلحة، حصلت بعدها عمليات خطف متبادل واشتباكات بهدف الضغط لإطلاق سراح المخطوفين، إلا أن التصعيد انفجر.
وكان وزير الداخلية، أنس خطاب، قد عزا التصعيد الخطير في السويداء إلى غياب المؤسسات الرسمية المعنية عن السويداء، وقال في منشور له عبر منصة «إكس»: «يأتي هذا التصعيد الخطير في ظل غياب المؤسسات الرسمية المعنية، ما أدى إلى تفاقم حالة الفوضى وانفلات الوضع الأمني، وعجز المجتمع المحلي عن احتواء الأزمة رغم الدعوات المتكررة للتهدئة، وقد أسفر ذلك عن ارتفاع عدد الضحايا وتهديد مباشر للسلم الأهلي».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل ماتت الجماعات... أم ستُبعثُ من مراقدها؟
هل ماتت الجماعات... أم ستُبعثُ من مراقدها؟

الشرق الأوسط

timeمنذ 6 ساعات

  • الشرق الأوسط

هل ماتت الجماعات... أم ستُبعثُ من مراقدها؟

من يراهن على نهاية الميليشيات والفصائل الإسلاموية القتالية هو واهمٌ، أو يُسلط نظره على زاوية واحدة من المشهد. حتى في بلاد الهلال الخصيب، سوريا والعراق خصوصاً، هناك توثّبٌ للعودة، وفي بعض الحالات عودة بصورة ما، خصوصاً من «داعش»، وأشباه «داعش» مثل جماعة «أنصار السنّة»، وهي غير سَمِيّتها القديمة في مصر والسودان، مختلفتان كل الاختلاف، فالحديثة هي نسخة مقاربة لـ«داعش»، وُلدت مؤخراً. بعيداً عن بلاد العرب، لنذهب إلى أفريقيا السمراء، التي يشيح الإعلام العربي بصره عنها، رغم خطورة ما يجري فيها، منذ سنوات، ويزيد حالياً، وأنتَ تقرأُ هذا المقال. أفريقيا حلّت محلّ الشرق الأوسط مركزاً رئيسياً للجماعات الإسلاموية المُسلّحة، أو «الجهادية»، كما يقول لورينزو فيندينو مدير «مركز دراسات التطرف» في جامعة «جورج واشنطن» في الولايات المتحدة، لشبكة «الحُرّة» الأميركية. لورينزو، يتابع في كلامه لـ«الحُرّة»: «أصبحت (الجهادية) تمركز بشكل كبير في أفريقيا، سواء في منطقة الساحل أو أفريقيا جنوب الصحراء، مع بؤر عدّة ساخنة تمتد من موزمبيق إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وصولاً إلى الصومال». في مارس (آذار) الماضي، قال «مؤشر الإرهاب العالمي»، الصادر عن «معهد الاقتصاد والسلام»، إن 6 دول أفريقية ضمن قائمة البلدان الـ10 الأكثر تأثراً بالإرهاب على الصعيد العالمي. في هذه الخريطة الأفريقية، تنشطُ جماعات قتالية أصولية مثل «داعش» وجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» و«حركة الشباب» في الصومال، ودولة بوركينا فاسو هي الدولة الأكثر تأثّراً بالإرهاب في العالم، خلال عام 2024، فقد سجّلت أكثر من 1500 حالة وفاة. هذه واحدة، والثانية التي أتفقُ فيها مع تحقيق «الحُرّة»، هي أنَّ ما يبدو «هزيمة» لإيران وجماعاتها في المنطقة قد يكون مدعاة لنشأة تحالفٍ جديد - قديم، بين الجماعات الشيعية والسُنيّة الأصولية المُسيّسة. بكل حال هذا الحلفُ كان قائماً وما زال، فهؤلاء قيادات تنظيم «القاعدة» كانوا وما زالوا - الأحياء منهم مثل سيف العدل - في رعاية الحرس الثوري بإيران. التحالف بين جماعة «الإخوان» و«القاعدة» معلومٌ، كما بين «طالبان» وطهران أيضاً، بعد فصول من الحروب، وعليه فماذا يمنع قيام حلفٍ جديد بين نُسخ الإسلام السياسي العسكري، شيعيها وسُنيّها، بدعوى مواجهة أميركا «الصليبية» أو «الشيطان الأكبر» حسب سُنيّتك أو شيعيتك؟! الواقع ليس ما نشتهيه، بل ما يحصل حقّاً، أو يُتوقّع حصوله باحتمالٍ كبير. علّمتنا صروفُ الدهر القريب، أن هذه الجماعات الزاعمة مواجهة أميركا، تُوجهّ نيرانها الأولى إلى أمن وحاضر ومستقبل العرب والمسلمين، والشواهدُ أكثر من أن تُحصر.

جريمة قرن... وميلاد جديد
جريمة قرن... وميلاد جديد

الشرق الأوسط

timeمنذ 6 ساعات

  • الشرق الأوسط

جريمة قرن... وميلاد جديد

ضرب لي موعداً أكثر من مرة، ومع تلاحق الأحداث لم نتمكن من اللقاء، لكن مهنة الدبلوماسي تتغلب دائماً على المصاعب والعقبات، أخيراً التقينا، كان يريد أن نتحاور حول أوضاع الشرق الأوسط الذي لا يهدأ عن الفوران. الحديث عن المنطقة ذو شجون. التقينا في مقهى وكانت شاشة التلفزيون تذيع عواجلها عن غارة إسرائيلية هنا، وقصف إسرائيلي هناك، وخبر من واشنطن، ولقاء بين هذا الزعيم أو ذاك، والشرق الأوسط هو القاسم المشترك في الأخبار والأنباء. أشار إلى الشاشة المعلقة، وقال: متى يتوقف هذا؟ الدبلوماسي يجيد فن الإصغاء، والكاتب يريد أن يجمع الخيوط لينسج ثوباً لائقاً للحقيقة، قلت بيني وبين نفسي إن صديقي يريد أن يسمع نبض الشارع والنخبة معاً، فقد تعب الدبلوماسي الذي فيه، ويريد أن يصل إلى نهاية لكل هذا العبث في الشرق الأوسط. قلت له: كم مرة تحاورنا وتسامرنا واستخدمنا المفردات نفسها وخرجنا بالانطباع ذاته؟ ابتسم ابتسامة خفيفة، وقال: هل تعرف أن حواراتنا هذه كأنها حوار واحد، نأتي بالمفردات نفسها عن الأماكن نفسها، وكثيراً ما تمنيا أن نتحاور حول كتاب أو نظرية أو فيلم شاهدناه، لكن حيرة الشرق الأوسط تأخذنا إلى بحر لا قرار له. قلت له: ومع هذا ألمح وسط الضباب ضوءاً يمكن أن نهتدي به. ثم نظرت إليه مباشرة، وكان راغباً في معرفة ماهية هذا الضوء في قلب تدمير المدن والأماكن العربية المكتوب على جبينها الحروب التي تلد الحروب. قلت: ربما تكون غزة هي «جريمة القرن» بامتياز، ليس فقط لأنها تمثل ذروة السادية وانهيار القانون الدولي، بل لأنها جردت العالم من أقنعته، وأعادت تعريف الإنسان العربي في مرآة النار والعزلة. وإذا أحسن العرب قراءة هذه الجريمة لا بوصفها نهاية، بل بداية مكثفة لمأساتهم الكونية، فإن غزة قد تتحول من مذبحة إلى لحظة ميلاد، ميلاد نظرية جديدة، تولد من الرماد، وتعيد طرح السؤال الأقدم والأكثر وجعاً: متى نصير رقماً في المعادلة الدولية؟ على غرار الاتحاد الأوروبي، أو «البريكس»، ومنظمة شنغهاي، أو الاتحاد الأوراسي، أو حتى الاتحاد الأفريقي، والرقم الذي أعنيه أن يقوم على التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بمعنى أن يكون العرب كتلة حضارية لا كتلة سياسية على نمط أحلام الستينات. كان الدبلوماسي يصغي بإمعان. قلت يا عزيزي: لم تتوقف الحروب في هذه البقعة من الأرض منذ عام 1948، بل تحول الشرق الأوسط إلى «مختبر دائم لتجريب أجيال الحروب، من النكبة إلى الغزو الأميركي للعراق، من الانقلابات إلى الثورات الفوضوية، من الحرب النظامية إلى الحرب الأهلية، من الطائرات المقاتلة إلى الهجمات السيبرانية السرية، ومن الفوضى الخلاقة إلى تخليق المعارك الجانبية. لا تزال إسرائيل حاضرة في كل هذا، تارة بصفتها فاعلاً مباشراً، وتارة بصفتها أداة لوجيستية في منظومة السيطرة. إنها الكيان الذي يمتحن حدود الفوضى الممكنة في المنطقة، ويسهم في إعادة تشكيلها بما يتماشى مع خرائط القوى الدولية. كان الصديق الدبلوماسي في حالة إصغاء تام، حين تساءلت وأجبت، قلت له: علينا أن نطرح الأسئلة بجرأة: لماذا الشرق الأوسط وحده هو ساحة التدمير الدائم؟ لماذا لا يهدأ لبنان الجميل إلا لينفجر من جديد؟ لماذا تُحرق سوريا والعراق - وهما منبتا الحضارات - كل عقد، ويُشطر اليمن، وتُحول ليبيا إلى ساحة للتدريب على الرصاص؟ لماذا لا يتنفس المغرب العربي بعيداً عن هواجس الخوف، ولا يتخلص العرب جميعاً من قلق الوجود؟ كاد يجيب، لكني سبقته وقلت له: لأن هذه البقعة لم تُمنح حق الدخول في الحداثة العالمية، بل جرى تقطيعها كما تقطع المزارع الاستعمارية، وضبطت شعوبها متلبسة بالطائفية والولاء للأقوى، لا للعقد الاجتماعي ولا للمستقبل. إن العرب يا صديقي لم يعرفوا الدولة بوصفها مشروعاً تاريخياً، ولم يتأسس مشروع عربي على نموذج الدولة بصفته عقداً اجتماعياً بين المواطنين، لهذا لم يكن الانتقال إلى الحداثة ممكناً، لأن التحديث كان سطحياً، وفوقياً، ونخبوياً، ومشروطاً بتبعية ثقافية واقتصادية. منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم تعد غزة مجرد رقعة جغرافية محتلة، بل أصبحت ساحة اختبار للنظام الدولي كله، وملعباً مكشوفاً لأقسى تحالف في التاريخ الحديث، ولكن الأهم: أنها كشفت سقوط فكرة وجود المنظمات الدولية الحارس للنظام الدولي. وكما نعلم أن التاريخ ماكر، فيمكن لمنطقة، لم تنعم بالتحرر، أن تصبح منبعاً لتجديد الفكرة العربية المهددة بالانقراض. ولا سبيل للخروج من هذه المتاهة إلا ببلورة «نظرية عربية شاملة»، لا تكون انعكاساً لهزائم الماضي ولا تقليداً لنظريات الآخر، بل تولد من سؤال المصير، وتؤسس على أربعة أعمدة: أولاً، إعادة تعريف الهوية القائمة على المستقبل الحضاري المشترك. ثانياً، تحرير الذات من المذاهب والطوائف والميليشيات. ثالثاً، الاقتصاد القائم على التكامل العربي، وليس التفاضل. رابعاً وأخيراً، ضرورة التحرر المعرفي والثقافي بخلق بنية فكرية عربية حديثة تنتج المعرفة، وتستلهم الثورة الصناعية الحالية من دون تردد. قلت له: أطلت عليك أيها الدبلوماسي المتعب بقضايا الإقليم، ولكن لم يعد الانتظار ممكناً، يجب أن نبدأ بـ«المائدة العربية المستديرة»، مائدة تجمع المفكرين، والعلماء، والاقتصاديين، والمثقفين، لوضع ميثاق إنقاذ عربي. غزة جرح مفتوح، لكنها أيضاً فرصة أخيرة. جريمة، نعم، لكنها أيضاً «علامة قيامة»، علينا أن نخرج من ركامها بفكرة، لا فقط بدموع، بفهم عميق، لا فقط بغضب عابر. إن ما يحدث اليوم، إذا لم يتحول إلى نقطة انطلاق، فسوف يبتلعنا غداً في نسخته المقبلة: في بيروت أو الخرطوم أو طرابلس أو بغداد، أو صنعاء، أو أي عاصمة عربية أخرى.

نشر وحدات عسكرية في المناطق المتأثرة وتوفير ممرات آمنة للمدنيينسورية: ارتفاع حصيلة اشتباكات السويداء إلى 89 قتيلاً
نشر وحدات عسكرية في المناطق المتأثرة وتوفير ممرات آمنة للمدنيينسورية: ارتفاع حصيلة اشتباكات السويداء إلى 89 قتيلاً

الرياض

timeمنذ 6 ساعات

  • الرياض

نشر وحدات عسكرية في المناطق المتأثرة وتوفير ممرات آمنة للمدنيينسورية: ارتفاع حصيلة اشتباكات السويداء إلى 89 قتيلاً

قتل 89 شخصا في الاشتباكات الدائرة في السويداء في جنوب سورية بين مقاتلين دروز ومسلحين من البدو، بحسب حصيلة جديدة أوردها المرصد السوري لحقوق الإنسان الاثنين. وقال المرصد إن القتلى هم 46 مقاتلا درزيا وأربعة مدنيين من السويداء، و18 مقاتلا من البدو، و14 من قوات الأمن، وسبعة أشخاص مجهولي الهوية بلباس عسكري. وكانت حصيلة سابقة للمصدر ذاته أفادت بسقوط 64 قتيلا. وبدأت القوات السورية بالانتشار في السويداء في جنوب البلاد الاثنين مع تواصل الاشتباكات الدامية بين مقاتلين دروز وعشائر من البدو . وتعيد هذه الاشتباكات الدامية التي بدأت الأحد إلى الواجهة التحديات الأمنية التي لا تزال تواجهها السلطات الانتقالية في سورية منذ وصولها إلى الحكم بعد إطاحة بشار الأسد في ديسمبر /كانون الأول/، لناحية بسط الأمن. وسبق أن وقعت أحداث دامية في الساحل السوري في مارس/آذار/، واشتباكات قرب دمشق بين مقاتلين دروز وقوات الأمن في ابريل/نيسان/. وكانت الاشتباكات لا تزال متواصلة في بعض القرى في ريف محافظة السويداء الغربي بحسب ما ذكر المرصد ومنصة السويداء 24 المحلية. وإثر الاشتباكات، أعلنت وزارة الدفاع أنها باشرت "بالتنسيق مع وزارة الداخلية، نشر وحداتنا العسكرية المتخصصة في المناطق المتأثرة، وتوفير ممرات آمنة للمدنيين، وفك الاشتباكات بسرعة وحسم". وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، انطلقت "شرارة الاشتباكات السبت بعد اختطاف تاجر خضار درزي من قبل مسلحي البدو الذين وضعوا حواجز على طريق السويداء - دمشق، ليتحوّل بعد ذلك إلى عملية خطف متبادلة بين الطرفين". وقالت منصة السويداء 24 المحلية في وقت لاحق إنه تم إطلاق سراح المخطوفين من الطرفين ليل الأحد. لكن المرصد أشار إلى أن هذه الاضطرابات الأخيرة تعود إلى "توتّر متواصل منذ اندلاع الاشتباكات ذات الخلفية الطائفية في ابريل/نيسان/" بين مسلحين من الدروز وقوات الأمن، في مناطق درزية قرب دمشق وفي السويداء، وشارك فيها إلى جانب قوات الأمن مسلحون من عشائر البدو السنية في المحافظة. فرض الأمن وأسفرت أعمال العنف التي اندلعت في ابريل/نيسان/ عن مقتل 119 شخصا على الأقل بينهم مسلحون دروز وقوات أمن. وإثر هذه الاشتباكات، أبرم ممثلون للحكومة السورية وأعيان دروز اتفاقات تهدئة لاحتواء التصعيد. ومنذ مايو/أيار/، يتولّى مسلحون دروز إدارة الأمن في السويداء، بموجب اتفاق بين الفصائل المحلية والسلطات. لكن ينتشر في ريف المحافظة أيضا مسلحون من عشائر البدو السنة. واعتبرت وزارة الدفاع في بيانها الأحد أن "الفراغ المؤسساتي الذي رافق اندلاع هذه الاشتباكات ساهم في تفاقم مناخ الفوضى وانعدام القدرة على التدخل من قبل المؤسسات الرسمية الأمنية أو العسكرية، مما أعاق جهود التهدئة وضبط النفس". من جهته، كتب وزير الداخلية أنس خطاب على موقع "إكس" أن "غياب مؤسسات الدولة، وخصوصا العسكرية والأمنية منها، سبب رئيسي لما يحدث في السويداء وريفها من توترات مستمرة"، معتبرا أن "لا حل لذلك إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها". وكانت وزارة الداخلية أعلنت في وقت سابق أنها ستبدأ بنشر قواتها بالتنسيق مع وزارة الدفاع. واشارت الوزارة في بيانها إلى أن هذه الاشتباكات وقعت "على خلفية توترات متراكمة خلال الفترات السابقة". توتر متكرر وفي أعقاب الاشتباكات، دعا محافظ السويداء مصطفى البكور إلى "ضرورة ضبط النفس والاستجابة لتحكيم العقل والحوار" مضيفا "نثمن الجهود المبذولة من الجهات المحلية والعشائرية لاحتواء التوتر، ونؤكد أن الدولة لن تتهاون في حماية المواطنين". ودعت قيادات روحية درزية إلى الهدوء وحضّت سلطات دمشق على التدخل. وفي يونيو/حزيران/، أسفر هجوم انتحاري على كنيسة في دمشق عن مقتل 25 شخصا، واتهمت الحكومة تنظيم "داعش" بتنفيذه، ما فاقم مخاوف الأقليات في سورية. وتُقدّر أعداد الدروز بأكثر من مليون، يتركّز غالبيتهم في مناطق جبلية في لبنان وسورية والأراضي الفلسطينية والأردن. يقدّر تعدادهم في سورية بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد حيث تعد محافظة السويداء معقلهم، كما يتواجدون في مدينتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، ولهم حضور محدود في إدلب، شمال غرب البلاد. وبعد الاشتباكات في ابريل/نيسان/، شنّت اسرائيل غارات جوية في سورية وحذّرت دمشق من المساس بأبناء الطائفة الدرزية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store