logo
ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»

ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»

جريدة الوطنمنذ يوم واحد
في سبق علمي جديد أعلن فريق من العلماء بجامعة أوكسفورد البريطانية عن تطوير أداة محاكاة حاسوبية قادرة على تتبع تفاعلات الضوء في الفراغ الكمي لحظة بلحظة، في 3 أبعاد وبدقة عالية غير مسبوقة.
وقد نُشرت هذه الدراسة في دورية «كوميونيكيشن فيزيكس» التابعة لمجموعة «نيتشر».
تكشف الدراسة حقيقة «العدم» بالمعنى الفيزيائي (وليس الفلسفي)، حيث تقول زيكسين زانغ، الباحثة في قسم الفيزياء الذرية والليزر، في جامعة أكسفورد: «في المصطلحات اليومية، نعتقد أن العدم هو فضاء فارغ، لكن في الفيزياء الكمية، فإن (اللا شيء) لا يكون فارغا حقا».
مضيفة: «حتى في فراغ مثالي، هناك تقلبات طاقة صغيرة وسريعة تؤدي إلى ظهور جسيمات افتراضية تظهر وتختفي بسرعة كبيرة لدرجة يصعب معها رصدها مباشرة».
ورغم أن هذه الظواهر الكمومية كانت دائما حاضرة في النظريات، فإن الأدوات التجريبية لرصدها ظلت محدودة. لكن الليزر فائق القوة المستخدم حاليا يمكّن من التفاعل مع هذا الفراغ الكمومي، ورصد آثاره غير المباشرة، مثل تغيير خصائص نبضة ضوئية تمر خلاله.
حقيقة الفراغ
تقدم الدراسة أداة محاكاة جديدة تستند إلى نموذج يصف كيف يؤثر الفراغ الكمي على الضوء. تشرح زانغ: «لقد قدمنا في دراستنا أداة محاكاة جديدة تُمكّن من تتبع كيفية تفاعل نبضات الليزر مع الفراغ الكمومي. وتُظهر نتائجنا إعادة إنتاج الظواهر المعروفة مثل الازدواجية في الفراغ (حيث يتغير الضوء بسبب الفراغ) ومزج الموجات الأربع (حيث يتم توليد ضوء جديد من تداخل ثلاث نبضات ضوئية)، مما يؤكد أن النموذج يعمل بدقة ويمكنه مساعدتنا في استكشاف فيزياء أكثر غرابة مستقبلا».
في السابق، كانت النماذج التي تحاول محاكاة هذا التفاعل تعتمد على افتراضات غير دقيقة، مثل اعتبار الليزر موجة مثالية ومنتظمة، بينما الليزر الحقيقي أكثر تعقيدا. كما أن أدوات المحاكاة القديمة كانت بطيئة جدا أو لا تُظهر تفاصيل كافية. تضيف زانغ: «لذلك نلجأ إلى المحاكاة الرقمية، لكنها مكلفة حسابيا جدا، خاصة في 3 أبعاد».
وهنا جاءت فكرة الأداة الجديدة: أشبه بـ «كاميرا فائقة السرعة» تلتقط ما يحدث أثناء التفاعل، وتُظهر التفاصيل بوضوح وبتكلفة حاسوبية أقل، تقول زانغ: «أدوات المحاكاة الحالية إما بطيئة جدا، أو لا تُظهر ما يحدث داخل منطقة التفاعل. أما أداتنا الجديدة فهي أشبه بكاميرا عالية السرعة تتيح مشاهدة التفاعل لحظة بلحظة، مما يمنحنا فهما أعمق بكثير».
تم تطوير هذه الأداة ضمن بيئة تُسمى «أوزيريس»، وتم تعديلها بحيث تعمل بكفاءة عالية باستخدام موارد بسيطة، مما سيساعد العلماء على استكشاف ظواهر فيزيائية أكثر غرابة في المستقبل.
ليس انعكاسا ولا اتحادا!
من المظاهر المذهلة التي كشفتها المحاكاة هو أن الفراغ في ظل الضوء الكثيف يتصرف وكأنه وسط يتغير سلوكه تجاه الضوء، عندما تزداد شدة الضوء الداخل إليه، مما يسمح بتفاعلات ضوئية غير ممكنة عادة.
تتعجب زانغ، وتوضح «ما يثير الدهشة أن ظواهر ضوئية مثل الازدواجية أو مزج الموجات الأربع، والتي تحتاج عادة إلى مواد خاصة، يمكن أن تحدث هنا في غياب تام لأي مادة. كل ما نحتاجه هو فراغ وكثافة ضوء عالية».
يعني ذلك أن النبضة الضوئية الجديدة الناتجة من مزج الموجات الأربع ليست انعكاسا للنبضات الثلاث، ولا مجرد اتحاد مباشر بينها، بل هي وليدة تفاعل خاص يحدث داخل «العدم» أو الفراغ الكمي عندما تتقاطع هذه النبضات معا.
هذا التحول في تصور الفراغ له آثار عملية أيضا، خصوصا في تصميم التجارب المستقبلية في مرافق الليزر العملاق، وتشرح زانغ: «أداتنا متاحة عند الطلب ويمكنها محاكاة أي إعداد لليزر تقريبا. وهذا يعني أن الباحثين في المرافق الجديدة يستطيعون اختبار أفكارهم على الحاسوب قبل تنفيذها في الواقع، ومقارنة النتائج بما ننتجه نظريا»، مشيرة إلى أن الأداة تدعم أيضا نماذج فيزيائية بديلة.
كما تتيح الأداة تتبع الوقت الدقيق لوصول النبضات الضوئية إلى أجهزة الكشف، وهو أمر حاسم للتجارب التي تستخدم مجسات عالية الحساسية تعتمد على التوقيت، فمعظم النماذج السابقة لا تحدد متى ستصل الإشارة إلى الكاشف. أما الأداة الجديدة، فهي تتبع تطور النبضة لحظة بلحظة، مما يسمح بالتنبؤ الدقيق بزمن وصول الإشارة، وبالتالي تحسين فعالية التجارب، بحسب زانغ.
ضوء مقولب
وفي واحدة من أهم نتائج الدراسة، كشفت المحاكاة أن شكل النبضة الناتجة في تجربة مزج الموجات الأربع يتأثر مباشرة بشكل منطقة التداخل بين نبضات الليزر الداخلة. وتشرح زانغ: «الفكرة الأساسية أن الضوء الناتج يتشكل فقط في المنطقة التي تتقاطع فيها كثافات الليزر الداخلة. إذا كانت المنطقة غير منتظمة، فإن النبضة الخارجة تعكس هذا الشكل، كأنها قطعة بسكويت تأخذ شكل القالب. وقد أظهرت محاكاتنا هذا الترابط بشكل واضح».
يطمح الباحثون أن تصبح أداتهم أساسا لأدوات أوسع لمحاكاة الفراغ الكمي، ليس فقط في فراغ تام بل حتى عند وجود جسيمات، مما يفتح الباب أمام محاكاة التجارب المعقدة. وهكذا، لا يعود الفراغ مجرد غياب للمادة، بل يصبح ساحة تعج بصخب صنعته فيزياء الكم ولن تكف عنه في السنوات المقبلة، كما تشهد تفاعلات ضوئية دقيقة ومعقدة يمكن الآن، بفضل هذه المحاكاة، مشاهدتها بتفاصيل غير مسبوقة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فرضية تقترح أن الزمن له ثلاثة أبعاد والمكان ليس إلا "نتيجة"
فرضية تقترح أن الزمن له ثلاثة أبعاد والمكان ليس إلا "نتيجة"

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

فرضية تقترح أن الزمن له ثلاثة أبعاد والمكان ليس إلا "نتيجة"

لطالما اعتقدنا، أن الواقع مبني على ثلاثة أبعاد مكانية (الطول والعرض والارتفاع) وبعد رابع يمثل الزمن، يمكن لنا التحرك بسهولة داخل الأبعاد المكانية، بينما نحن مجبولون على المضي في اتجاه واحد يخص البعد الرابع، إنه المستقبل. لكن جونتر كليتيتشكا، عالم الفيزياء من جامعة ألاسكا فيربانكس، يقترح تصورا جذريًا، حيث يفترض أن الزمن هو الأساس الحقيقي للواقع، وله ثلاثة أبعاد، بينما المكان ينشأ كنتيجة ثانوية من تلك الأبعاد الزمنية، بحسب دراسة نشرت بدورية "رِبورتس إن أدفانسِز أوف فيزيكال ساينسِز". قماش الواقع ولغرض التبسيط تخيل أن لدينا لوحة رسم قماشية بيضاء، هذا القماش هو ما يُبنى عليه كل شيء، في التشبيه فإن الزمن بأبعاده الثلاثة هو هذا القماش الأساسي، أي أن الزمن ليس مجرد "خلفية" تمر فيها الأحداث، بل هو الإطار البنيوي الحقيقي للكون. على نفس القماش، فإن الألوان والأشكال التي نرسمها على القماش تمثل الأبعاد المكانية الثلاثة، هذه "الألوان" لا توجد بذاتها، بل تظهر فقط عندما نرسمها على القماش. كذلك، في تصور كليتيتشكا، المكان لا يوجد بذاته، بل يظهر فقط كنتيجة أو أثر للتفاعلات داخل بنية الزمن الثلاثي. وعندما ننظر إلى اللوحة الفنية، نراها مزيجا من القماش والألوان. كذلك، الواقع الذي نعيشه يبدو لنا مكانا وزمانا معًا. لكن حسب هذه النظرية، الزمن هو الأصل، والمكان مشتق منه، تمامًا كما لا وجود للوحة بدون قماش، لا وجود للمكان بدون الزمن. معادلة جديدة في هذا السياق، فإن النموذج الجديد الذي يقترحه كليتيتشكا يفترض وجود ستة أبعاد في الواقع، ثلاثة زمنية وثلاثة مكانية، ويربطهما بمعادلة رياضية تدعم هذا التصوّر، جدير بالذكر أن تعدد الأبعاد ليس افتراضا جديدا، فنظرية الأوتار مثلا تسمح بوجود أبعاد متعددة، تصل إلى 26 بُعدا. ومن هذه المعادلة الجديدة، استطاع الباحث حساب كتل الجسيمات المعروفة، مثل الإلكترون والكواركات بدقة، وهو أمر مهم نادرًا ما ينجح به أي نموذج رياضي في هذا النطاق.. كما أن النموذج الجديد يحافظ على السبب والنتيجة، تمامًا كما في الزمن الأحادي، حيث تبقى العلاقة سببية؛ السبب يسبق النتيجة حتى في البُعد الزمني الآخر. أبعاد تائهة ولكنك في هذا السياق قد تسأل: وأين تلك الأبعاد الزمنية الأخرى، والإجابة، كما يعتقد بعض الباحثين، ولا سيما الفيزيائي النظري إسحاق بارز من جامعة جنوب كاليفورنيا، أن البعدين الثاني والثالث يظهران أو يتكشفان عند مستويات طاقة قصوى، كما هو الحال في بدايات الكون أو في تفاعلات الجسيمات عالية الطاقة. لكن لفهمها يضرب العلماء مثالا مبسطا في بيان صحفي رسمي أصدرته الجامعة، تخيل أنك تسير في مسارٍ مستقيم، تتحرك إلى الأمام، وبالتالي تختبر الزمن كما نعرفه. تخيّل الآن مسارًا آخر يتقاطع مع المسار الأول، ويسير جانبيا. إذا استطعت أن تسلك هذا المسار الجانبي، وتبقى في نفس اللحظة من "الزمن العادي"، فقد تجد أن الأمور قد تختلف قليلًا، ربما نسخة مختلفة من اليوم نفسه. يُمكنك السير على طول هذا المسار الثاني العمودي من استكشاف نتائج مختلفة لذلك اليوم دون الرجوع إلى الوراء أو التقدم في الزمن كما نعرفه. وجود هذه النتائج المختلفة هو البُعد الثاني للزمن. أما وسيلة الانتقال من نتيجةٍ إلى أخرى فهي البُعد الثالث. نظرية كل شيء يعتقد عدد من الفيزيائيين النظريين أن السعي وراء "نظرية الزمن ثلاثي الأبعاد" يُمثل سبيلًا للمساعدة في الإجابة عن بعض الأسئلة الفيزيائية الكبرى التي حيرت العلماء، وبخاصة في نطاق توحيد ميكانيكا الكم (النظرية التي تدرس سلوك الجسيمات على أصغر المقاييس) والنسبية العامة (النظرية التي تدرس المقاييس الكبرى)، في نظرية كمية واحدة للجاذبية. يمكن لنظرية الجاذبية الكمومية، أن تُصبح نظريةً شاملةً للكون (ما يُسمى "نظرية كل شيء")، حيث ستُوحّد هذه النظرية القوى الأساسية الأربع للطبيعة: الكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية، والقوة النووية الضعيفة، والجاذبية. يعتقد كليتيتشكا أن نظريته عن الزمن ثلاثي الأبعاد يُمكن أن تُساعد في هذا المسعى، حيث يُعيد الإطار الرياضي الذي ابتكره بدقة إنتاج الكتل المعروفة لجسيمات مثل الإلكترونات والميونات والكواركات، ويُفسّر أيضًا سبب امتلاك هذه الجسيمات هذه الكتل. ولكن على الرغم من أن نظرية كليتيتشكا عن الزمن ثلاثي الأبعاد تقدم أفكارا جديدة مثيرة للاهتمام، إلا أن نتائجها لم يقبلها بعد المجتمع العلمي الأوسع. إلى جانب ذلك، لا تزال النظرية في مراحلها الأولى من التدقيق، ولم يتم التحقق منها بشكل مستقل من التجارب، ولم تخضع بعد للتقييم النقدي من مجتمع الفيزياء الأوسع، كما أن هناك حاجة لنشر دراسات أخرى عن نفس النظرية في مجلات متعددة.

ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»
ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»

جريدة الوطن

timeمنذ يوم واحد

  • جريدة الوطن

ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»

في سبق علمي جديد أعلن فريق من العلماء بجامعة أوكسفورد البريطانية عن تطوير أداة محاكاة حاسوبية قادرة على تتبع تفاعلات الضوء في الفراغ الكمي لحظة بلحظة، في 3 أبعاد وبدقة عالية غير مسبوقة. وقد نُشرت هذه الدراسة في دورية «كوميونيكيشن فيزيكس» التابعة لمجموعة «نيتشر». تكشف الدراسة حقيقة «العدم» بالمعنى الفيزيائي (وليس الفلسفي)، حيث تقول زيكسين زانغ، الباحثة في قسم الفيزياء الذرية والليزر، في جامعة أكسفورد: «في المصطلحات اليومية، نعتقد أن العدم هو فضاء فارغ، لكن في الفيزياء الكمية، فإن (اللا شيء) لا يكون فارغا حقا». مضيفة: «حتى في فراغ مثالي، هناك تقلبات طاقة صغيرة وسريعة تؤدي إلى ظهور جسيمات افتراضية تظهر وتختفي بسرعة كبيرة لدرجة يصعب معها رصدها مباشرة». ورغم أن هذه الظواهر الكمومية كانت دائما حاضرة في النظريات، فإن الأدوات التجريبية لرصدها ظلت محدودة. لكن الليزر فائق القوة المستخدم حاليا يمكّن من التفاعل مع هذا الفراغ الكمومي، ورصد آثاره غير المباشرة، مثل تغيير خصائص نبضة ضوئية تمر خلاله. حقيقة الفراغ تقدم الدراسة أداة محاكاة جديدة تستند إلى نموذج يصف كيف يؤثر الفراغ الكمي على الضوء. تشرح زانغ: «لقد قدمنا في دراستنا أداة محاكاة جديدة تُمكّن من تتبع كيفية تفاعل نبضات الليزر مع الفراغ الكمومي. وتُظهر نتائجنا إعادة إنتاج الظواهر المعروفة مثل الازدواجية في الفراغ (حيث يتغير الضوء بسبب الفراغ) ومزج الموجات الأربع (حيث يتم توليد ضوء جديد من تداخل ثلاث نبضات ضوئية)، مما يؤكد أن النموذج يعمل بدقة ويمكنه مساعدتنا في استكشاف فيزياء أكثر غرابة مستقبلا». في السابق، كانت النماذج التي تحاول محاكاة هذا التفاعل تعتمد على افتراضات غير دقيقة، مثل اعتبار الليزر موجة مثالية ومنتظمة، بينما الليزر الحقيقي أكثر تعقيدا. كما أن أدوات المحاكاة القديمة كانت بطيئة جدا أو لا تُظهر تفاصيل كافية. تضيف زانغ: «لذلك نلجأ إلى المحاكاة الرقمية، لكنها مكلفة حسابيا جدا، خاصة في 3 أبعاد». وهنا جاءت فكرة الأداة الجديدة: أشبه بـ «كاميرا فائقة السرعة» تلتقط ما يحدث أثناء التفاعل، وتُظهر التفاصيل بوضوح وبتكلفة حاسوبية أقل، تقول زانغ: «أدوات المحاكاة الحالية إما بطيئة جدا، أو لا تُظهر ما يحدث داخل منطقة التفاعل. أما أداتنا الجديدة فهي أشبه بكاميرا عالية السرعة تتيح مشاهدة التفاعل لحظة بلحظة، مما يمنحنا فهما أعمق بكثير». تم تطوير هذه الأداة ضمن بيئة تُسمى «أوزيريس»، وتم تعديلها بحيث تعمل بكفاءة عالية باستخدام موارد بسيطة، مما سيساعد العلماء على استكشاف ظواهر فيزيائية أكثر غرابة في المستقبل. ليس انعكاسا ولا اتحادا! من المظاهر المذهلة التي كشفتها المحاكاة هو أن الفراغ في ظل الضوء الكثيف يتصرف وكأنه وسط يتغير سلوكه تجاه الضوء، عندما تزداد شدة الضوء الداخل إليه، مما يسمح بتفاعلات ضوئية غير ممكنة عادة. تتعجب زانغ، وتوضح «ما يثير الدهشة أن ظواهر ضوئية مثل الازدواجية أو مزج الموجات الأربع، والتي تحتاج عادة إلى مواد خاصة، يمكن أن تحدث هنا في غياب تام لأي مادة. كل ما نحتاجه هو فراغ وكثافة ضوء عالية». يعني ذلك أن النبضة الضوئية الجديدة الناتجة من مزج الموجات الأربع ليست انعكاسا للنبضات الثلاث، ولا مجرد اتحاد مباشر بينها، بل هي وليدة تفاعل خاص يحدث داخل «العدم» أو الفراغ الكمي عندما تتقاطع هذه النبضات معا. هذا التحول في تصور الفراغ له آثار عملية أيضا، خصوصا في تصميم التجارب المستقبلية في مرافق الليزر العملاق، وتشرح زانغ: «أداتنا متاحة عند الطلب ويمكنها محاكاة أي إعداد لليزر تقريبا. وهذا يعني أن الباحثين في المرافق الجديدة يستطيعون اختبار أفكارهم على الحاسوب قبل تنفيذها في الواقع، ومقارنة النتائج بما ننتجه نظريا»، مشيرة إلى أن الأداة تدعم أيضا نماذج فيزيائية بديلة. كما تتيح الأداة تتبع الوقت الدقيق لوصول النبضات الضوئية إلى أجهزة الكشف، وهو أمر حاسم للتجارب التي تستخدم مجسات عالية الحساسية تعتمد على التوقيت، فمعظم النماذج السابقة لا تحدد متى ستصل الإشارة إلى الكاشف. أما الأداة الجديدة، فهي تتبع تطور النبضة لحظة بلحظة، مما يسمح بالتنبؤ الدقيق بزمن وصول الإشارة، وبالتالي تحسين فعالية التجارب، بحسب زانغ. ضوء مقولب وفي واحدة من أهم نتائج الدراسة، كشفت المحاكاة أن شكل النبضة الناتجة في تجربة مزج الموجات الأربع يتأثر مباشرة بشكل منطقة التداخل بين نبضات الليزر الداخلة. وتشرح زانغ: «الفكرة الأساسية أن الضوء الناتج يتشكل فقط في المنطقة التي تتقاطع فيها كثافات الليزر الداخلة. إذا كانت المنطقة غير منتظمة، فإن النبضة الخارجة تعكس هذا الشكل، كأنها قطعة بسكويت تأخذ شكل القالب. وقد أظهرت محاكاتنا هذا الترابط بشكل واضح». يطمح الباحثون أن تصبح أداتهم أساسا لأدوات أوسع لمحاكاة الفراغ الكمي، ليس فقط في فراغ تام بل حتى عند وجود جسيمات، مما يفتح الباب أمام محاكاة التجارب المعقدة. وهكذا، لا يعود الفراغ مجرد غياب للمادة، بل يصبح ساحة تعج بصخب صنعته فيزياء الكم ولن تكف عنه في السنوات المقبلة، كما تشهد تفاعلات ضوئية دقيقة ومعقدة يمكن الآن، بفضل هذه المحاكاة، مشاهدتها بتفاصيل غير مسبوقة.

رنين شومان.. هل له أي علاقة بكوارث قادمة في البحر المتوسط؟
رنين شومان.. هل له أي علاقة بكوارث قادمة في البحر المتوسط؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

رنين شومان.. هل له أي علاقة بكوارث قادمة في البحر المتوسط؟

تشهد منصات التواصل الاجتماعي من حين لآخر منشورات أو تغريدات تحذر من "تقلبات غير مسبوقة" في ترددات شومان، وتدّعي بعد ذلك أن هذا يعني "اقتراب شيء كارثي كبير"، ربما زلزال أو تسونامي. في حين يزعم آخرون أن ترددات شومان تمثل "نبض الأرض" أو "نبض غايا"، فيقولون إن التردد 7.83 هرتزات هو تردد الأرض "الطبيعي"، ويجب أن يتناغم جسم الإنسان معه، بل يبيعون أجهزة تبعث موجات 7.83 هرتزات بزعم أنها تقلل التوتر وتعالج القلق وتوازن "الطاقة الداخلية" وتحمي من الإشعاع الكهرومغناطيسي. على الجانب الآخر، يقال في منتديات ومجموعات نظرية المؤامرة إن الحكومات تتعمد "تشويش" هذا التردد (عبر تكنولوجيا الجيل الخامس لشبكات الهواتف الذكية) لإضعاف البشر. ولكن هل أي مما سبق من الادعاءات حقيقي؟ رنين شومان الأرض ليست صامتة تماما، فبعيدًا عن أصوات الطبيعة وحركة المرور والتكنولوجيا، يتردد صدى كوكبنا بطنين كهرومغناطيسي غير مرئي، يُعرف باسم رنين شومان. هذه الترددات الطبيعية، وإن كانت مجهولة إلى حد كبير لعامة الناس، تُدرس في فيزياء الغلاف الجوي، وأبحاث الطقس الفضائي، وحتى في فهم مناخ الأرض. ومع ذلك، فقد تشابكت أيضًا مع ادعاءات علمية زائفة وتفسيرات روحية بعيدة كل البعد عن جذورها العلمية. يعرف "تردد شومان" بأنه مجموعة من الموجات الكهرومغناطيسية المنخفضة التردد للغاية، التي تتردد بين سطح الأرض والغلاف الأيوني (طبقة مشحونة من الغلاف الجوي العلوي)، ويمثلها البعض وكأنها بمنزلة "نبضات قلب" الأرض، لكن ليس بالمعنى البيولوجي، بل كظاهرة كهرومغناطيسية عالمية طبيعية. يحدث هذا الرنين لأن الفضاء بين الأرض والغلاف الأيوني يعمل كتجاويف رنينية عملاقة، تشبه جسم الغيتار الذي يساعد على ظهور صوت الأوتار. سُميت هذه الظاهرة تيمنًا باسم الفيزيائي الألماني وينفريد أوتو شومان، الذي تنبأ بوجودها عام 1952. واستخدم شومان معادلات ماكسويل لإظهار أن الموجات الكهرومغناطيسية يمكن أن تتذبذب في التجويف بين الأرض والغلاف الأيوني في ظل ظروف معينة. إعلان في حين كانت تنبؤات شومان نظرية، غير أن نيكولا تيسلا أجرى قياسات فعلية لتردد 7.83 هرتزات لأول مرة في أوائل القرن الـ20، وتم تأكيدها لاحقًا بشكل أوضح في ستينيات القرن الماضي باستخدام أدوات حساسة. كيف يحدث؟ رنين شومان يحدث بسبب تفريغات البرق، فكل يوم، تحدث أكثر من 8 ملايين ضربة برق حول العالم، كل ضربة منها تُنتج نبضة كهرومغناطيسية قوية تنتشر في الغلاف الجوي، وبعض هذه الموجات ينعكس بين سطح الأرض والأيونوسفير، وتبقى عالقة داخل هذا التجويف هذه الموجات تبدأ في الاهتزاز أو الرنين بترددات معينة، كما تهتز أوتار العود أو الكمان، بين سطح الأرض وطبقة الأيونوسفير توجد "مساحة" تُشبه صندوقا مغلقا أو تجويفا، كما في حالة الآلات الموسيقية، هذا التجويف يمكنه احتجاز الموجات الكهرومغناطيسية مثل موجات الراديو. تتداخل الموجات العالقة في هذا "الصندوق" مع نفسها وتُنتج رنينًا ثابتًا بترددات محددة، تمامًا مثل الصدى داخل كهف. يقاس رنين شومان بدقة، لأنه مفيد في نطاقات متنوعة، فمثلا يُمكن ذلك الباحثين من تقدير نشاط البرق العالمي، وإن التغيرات الطويلة المدى في سعة أو تردد رنين شومان قد تعكس تغيرات في درجة الحرارة العالمية أو الرطوبة أو النشاط الشمسي، ويُمكن أن تؤثر التغيرات في الرياح الشمسية والعواصف الجيومغناطيسية على طبقة الأيونوسفير، مما يُغير بدوره خصائص رنين شومان. مشكلة الدراسة الواحدة وقد افترضت بعض الدراسات أن رنين شومان قد يكون ذا علاقة بالزلازل، لكن للأسف فإن هذه النتائج لا تزال تواجه مشكلات عدة حتى تتأكد، منها أن حالات الشذوذ في رنين شومان رصدت في أثناء الزلازل، وفي أوقات لم تكن فيها زلازل كذلك، مما يعني أنه ربما لا يوجد ارتباط واضح بين الزلازل ورنين شومان. وإلى جانب ذلك، لا يوجد دعم كاف لهذا النوع من الفرضيات، حيث لم تنشر كثير من الأوراق البحثية فيه، كما باءت محاولات فرق بحثية أخرى لتأكيد هذه العلاقة بالفشل. ومن ثم لا يمكن أن نستدل بورقة بحثية واحدة أو عدة ورقات على صحة هذه العلاقة، وفي نطاقات العلوم يجب أن يكون هناك إجماع بين العلماء على تأكيد ظاهرة ما، ويتطلب ذلك عملا بحثيا كثيفا على مدى سنوات. وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، فإنه لا توجد تقنية أو طريقة أو نظرية واحدة يمكن أن تتنبأ بوقوع الزلازل قبل حدوثها، وتقع جميع المحاولات في نطاق الفرضيات، حسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية. ويجري ذلك أيضا على العلاقة بين تردد شومان وكوارث طبيعية مثل البراكين أو التسونامي، فمثلا سجلت دراسات قليلة جدا تغيّرات في تردد شومان وقت الانفجارات البركانية الكبيرة (وليس قبلها)، لكنها تظل مؤقتة وضعيفة وغير منتظمة. ومثلا بعد تسونامي المحيط الهندي عام 2004 (وليس قبله) لاحظ بعض العلماء تغيرات في المجال الكهرومغناطيسي، ولكن لم يتم تأكيد أنها أثّرت مباشرة في تردد شومان. العلوم الزائفة ويجري ما سبق على الادعاءات بوجود علاقة بين تردد شومان والجسم البشري، فالأبحاث لا تزال أولية، أي أن معظم الأدلة تعتمد على مجموعات صغيرة أو تجارب محدودة، أو أن النتائج متضاربة. إعلان ومثلا لا يمتلك العلماء، ولم يقوموا بتصميم أي أجهزة دقيقة تعتمد على رنين شومان لعلاج أمراض أو تحسين المزاج. لكن هذه الأفكار، التي تعد اقتراحات بحثية لم تجد دلائل لدعمها، تأخذها حركة العلوم الزائفة التي تنتشر حاليا بقوة في جوانب العالم، خاصة العالم الغربي، ويتم تضخيمها واعتبارها علما حقيقيا. وعلى سبيل المثال، يعتمد منظرو حركات دينية مثل "العصر الجديد" على مثل هذه الخرافات العلمية في مناهج علاجية أو تأملية ليست علمية. بل ويقوم هؤلاء باستخدام تشبيهات واستعارات مستمدة من العلوم التجريبية والنظريات العلمية والتكنولوجيا، بداية من الإشارة إلى أساليب شفاء معينة لا علاقة لها بفيزياء الكم على أنها "الشفاء الكمي"، وصولا إلى الحديث عن "الكون الهولوغرامي"، وهو فرضية علمية، واستخدام تلك الفرضية -بلغة العلم- للحديث عن كائنات متصلة ببعضها بعضا عبر ترددات معينة وأبعاد متعددة. بمعنى آخر، نحن أمام حالة استخدام "عِلمي اللغة" للإشارة إلى المعتقدات والممارسات التي هي بالأساس "بعيدة كل البعد عن العلم". تنتشر هذه الحركة (والحركات الشبيهة) في العالم حاليا، وتستمد أفكارها من الروحانيات الغربية الحديثة، مثل الثيوصوفيا والتنجيم والمسيميرية، ويعتقد المنتمون لها في العلاج بالطاقة والظواهر الخارقة للطبيعة، ويقدم ذلك في حلة تستخدم اصطلاحات علمية. لكن في النهاية، فمواضيع العصر الجديد ومثلها من الحركات، يصفها العلماء والمختصون بالتبسيط المخل واستخدام مصطلحات علمية سطحية دون دعم تجريبي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store