
حكومة نتنياهو تقيم نموذجا مصغرا لإسرائيل الكبرى في الضفة
ففي ظل الدعم الأميركي والغربي والصمت العربي على ما يحدث في غزة، وسّعت الحكومة الإسرائيلية التي توصف بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال، عمليات الهدم والضم والتهجير ضمن العملية العسكرية التي تنفذها بالضفة منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
وخلال هذه العملية، تستخدم حكومة نتنياهو المستوطنين المتطرفين والجيش والشرطة لهدم منازل مئات العائلات الفلسطينية وطردها تمهيدا لإقامة بؤر استيطانية جديدة.
ويُجمع المراقبين على أن ما تعيشه الضفة الغربية اليوم أسوأ من نكبة 1948، حيث يجري تطهير الفلسطينيين عرقيا بوتيرة لا تختلف عما يجري في غزة.
العودة لأسلوب 1948
ولتنفيذ مخططها، عاودت إسرائيل الاعتماد على عصابات المستوطنين لطرد الفلسطينيين من أرضهم بقوة السلاح على غرار ما فعلته عصابات الهاغاناه والإرغون في 1948، وفق ما قاله الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي لبرنامج "ما وراء الخبر".
وإلى جانب ذلك، تعتمد حكومة نتنياهو أيضا على القضاء الذي يجرد الفلسطينيين من أرضهم وممتلكاتهم، وعلى وزارة المالية التي كشفت "هآرتس" في 20 يونيو/حزيران الماضي، أنها خصصت 5.6 مليارات شيكل (نحو 1.5 مليار دولار) لتوسيع البنى التحتية الاستيطانية، تشمل طرقا وشبكات مياه وكهرباء.
وتعتبر هذه المشروعات الجديدة جزءا من إستراتيجية لربط المستوطنات ببعضها وتقطيع أوصال الضفة، التي طالب رئيس الكنيست و14 من أعضائه التابعين لحزب الليكود، بضمها فورا.
ورغم تبرير حكومة الاحتلال لهذه العمليات بالسعي لمنع وقوع حدث مشابه لما وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنها تقوم بتنفيذ خطط أعدتها وبدأت تنفيذها قبل هذا التاريخ لكنها سرَّعت عملها بعده، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
نموذج لإسرائيل الكبرى
فهذه الحكومة -التي يعلن بعض وزرائها أحقية إسرائيل في كافة أراضي الضفة الغربية بل وفي دول أخرى في المنطقة- تحاول إقامة نموذج مصغر لما يجب أن تكون عليه إسرائيل الكبرى، التي يحاولون إقامتها بين البحر والنهر، والتي "ستستبدل بالقانون نصوصا دينية ولن تعترف بحقوق لغير اليهود فيها".
وينسجم هذا التوجه تماما مع تصريحات لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، دعا فيها الفلسطينيين في الضفة إلى أن يختاروا بين الرحيل أو القتل أو الخضوع لسيادة إسرائيل.
ووفقا لما نقلته "فايننشال تايمز" في مايو/أيار الماضي، عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد قتلت إسرائيل أكثر من 900 فلسطيني منذ بداية الحرب على غزة.
ورغم الخطر الكبير الذي يمثل هذا السلوك الإسرائيلي على خطط الرئيس دونالد ترامب للسلام في المنطقة، فإن الأخير يبدو مشغولا عن الضفة بقضايا أخرى مثل إيران ، كما يقول المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية توماس واريك.
وفي ظل هذا الانشغال، فإن الولايات المتحدة لا تقوم بما يكفي لتغيير مقاربة إسرائيل في الضفة، مما يجعل دولا مثل قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية، مطالبة -برأي واريك- بلفت نظر ترامب إلى أن هذا الأمر قد يضيع كل جهوده في المنطقة.
لكن تصريحات ترامب السابقة لا تعكس انشغالا عما تقوم به إسرائيل في الضفة بقدر ما تعكس تشاغلا عنه، لأنه قال صراحة في بداية عهدته الثانية إنه يدرس الاعتراف بضم الضفة للسيادة الإسرائيلية.
ومن غير المعقول أن تغفل الولايات المتحدة عن عملية الالتهام المتسارع للضفة حيث صادقت حكومة نتنياهو على بناء أكثر من 17 ألف وحدة استيطانية جديدة خلال النصف الأول من العام الجاري، تركز أغلبها في مناطق نابلس والخليل وبيت لحم ، وفق "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان".
وخلال عملية الجدار الحديدي التي بدأت بمخيمات شمال الضفة في يناير/كانون الثاني الماضي، هدمت قوات الاحتلال مئات البيوت وطردت آلاف الفلسطينيين، واستقدمت مؤخرا غرفا متنقلة لتل أرميدا القريبة من الحرم الإبراهيمي جنوبي الخليل.
وهذه هي المرة الأولى التي تحضر فيها إسرائيل هذه الغرف المتنقلة للمنطقة حيث تمهد لإقامة مستوطنة جديدة في تطور وصفه منسق حملة شباب ضد الاستيطان عمرو عيسى في مقابلة مع الجزيرة بأنه "خطير جدا".
وبعد تنفيذ أكثر من 3 آلاف عملية هدم بمخيمات شمال الضفة، أعلن الجيش الإسرائيلي نيته تغيير شكل المنطقة لجعلها مفتوحة وإبقائها تحت سيطرته، وذلك بالتزامن مع توسيع المستوطنين هجماتهم على بيوت الفلسطينيين وأراضيهم.
وقد وثقت منظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية تهجير سكان 20 قرية بالضفة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن مراسل الجزيرة منتصر نصار، قال إن ما جرى خلال الشهرين الماضيين تحديدا كان الأكثر خطورة.
وتشير معطيات منظمة "بتسيلم" في تقريرها الصادر في مايو/أيار الماضي إلى أن عدد المستوطنين في الضفة تجاوز 730 ألفًا، أي بزيادة 8% عن العام الماضي، وهو ما يؤكد أن السياسات الإسرائيلية تسير نحو تكريس الضم الفعلي، لا التجميد أو التفاوض.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 43 دقائق
- الجزيرة
5 أسئلة تفسر تمسّك إسرائيل بالمساعدات الأميركية وإصرار حماس على رفضها
غزة- برز ملف المساعدات الإنسانية التي ينتظرها أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة كإحدى النقاط الخلافية في إطار المفاوضات غير المباشرة التي تجري في العاصمة القطرية الدوحة بين وفدي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل. وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الإسرائيلية فرض آلية توزيع المساعدات الأميركية كأمر واقع عبر المراكز التي خصصتها " مؤسسة غزة الإنسانية"، تصر حماس على العودة إلى تدفقها كما كانت عليه سابقا من خلال المؤسسات الدولية العاملة في القطاع. يشرح التقرير التالي كيف اتخذ الاحتلال الإسرائيلي من المساعدات أداة لتجويع سكان غزة، والضغط عليهم ضمن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويكشف عن الأهداف التي يسعى لتحقيقها تحت ستار "إنساني". كيف كانت تدخل البضائع والمواد الغذائية إلى غزة؟ قبل بدء الحرب على قطاع غزة، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تسمح بدخول البضائع والمواد الغذائية عبر معبر كرم أبو سالم الواقع شرق محافظة رفح جنوبي القطاع بمتوسط 500 شاحنة يوميا، رغم أن حاجته كانت تصل إلى ما يزيد على 700 شاحنة يوميا. وكانت السلطات المصرية تسمح بمرور شاحنات تجارية عبر محور صلاح الدين الواصل بين غزة والأراضي المصرية. ومنذ بداية الحرب، أغلقت قوات الاحتلال جميع المعابر التجارية المخصصة لإدخال السلع للقطاع، ولم تسمح بمرور أي من الاحتياجات اليومية للغزيين الذين اعتمدوا منذ ذلك الوقت على المساعدات الإغاثية الواردة عبر معبر رفح البري الواصل بين القطاع ومصر. ومع فصل الجيش الإسرائيلي محافظتي غزة وشمالها عن وسط وجنوب القطاع بعد سيطرته على محور " نتساريم"، منع وصول أي من المساعدات عن 700 ألف فلسطيني بقوا شمال وادي غزة، مما أدخلهم في حالة مجاعة شديدة امتدت عدة أشهر بعدما حرموا من جميع المواد الغذائية الأساسية. ومع احتلال الجيش معبر رفح مطلع مايو/أيار 2024، فقد سكان غزة آخر شريان حياة مخصص لحركة الأفراد والبضائع، قبل أن يسمح بإدخال قليل من المواد الغذائية عبر معبر كرم أبو سالم، ولاحقا فتح منفذ "زيكيم" المؤقت الواقع شمال غرب القطاع وأدخل قليلا من البضائع على فترات متباعدة للمحاصرين في محافظتي غزة والشمال. لماذا منع الاحتلال المساعدات عن سكان القطاع؟ في إطار حربه الممنهجة على غزة، اتخذ الاحتلال من ملف المساعدات أداة لتجويع وإخضاع سكان القطاع، في محاولة منه لدفعهم للانتفاض ضد حركة حماس، وللنزوح إلى المحافظات الجنوبية تمهيدا لتنفيذ مخطط التهجير، والسيطرة على القطاع، وفق الخطط الإسرائيلية المعلنة. ومع فشل مخطط الاحتلال الذي اضطر للتراجع عنه، وفتح طريق "نتساريم" بناء على اتفاق وقف إطلاق النار السابق الذي دخل حيز التنفيذ يوم 19 يناير/كانون الثاني 2025، بدأت تدخل المساعدات إلى القطاع بناء على البروتوكول الإنساني الملحق للاتفاق الذي نص على دخول 600 شاحنة مساعدات غذائية يوميا، و50 شاحنة وقود. ورغم أن التزام الاحتلال بتطبيق البروتوكول لم يتجاوز 60%، فإن هذه المساعدات كسرت حالة المجاعة التي كان يعاني منها الغزيون. لكن في الثاني من مارس/آذار 2025، أعاد الاحتلال إغلاق جميع المعابر ومنع إدخال أي من المساعدات الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطيني، مما أعاد المجاعة بشكل أكثر قساوة. لماذا لجأ الجيش الإسرائيلي لاعتماد آلية جديدة لتوزيع المساعدات؟ يوم 27 مايو/أيار الماضي، أعلن جيش الاحتلال استحداث آلية جديدة لتوزيع المساعدات على القطاع من خلال "مؤسسة غزة الإنسانية" الأميركية حديثة النشأة، التي بدأت العمل بنقطتي توزيع غرب محافظة رفح، ومن ثم افتتحت ثالثة في منطقة "نتساريم" وسط القطاع، بحجة ضمان عدم سيطرة حركة حماس على المساعدات. وبدا أن هذه الخطوة الإسرائيلية جاءت فقط لامتصاص الغضب الدولي المتصاعد من منع إدخال المساعدات، لأنها لا تلبي أدنى احتياجات الفلسطينيين لعدة أسباب أهمها: افتقار المؤسسة الأميركية لأي بيانات عن سكان غزة، وبالتالي لم تعتمد أي آلية توزيع عادلة. عدد المراكز المخصصة للتوزيع 3 فقط ولا يمكن أن تلبي احتياج أكثر من مليوني فلسطيني. تقتصر المساعدات على كميات غذائية محدودة جدا، لا تعادل شاحنة واحدة من المساعدات التي كانت تصل سابقا عبر المؤسسات الأممية. يريد الاحتلال من مشاهد الفوضى والتزاحم داخل مراكز التوزيع إظهار الشعب الفلسطيني بغزة بشكل غير لائق، لا يتناسب مع حجم صموده وتضحياته التي قدمها خلال العدوان. تقع مراكز التوزيع في المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال، وتحولت إلى فخاخ لاستدراج الفلسطينيين وقتلهم، حيث أدت إلى استشهاد 751 مواطنا وإصابة 4931 آخرين، وفُقدت آثار 39 شخصا. يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أعلن يوم 19 مايو/أيار الماضي السماح بإدخال مساعدات عبر معبر كرم أبو سالم ومنفذ "زيكيم" بناء على اتفاق الجانب الأميركي مع حركة حماس على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسية الأميركية، مقابل السماح بإدخال المساعدات لغزة، لكن لم يتم تنفيذ الاتفاق بالشكل المطلوب، واقتصر على إدخال عدد محدود من الشاحنات في فترات متباعدة. ما الأخطار التي تشكلها آلية توزيع المساعدات الحالية؟ ولماذا تصر حكومة الاحتلال عليها؟ تتعدد الأخطار التي تشكلها مراكز المساعدات الأميركية الجديدة -وفق مصدر أمني بغزة تحدث للجزيرة نت- أبرزها: تثبيت محاولة إسرائيلية لإلغاء عمل المؤسسات الدولية في القطاع، خاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تمثل عنوانا لحق اللاجئين في العودة. التحكم بكميات الطعام، ونوعية الأصناف الواردة إلى غزة. الإبقاء على حالة الفوضى داخل القطاع، وحرمان الفلسطينيين من حقهم بالتوزيع العادل للمساعدات الواردة إليهم. تحويل مراكز توزيع المساعدات لأماكن للإسقاط الأمني واستدراج فلسطينيين للتعاون مع جيش الاحتلال. يتخذ الجيش الإسرائيلي من مراكز التوزيع ذريعة لفرض وجوده كأمر واقع داخل قطاع غزة، بحجة تأمينها والإشراف عليها، وبما يحول دون انسحابه بناء على أي اتفاق محتمل، لا سيما أن المراكز توجد في أماكن سكنية في عمق القطاع. لماذا تريد حماس العودة إلى تقديم المساعدات عبر المؤسسات الدولية؟ وفق مصدر خاص مطلع على المفاوضات تحدّث للجزيرة نت، تصرّ حركة حماس خلال المفاوضات الجارية في الدوحة على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بناء على البروتوكول الإنساني الموقع في يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك بما يضمن: وصول المساعدات إلى جميع سكان القطاع بما يحفظ كرامتهم، بعيدا عن مشاهد الفوضى، ودون فتح المجال أمام سرقتها. إفشال مخطط الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على المساعدات، وضمان مرورها عبر المؤسسات الدولية. نزع الذرائع التي يسوقها جيش الاحتلال لبقاء تمركزه في مواقع مختلفة من محافظات قطاع غزة، وإجباره على الانسحاب. إحباط أي مخطط إسرائيلي مستقبلي لاستكمال مخطط التهجير انطلاقا من سيطرته على المساعدات الإنسانية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
جيش الاحتلال والموساد وتاريخ من الصراعات والإخفاقات
في كواليس المنظومة الأمنية الإسرائيلية الموجهة للخارج، يدور صراع على النفوذ بين جناحيها الأساسيين: الجيش وجهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) في ظل اختلاف الرؤى على طريقة إدارة التهديدات الخارجية. لسنوات طويلة، تمكنت هذه الأجهزة من إدارة نزاعاتها الداخلية تحت مظلة "التنسيق الأمني" لكن التسريبات والاتهامات المتبادلة مؤخرا عرت الانقسامات الكامنة. ويقدم هذا التقرير عرضا لجذور الصراع، ويحلل محطاته المفصلية، ليكشف كيف باتت الانقسامات الداخلية تؤثر على تماسك المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وقدرتها على مواجهة التحديات المصيرية. جذور الصراع تعود جذور العلاقة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الموساد إلى مرحلة تأسيس إسرائيل ذاتها، حيث ولدت المؤسستان في ظل بيئة سياسية وأمنية مضطربة أعقبت إعلان قيام دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وقد جرى إنشاء الجيش ليكون القوة العسكرية المسؤولة عن حماية المشروع الاستيطاني وترسيخ احتلال الأرض بالقوة، بينما أسس الموساد في ديسمبر/كانون الأول 1949 بناء على مقترح رؤوفين شيلواح، المقرب آنذاك من رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون ، ليكون ذراعا استخباراتيا خارجيا مكلفا بمهام جمع المعلومات الاستخباراتية وإدارة العمليات الخاصة ضد الخصوم خارج حدود فلسطين المحتلة. ورغم وضوح الأدوار المرسومة نظريا، لم يعرف الواقع انسجاما دائما بين هاتين المؤسستين، إذ سرعان ما بدأ التنافس والتداخل على إدارة الملفات الحساسة، ليتحول إلى صراع مستمر على النفوذ والفضل. وكان أول مشهد دراماتيكي لهذا التوتر في فضيحة لافون عام 1954، حين أدار الموساد شبكة تخريبية باسم "الوحدة 131" في مصر لتنفيذ تفجيرات بهدف تقويض علاقتها مع بريطانيا والولايات المتحدة. ومع انكشاف الشبكة واعتقال عناصرها على يد الأمن المصري، تفجرت أزمة داخلية حادة، فالجيش الإسرائيلي اتهم الموساد بتوريط الكيان في مغامرات غير محسوبة، وقد رد الموساد باتهام قيادة الجيش بالتنصل من المسؤولية لتحميله وحده كلفة الفشل. وبدأت التوترات تتفاقم بين جناحي القوة منذ أزمة روتيم عام 1960 التي بدأت باستفزازات إسرائيلية على طول الحدود مع سوريا، ونَشرت مصر قواتها المسلحة على الجبهة الجنوبية لإسرائيل غير المحمية إلى حد كبير، مما أدى إلى مفاجأة إسرائيل، وأظهر إخفاقا استخباراتيا في صفوف الجيش والاستخبارات، مما أثر على الثقة الداخلية بين الموساد والجيش. ثم جاءت عملية ميونخ 1972 لتكشف عن انقسام آخر، عندما نفذت مجموعة "أيلول الأسود" هجوما ضد رياضيين إسرائيليين، حيث أصر الموساد حينها -وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية- على الرد عبر سلسلة اغتيالات سرية استهدفت قيادات فلسطينية في أوروبا، ومن جانبها دعت قيادة الجيش إلى تنفيذ ضربات عسكرية واسعة النطاق ضد الفصائل الفلسطينية في لبنان وسوريا. وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 تفاقم التوتر بين الموساد والجيش، حين أرسل رئيس الموساد زفي زمير آنذاك تحذيرًا عاجلا بأن هجوما مشتركا وشيكا ستشنه مصر وسوريا على إسرائيل. ورغم نقل الموساد التحذير، إلا أن الجيش والإدارة السياسية تأخرا في التفاعل، وفقًا لتقارير لجنة أغرانات، حيث تبنّت إسرائيل المفهوم القائل إن العرب لن يهاجموا، مما ساهم في إضعاف الإنذار المبكّر وتفاقم فجوة الثقة بين الموساد والجيش. مع دخول الألفية الجديدة، تصاعد الانقسام مدفوعا بإخفاقات ميدانية متكررة هزت صورة "التفوق الأمني" التي طالما تفاخرت بها إسرائيل، وسط تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات عن الفشل. وقد شكلت حرب لبنان الثانية عام 2006 نقطة تحول بارزة، إذ فاجأ حزب الله قيادة الجيش والموساد الإسرائيلييْن بعملية أسر الجنود الإسرائيليين وإطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات، وعلى إثرها اعتبر قادة الجيش أن الموساد أخفق في تقديم معلومات دقيقة عن قدرات حزب الله الصاروخية وانتشاره الميداني بالجنوب اللبناني. وفي المقابل، رد الموساد باتهام القيادة العسكرية بالاستخفاف بالمعطيات الاستخباراتية، وإدارة المعركة بشكل مرتجل مما أدى إلى فشل تحقيق "نصر حاسم". وقد كشفت لجنة "فينوغراد" -التي حققت في إخفاقات الحرب- عن فجوة عميقة في التنسيق العملياتي بين الجانبين، معتبرة أن غياب الرؤية الموحدة ساهم في حالة التخبط الإستراتيجي. وتفجر الخلاف أيضا بعد عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010، حيث انتقد قادة الجيش الموساد بشدة على خلفية تداعيات هذه العملية معتبرين أنها وضعت إسرائيل في مواجهة أزمة دبلوماسية خانقة وهددت باندلاع تصعيد ميداني في غزة. وتكرر المشهد ذاته خلال الحروب على غزة، لاسيما عدوان 2014، حيث تباينت التقديرات بين هاتين المؤسستين بشأن قدرات حركة حماس على تطوير الأنفاق الهجومية، فالجيش رأى أن الموساد بالغ في تقدير حجم التهديدات، بينما أصر الموساد على أن تجاهل تحذيراته كاد أن يوقع المستوطنات الجنوبية في كارثة، بحسب صحيفة هارتس الإسرائيلية. وهذه الإخفاقات الأمنية المتكررة التي تعرضت لها إسرائيل، يقرأها أيمن البراسنة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة الأردنية على أنها تتجاوز كونها عثرات فردية أو فشلا مؤقتا، بل تعكس أزمة ثقة متبادلة، مما يحولها إلى أدوات تصفية حسابات داخلية. ما بعد طوفان الأقصى لكن الحدث الأكثر زلزلة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية كان عملية " طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين نفذت المقاومة الفلسطينية هجوما واسع النطاق وغير مسبوق ضد المواقع العسكرية والمستوطنات في غلاف غزة. وهنا حمل الجيش الإسرائيلي الموساد مسؤولية "العمى الاستخباراتي" وعدم كشف الاستعدادات الهجومية للمقاومة الفلسطينية رغم المؤشرات المتراكمة، بينما رد الموساد بأن القيادة العسكرية تعمدت تجاهل التحذيرات التي قدمها الجهاز منذ أسابيع خوفا من جر الكيان لمواجهة كبرى في غزة. وعلى عكس المحطات السابقة، لم يقتصر السجال هذه المرة على تبادل الاتهامات، بل خرج إلى العلن إذ بدأت الصحف الإسرائيلية تتحدث صراحة عن "حرب الجنرالات" داخل المنظومة الأمنية، مع تسريبات عن صدامات داخل " الكابينت" بين رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي ورئيس الموساد ديفيد برنيع بشأن أسباب الفشل الذريع، وهو ما عزز الانطباع بأن الكيان فقد القدرة على التنسيق الفعال بين جناحي القوة. وقد تصاعدت الأزمة أكثر مع موجة استقالات غير مسبوقة ضربت المستوى العسكري، حيث أعلن قادة عسكريون كبار عن تنحيهم، بينهم قائد المنطقة الجنوبية ياران فينكلمان، كما قدم رئيس الاستخبارات "أمان" أهرون حليفة استقالته محذرا من انهيار منظومة القيادة والسيطرة، وسط حالة الانقسام الحاد بين المستويات العسكرية والسياسية. وحتى داخل الموساد نفسه، كشفت تقارير إسرائيلية عن تهديد بعض القيادات بالتنحي إذا استمرت الحكومة في تحميلهم بمفردهم تبعات الإخفاق الاستخباراتي. منافسة على الفضل بمواجهة إيران وامتد الصراع إلى حرب علنية على السبق في المواجهة مع إيران، فقد اتهم قادة الجيش جهاز الموساد بـ"تضخيم بطولاته" في الهجمات على طهران في 13 يونيو/حزيران، مؤكدين أن عملياته كانت هامشية وأنه عمل تحت قيادة الجيش بنسبة لا تتجاوز 1% وفقا لصحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية. ورد الموساد بأن الفضل الحقيقي يعود له في إبطاء مشروع إيران النووي لسنوات، متهما المؤسسة العسكرية بالفشل الذريع بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومحاولة الاستحواذ على إنجازات ليست لها، بحسب الصحيفة. وبلغ التنافس ذروته حينما أقدم رئيس الموساد على إلغاء "الخطة الطموحة" للتعامل مع المشروع النووي الإيراني دون التنسيق مع الجيش، وبرر قراره بأن الجيش "غير قادر على تنفيذ المهام" في ظل الضغوط المتعددة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول. وهذا القرار، قالت عنه يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إنه فجر غضب هيئة الأركان التي اعتبرته "طعنة في الظهر" ومحاولة للتنصل من خطة أثارت جدلاً لسنوات، ورأى قيادات الجيش في خطوة برنيع مؤشراً على أن الصراع لم يعد خلافًا على الصلاحيات، بل تحول إلى معركة نفوذ مفتوحة تهدد بتفكيك المنظومة الأمنية من الداخل. وبدوره، يرى أيمن الروسان الخبير العسكري ومحلل الشؤون الدفاعية أن التنافس الحاد بين الطرفين ساهم بشكل ملحوظ في إضعاف القدرة الاستخبارية والتنفيذية لإسرائيل، وهو ما مكّن حماس من تنفيذ أكبر خرق أمني في تاريخ إسرائيل الحديث دون إنذار فعال. ويُتوقع أن تُحدث هذه الفجوة مراجعات جوهرية في هيكل الاستخبارات وتقسيم المهام بعد الحرب. تسييس الأجهزة الأمنية وصراع الولاءات في خضم الصراع، برزت ملامح انجرار الأجهزة الأمنية إلى صراع الولاءات بين مراكز القوة السياسية وعلى رأسها مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتجلت هذه الظاهرة عندما سارع نتنياهو لزيارة مقر الموساد، مشيدا بما اعتبره "مساهمات هامة" خلال الحرب الأخيرة ضد إيران ولبنان. وفي سياق متصل، أثار نتنياهو عاصفة من الجدل بتعيينه اللواء ديفيد زيني رئيسًا للشاباك خلفًا لرونين بار، عقب توتر حاد بينه وبين الأخير، إذ اتهمه رئيس الحكومة بـ"فقدان المصداقية" ورد بار متهماً نتنياهو بمحاولة "جر الجهاز إلى مستنقع التجاذبات السياسية". ويؤكد الروسان -للجزيرة نت- أن تسييس الأجهزة الأمنية ليس جديداً لكنه تفاقم بعد حرب غزة 2023، وبات يمثل تهديدًا خطيرًا لوحدة المنظومة الأمنية واستقرار القرار السياسي، لأنه يضرب جوهر التوازن الذي تقوم عليه دولة تعتمد بشكل أساسي على تفوقها الاستخباراتي والعسكري. ويضيف الخبير العسكري أن تسييس الأمن في إسرائيل يُهدد المنظومة من 3 جوانب: الأول: تقويض وحدة القيادة الأمنية وفقدان الثقة الداخلية. الثاني: زعزعة الاستقرار السياسي نتيجة اتهامات متبادلة وتسريبات. الثالث: إضعاف هيبة الردع الخارجي وفتح الباب لتحديات جديدة من خصوم إقليميين. في حين يرى البراسنة أن العلاقات المتوتّرة بين رئيس الحكومة والمؤسّسة الأمنيّة فاقمت حدة الصراع، إذ يعتبر نتنياهو الجنرالات أنّهم ألدّ منافسيه ولذلك فهو يسعى جاهدا للتدخل في المؤسسة الأمنية لتطويعها وجعلها تتماهى مع أجندته التي ترتهن لرؤى وتصورات التيارات الدينية. وقد ازدادت الأزمة حدة في مارس/آذار الماضي، حين تدخلت المحكمة العليا الإسرائيلية وأوقفت إجراءات عزل نتنياهو، محذّرة من "تضارب المصالح" في ظل التحقيقات الجارية بعد الكشف عن تلقي مقربين من نتنياهو أموالًا لتحسين صورته، في أزمة جديدة تهدد مستقبله السياسي. ولم تكن هذه المحاولة هي الأولى، فقد كشف يورام كوهين (رئيس الشاباك السابق من 2011 حتى عام 2016) في 7 أبريل/نيسان 2025 بأن نتنياهو سبق وطلب منه كرئيس للشاباك استبعاد نفتالي بينيت (المنافس السياسي لنتنياهو) من مجلس الوزراء الأمني وإلغاء تصريحاته الأمنية بحجة وجود مشكلة خاصة بولائه أثناء خدمته في الجيش، وهو طلب رفضه كوهين. وقد دفعت هذه المؤشرات معهد الدراسات الأمنية القومي الإسرائيلي إلى التحذير من وجود فجوة واضحة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية في التنسيق الإستراتيجي. ووفقًا للمعهد، فإن القيادة السياسية لم توفر توجيهًا إستراتيجيًا طويل الأمد أو إشرافًا دقيقًا على الخطط العسكرية، مما أدى إلى انفصال بين مستويات مفهوم الأمن.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
صحف عالمية: إسرائيل تدفع ألف دولار يوميا مقابل ارتكاب جرائم حرب في غزة
قالت صحف عالمية إن عدد ضحايا الحرب في قطاع غزة تتطابق تقريبا مع ما تعلنه السلطات الصحية بالقطاع، وأشارت أخرى إلى أن الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين تحولت إلى مصدر ربح لأطراف خارجية. فقد تناول موقع "ميديا بارت" الفرنسي تحقيقا لمنظمة " أطباء بلا حدود" خلص إلى أن أعداد ضحايا الجيش الإسرائيلي في غزة من شهداء وجرحى "تتطابق مع تلك التي تصدرها الجهات الطبية في القطاع". وتوقع التحقيق أن تكون الأعداد أكبر مما هو معلن، وذلك لأن الإحصاءات "تقتصر على الضحايا المباشرين الذين تصل جثثهم إلى المستشفيات وتُحدَّد هوياتهم". وكشف أن 31% ممن قتلهم الجيش الإسرائيلي أطفال، وأن 40% منهم تقريبا دون سن العاشرة. تربّح من الإبادة وفي صحيفة "الغارديان"، تحدث مقال عن إعلانات نشرها الجيش الإسرائيلي لتوظيف سائقي جرافات لتنفيذ أعمال الهدم والتجريف في غزة مقابل ألف دولار في اليوم تقريبا. واعتبر المقال هذه الإعلانات "عنوانا لتحوّل الإبادة في غزة إلى مصدر ربح لأطراف خارجية"، مشيرا إلى عدم اكتراث إسرائيل بالقوانين الدولية وهي تجرف أحياء ومناطق بكاملها". ونقل المقال عن خبراء أن الإعلانات المذكورة "غير مسبوقة وتعتبر انتهاكا للقوانين الدولية ونوعا من تسهيل جرائم الحرب". كما انتقدت افتتاحية "هآرتس" حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن خطة تتضمن بناء ما سماها "مدينة إنسانية" على أنقاض رفح جنوبي القطاع، لحشر سكان غزة فيها. ووصفت الافتتاحية الخطة بالجريمة، وقالت إن دعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – لها "انحدار أخلاقي وتاريخي لإسرائيل ولليهود". وأضافت "مهما حاولوا في إسرائيل تغليف هذه الخطوة بأوصاف مُضللة، فالأمر يتعلق بمعسكر اعتقال". وفي مجلة "فورين بوليسي"، اتهم الباحث في جامعة كينغز بلندن ، روب بينفولد، إسرائيل بالعمل على تنظيم تهجير قسري لسكان القطاع. وقال إن سياسات نتنياهو، مثل التعاون مع جماعات مارقة في غزة، محفوفة بالأخطاء والمخاطر وتمهّد لزراعة الفوضى، مشددا على أن هذه الجماعات منبوذة في غزة لأسباب معروفة، لا من فراغ. حروق قاتلة واختيار مؤلم أما صحيفة " نيويورك تايمز" فنشرت شهادة طبيبة بريطانية تعمل متطوعة في غزة، وصفت فيها الوضع الإنساني والطبي بالمتدهور. وقالت الدكتورة فيكتوريا روز إنها قضت فترات متقطعة في غزة، مؤكدة أن النظام الصحي أصبح تحت ضغط شديد بسبب التدفق المستمر للمصابين خلال الأسابيع الأخيرة. وبالمقارنة مع زيارتين سابقتين للقطاع، تقول روز إنها لاحظت أن عددا أكبر بكثير من المصابين يعانون من حروق قاتلة وإصابات بالغة ناجمة عن انفجارات القنابل الإسرائيلية. وأخيرا، تناولت "وول ستريت جورنال" التوقعات المتزايدة بقرب التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة، وقالت إن ضغوط عائلات الأسرى تتزايد على الحكومة الإسرائيلية بشأن من سيقع الاختيار عليهم للخروج في المرحلة الأولى من الصفقة. وقالت الصحيفة "بما أن المطروح حاليا هو الإفراج عن 10 أسرى، فإن الإفراج عن واحد سيعني بقاء آخر في الأسر، مما يجعل أي اختيار حاسما ومؤلما لبعض العائلات".