logo
جيش الاحتلال والموساد وتاريخ من الصراعات والإخفاقات

جيش الاحتلال والموساد وتاريخ من الصراعات والإخفاقات

الجزيرةمنذ 2 أيام
في كواليس المنظومة الأمنية الإسرائيلية الموجهة للخارج، يدور صراع على النفوذ بين جناحيها الأساسيين: الجيش وجهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) في ظل اختلاف الرؤى على طريقة إدارة التهديدات الخارجية.
لسنوات طويلة، تمكنت هذه الأجهزة من إدارة نزاعاتها الداخلية تحت مظلة "التنسيق الأمني" لكن التسريبات والاتهامات المتبادلة مؤخرا عرت الانقسامات الكامنة.
ويقدم هذا التقرير عرضا لجذور الصراع، ويحلل محطاته المفصلية، ليكشف كيف باتت الانقسامات الداخلية تؤثر على تماسك المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وقدرتها على مواجهة التحديات المصيرية.
جذور الصراع
تعود جذور العلاقة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الموساد إلى مرحلة تأسيس إسرائيل ذاتها، حيث ولدت المؤسستان في ظل بيئة سياسية وأمنية مضطربة أعقبت إعلان قيام دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وقد جرى إنشاء الجيش ليكون القوة العسكرية المسؤولة عن حماية المشروع الاستيطاني وترسيخ احتلال الأرض بالقوة، بينما أسس الموساد في ديسمبر/كانون الأول 1949 بناء على مقترح رؤوفين شيلواح، المقرب آنذاك من رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون ، ليكون ذراعا استخباراتيا خارجيا مكلفا بمهام جمع المعلومات الاستخباراتية وإدارة العمليات الخاصة ضد الخصوم خارج حدود فلسطين المحتلة.
ورغم وضوح الأدوار المرسومة نظريا، لم يعرف الواقع انسجاما دائما بين هاتين المؤسستين، إذ سرعان ما بدأ التنافس والتداخل على إدارة الملفات الحساسة، ليتحول إلى صراع مستمر على النفوذ والفضل.
وكان أول مشهد دراماتيكي لهذا التوتر في فضيحة لافون عام 1954، حين أدار الموساد شبكة تخريبية باسم "الوحدة 131" في مصر لتنفيذ تفجيرات بهدف تقويض علاقتها مع بريطانيا والولايات المتحدة.
ومع انكشاف الشبكة واعتقال عناصرها على يد الأمن المصري، تفجرت أزمة داخلية حادة، فالجيش الإسرائيلي اتهم الموساد بتوريط الكيان في مغامرات غير محسوبة، وقد رد الموساد باتهام قيادة الجيش بالتنصل من المسؤولية لتحميله وحده كلفة الفشل.
وبدأت التوترات تتفاقم بين جناحي القوة منذ أزمة روتيم عام 1960 التي بدأت باستفزازات إسرائيلية على طول الحدود مع سوريا، ونَشرت مصر قواتها المسلحة على الجبهة الجنوبية لإسرائيل غير المحمية إلى حد كبير، مما أدى إلى مفاجأة إسرائيل، وأظهر إخفاقا استخباراتيا في صفوف الجيش والاستخبارات، مما أثر على الثقة الداخلية بين الموساد والجيش.
ثم جاءت عملية ميونخ 1972 لتكشف عن انقسام آخر، عندما نفذت مجموعة "أيلول الأسود" هجوما ضد رياضيين إسرائيليين، حيث أصر الموساد حينها -وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية- على الرد عبر سلسلة اغتيالات سرية استهدفت قيادات فلسطينية في أوروبا، ومن جانبها دعت قيادة الجيش إلى تنفيذ ضربات عسكرية واسعة النطاق ضد الفصائل الفلسطينية في لبنان وسوريا.
وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 تفاقم التوتر بين الموساد والجيش، حين أرسل رئيس الموساد زفي زمير آنذاك تحذيرًا عاجلا بأن هجوما مشتركا وشيكا ستشنه مصر وسوريا على إسرائيل.
ورغم نقل الموساد التحذير، إلا أن الجيش والإدارة السياسية تأخرا في التفاعل، وفقًا لتقارير لجنة أغرانات، حيث تبنّت إسرائيل المفهوم القائل إن العرب لن يهاجموا، مما ساهم في إضعاف الإنذار المبكّر وتفاقم فجوة الثقة بين الموساد والجيش.
مع دخول الألفية الجديدة، تصاعد الانقسام مدفوعا بإخفاقات ميدانية متكررة هزت صورة "التفوق الأمني" التي طالما تفاخرت بها إسرائيل، وسط تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات عن الفشل.
وقد شكلت حرب لبنان الثانية عام 2006 نقطة تحول بارزة، إذ فاجأ حزب الله قيادة الجيش والموساد الإسرائيلييْن بعملية أسر الجنود الإسرائيليين وإطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات، وعلى إثرها اعتبر قادة الجيش أن الموساد أخفق في تقديم معلومات دقيقة عن قدرات حزب الله الصاروخية وانتشاره الميداني بالجنوب اللبناني.
وفي المقابل، رد الموساد باتهام القيادة العسكرية بالاستخفاف بالمعطيات الاستخباراتية، وإدارة المعركة بشكل مرتجل مما أدى إلى فشل تحقيق "نصر حاسم".
وقد كشفت لجنة "فينوغراد" -التي حققت في إخفاقات الحرب- عن فجوة عميقة في التنسيق العملياتي بين الجانبين، معتبرة أن غياب الرؤية الموحدة ساهم في حالة التخبط الإستراتيجي.
وتفجر الخلاف أيضا بعد عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010، حيث انتقد قادة الجيش الموساد بشدة على خلفية تداعيات هذه العملية معتبرين أنها وضعت إسرائيل في مواجهة أزمة دبلوماسية خانقة وهددت باندلاع تصعيد ميداني في غزة.
وتكرر المشهد ذاته خلال الحروب على غزة، لاسيما عدوان 2014، حيث تباينت التقديرات بين هاتين المؤسستين بشأن قدرات حركة حماس على تطوير الأنفاق الهجومية، فالجيش رأى أن الموساد بالغ في تقدير حجم التهديدات، بينما أصر الموساد على أن تجاهل تحذيراته كاد أن يوقع المستوطنات الجنوبية في كارثة، بحسب صحيفة هارتس الإسرائيلية.
وهذه الإخفاقات الأمنية المتكررة التي تعرضت لها إسرائيل، يقرأها أيمن البراسنة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة الأردنية على أنها تتجاوز كونها عثرات فردية أو فشلا مؤقتا، بل تعكس أزمة ثقة متبادلة، مما يحولها إلى أدوات تصفية حسابات داخلية.
ما بعد طوفان الأقصى
لكن الحدث الأكثر زلزلة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية كان عملية " طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين نفذت المقاومة الفلسطينية هجوما واسع النطاق وغير مسبوق ضد المواقع العسكرية والمستوطنات في غلاف غزة.
وهنا حمل الجيش الإسرائيلي الموساد مسؤولية "العمى الاستخباراتي" وعدم كشف الاستعدادات الهجومية للمقاومة الفلسطينية رغم المؤشرات المتراكمة، بينما رد الموساد بأن القيادة العسكرية تعمدت تجاهل التحذيرات التي قدمها الجهاز منذ أسابيع خوفا من جر الكيان لمواجهة كبرى في غزة.
وعلى عكس المحطات السابقة، لم يقتصر السجال هذه المرة على تبادل الاتهامات، بل خرج إلى العلن إذ بدأت الصحف الإسرائيلية تتحدث صراحة عن "حرب الجنرالات" داخل المنظومة الأمنية، مع تسريبات عن صدامات داخل " الكابينت" بين رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي ورئيس الموساد ديفيد برنيع بشأن أسباب الفشل الذريع، وهو ما عزز الانطباع بأن الكيان فقد القدرة على التنسيق الفعال بين جناحي القوة.
وقد تصاعدت الأزمة أكثر مع موجة استقالات غير مسبوقة ضربت المستوى العسكري، حيث أعلن قادة عسكريون كبار عن تنحيهم، بينهم قائد المنطقة الجنوبية ياران فينكلمان، كما قدم رئيس الاستخبارات "أمان" أهرون حليفة استقالته محذرا من انهيار منظومة القيادة والسيطرة، وسط حالة الانقسام الحاد بين المستويات العسكرية والسياسية.
وحتى داخل الموساد نفسه، كشفت تقارير إسرائيلية عن تهديد بعض القيادات بالتنحي إذا استمرت الحكومة في تحميلهم بمفردهم تبعات الإخفاق الاستخباراتي.
منافسة على الفضل بمواجهة إيران
وامتد الصراع إلى حرب علنية على السبق في المواجهة مع إيران، فقد اتهم قادة الجيش جهاز الموساد بـ"تضخيم بطولاته" في الهجمات على طهران في 13 يونيو/حزيران، مؤكدين أن عملياته كانت هامشية وأنه عمل تحت قيادة الجيش بنسبة لا تتجاوز 1% وفقا لصحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية.
ورد الموساد بأن الفضل الحقيقي يعود له في إبطاء مشروع إيران النووي لسنوات، متهما المؤسسة العسكرية بالفشل الذريع بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومحاولة الاستحواذ على إنجازات ليست لها، بحسب الصحيفة.
وبلغ التنافس ذروته حينما أقدم رئيس الموساد على إلغاء "الخطة الطموحة" للتعامل مع المشروع النووي الإيراني دون التنسيق مع الجيش، وبرر قراره بأن الجيش "غير قادر على تنفيذ المهام" في ظل الضغوط المتعددة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وهذا القرار، قالت عنه يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إنه فجر غضب هيئة الأركان التي اعتبرته "طعنة في الظهر" ومحاولة للتنصل من خطة أثارت جدلاً لسنوات، ورأى قيادات الجيش في خطوة برنيع مؤشراً على أن الصراع لم يعد خلافًا على الصلاحيات، بل تحول إلى معركة نفوذ مفتوحة تهدد بتفكيك المنظومة الأمنية من الداخل.
وبدوره، يرى أيمن الروسان الخبير العسكري ومحلل الشؤون الدفاعية أن التنافس الحاد بين الطرفين ساهم بشكل ملحوظ في إضعاف القدرة الاستخبارية والتنفيذية لإسرائيل، وهو ما مكّن حماس من تنفيذ أكبر خرق أمني في تاريخ إسرائيل الحديث دون إنذار فعال. ويُتوقع أن تُحدث هذه الفجوة مراجعات جوهرية في هيكل الاستخبارات وتقسيم المهام بعد الحرب.
تسييس الأجهزة الأمنية وصراع الولاءات
في خضم الصراع، برزت ملامح انجرار الأجهزة الأمنية إلى صراع الولاءات بين مراكز القوة السياسية وعلى رأسها مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وتجلت هذه الظاهرة عندما سارع نتنياهو لزيارة مقر الموساد، مشيدا بما اعتبره "مساهمات هامة" خلال الحرب الأخيرة ضد إيران ولبنان.
وفي سياق متصل، أثار نتنياهو عاصفة من الجدل بتعيينه اللواء ديفيد زيني رئيسًا للشاباك خلفًا لرونين بار، عقب توتر حاد بينه وبين الأخير، إذ اتهمه رئيس الحكومة بـ"فقدان المصداقية" ورد بار متهماً نتنياهو بمحاولة "جر الجهاز إلى مستنقع التجاذبات السياسية".
ويؤكد الروسان -للجزيرة نت- أن تسييس الأجهزة الأمنية ليس جديداً لكنه تفاقم بعد حرب غزة 2023، وبات يمثل تهديدًا خطيرًا لوحدة المنظومة الأمنية واستقرار القرار السياسي، لأنه يضرب جوهر التوازن الذي تقوم عليه دولة تعتمد بشكل أساسي على تفوقها الاستخباراتي والعسكري.
ويضيف الخبير العسكري أن تسييس الأمن في إسرائيل يُهدد المنظومة من 3 جوانب:
الأول: تقويض وحدة القيادة الأمنية وفقدان الثقة الداخلية.
الثاني: زعزعة الاستقرار السياسي نتيجة اتهامات متبادلة وتسريبات.
الثالث: إضعاف هيبة الردع الخارجي وفتح الباب لتحديات جديدة من خصوم إقليميين.
في حين يرى البراسنة أن العلاقات المتوتّرة بين رئيس الحكومة والمؤسّسة الأمنيّة فاقمت حدة الصراع، إذ يعتبر نتنياهو الجنرالات أنّهم ألدّ منافسيه ولذلك فهو يسعى جاهدا للتدخل في المؤسسة الأمنية لتطويعها وجعلها تتماهى مع أجندته التي ترتهن لرؤى وتصورات التيارات الدينية.
وقد ازدادت الأزمة حدة في مارس/آذار الماضي، حين تدخلت المحكمة العليا الإسرائيلية وأوقفت إجراءات عزل نتنياهو، محذّرة من "تضارب المصالح" في ظل التحقيقات الجارية بعد الكشف عن تلقي مقربين من نتنياهو أموالًا لتحسين صورته، في أزمة جديدة تهدد مستقبله السياسي.
ولم تكن هذه المحاولة هي الأولى، فقد كشف يورام كوهين (رئيس الشاباك السابق من 2011 حتى عام 2016) في 7 أبريل/نيسان 2025 بأن نتنياهو سبق وطلب منه كرئيس للشاباك استبعاد نفتالي بينيت (المنافس السياسي لنتنياهو) من مجلس الوزراء الأمني وإلغاء تصريحاته الأمنية بحجة وجود مشكلة خاصة بولائه أثناء خدمته في الجيش، وهو طلب رفضه كوهين.
وقد دفعت هذه المؤشرات معهد الدراسات الأمنية القومي الإسرائيلي إلى التحذير من وجود فجوة واضحة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية في التنسيق الإستراتيجي.
ووفقًا للمعهد، فإن القيادة السياسية لم توفر توجيهًا إستراتيجيًا طويل الأمد أو إشرافًا دقيقًا على الخطط العسكرية، مما أدى إلى انفصال بين مستويات مفهوم الأمن.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحقيق لنيويورك تايمز: نتنياهو تعمّد إطالة أمد حرب غزة وغلّب مصلحته السياسية والشخصية
تحقيق لنيويورك تايمز: نتنياهو تعمّد إطالة أمد حرب غزة وغلّب مصلحته السياسية والشخصية

الجزيرة

timeمنذ 36 دقائق

  • الجزيرة

تحقيق لنيويورك تايمز: نتنياهو تعمّد إطالة أمد حرب غزة وغلّب مصلحته السياسية والشخصية

اتهم مسؤولون إسرائيليون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإطالة أمد الحرب على قطاع غزة خلافا لرؤية القادة العسكريين، وأكدوا أن قراراته طغت عليها المصلحة السياسية والشخصية. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز اليوم الجمعة تحقيقا قالت إن العمل عليه استمر 6 أشهر، واستندت فيه إلى تصريحات أكثر من 100 مسؤول من إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي ومراجعة عشرات السجلات الحكومية ووثائق أخرى. وذكرت الصحيفة أن نهج نتنياهو تجاه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قبل الحرب ساهم في تقويتها وأتاح لها الاستعداد للحرب. وأوضحت أنه حين كان نتنياهو يتعافى في المستشفى في يوليو/تموز 2023 أحضر له جنرال رفيع المستوى تقييما استخباراتيا مقلقا يحذر من أن "أعداء إسرائيل -بمن فيهم حماس- لاحظوا الاضطرابات الداخلية في البلاد التي أثارتها خطة نتنياهو المثيرة للجدل لإضعاف القضاء، وكانوا يستعدون لهجوم". وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو تجاهل تلك التحذيرات وغيرها، ومضت حكومته قدما في التغييرات القضائية، مما أدى إلى مزيد من الاضطرابات، وهو ما أقنع حماس بأن الوقت مناسب لتنفيذ هجوم مخطط له منذ فترة طويلة. طوفان الأقصى حاول نتنياهو تحويل المسؤولية وإلقاء اللوم على القادة العسكريين، واستثمار الوضع في السعي لتمديد بقائه على رأس السلطة. وذكرت "نيويورك تايمز" أن أعضاء فريق نتنياهو وجّهوا في بداية الحرب المؤثرين المتعاطفين، قائلين لهم إن الجنرالات هم المسؤولون عن أسوأ إخفاق دفاعي في إسرائيل، كما تحركوا لمنع تسرب المحادثات التي قد تسبب مشكلة لنتنياهو، ومنعوا الجيش من الاحتفاظ بتسجيلات رسمية للاجتماعات. كما سعى فريق نتنياهو إلى تفتيش الجنرالات -بمن فيهم رئيس الأركان آنذاك هرتسي هاليفي- بحثا عن أجهزة تنصت خفية. وفي وقت لاحق من الحرب، أمر فريق نتنياهو أمناء المحفوظات بتغيير السجلات الرسمية لأولى مكالماته الهاتفية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ثم سربوا وثيقة حساسة إلى صحيفة أجنبية -متحايلين على نظام الرقابة العسكرية الإسرائيلية- من أجل تشويه سمعة منتقدي نتنياهو، بمن في ذلك عائلات الأسرى المحتجزين في غزة. إعلان ائتلاف المتطرفين وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو رفض عرضا من زعيم المعارضة الإسرائيلية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، مفضلا البقاء في ائتلاف مع متطرفين من اليمين الذين كانوا أكثر ميلا للسماح له بالبقاء في السلطة بعد الحرب، في قرار جعله رهينة طوال الحرب لمطالب اليمين المتطرف، خاصة فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان يجب التوصل إلى هدنة مع حماس ومتى. وعندما بدأ الزخم نحو وقف إطلاق النار يتزايد أعطى نتنياهو أهمية مفاجئة لأهداف عسكرية لم يكن يبدو في السابق مهتما بتحقيقها، والتي قال له كبار المسؤولين العسكريين إنها لا تستحق التكلفة، مثل الاستيلاء على مدينة رفح ثم احتلال المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر. ووفقا للصحيفة الأميركية، أطالت قرارات نتنياهو أمد القتال في غزة خلافا لرؤية القيادة العسكرية، وطغت عليها المصلحة السياسية والشخصية، إذ أبطأ المفاوضات في لحظات حاسمة تحت ضغط من حلفائه. كما واصل الحرب في أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2024 رغم إبلاغه من الجنرالات بعدم جدواها، وانتهك الهدنة في مارس/آذار 2025 حفاظا على ائتلافه بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني. في بداية الحرب بغزة تجنب نتنياهو اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى توسيع الصراع إلى حرب شاملة مع حزب الله وإيران، فألغى هجوما كبيرا على حزب الله في الأيام الأولى للحرب وتجنب التصعيد غير المحسوب مع إيران. لكن بعد مرور عام تقريبا أدت سلسلة من النجاحات الاستخباراتية غير المتوقعة إلى مقتل العديد من قادة حزب الله، وأصبح نتنياهو أكثر جرأة، فأمر باغتيال الأمين العام لحزب الله وغزو معقله في جنوب لبنان، مما أدى إلى تدمير جزء كبير من ترسانته، ثم تمكنت إسرائيل من تدمير جزء كبير من نظام الدفاع الجوي الإيراني. ومع "ضعف طهران بشكل غير معتاد" شرع نتنياهو في شن هجوم على إيران أصبح أكبر حدث في مسيرته السياسية، واحتفت إسرائيل بهذه الحملة العسكرية باعتبارها انتصارا، مما جعل حزب نتنياهو في وضع أقوى باستطلاعات الرأي أكثر من أي وقت مضى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

شهداء بغارات ليلية وعمليات نسف جديدة للمباني في غزة
شهداء بغارات ليلية وعمليات نسف جديدة للمباني في غزة

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

شهداء بغارات ليلية وعمليات نسف جديدة للمباني في غزة

شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت والليلة الماضية، غارات عنيفة أوقعت شهداء ومصابين في مدينتي غزة و خان يونس ، كما نفذت المزيد من عمليات نسف المباني بالقطاع. وفي أحدث التطورات، أفاد مصدر في مستشفى الشفاء باستشهاد 4 وإصابة 10 آخرين فجر اليوم، إثر غارة استهدفت منزلا في شارع يافا بحي التفاح شرقي مدينة غزة. كما أفادت مصادر فلسطينية بوقوع شهداء ومصابين جراء استهداف طائرات الاحتلال شقة سكنية بحي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة. وقبيل ذلك، قصفت طائرات الاحتلال مبنى يؤوي نازحين غربي المدينة، مما أسفر عن 4 شهداء ومصابين. وقالت وسائل إعلام فلسطينية إن الطائرات الإسرائيلية نفذت فجر اليوم والليلة الماضية غارات على المناطق الشرقية لمدينة غزة، والتي تشمل أحياء بينها التفاح والشجاعية. ورافق الغارات الجوية قصف مدفعي، كما أطلقت زوارق الاحتلال الحربية نيرانها بكثافة تجاه شمال غرب مدينة غزة. وفي حي الزيتون جنوبي مدينة غزة، فجرت قوات الاحتلال روبوتا في منازل بمحيط مسجد صلاح الدين. وشمال القطاع، أطلقت مسيّرة إسرائيلية من طراز "كواد كابتر" النار على منازل في منطقة الزرقاء بجباليا البلد. وإلى الشرق من جباليا البلد، نفذت قوات الاحتلال فجرا عمليات نسف ضخمة للمباني السكنية، وفقا لمصادر فلسطينية. وفي جنوب القطاع، تعرّضت منطقة المواصي المكتظة بالنازحين لسلسلة من الغارات الجوية فجر اليوم والليلة الماضية. فقبيل منتصف الليل، استهدفت إحدى الغارات خياما للنازحين في المنطقة، مما أسفر عن استشهاد 7 وإصابة آخرين، وفق أحدث حصيلة أعلنها مستشفى الكويت الميداني. وأسفرت غارة منفصلة على مواصي خان يونس عن استشهاد فلسطيني آخر. وقالت مصادر فلسطينية إن من بين شهداء الغارات الليلية الأسير المحرر عماد منصور. وكان جيش الاحتلال اغتال الثلاثاء الماضي 6 أسرى محررين، بينهم 5 من مبعدي صفقة وفاء الأحرار ، في كل من خان يونس ودير البلح. وبالتوازي مع استهدف خيام النازحين، نفذت قوات الاحتلال عمليات نسف جديدة لمبانٍ سكنية وسط مدينة خان يونس. وفي وسط القطاع، استُشهد 4 فلسطينيين وأُصيب آخرون الليلة الماضية في غارتين إسرائيليتين على دير البلح. وتجددت الغارات على دير البلح فجر اليوم، وبالتزامن قصفت المدفعية الإسرائيلية المناطق الشمالية لمخيم النصيرات. وكانت مصادر في مستشفيات القطاع أفادت بأن 45 فلسطينيا، بينهم 11 من المجوّعين، استُشهدوا جراء القصف وإطلاق النار أمس الجمعة. ومنذ استئناف العدوان على غزة في مارس/آذار الماضي، استُشهد 7300 فلسطيني وأُصيب ما يقرب من 26 ألفا، حسب أحدث بيانات وزارة الصحة بالقطاع. وبين الشهداء نحو 800 من المجوّعين الذين استهدفتهم قوات الاحتلال والمتعاقدون مع "مؤسسة غزة الإنسانية" عند مراكز أُقيمت لتوزيع المساعدات.

"المدينة الإنسانية" برفح.. دلالة المسمى الإسرائيلي ومدى جدية المخطط؟
"المدينة الإنسانية" برفح.. دلالة المسمى الإسرائيلي ومدى جدية المخطط؟

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

"المدينة الإنسانية" برفح.. دلالة المسمى الإسرائيلي ومدى جدية المخطط؟

في حين تنشغل الأطراف الدولية برسم مستقبل قطاع غزة ، تطرح إسرائيل تصورا جديدا لما أسمته "المدينة الإنسانية" بجنوب القطاع، وهو مشروع مزدوج لـ"اليوم التالي" يتجاوز الدلالات العسكرية والغذائية، ويستبطن تهجيرا قسريا محكما وتكتيكا تفاوضيا متطرفا في آن واحد. الخطة التي أعلنها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ، وتقدر تكلفتها بنحو 6 مليارات دولار، تقوم على إنشاء منطقة محصورة على أنقاض مدينة رفح ، يُدفع إليها نحو 600 ألف نازح قسرا، تحت غطاء فحوص أمنية صارمة، وداخل منطقة مغلقة لا يُسمح بمغادرتها إلا باتجاه البحر أو الأراضي المصرية. وتسويق هذا المخطط بلغة "الإنسانية" يخفي خلفه بنية هندسية للتهجير، لا تقتصر على إدارة لحظة الحرب، بل تصوغ هندسة سياسية وديمغرافية لغزة ما بعد الحرب. ومن وجهة نظر الدكتور مهند مصطفى، الخبير في الشأن الإسرائيلي، خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، فإن الخريطة التي عرضتها تل أبيب خلال مفاوضات الدوحة ليست مجرد طرح فني، بل تمثل تصوّرا نهائيا للوجود الإسرائيلي في غزة. ويقوم هذا التصور على السيطرة الكاملة على 40% من مساحة القطاع، مع توسيع المنطقة العازلة، واحتلال كامل لرفح، وصولا إلى فصل غزة عن مصر نهائيا، حيث يرى مصطفى أن إسرائيل تراهن على التهجير المتدرج كبديل للترحيل الجماعي، وعلى الزمن كعامل ترسيخ للواقع المفروض. تصعيد تفاوضي في السياق نفسه، يقرأ الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، هذه الخطة باعتبارها تصعيدا تفاوضيا مقصودا، يهدف إلى رفع السقف إلى أقصى مدى، لفرض تنازلات لاحقة بوصفها "مكاسب" للطرف الفلسطيني. ويضع توقيت إعلان الخطة -المتزامن مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن- في إطار لعبة سياسية تهدف إلى الضغط على المفاوضات دون نية حقيقية لتنفيذ الخطة بكل تفاصيلها، خاصة في ظل صمت مصري مثير للقلق، رغم أن التهجير المزمع يتم على حدودها المباشرة. لكن الإشكال لا يكمن فقط في طبيعة الطرح، بل في البنية التي يقترحها، فالخطة، كما يشير الدكتور عثمان الصمادي، الباحث والناشط في العمل الإنساني، لا تحمل أي ملامح لمدينة حقيقية، حيث لا توجد فيها بنية تحتية، ولا مرافق صحية أو تعليمية، ولا حتى نظام إداري. فما يُجهَّز في رفح، حسب الصمادي، هو مساحة مغلقة بأعلى كثافة سكانية يمكن تخيلها، أشبه ما تكون بمعسكر اعتقال، لا بمخيم لجوء أو منطقة عزل مؤقتة. أكثر من ذلك، ترى الأوساط العسكرية الإسرائيلية نفسها في مأزق أمام هذا المشروع، إذ يعارض الجيش الخطة، كونها تُحمّله عبئا إداريا ومدنيا لا يستطيع تحمله، وتعيده إلى نمط الحكم العسكري المباشر كما كان قبل اتفاق أوسلو. فالسيطرة على 700 ألف إنسان، وتأمين احتياجاتهم في منطقة محاصرة، يحوّل الجيش إلى شرطة احتلال مدني، وهو ما لا يريد خوضه، حسب تسريبات داخل الكابينيت نقلها ضيوف الحلقة. تصفية ديموغرافية وفي العمق، لا تكتفي الخطة بإعادة حشر الفلسطينيين داخل بقعة ضيقة، بل تُحاصرهم بلا أفق، فمن يُسمح له بدخول "المدينة" يخضع لفحص أمني صارم يستبعد كل من له صلة بالمقاومة، ما يعني عمليا فصل المجتمع عن أي روافع مقاومة مستقبلية. وتحت شعارات "الفرز الأمني" و"الاحتواء الإنساني"، تبرز نوايا التصفية السياسية والديموغرافية بصورة تدريجية وممنهجة، والخطير في المشهد، كما يلاحظ الدكتور مصطفى، هو أن إسرائيل لا تعاني داخليا من ضغط سياسي كافٍ لوقف هذه الخطة. فالمعارضة الفكرية داخل إسرائيل، رغم وجود أصوات بارزة مثل جدعون ليفي وسيفي براعيل، لا تمتلك تأثيرا سياسيا حقيقيا، في ظل غياب أي تبنٍ حزبي رسمي لمواقف تجرّم هذا التصور، رغم كونه يناقض جوهر دروس الهولوكوست التي ترفعها إسرائيل كعنوان أخلاقي دائم. وفي المحيط العربي، لا تزال القاهرة -المعنية الأولى- غائبة عن التعليق، رغم أنها عضو أساسي في وساطة الدوحة، والمضيفة المفترضة لأي موجة تهجير محتملة. وفي هذا السياق، يرى الدكتور مكي أن مجرد صمت مصر يُعد مساهمة غير مباشرة في تمرير الخطة، وتهديدا مباشرا لأمنها القومي، إذ لا مفر من أن أي تنفيذ حقيقي للخطة سيمر عبر معبر رفح. على الضفة الأخرى من المشهد الدولي، صدرت بعض الإشارات من دول غربية تعارض الخطة، مثل بريطانيا، لكن دون خطوات عملية حقيقية، بل إن واشنطن -الشريك الأساسي في صياغة ما بعد الحرب- لا تزال تلتزم الصمت، أو تكتفي بالتلميح إلى دعم فكرة "الإدارة البديلة" لغزة، دون أن تتخذ موقفا حاسما من الخطة الإسرائيلية. المقلق أن غياب الضغط الدولي الجدي قد يشجع إسرائيل على المُضي قدما، خاصة في ظل ظروف وصفها الصمادي بـ"الذهبية" للحكومة الإسرائيلية المتطرفة، فالدعم الأميركي، وانشغال العالم بأزمات متزامنة، والصمت العربي، تفتح جميعها شهية تل أبيب على الذهاب بعيدا، حتى في مشاريع مستحيلة التنفيذ. غير أن المآلات ليست محسومة، إذ تراهن بعض القراءات على فشل المشروع بسبب كلفته الأخلاقية والإنسانية الهائلة، واصطدامه بتعقيدات دولية وإدارية وحقوقية يصعب تجاوزها. لكن مجرد طرحه بوصفه خيارا قابلا للنقاش، دون رد فعل إقليمي ودولي حازم، يعكس تحولا خطيرا حسب محللين، في طبيعة الصراع من إدارة حرب إلى صياغة "حل نهائي" جديد، بأساليب قديمة وأدوات أكثر قسوة. وفي المحصلة، ليست "المدينة الإنسانية" إلا مرآة تعكس جوهر النوايا الإسرائيلية حيال غزة: خنق المقاومة، وتقليص الكتلة السكانية، وفرض وقائع ميدانية تُحول القطاع إلى سجن مفتوح بلا مستقبل. أما مصير هذا المخطط، فسيتوقف حسب المشاركين في حلقة "مسار الأحداث" على مدى قدرة الفلسطينيين، والداعمين الحقيقيين لقضيتهم، على التصدي له قبل أن يصبح واقعا لا يمكن التراجع عنه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store