logo
الترمبية... أنا المسرح والبطل والضوء

الترمبية... أنا المسرح والبطل والضوء

الشرق الأوسطمنذ 17 ساعات
تربك السياسات الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب أهم عواصم العالم. خصومه يرونه خطراً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وحلفاؤه لا يثقون باستمرارية التزامه. فالرجل لا يتحرك ضمن خرائط مألوفة، بل يرسم خرائطه الخاصة على إيقاع غرائزه السياسية، وموازين القوى التي يفكك ألغازها بحدسه قبل أن يقرأها في ضوء تقارير الاستخبارات، وملخصات مستشاريه.
هو رجل صفقات، لكنه لا يخشى الحروب الخاطفة إن ضمن أن القوة تسرِّع الإقرار بشروطه. يقود وفق قاعدة «أميركا أولاً»، لكن من دون انعزالية. يريد أميركا الموصولة مع العالم، لا المعزولة عنه.
من أفريقيا وصراعاتها وثرواتها، إلى أوروبا وتلكئها بشأن مسؤولياتها الأمنية، إلى الشرق الأوسط وسياسات التنمر المتبادل بين إسرائيل وإيران، تبرز مساعي ترمب لإعادة هندسة النظام الدولي لا الانسحاب منه. فهو لا يرفض قيادة العالم، بل يريدها على مقاسه: بلا أعباء مجانية، ولا تحالفات موروثة، ولا مؤسسات دولية تقيد يديه. إنه يُعيد صياغة مفهوم الهيمنة الأميركية، ولا يتخلى عنه.
وفّرت حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران فرصة نادرة لتحليل عقيدة الرئيس الأميركي في السياسة الخارجية. فاجأ الجميع بضربة استراتيجية غير مسبوقة للمشروع النووي الإيراني. رغم مقتِه للحرب، لم يخفِ من توظيف قوة بلاده العسكرية بشكل مدروس وشديد الفاعلية، وعلى نحو يعفيه من التورط في حروب طويلة الأمد، أو مغامرات وأوهام الصقور بشأن تغيير الأنظمة، وبناء الأمم. دعا سريعاً إلى وقف إطلاق النار، مراهناً على توظيف العسكرة لخدمة الاتفاق مع إيران، وتحقيق «الصفقة الكبرى» في الشرق الأوسط، وتوسيع إطار اتفاقات السلام والتطبيع.
إنَّها مقاربة تتداخل فيها عناصر القوة والغريزة. فما يريده هو الإتيان بإيران إلى الطاولة بشروط، يحددها هو. مخاطرة محسوبة تجعل من الحرب أداة تفاوض، لا رافعة لتصدير مبادئ، وقيم.
من جهة أخرى ضغط ترمب بقسوة علنية غير مسبوقة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آمراً إياه بإجهاض هجوم على هدف في طهران كانت الطائرات قد أقلعت لتنفيذه بعد وقف إطلاق النار. لا حرية تصرف حتى لأقرب حليف لأميركا خارج المسار الاستراتيجي الذي يحدده ترمب.
لا يهمه كثيراً من يجلس على الطرف الآخر، طالما أنه يعترف بسطوة أميركا، وبترمب بوصف أنه وسيط لا غنى عنه. هذا ما عكسته بالفعل تصريحات مسؤولين إيرانيين، تمسكوا، حتى بعد ضرب المفاعلات النووية، بما سمُّوه الضمانات الأميركية الراعية للتفاوض!
خارج إيران، كرس النمط نفسه في العلاقة مع أوروبا، ضغط على كبار أعضاء حلف الناتو حتى رضخوا ووافقوا في قمة لاهاي الشهر الفائت على رفع الإنفاق العسكري إلى 5 في المائة من الناتج المحلي بحلول 2035، وهو إنجاز لم يحققه أي رئيس أميركي منذ نصف قرن.
يرى خصومه أن وصفه للاتفاق بأنه انتصار عظيم إنما يعكس سعيه لإبراز إنجازاته الشخصية، وتركيزه على المكاسب المباشرة ولو على حساب الوحدة طويلة الأمد للحلف. بيد أن هذا الإنجاز الترمبي يبرز أيضاً جانباً أكثر جدية من عقيدة الرجل، وهو إصرار أميركا الثابت على تعزيز نفوذها الاستراتيجي في العالم من دون أن تتحمل أكلافاً تراها غير عادلة.
في أفريقيا، رعى ترمب اتفاقاً بين الكونغو ورواندا، مزاوجاً بين الأمن الإقليمي في أفريقيا الوسطى والمصالح الاقتصادية الأميركية، وضمان الاستثمارات في قطاع المعادن في الكونغو، في إطار مساعيه للحد من النفوذ الصيني. يجسد الاتفاق إذن جوهر «الترمبية» في السياسة الخارجية، من خلال المزج بين البرغماتية الاقتصادية، والدبلوماسية المسنودة بالقوة، والتهديد بالعقوبات، والسعي لتعزيز صورة ترمب بوصف أنه وسيط سلام عالمي، مع ميل صارخ للوساطة الأميركية المباشرة على حساب المؤسسات الإقليمية، أو الدولية.
منتقدو الترمبية يرون في عقيدته فائضاً استعراضياً. فهو يميل، بحسبهم، إلى الإعلانات الكبرى من دون اهتمام كافٍ بالتفاصيل التنفيذية، مما يجعل سياساته سلسلة من عروض الألعاب النارية المبهرة في توهجها، ولكنها الفاقدة لأي تأثير طويل الأمد.
الاتفاق الإبراهيمي، على الضفة الأخرى، يظهر أن الترمبية تتجاوز الاستعراض إلى تحقيق نتائج ملموسة، ومستدامة في مجالات التعاون الاقتصادي والعسكري والاستخباراتي والثقافي والسياحي. كما أعاد الاتفاق تشكيل جانب مهم من تحالفات الشرق الأوسط على نحو يعكس رؤية جيوسياسية بعيدة.
يرسل سلوك ترمب برسائل واضحة لخصوم الولايات المتحدة، لا سيما الصين وروسيا، وهي أن واشنطن قادرة على الفعل السريع والمؤلم من دون الغرق في الرمال المتحركة، وأن أميركا حين تعود إلى الطاولة فإنها تعود قوية، ومتعطشة لانتصارات تغيير الواقع الدولي برُمّته.
فترمب لا يتصرف بوصف أنه قائد في نظام دولي قائم، بل على أنه صانع نظام بديل يتمحور حوله شخصياً، وحول مدرسة يريد لها أن تستمر من بعده. يريد لأميركا أن تأخذ علماً بأن العالم يتغير. فلا التزامات دائمة، ولا مبادئ كونية مفتعلة، إنما صفقات، وضغوط، وضربات دقيقة، تدار بها مروحة واسعة ومعقدة من المصالح. العالم مسرح، وترمب هو الممثل الأبرز على خشبته. أما الباقون، فعليهم أن يتكيفوا مع دور الرجل الذي لا يرضى إلا بأن يكون العريس في كل زفاف.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تهديد أوروبي لإيران: عقوبات أممية إذا لم نحصل على اتفاق نووي
تهديد أوروبي لإيران: عقوبات أممية إذا لم نحصل على اتفاق نووي

الشرق السعودية

timeمنذ 30 دقائق

  • الشرق السعودية

تهديد أوروبي لإيران: عقوبات أممية إذا لم نحصل على اتفاق نووي

قال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة "رويترز"، الثلاثاء، إن القوى الأوروبية "ستضطر إلى إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، إذا لم يكن هناك اتفاق نووي يضمن المصالح الأمنية الأوروبية". وجاءت تصريحات المصدر الدبلوماسي، بعد اتصال بين وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ونظيره البريطاني ديفيد لامي، قبيل قمة فرنسية-بريطانية. وبعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران، حيث استهدفت مواقع نووية أغلبها تراقبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأيضاً الضربات الأميركية على 3 مواقع نووية، علقت طهران تعاونها مع الوكالة، واتهمت الأوروبيين بالانحياز إلى تل أبيب وواشنطن، رغم أنها كانت في قلب المفاوضات. وبموجب شروط قرار الأمم المتحدة الذي صادق على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، بإمكان القوى الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) معاودة فرض عقوبات المنظمة الدولية على طهران، وفق آلية "سناب باك" (snapback)، قبل 18 أكتوبر، وهو ما يعرف في الأوساط الدبلوماسية باسم "آلية معاودة فرض العقوبات". ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018، رفعت إيران من درجات تخصيب اليورانيوم، وانتهكت العديد من القيود في ردها على الخطوة الأميريكة. عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، الذي استهدف مواقع نووية تخضع بمعظمها لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب الضربات الأميركية التي طالت ثلاثة مواقع نووية أخرى، أعلنت طهران تعليق تعاونها مع الوكالة، واتهمت الدول الأوروبية بالانحياز إلى جانب تل أبيب وواشنطن، رغم خوضها المفاوضات. المفاوضات الأميركية الإيرانية وفي سياق منفصل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، إن طهران لم تطلب عقد أي لقاء مع مسؤولين من الولايات المتحدة، لاستئناف المحادثات النووية. بدوره صرح مساعد وزير الخارجية الإيراني، خطيب زاده: "تلقينا رسائل من الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة تفيد باهتمامهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات". وأضاف: "كنا في خضم المحادثات عندما تعرضت الطاولة للهجوم، المفاوضات تحتاج إلى الحد الأدنى من الثقة، لكن العدوان الأخير لم يترك أي ثقة عملياً". وكان ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط، ذكر أنه سيلتقي بدبلوماسيين إيرانيين "الأسبوع المقبل، أو نحو ذلك". وقال الرئيس الأميركي، في تصريحات من البيت الأبيض خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في وقت متأخر من يوم الاثنين، إنه يأمل أن تكون الحرب مع إيران "انتهت"، مرجحاً أن طهران تريد عقد اجتماع لصنع السلام. وأعلن ترمب "تحديد موعد جديد لاستئناف المفاوضات مع الإيرانيين"، فيما قال ويتكوف إن هذا الاجتماع سيعقد قريباً، وربما "الأسبوع المقبل أو نحو ذلك".

تهدد سلامة العمليات الأممية حول العالم...حكومة اليمن: استيلاء الحوثيين على سفينة «نوتيكا» المملوكة للأمم المتحدة سابقة خطيرة
تهدد سلامة العمليات الأممية حول العالم...حكومة اليمن: استيلاء الحوثيين على سفينة «نوتيكا» المملوكة للأمم المتحدة سابقة خطيرة

الرياض

timeمنذ 31 دقائق

  • الرياض

تهدد سلامة العمليات الأممية حول العالم...حكومة اليمن: استيلاء الحوثيين على سفينة «نوتيكا» المملوكة للأمم المتحدة سابقة خطيرة

أكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني اليوم الثلاثاء أن استيلاء ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران على السفينة "نوتيكا" المملوكة للأمم المتحدة يعد سابقة خطيرة تهدد سلامة العمليات الأممية حول العالم. حيث قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في منشور عبر حسابه الرسمي بمنصة "إكس" : "في تطور خطير يعكس مجددا الطبيعة الإجرامية لمليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، أقدمت المليشيا على السيطرة على الناقلة العملاقة "نوتيكا"، التي اشترتها الأمم المتحدة العام 2023 كجزء من خطة انقاذ الناقلة المتهالكة "صافر" الراسية قبالة ساحل الحديدة، وذلك ضمن الجهود الدولية الرامية لتجنب حدوث كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية تهدد اليمن والمنطقة والعالم". وأضاف الإرياني "وكانت الأمم المتحدة قد اشترت الناقلة "نوتيكا" بمبلغ 55 مليون دولار، وأطلقت عملية تفريغ النفط من "صافر" في يوليو 2023، ولا تزال حتى اليوم تتحمل تكاليف تشغيلها وصيانتها، بهدف حماية البيئة البحرية في البحر الأحمر وضمان سلامة الملاحة الدولية، إلا أن المليشيا الحوثية قامت باستخدام الناقلة كخزان عائم لتخزين النفط القادم من إيران، في استغلال فج لمعدات ومقدرات الأمم المتحدة لخدمة مصالحها الضيقة". وتابع "لقد أصبحت كل من الناقلتين "نوتيكا" و"صافر"، التي لا تزال عائمة رغم التهالك وخطر الغرق أو الانفجار، تحت سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، وتستخدمان لتخزين شحنات النفط الواردة إلى الموانئ التي تسيطر عليها بعد الأضرار التي لحقت مؤخراُ بخزانات ميناء رأس عيسى النفطي، دون اكتراث بمخاطر التلوث البيئي الكارثي الذي قد يترتب على أي تسرب أو حادث انفجار أو غرق للناقلة صافر، نؤكد أن استيلاء المليشيا الحوثية على الناقلة "نوتيكا" وهي أصل أممي خاضع لاستخدام مخصص ومحدد بموجب الاتفاقات، يمثل إخلال جسيم بالتزامات الأمم المتحدة بشأن خطة إنقاذ صافر، وأن أي تصرف خارج هذا الإطار هو انتهاكاً مباشراً لسيادة الأمم المتحدة وتقويضاً لجهود المجتمع الدولي، ويمثل سابقة خطيرة تهدد سلامة العمليات الأممية حول العالم، ويفتح الباب أمام انتهاك ممتلكات المنظمات الدولية دون رادع، وإن هذه الممارسات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مليشيا الحوثي ليست سوى عصابة إجرامية لا تحترم تعهداتها ولا التزاماتها بموجب الاتفاقات الموقعة برعاية الأمم المتحدة، وأنها تتعمد استخدام مقدرات الشعب اليمني لخدمة مخطط إيران لزعزعة استقرار اليمن والمنطقة، وتهديد أمن الطاقة والملاحة الدولية في واحد من أهم الممرات البحرية العالمية". وأكمل "لقد سبق وأن حذرنا في أغسطس 2023م من معاودة مليشيا الحوثي استخدام السفينة (نوتيكا)، البديلة للناقلة (صافر)، وطالبنا المجتمع الدولي، وفي المقدمة الأمم المتحدة، بالتحرك لمتابعة الخطوات القادمة ضمن مراحل خطة الانقاذ وعمل كل ما من شأنه ضمان عدم استخدام المليشيا للناقلة البديلة لخدمة مصالحها، ووإزاء هذا التصعيد الخطير، فإننا نطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن وفريق الخبراء إلى التحقيق العاجل في الحادثة، واستعادة الإشراف الأممي الكامل على السفينة، وعدم السماح لمليشيا الحوثي بإستخدامها للالتفاف على قرار التصنيف الأمريكي والعقوبات التي ترتبت عليه، ومحاسبة صارمة لقادة المليشيا على هذه الانتهاكات للاتفاقات الدولية". واختتم بقوله "إن تحويل السفينة "نوتيكا"، المملوكة للأمم المتحدة، إلى خزان لتهريب النفط الإيراني، يمثل تحدياً سافراً للشرعية الدولية، لذلك فإن صمت المجتمع الدولي إزاء هذا التصعيد الخطير سيفهم كضوء أخضر لمليشيا الحوثي للمضي في انتهاكاتها، وهو ما يستدعي تحركاً عاجلاً يرقى لمستوى الخطر الداهم".

وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية إيران
وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية إيران

الرياض

timeمنذ 31 دقائق

  • الرياض

وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية إيران

استقبل صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية، في مقر الوزارة بمنطقة مكة المكرمة، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد عباس عراقجي. وجرى خلال الاستقبال بحث العلاقات الثنائية، ومناقشة آخر التطورات في المنطقة، والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار فيها. حضر الاستقبال سمو مستشار وزير الخارجية للشؤون السياسية الأمير مصعب بن محمد الفرحان، ومستشار سمو الوزير محمد اليحيى، ومدير عام الإدارة العامة للدول الآسيوية ناصر آل غنوم، والمستشار بوزارة الخارجية الدكتورة منال رضوان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store