
رئيسة الوفد الكردي لـ«الشرق الأوسط»: طرحنا في اجتماع دمشق المشاركة بالبرلمان والتحفظ على الإعلان الدستوري
عُقد في العاصمة السورية، دمشق، بداية الشهر الحالي اجتماعٌ وُصف بالتاريخي بعدما طال انتظاره، ضم مسؤولين من الحكومة السورية ووفداً من «الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا» برئاسة كبيرة المفاوضين فوزة يوسف، وجرى خلاله بحث تشكيل لجان فرعية لتطبيق الاتفاق، الذي وقَّعه الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، مع القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي، برعاية أميركية، وبإيجاد أرضية مشتركة للمفاوضات لحل القضايا الخلافية.
وأكدت القيادية الكردية فوزة يوسف، وهي من الرئاسة المشتركة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاءات كانت إيجابية وعُقدت بعلم ودعم من التحالف الدولي والولايات المتحدة وقوى إقليمية، وذكرت أنه تقرر تشكيل اللجان الفرعية بعد عطلة عيد الأضحى.
وقالت يوسف: «كان هناك توافق بين الجانبين بتشكيل لجان متخصصة في جميع المجالات تحت إشراف اللجنة المركزية، لوجود قضايا وملفات عدّة في حاجة إلى اختصاصين من كلا الطرفين؛ للوصول إلى رؤية مشتركة لدمج الإدارة الذاتية» في هياكل الدولة السورية.
أحمد الشرع ومظلوم عبدي يوقّعان على الاتفاق بين الحكومة و«قسد» في مارس الماضي بدمشق (أرشيفية - سانا)
نص الاتفاق، الذي وقَّعه الشرع وعبدي في مارس (آذار) الماضي، على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة الجديدة، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، ومن بين اللجان المزمع تشكيلها «لجنة إدارية» لبحث كيفية دمج مؤسسات الإدارة والعاملين فيها في هياكل الدولة ودوائرها، ولجنة ثانية تعليمية لإلحاق الطلبة والمدارس والمجمعات التربوية في وزارة التربية والتعليم والاعتراف بشهاداتها ومراحلها، ولجنة متخصصة في الأمن والقوات العسكرية وطريقة دمج هذه القوات في هياكل وزارتي الدفاع والداخلية، ولجان أخرى ستحدد لاحقاً بحسب الحاجة.
وتتوزع مناطق الإدارة الذاتية على 4 محافظات سورية تقع شمال شرقي البلاد، هي: ريف حلب الشرقي، وريف دير الزور الشمالي والشرقي، ومركز مدينة الرقة والطبقة، إلى جانب محافظة الحسكة ومدينة القامشلي تديرها 7 مجالس محلية مدنية.
جانب من الاجتماع التاريخي الذي ضمَّ وفداً رسمياً من الحكومة السورية والإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا (متداول)
وعن مصير هذه المؤسسات والعاملين فيها، أوضحت القيادية الكردية أن هذه الهياكل ستقود المرحلة الانتقالية خلال عملية الدمج. وقالت: «من الواضح أن فهمنا للدمج والتكامل يختلف عن منظور دمشق؛ فالحكومة تفهم مسألة الدمج بإلغاء الإدارة الذاتية وحل قواتها العسكرية، بينما نحن نرى أن التكامل يعني أن تواصل مؤسساتنا الحالية عملها وأنشطتها لقيادة هذه المرحلة وتصبح مستقبلاً جزءاً من الدولة».
وشددت على أن هذه الإدارات المحلية جزء من منظومة الحوكمة التي يديرها أبناؤها وهم يدركون جيداً مشاكلها... «بمعنى آخر نريد حماية حقوق هذه الإدارات في التطور والتنسيق مع دمشق على أساس الترتيبات الدستورية وضمان استمراريتها قانونياً وشرعياً».
وعن دمج القوات العسكرية والأمنية في وزارة الدفاع ككتلة واحدة، والاحتفاظ بخصوصيتها وتوزيعها الجغرافي، علقت يوسف بالقول: «لا يمكن مقارنة (قسد) بباقي الفصائل الثانية من حيث العدد والنوعية والأسلحة والتجربة القتالية، (قسد) درَّبتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وستشكل نواة جيش سوريا المستقبل ويجب أن يكون لها دور قيادي؛ لأنها قوات منضبطة ومنظمة، وأثبتت جدارتها في حماية مناطقها والحدود السورية على مدار أعوام».
لافتة مرورية تشير إلى مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
أضافت أن الجانب الحكومي أظهر جدية في تطبيق بنود الاتفاق واستبعاده الخيارات العسكرية والحلول الأمنية، وأكد الجانبان «على أن عدم التصادم العسكري بين قوات وزارة الدفاع وقوات (قسد) كان خياراً استراتيجياً يجب الحفاظ عليه؛ لبناء التوافقات وبناء دولة قوية ذات سيادة على كامل الأراضي السورية».
غير أن الاتفاق الذي أبرمه الشرع وعبدي وضع خطة زمنية بما لا يتجاوز تنفيذها نهاية العام الحالي. فماذا عن هذه الحطة الزمنية؟ تشير يوسف إلى وجود قضايا وملفات شائكة عديدة «بحاجة للمزيد من الوقت، مثلاً كيفية دمج القوات العسكرية والأمنية لأنها منتشرة في مساحة جغرافية تعادل ثلث سوريا، أما مسألة تبييض السجون وإفراغ المخيمات فهما في حاجة إلى وقت أكبر».
وذكرت أنه وبعد إعلان الشرع وعبدي عقدت الإدارة أول اجتماع في الحسكة آنذاك مع وفد الحكومة، وجرى تبادل لوجهات النظر، وكانت من بين أكثر المسائل التي في حاجة إلى حلول سريعة مسألة الامتحانات النهائية للشهادتين الإعدادية والثانوية العامة، وقد «أبدى الوفد الحكومي استعداده لحلها، لكن وحتى تاريخ اليوم وبعد مضي 3 أشهر؛ لم يصدر أي قرار رسمي لتنظيم عملية الامتحانات في مناطق الإدارة وآلاف الطلبة مستقبلهم على المحك»، على حد قول يوسف.
وفي ردها على تهم الانفصال والتقسيم لمطالبتهم باللامركزية السياسية، عدَّت يوسف أن جلوس «الإدارة الذاتية» في دمشق ووجود وفدها هناك «أكبر دليل وبرهان على التمسك بالدولة السورية».
قادة الإدارة الذاتية خلال وقفة وقراءة بيان أمام مبنى هذه الإدارة في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
وقالت: «نحن جزء من سوريا، وهذا موقف مبدئي بالنسبة لنا، واللامركزية لا تتناقض مع الوحدة، وكلنا سوريون، لكن هناك خصائص قومية لكل منطقة، مع وجود تنوع ديني وإثني»، كما توجد خصوصية ثقافية لكل منطقة «يجب أن توضع في الحسبان، والكثير من الدول المتقدمة نظامها لامركزي وهي دول قوية، حيث تم تشويه مصطلح اللامركزية وكأنه انقسام وانفصال».
وإلى جانب الملفات العسكرية والإدارية ستبحث هذه اللجان الملف الاقتصادي وتسليم حقول النفط والطاقة، حيث تبسط قوات «قسد» السيطرة على نحو 85 في المائة من الثروة النفطية، إضافة إلى 45 في المائة من حقول الغاز الطبيعي وإنتاجها، بما فيها حقول العمر والتنك بريف دير الزور شرق سوريا.
ويعد «حزب الاتحاد الديمقراطي» أحد أكبر الأحزاب الكردية التي تدير مناطق الإدارة الذاتية منذ تأسيسها سنة 2014.
وكشفت يوسف عن أنهم ناقشوا مع الجانب الحكومي مشاركتهم في تشكيلة البرلمان السوري الذي يتم الإعداد والتحضير له، ومن المرجح أن تبدأ المشاورات بعد عطلة العيد، كما نقل وفد الإدارة تحفظهم على الإعلان الدستوري.
أضافت: «تطرقنا إلى اللامركزية والمشاركة في البرلمان والإعلان الدستوري في بعض الأسطر، لكن الاجتماع كان الأول من نوعه؛ لذلك ناقشنا هذه الخطوط العريضة، وكانت جلسة تمهيدية وفي اجتماعات لاحقة سندخل في نقاشات معمقة».
مدخل مدينة القامشلي أحد أبرز المدن الحضرية الخاضعة لنفوذ الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية (الشرق الأوسط)
وذكرت يوسف أن وفد الإدارة نقل للجانب الحكومي التحفظ على الإعلان الدستوري «لأن الإعلان يكرّس حكماً مركزياً، وتجب إعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطات بشكل عادل، واحترام حرية العمل السياسي والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لامركزي ديمقراطي».
وختمت فوزة يوسف حديثها بالقول: «نحن مستعدون للحوار وننتظر الجانب الحكومي لتحديد موعد جديد لاستئناف المباحثات، والمباشرة في عمل اللجان».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سوريا
أوضح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان شرط أساسي للتطبيع مع سوريا. وأضاف ساعر، في حواره مع قناة "آي نيوز 24"، أن اعتراف سوريا بسيادة إسرائيل على الجولان شرط لأي اتفاق مستقبلي مع الرئيس السوري أحمد الشرع. وصرح: "إذا أُتيحت لإسرائيل فرصة التوصل إلى اتفاق سلام أو تطبيع مع سوريا، مع بقاء الجولان تحت سيادتنا، فهذا أمر إيجابي لمستقبل الإسرائيليين". ونقلت القناة الإسرائيلية، عن مصدر سوري مطلع، قوله سابقًا إن إسرائيل وسوريا ستوقعان اتفاقية سلام قبل نهاية عام 2025. وأشار إلى أن الاتفاقية تنص على انسحاب إسرائيل تدريجيًا من جميع الأراضي السورية التي احتلتها بعد التوغل في المنطقة العازلة في 8 ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ. وتزامنت تصريحات ساعر مع ما نقلته القناة نفسها عن مصدر سوري مطلع، توقع التوصل إلى اتفاق تطبيع كامل بين دمشق وتل أبيب قبل نهاية 2025. وأشار إلى أن المحادثات لا تزال جارية برعاية الرئيس الأميركي الحالي وتشجيع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وطلب من الرئيس السوري أحمد الشرع. ويتضمن الاتفاق، بحسب المصدر، انسحابًا تدريجيًا لإسرائيل من الأراضي السورية التي سيطرت عليها بعد دخول المنطقة العازلة في ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ، على أن تُحوَّل مرتفعات الجولان إلى "حديقة للسلام"، من دون توضيح لمسألة السيادة النهائية. وقبل يومين، صرح الرئيس السوري أن سلطات الإدارة السورية الجديدة تعمل على إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المناطق الآمنة في محافظة القنيطرة جنوب غربي البلاد. وأكد الشرع في بيان صادر عن مكتب الرئاسة، العمل على إيقاف "الاعتداءات الإسرائيلية عبر مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء دوليين". كما أشار البيان إلى أن الشرع التقى وجهاء وأعيان محافظة القنيطرة والجولان. يشار إلى أن إسرائيل كانت شنت منذ ديسمبر 2024 وسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، عشرات الغارات مستهدفة قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية للجيش السوري السابق. كما توغلت قواتها في المنطقة العازلة، وتوسعت في مرتفعات الجولان المحتل وجبل الشيخ، ومناطق أخرى في الجنوب السوري.


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
دمشق في مواجهة عودة مفاجئة لـ«داعش»
أعادت العملية الانتحارية التي استهدفت كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة في دمشق، الجدل حول نشاط «داعش» داخل الأراضي السورية. ورغم اللغط الذي أثاره إعلان «سرايا أنصار السنة» تبنّيها العملية، تتفق مصادر متقاطعة على أن الجماعات المتطرفة، على اختلاف توجهاتها، تنخرط الآن في محاولات حثيثة لتقويض حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع، بدوافع وأساليب مختلفة. ويكشف قائد في الجيش السوري الجديد عن جانب خطر من محاولات تنظيم «داعش» لتنفيذ عمل عسكري واسع ومفاجئ على دمشق، بالتزامن مع خطط لتغلغل عناصر من البادية إلى المدن، بينما تندفع جماعات أخرى «دعوية» لشن هجمات تحت طائلة الغضب والتوتر من السلطات السورية. وحذر القائد العسكري من «استراتيجية (داعش) الحالية التي تعتمد الهجرة من البادية إلى المدن والتغلغل فيها وتشكيل خلايا جديدة داخلها». وقال: «لدينا ما يكفي من القدرات للتصدي لخطر التنظيم وتفكيك خلاياه (...) نحن نعرفهم أكثر من غيرنا». عناصر من الأمن الداخلي السوري خلال عملية إلقاء القبض على خلية لتنظيم «داعش» في ريف دمشق (الداخلية السورية) تحدّث القائد في الجيش السوري الجديد عن معلومات حساسة تتعلق بخطط تنظيم «داعش»، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجيش تمكن من الحصول على المعلومات بعد نجاحه في الإمساك بخلية تابعة للتنظيم قبل عدة أشهر في مدينة حمص، كانت قادمة من منطقة البادية السورية»، ما يشير إلى استراتيجية يعمل عليها التنظيم للتغلغل من المناطق الصحراوية إلى المراكز الحضرية. وبعد يوم واحد من الهجوم على الكنيسة، أعلنت وزارة الداخلية السورية، في 23 يونيو (حزيران) 2025، أنها نفّذت «عملية دقيقة» بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة لتعقّب واستهداف أوكار «داعش» في دمشق وريفها، «خصوصاً التي نفذت الهجوم الإرهابي على كنيسة القديس مار إلياس». ويقوم مخطط «داعش»، وفق المصدر، على تنفيذ عمل عسكري واسع ومفاجئ، من خلال السيطرة على عدة أحياء في مدن رئيسية في وقت واحد، وكانت نقطة الانطلاق، بحسب الكشف الأمني، ستكون حمص. وقال: «كان تفكيك الخلايا مهمّاً جداً، إذ عززنا الوجود العسكري في حمص وأريافها، وهي ضربة استباقية مهمة لإحباط مخططات التنظيم وتعزيز الاستقرار في سوريا». وتابع: «من ضمن الأهداف التكتيكية لـ(داعش) أيضاً، استهداف أماكن عبادة ومقامات دينية للعلويين والمرشديين والمسيحيين، لإحراج الحكومة السورية، والإيحاء بأن البلاد غير آمنة». وهي استراتيجية اشتهر بها التنظيم في سوريا، وقبلها في العراق، لمحاولة تأجيج الفتنة الطائفية والدينية، وبالتالي تقويض السلطة الحكومية وإظهارها عاجزة عن حماية مواطنيها ومقدساتهم، ما يخدم أجندة التنظيم في إثارة الفوضى وتجنيد المزيد من الأفراد، وفق المصدر. وكانت تقارير محلية قد أشارت إلى أن تنظيم «داعش» كثّف نشاطه لإعادة هيكلته من جديد، بعد فترة من السبات والترقّب، وهي معلومات لا تزال تحتاج إلى المزيد من التحقق من مصادر مستقلة. أولوية «داعش»، بحسب معلومات الجيش السوري، والتأثير المأساوي لتفجير الكنيسة الأرثوذكسية، ينسجمان إلى حد بعيد مع الاتهام الفوري الذي وجّهته الحكومة السورية للتنظيم، وحمّلته مسؤولية العملية الدموية، قبل أن تعلن اعتقال أفراد قالت إنهم ينتمون إليه. إجراءات أمنية في وسط دمشق بعد التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة في حي الدويلعة (أ.ب) بينما يُعد تفجير «مار إلياس» أول عمل إرهابي من هذا النوع يستهدف مصلّين في كنيسة دمشقية منذ عام 1860، أيّد كثيرون الرواية الحكومية، سيما وأن خطر «داعش» قائم. لكن مصادر مطلعة اعتبرت أن الحادث وإن اعتمد أساليب مشابهة، إلا أنه لا يتوافق مع «أدبيات داعش» أو منهجه في سوريا عموماً وتحديداً في هذه المرحلة. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «(داعش) لم يسبق له استهداف الكنائس بهذه الطريقة في مناطق سيطرته داخل الأراضي السورية»، مشيرة إلى أن التنظيم «لن يحقق فائدة من ضرب الكنائس بينما يخوض حرباً ضد حكومة الشرع، لتجنب المزيد من النفور الاجتماعي منه». ومنذ بدايات انتشاره في البلدات السورية، كان التنظيم الإرهابي يقوم بتحطيم الصلبان وتكسير أسوار الكنائس ومحتوياتها ورفع رايات التنظيم فوقها. وحدث ذلك في محافظات دير الزور وريفي حمص وإدلب في فترات متباعدة. وإلى ذلك فإن الكنائس عموماً لم تكن بمنأى عن الاستهداف والقصف من قبل النظام السابق. انتشار قوات الأمن العام في اللاذقية في محيط الكنائس (وزارة الداخلية) ولكن اليوم وبحسب المصادر يركّز «داعش» على أولوية مختلفة، إذ يعمل على «إيذاء مَن يعتبرهم أعداءه من الشخصيات التي تشغل مناصب مهمة في حكومة الشرع». وقالت المصادر إن «أشخاصاً مطّلعين على أدوات عمل التنظيم، وحركته في مناطقه لا يرونه مهتمّاً حاليّاً بتفجير الكنائس ودور العبادة، بل بضرب الحكومة بشكل مباشر». ويرى كثيرون أن العداء المعلن بين دمشق والتنظيمات المتطرفة، لا سيما «داعش»، يعزّز من ثقة المجتمع الدولي بالحكومة السورية الجديدة، كما أن الأخيرة لا تتردد في اعتقال أفراد هذه الجماعات. رواية «أهل السنة» الذين يصرّون على التشكيك في مسؤولية «داعش» عن تفجير الكنيسة، تلقي باللوم على متطرفين من جماعة «الدعاة»، وهم جزء من «سرايا أنصار السنة»، كانوا قد اعتُقلوا سابقاً على خلفية تجوالهم في مناطق مسيحية. الجماعة نفسها كانت قد ردّت على بيان الحكومة السورية الذي حمّل «داعش» مسؤولية التفجير، وقالت إن «الاستشهادي محمد زين العابدين أبو عثمان أقدم على تفجير كنيسة مار إلياس بحي الدويلعة بمدينة دمشق، مخلّفاً عشرات القتلى والجرحى». ووصفت الجماعة بيان الحكومة بأنه «ملفّق وعارٍ عن الصحة ولا يستند إلى دليل». وتوعّدت بأن «جنودها من استشهاديين وانغماسيين على أتم الجاهزية، عدةً وعدداً». إلا أن وزارة الداخلية السورية واصلت محاولاتها لإثبات صحة روايتها الأولى عن مسؤولية «داعش»، وكشفت يوم 24 يونيو 2025 عن هوية منفذي التفجير وكانا قادمين من مخيم الهول. مع حماسة الجماعة لاحتكار العملية ونفيها عن آخرين مثل «داعش»، لا يتوقف الحديث بين شخصيات مطلعة على طبيعة الجماعات الإرهابية حول حقيقة الجهة التي نفذت عملية الكنيسة. وتُفيد إحدى الفرضيات بأن مجموعة «الدعاة» قد نفذت العملية الانتحارية دون تخطيط مركزي على طريقة «الذئاب المنفردة» بدافع الغضب من تصرفات الأمن العام، الذي اعتقل عدداً من أعضائها بعد قيامهم بجولات «دعوية» في أحياء تقطنها أغلبية مسيحية. وشهدت تلك الجولات مشادات كلامية وتوتراً بين أفراد الجماعة وسكان محليين وشخصيات دينية مسيحية. وتستند هذه الفرضية، التي تقاطعت حولها عدة مصادر، إلى أن «سرايا أنصار السنة» تبنّت العملية بعد تنفيذها فعلياً. لكن مصادر أمنية استبعدت تماماً أن تكون عملية بهذا التأثير السياسي والأمني الكبير من تنفيذ جماعة غير تنظيم «داعش»، الذي تثبت خططه أنه يستهدف الحكومة، فيما تسارع الأخيرة إلى اعتباره خصمها الأول. تحاول السلطات السورية اليوم وبشتى الوسائل، عزل «داعش» عن حاضنته السابقة. ويقول وسطاء يعملون على تسهيل المصالحة بين الدولة السورية وأفراد كانوا منتسبين سابقاً للتنظيم، إن «أكثر من 150 شخصاً لم يثبت ارتكابهم جرائم ضد المدنيين، قد تخلّوا عن (داعش) وتم العفو عنهم». تدابير وإجراءات أمنية مكثفة قرب «كنيسة مار إلياس» في دمشق (أ.ب) وأوضح أحد هؤلاء الوسطاء، وهو من وجهاء العشائر السورية وفضّل عدم ذكر اسمه، تفاصيل مهمة في هذا السياق، إذ أكد أن «عدداً من المشمولين بالعفو انضموا إلى الدولة السورية بعد تزكية شخصيات دينية وعشائرية لهم». ويميل مراقبون إلى الاعتقاد بأن السياسة التي تنتهجها الحكومة تعكس رغبتها في إعادة دمج عناصر التنظيم غير المتورطين بالدم في المجتمع، لفك ارتباطهم عن التنظيم والتخلص من الأفكار المتطرفة وسحب البساط في المقابل من تحت أقدام «داعش» من التحكم بهم، بما يسهم في إضعافه. وقال الوسيط لـ«الشرق الأوسط»: «طلبنا من الحكومة تسوية أوضاع أعضاء سابقين في (داعش) من غير المتورطين بجرائم، لتشجيع الآخرين على التخلي الكامل عن التنظيم (...) والحكومة تدرك أن الاستمرار في ملاحقتهم سيجعلهم يتمسكون به أكثر». واستدرك الوسيط: «بالطبع لا تزال الحكومة تلاحق شخصيات داعشية متورطة في أعمال عنف ضد هيئة تحرير الشام وضد المدنيين (...). هؤلاء لا شفاعة لهم».


الشرق الأوسط
منذ 13 ساعات
- الشرق الأوسط
نكهة سورية مسيحية للمبدئية
هذا الجاني الذي اقتحم كنيسة مار إلياس في دمشق مساء الأحد الماضي، أثناء تأدية المصلين الصلاة، مُطْلقاً النار عشوائيّاً، ومفجِّراً نفسه بواسطة سترة ناسفة، ما أسفر عن مقتل 22 مصلِّياً، وإصابة العشرات بجراح بينهم أطفال وإشاعة الذعر في الكنيسة... هذا الجاني لو كان بدل الشحن التكفيري له قد وجد مَن يرشده إلى سواء السبيل، ويشجعه على أن يعرف ما التعايش الطوائفي، لما ارتكب هذا الإثم الذي مآله النار في الآخرة. هذه الواقعة المؤلمة التي ذهب ضحيتها رجال ونساء مسنون، تجعلنا نستحضر من الذاكرة، ومن أوراق ووثائق ومحاضر جلسات ومؤلفات، كيف أن حقبة مضيئة من تاريخ سوريا الأربعينات والخمسينات كانت الطائفة المسيحية شريكة كل الطوائف، وتستوقفنا بالذات حالة، بل ظاهرة فارس الخوري المسيحي، الذي وُلد في بلدة الكفير اللبنانية، المتكئة على سفح جبل حرمون، المنتقل مع العائلة، بسبب ظروف الفتن والاحتراب، إلى سوريا، التي تشاء الأقدار -وكان قد بات جامعياً وحقوقياً وسياسياً- أن ينخرط في العمل السياسي زمن ازدهار التعدد الحزبي في سوريا، وبالذات «الكتلة الوطنية» و«الحزب الشيوعي»، وسجّل من المواقف التي تتسم بالتوازن، ما جعل المعادلات السياسية في رئاسات متنوعة المشارب تختاره لكي يترأس الحكومة. بل لعله أكثر السياسيين الذين ترأسوا حكومات في عهد الرئيس شكري القوتلي وعهد الرئيس هاشم الأتاسي، وهذا الترؤس للحكومة سبقه اختياره وزيراً للمعارف ثم للمالية. وأما المحطة اللافتة فتمثلت في أن أعضاء البرلمان السوري انتخبوه في ثلاثة مجالس نيابية رئيساً لهم. لكن تبقى محطته الأممية ذات أهمية نوعية، فهو في مناسبة لمناقشة صيغة تقسيم فلسطين مع بعض التعديلات خلال انعقاد جلسة للهيئة العامة للأمم المتحدة (23-9-1947) قال ردّاً على المندوب الأميركي المؤيد للتقسيم: «اليهود لا علاقة لهم بفلسطين منذ عشرين قرناً، أما صلتهم العاطفية بها فيشاركهم فيها المسلمون والنصارى أيضاً، عدا ذلك فاليهود لم يُشكِّلوا دولتهم قديماً إلَّا في جزء من فلسطين، والحضارة التي ادّعوا أنها حضارتهم أخذوها عن جيرانهم الكنعانيين والفلسطينيين والمصريين والبابليين...». وكان فارس الخوري، الذي ترأَّس حكومات سورية، وشغل مناصب وزارية عروبياً ووطنياً ولا طائفياً بامتياز -لعل البعض في لبنان يتأملون في العبر التي ما أكثرها وأقل الاعتبار تجاهها- تناول في كلمات ألقاها في إحدى مداولات أممية بين باريس ونيويورك موضوع حائط المبكى، وتستوقفنا في هذا الصدد العبارة التالية له «بينما كانت اعتداءات اليهود وخرْقهم للهدنة ومهاجمتهم منطقة النقب تمهيداً للاستيلاء عليها وتشريد نصف مليون فلسطيني تستوجب النظر في هذه الأمور، فإن ممثل اليهود أخذ يتكلّم عن حائط المبكى! هل احتل اليهود هذا الحائط وهل يحتله العرب الآن؟ إن هنالك أحجاراً قائمة وهي لا تزال هناك منذ العصور القديمة ولا يمسها أحد... فماذا يريدون؟ إنها في مدينة القدس القديمة، ولا تزال في مكانها هناك...». وتناول فارس الخوري في الموضوع نفسه دعوى اليهود ضد الجيوش المصرية التي تجتاز حدود فلسطين، واصفة ذلك بأنه اعتداء، فقال «إن الجيوش المصرية تدخل فلسطين من أراضي مصر المتاخمة لأسباب تبرر دخولها، أما الجيوش اليهودية فمن أين أتت؟ لقد عبرت جيوش اليهود البحار والمحيطات والجبال، وتهافتت من كل بلاد العالم لتهاجم فلسطين ولتوطد أقدامها فيها، فهل يمكن اعتبار أولئك المعتدين الذين أتوا لغزو شعب مسالم في عقر داره أنهم يعملون بحق... بينما يُعتبر القادمون إلى إخوانهم ليوطدوا الأمن ويعيدوا اللاجئين إلى أوطانهم جماعة معتدين!». وما هو أكثر لفْتاً للانتباه، أنه بعد انتهاء عضوية سوريا في مجلس الأمن الدولي (نهاية 1948) عاد فارس الخوري إلى دمشق، ومن دون أن يخطر في باله أنه سيلقى هذا الاستقبال الرسمي، الشعبي؛ حيث إن الجماهير زحفت صباح يوم الاثنين (10-1-1949) للمشاركة في استقباله، والذي بلغ مستوى غير مسبوق، إذ إن رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس الحكومة خالد العظم ونائبي رئيس مجلس النواب والوزراء والرؤساء السابقين ورموز أهل الفكر والثقافة والأدب، شاركوا في الاستقبال. ويروي الإعلامي محمد الفرحاني الذي استندْنا إلى كتاب ألَّفه عن فارس الخوري (إضافة إلى أوراق ذكريات جمعتْها الحفيدة الأديبة المتألقة كوليت خوري) أنه بعدما انتهى «الابن البار» من تحية مستقبليه، سأل ولده عن طربوشه، وكان قد أوصاه بأن يحضره معه إلى المطار في كتاب بعث به إليه، ولكن الابن نسي، فما كان من العلَّامة المسلم الشيخ بهجت البيطار إلَّا أن رفع عمامته بكلتا يديه، ووضعها على رأس فارس الخوري السوري المسيحي، ووسط التهليل والتصفيق ركب إلى يسار الرئيس القوتلي في الطريق إلى القصر الجمهوري، وبعد ذلك إلى منزله. في أواخر الخمسينات أصيب هذا السياسي المسيحي الظاهرة في الحياة السياسية السورية - العربية - الأممية بتوّعك، انتهى بمضاعفات على أنواعها في الجسم، وتوفي عام 1962 عن 85 عاماً، وأقيمت له جنازة رئاسية، وتقدَّم المشيعين رئيسُ الجمهورية ناظم القدسي، والرئيس السلف شكري القوتلي. لعل وعسى يُعيد رموز جماعات التطرف النظر في مفاهيم وشحن مذهبي، والتأمل بعقل منفتح في الظاهرة النموذج للمبدئية الوطنية والعروبية الثابتة وللتعايش الإسلامي - المسيحي في الوطن، الذي كانت عليه سوريا قبْل ثلاثة أرباع القرن، ترأَّس الحكومة فيها مرات عدة المسيحي فارس الخوري، فضلاً عن وقفات تتصل بالقضية الفلسطينية.