logo
محللون: الصفقة ليست نهاية الحرب وخطاب نتنياهو يؤشر لتراجع عسكري

محللون: الصفقة ليست نهاية الحرب وخطاب نتنياهو يؤشر لتراجع عسكري

الجزيرةمنذ 4 ساعات
في الوقت الذي يروّج فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاحتمال التوصل لصفقة قريبة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تكشف القراءة المتأنية لمسار التفاوض أن المقترح المطروح لا يشكل مدخلا لإنهاء الحرب، بل يمثل إطارا تكتيكيا مؤقتا يعيد ترتيب الأوراق الإسرائيلية تحت غطاء تفاوضي هش.
ذلك الإخراج "الناعم" للصفقة المرتقبة يقابله تحوّل تدريجي في الخطاب الإسرائيلي، بدا فيه نتنياهو أقل اندفاعا وأشد انضباطا، نتيجة جملة من الضغوط الميدانية والداخلية والدولية، جعلت من خفض السقف السياسي ضرورة أكثر منها خيارا.
التقديرات الإسرائيلية لا تتحدث عن اتفاق شامل، بل تميل إلى وصف الصفقة المنتظرة بأنها "جزئية" أو "تبادل مشروط"، من دون أي تعهد نهائي بوقف العمليات العسكرية، ويتجاوز هذا التوصيف البعد اللغوي إلى مضمون واضح: لا نهاية وشيكة للحرب، بل وقف مؤقت لإطلاق النار قابل للتعديل والخرق.
حتى داخل الأوساط الإسرائيلية، يتم تجنّب استخدام مصطلح "هدنة" أو "اتفاق سلام"، في ظل إصرار على إبقاء المبادرة العسكرية بيد تل أبيب ، والتمسك بهامش أمني واسع يسمح باستئناف الهجمات متى دعت الحاجة.
هذه الصيغة المشروطة تعكس رغبة نتنياهو في تحقيق مكاسب سياسية داخلية من دون أن يظهر بمظهر المتنازل، وهو ما يفسر -كما لاحظ الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين- حالة الصمت الرسمي المفروضة داخل إسرائيل حيال تفاصيل المفاوضات، والتكتم على طبيعة الوفد المفاوض في الدوحة، في مقابل تركيز كامل على نتائج زيارته إلى واشنطن.
في واشنطن أولا
في هذا السياق، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى لترسيم ملامح الصفقة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن أولا، ثم العودة إلى الطاولة مع الفلسطينيين على قاعدة "ما تم الاتفاق عليه سلفا".
لكن واشنطن -وإن بدت متحمسة لإنجاز صفقة خلال أسابيع- لا تُبدي استعدادا للضغط الجاد على تل أبيب من أجل إنهاء الحرب فعليا، وهو ما أظهره بوضوح المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري أدولفو فرانكو، الذي لم يُخفِ أن الموقف الأميركي متماهٍ إلى حد بعيد مع الأجندة الإسرائيلية.
ورغم إشارته إلى رغبة ترامب في وقف الحرب، فإن هذه الرغبة لا تتعدى كونها أداة لضبط التكاليف، وليست رؤية لإنهاء شامل للصراع، في ظل توافق تام مع إسرائيل فيما يتعلق بضرورة نزع سلاح غزة ومنع عودة حركة حماس إلى الحكم.
في المقابل، يقرأ الفلسطينيون هذه الصفقة باعتبارها خطوة ناقصة، لا ترقى إلى مستوى الاستحقاق السياسي والإنساني المطلوب، فبحسب الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، تخوض إسرائيل هذه المفاوضات مضطرة، مدفوعة بعدم قدرتها على حسم المعركة عسكريا، وفشلها في فرض سيطرة كاملة على القطاع.
وفي هذا السياق، فإن الضغط الأميركي واحتقان الشارع الإسرائيلي بفعل استمرار احتجاز الأسرى؛ عوامل فرضت على نتنياهو التراجع خطوة إلى الخلف، ولو تكتيكيا، بحثا عن صيغة تحفظ ماء وجهه من دون أن تُعد تنازلا رسميا.
تراجع نتنياهو
ويبدو هذا التراجع واضحا في الخطاب السياسي الإسرائيلي، إذ لم يعد نتنياهو يتحدث عن "القضاء على حماس"، بل بات يكرر تعهدا بـ"إضعافها"، ما يشير إلى إدراكه بتآكل القدرة على الحسم، وتنامي التحديات الميدانية المرتبطة بحرب العصابات وتكتيكات المقاومة المستنزفة.
وهي تحوّلات باتت تثير قلق المؤسسة العسكرية، كما تؤكد شهادات متزايدة عن فشل خطط "التطهير العرقي" التي طُرحت في الشهور الأولى للحرب.
بالتوازي مع ذلك، تبرز معضلة الضمانات، فالحركة الفلسطينية تتخوف من تكرار سيناريو الخروقات الإسرائيلية، كما حدث في اتفاق مارس/آذار الماضي، وتطالب بضمانات واضحة تحول دون استئناف العمليات بعد انتهاء مدة التهدئة.
هذه النقطة تمثل محورا حاسما في مفاوضات الدوحة، خاصة في ظل غياب التزام أميركي صريح بعدم تجدد العدوان، ووجود إصرار إسرائيلي على إبقاء منطقة رفح-موراغ كمنطقة عازلة مغلقة تُستخدم كورقة تهديد دائمة.
ولا تتوقف التحديات عند حدود الخروقات المحتملة، بل تمتد إلى ما يُطرح من مشاريع مريبة لما بعد الحرب، فقد لفت البرغوثي، استنادا إلى معلومات مسربة، عن تحركات لمكتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بدعم من شركات استشارية دولية، للترويج لمخططات تنموية في غزة تتضمن موانئ ومناطق تجارية ذكية، من دون أي إشراك فعلي للفلسطينيين.
فضاء اقتصادي
هذه المشاريع -وإن بدت براقة في ظاهرها- تُفهم داخل السياق الفلسطيني كجزء من خطة تفريغ القطاع سكانيا وتحويله إلى فضاء اقتصادي خاضع للسيطرة الإسرائيلية غير المباشرة.
ومن زاوية تحليلية أشمل، تبدو الصفقة المنتظرة أقرب إلى أداة لتثبيت وقائع ميدانية جديدة، لا إلى تسوية سياسية ناضجة، فكل الشروط التي تروّج لها إسرائيل، من رفض الحكم الفلسطيني في غزة، إلى نزع السلاح، إلى إنشاء مناطق عازلة، تؤسس عمليا لحالة من "السلام الأمني" الذي لا يعالج جوهر الصراع، بل يكتفي بإدارته عبر أدوات ناعمة وأخرى خشنة.
ولا تنفصل هذه المقاربة عن المزاج السياسي المتشدد داخل إسرائيل، حيث تُظهر استطلاعات الرأي دعما واسعا للنهج الحربي، ورفضا لأي تصور يُعيد غزة إلى سيطرة فلسطينية.
كما أن التصريحات المسربة لنتنياهو، والتي كشف فيها استعداده لمسح غزة من الوجود لولا وجود الأسرى، تعكس حجم الراديكالية التي تسيطر على القرار الإسرائيلي، والتي تتعامل مع التهجير والتجويع كأدوات تفاوض لا كمحظورات قانونية أو إنسانية.
وبين خطاب أميركي يوازن بين الضغوط والصمت، وإسرائيلي يُراوغ بين التفاوض والتصعيد، يجد الفلسطينيون أنفسهم مجددا أمام معادلة "وقف النار مقابل لا شيء"، ما لم تتوفر ضمانات حقيقية تُحصّن أي اتفاق من الانهيار أو الاستغلال.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نتنياهو يعلن ترشيحه ترامب لجائزة نوبل للسلام
نتنياهو يعلن ترشيحه ترامب لجائزة نوبل للسلام

الجزيرة

timeمنذ 9 دقائق

  • الجزيرة

نتنياهو يعلن ترشيحه ترامب لجائزة نوبل للسلام

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه رشّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، مقدّما للملياردير الجمهوري خلال اجتماع في البيت الأبيض نسخة عن رسالة الترشيح التي أرسلها إلى لجنة الجائزة. وقال نتنياهو -خلال عشاء مع ترامب في البيت الأبيض- إن الرئيس الأميركي "يصنع السلام في هذه الأثناء، في بلد تلو الآخر، في منطقة تلو الأخرى". وخلال السنوات الماضية تلقّى ترامب من مؤيّدين ومشرّعين موالين له العديد من الترشيحات لنيل نوبل السلام، الجائزة المرموقة التي لم يُخفِ يوما انزعاجه من عدم فوزه بها. وكثيرا ما اشتكى الرئيس الجمهوري من تجاهل لجنة نوبل النرويجية للجهود التي بذلها في حلّ النزاعات بين الهند وباكستان، وكذلك أيضا بين صربيا وكوسوفو. كما يدّعي ترامب الفضل في "حفظ السلام" بين مصر وإثيوبيا، وكذلك أيضا في رعاية الاتفاقيات الإبراهيمية الرامية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. وخاض ترامب حملته الانتخابية كـ"صانع سلام" يستخدم مهاراته التفاوضية لإنهاء الحروب ولا سيما في أوكرانيا وقطاع غزة، لكنّ هذين النزاعين لا يزالان مستعرين رغم مرور أكثر من 5 أشهر على عودته إلى البيت الأبيض.

وسائل إعلام إسرائيلية تكشف عن مخطط لتهجير فلسطينيي غزة
وسائل إعلام إسرائيلية تكشف عن مخطط لتهجير فلسطينيي غزة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

وسائل إعلام إسرائيلية تكشف عن مخطط لتهجير فلسطينيي غزة

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن خطط لإقامة ما تسميه تل أبيب "مدينة إنسانية" على أنقاض مدينة رفح جنوبي قطاع غزة ضمن مخططات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين خارج بلادهم. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أمس أن هذه المدينة ستقام بين محوري فيلادلفيا وموراج جنوب القطاع، بزعم الفصل بين المدنيين وعناصر الفصائل الفلسطينية المسلحة. وأشارت إلى أن هذه الخطة تهدف لتجميع مئات آلاف الفلسطينيين في منطقة معزولة وخاضعة للفحص الأمني، في إطار سياسة التهجير الإسرائيلية المستمرة. وتحاول إسرائيل استغلال الأيام القليلة المتبقية قبل أي تهدئة مرتقبة، لتوسيع رقعة التدمير وإبادة المدن، خاصة في شمال وشرق محافظة الشمال، وشرق مدينة غزة، وشرق خان يونس جنوبي القطاع، وفق مصدر مقرب من الفصائل الفلسطينية للأناضول. وذكر المصدر الذي فضل عدم ذكر هويته، أن إسرائيل تسعى لتدمير ما تبقى من مقومات الحياة في تلك المناطق، لاستنفاد أي فرصة لعودة الفلسطينيين إليها كما فعلت في مخيم جباليا الذي دمرته بشكل شبه كامل خلال النصف الثاني من عام 2024. يأتي ذلك في حين تستمر في العاصمة القطرية الدوحة، مباحثات غير مباشرة عبر وسطاء في محاولة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. ووفق هيئة البث الإسرائيلية، فإن المرحلة الأولى من المخطط الإسرائيلي تشمل نقل آلاف النازحين الفلسطينيين من المنطقة الإنسانية في المواصي بخان يونس إلى ما تسميه المدينة الإنسانية، وهي منطقة ستخضع لتأمين الجيش الإسرائيلي الكامل. ووفق المصدر نفسه، تخطط إسرائيل لنقل نحو 600 ألف فلسطيني من سكان غزة إلى هذه المنطقة بعد إخضاعهم لإجراءات فحص أمني صارمة، على ألا يُسمح لهم لاحقا بمغادرتها، في خطوة تعكس سياسة تهجير جماعي وعزل ممنهج. وخلال الأسبوع الأخير، صعد الجيش الإسرائيلي من قصفه وعمليات تدمير للمنازل ومراكز الإيواء، خاصة المباني متعددة الطوابق التي توفر رؤية إستراتيجية للأحياء المحيطة في شمال وشرق غزة. وحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، نقلا عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 85% من مساحة القطاع تقع ضمن مناطق عسكرية إسرائيلية أو خاضعة لأوامر بالإخلاء أو كلا الأمرين. وقالت الهيئة الإسرائيلية إن الجيش لا يخطط لتوزيع المساعدات على الموجودين بتلك المنطقة بنفسه، بل يسعى لإلقاء هذه المهمة على عاتق دول أخرى (لم تسمها) ومنظمات دولية. وأشارت إلى أن إسرائيل ستقيم في المنطقة 4 نقاطا جديدة لتوزيع المساعدات التي تشرف عليها ما تسمى " مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة أميركيا وإسرائيليا. وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة، بدأت إسرائيل في 27 مايو/أيار الماضي، تنفيذ مخطط لتوزيع مساعدات عبر تلك المؤسسة. وبوتيرة يومية، يطلق جيش الاحتلال النار تجاه المجوعين المصطفين قرب مراكز التوزيع، ما أدى إلى استشهاد 758 فلسطينيا وإصابة 5005، وفق وزارة الصحة بغزة، أمس الاثنين. وفي وقت سابق من أمس، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في لقاء مع مراسلين عسكريين أجانب عن خطة لإنشاء 4 مراكز إضافية لتوزيع المساعدات جنوب محور موراج برفح، إلى جانب إقامة منطقة مدنية ضخمة مخصصة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين سيجري ترحيلهم إليها قسرا. وقال: من يدخل إلى هذه المنطقة لن يُسمح له بالخروج، وسيكون الدخول عبر ممرات ضيقة وخالية من عناصر حماس. وفي 11 أبريل/نيسان الماضي، قال الجيش الإسرائيلي، إنه استكمل السيطرة على كامل محور موراج وطوق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة بشكل كامل. ومنذ ذلك الحين، ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات هدم ونسف المباني في المدينة الحدودية مع مصر. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

هكذا خانت أوروبا نفسها لأجل إسرائيل
هكذا خانت أوروبا نفسها لأجل إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

هكذا خانت أوروبا نفسها لأجل إسرائيل

قال رجل الدولة الإيطالي جيوفاني جوليتّي ذات مرة: "يُفسّر القانون للأصدقاء ويُطبّق على الأعداء". من أبرز الأمثلة على هذا المبدأ ما يظهر في تهاون الاتحاد الأوروبي الشديد وتغاضيه الواضح عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل بحق القانون الدولي وبنود اتفاق الشراكة الموقّع بينها وبين الاتحاد، إذ يبذل التكتل أقصى ما بوسعه للالتفاف على أي مواجهة جدية مع هذه الخروقات. في 20 مايو/ أيار، صوّت مجلس الشؤون الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي على إجراء مراجعة لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان للفلسطينيين من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وبعد شهر، خلص المجلس نفسه إلى أن "ثمّة مؤشرات على أن إسرائيل قد تكون في خرق لالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب المادة 2 من اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". مؤشرات فقط! في 26 يونيو/ حزيران، أعلن قادة حكومات الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع المجلس الأوروبي أنهم "أخذوا علمًا" بتلك المؤشرات، ودعوا مجلس الشؤون الخارجية إلى "مواصلة النقاشات" بشأنها في يوليو/ تموز. من المفهوم أن بعض المراقبين رحّبوا في البداية بالتصويت على مراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في مايو/ أيار. فمن الطبيعي أن يتمسك الناس بأي بارقة أمل تشير إلى إمكانية اتخاذ خطوات لحماية حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني. لكن للأسف، فإن "النقاش" بأكمله حول اتفاق الشراكة ليس سوى خداع. فهو لا يمثّل أي تحرك جاد من الاتحاد الأوروبي لمعالجة الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة. بل يهدف إلى حرف النقد المتزايد من خلال إعطاء انطباع بأن الاتحاد ربما بدأ بالتفكير في اتخاذ إجراء ما. والأهم من ذلك، أنه يُلهي عن الالتزامات القانونية التي يفرضها القانون الدولي والاتفاقيات على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء. ذرائع حقوق الإنسان بعد 20 شهرًا من الحرب الإسرائيلية المدمّرة على غزة، أصبحت انتهاكات إسرائيل حقوق الإنسان والقانون الدولي شديدة الوضوح، ولا يمكن إنكار صلتها باتفاق الشراكة. لقد بلغت الانتهاكات حدًا هائلًا يستدعي تصنيفها ضمن فئات مختلفة لتغطية حجم وعمق التدمير الذي لحق بكل أوجه الحياة في غزة. فقد اتُّهمت إسرائيل بتعمد خلق ظروف تقضي على إمكانية استمرار الحياة الفلسطينية في القطاع، وهو ما يُعد إبادة جماعية. يشمل ذلك: قتل السكن (domicide): تدمير المشهد الحضري بالكامل في غزة. قتل الصحة (medicide): تفكيك منهجي لنظام الرعاية الصحية. قتل التعليم (scholasticide): تدمير المدارس والجامعات والمكتبات. الإبادة البيئية (ecocide): القضاء على الزراعة والطبيعة في غزة. تدمير الاقتصاد (econocide): تدمير الاقتصاد الغزي. سلب الطفولة (unchilding): جعل الطفولة أمرًا مستحيلًا. أكثر من 90٪ من سكان غزة، أي حوالي 1.9 مليون شخص، تم تهجيرهم. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط، تم تهجير أكثر من 600 ألف شخص مجددًا، بعضهم لأكثر من عشر مرات. وقد فرضت إسرائيل حصارًا كاملًا على القطاع منذ 2 مارس/ آذار، ولم يُستأنف إيصال المساعدات القليلة إلا في أواخر مايو/ أيار. المجاعة منتشرة: توفي 66 طفلًا بسبب الجوع، وأكثر من 5000 طفل تم إدخالهم المستشفى بسبب سوء التغذية الحاد في مايو/ أيار وحده. حديث بلا فعل تحت ضغط الرأي العام الأوروبي، الذي بدأ يرفض بشكل متزايد دعم أوروبا لإسرائيل، قرر الاتحاد أخيرًا فعل شيء. لكن هذا الشيء اقتصر حتى الآن على الحديث، دون أي خطوات تنفيذية. صوّت التكتل على مراجعة اتفاق الشراكة، لكن هذا ليس استثنائيًا لأن كل اتفاقيات الشراكة تُراجع دوريًا، ما قد يؤدي إلى تعزيز أو تقليص العلاقات. والواقع أن أولئك الذين دعوا إلى التصويت كانوا يعلمون جيدًا أن تعليق الاتفاق يتطلب تصويتًا بالإجماع من جميع الدول الأعضاء الـ27، وهو أمر مستحيل حاليًا. فقد عبّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ودول مثل ألمانيا وإيطاليا والمجر، عن دعمها الثابت لإسرائيل. وفي ظل هذه الظروف، فإن الأمل بتعليق الاتفاق بالإجماع هو ضرب من الوهم. قد يسمح التصويت بالأغلبية المؤهلة بتعليق بعض جوانب الاتفاق المتعلقة بالتجارة، لكن هذا هو أقصى ما يمكن توقعه. هذا لا يُعد بأي حال تأكيدًا جادًا على التزام الاتحاد بحقوق الإنسان و"القيم الأساسية". بل إن الاستشهاد العلني من قبل الحكومات والمسؤولين بالمادة 2 من الاتفاق، التي تنص على أن جميع مجالات التعاون "يجب أن تقوم على احترام حقوق الإنسان"، ليس إلا خطابًا فارغًا. في الحقيقة، لم يكن في نية الاتحاد الأوروبي أبدًا أن تُؤخذ هذه الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان على محمل الجد. فمن السهل ملاحظة أنه لم يُحدد كيف يُقيَّم احترام حقوق الإنسان، ولم يجعل هذه التقييمات دورية أو إلزامية أو علنية. وبهذا، يترك الاتحاد لنفسه مساحة كافية ليدّعي تمسّكه بـ"حقوق الإنسان والقيم الأساسية"، بينما يقوم في الواقع بـ"تأويل" قواعده للتهرب من اتخاذ أي إجراء ذي مغزى. شعارات جوفاء بعض الدول الأوروبية قررت اتخاذ إجراءات فردية، لكن ما قامت به لا يقل خواءً عن مراجعة الاتفاق. فقد علّقت المملكة المتحدة محادثات التجارة مع إسرائيل، لكنها لم تعلّق التجارة نفسها. وبيانها المشترك الأخير مع فرنسا وكندا رُوّج له على أنه «أشدّ» من مواقف الاتحاد الأوروبي، لكنه يعارض فقط «توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة»، أي أنه يعترض على التصعيد والتوسّع لا على ما حدث حتى الآن. كما لم يذكر هذا البيان جرائم الحرب التي اتُّهمت بها إسرائيل، ولم يتعهّد بتنفيذ أوامر القبض الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. بل إن المملكة المتحدة، ورغم استدعائها سفير إسرائيل بعد البيان "الحازم"، واصلت تحليق طائرات التجسس فوق أو قرب أجواء غزة، وهي تحركات يُشتبه في أنها تهدف إلى جمع معلومات استخبارية لصالح الجيش الإسرائيلي. أما فرنسا فقد أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في يونيو/ حزيران. وجاء يونيو/ حزيران ومضى دون اعتراف. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، زعمت إسبانيا أنها أوقفت بيع الأسلحة لإسرائيل. وفي مايو/ أيار، صرّح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز قائلًا: "نحن لا نتعامل تجاريًا مع دولة ترتكب إبادة جماعية". ومع ذلك، كشف مركز أبحاث في برشلونة مؤخرًا عن وجود أكثر من 40 عقدًا بين مؤسسات حكومية إسبانية، وشركات دفاع إسرائيلية. كما تواصل كل من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا تزويد إسرائيل بالأسلحة، في انتهاك لروح القانون الدولي. الالتزامات القانونية لو كانت الحكومات الأوروبية جادة في الرد على جرائم إسرائيل، لكان بإمكانها ذلك ببساطة عبر القيام بالتزاماتها القانونية بموجب المعاهدات الأوروبية والقانون الدولي. فميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية ومعاهدة لشبونة يفرضان على التكتل إدماج احترام "الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الأساسية" في جميع سياساته. ولهذا السبب تنص جميع اتفاقيات الشراكة على شروط تتعلق بحقوق الإنسان. كما تُلزم اتفاقية الإبادة الجماعية الدول باستخدام "جميع الوسائل المعقولة المتاحة" لمنع الإبادة. وقد أقرّت محكمة العدل الدولية، في يناير/ كانون الثاني 2024، بأن حق الفلسطينيين في الحماية من الإبادة قد يكون منتهكًا. ومن الإجراءات التي يمكن أن تتخذها دول الاتحاد: وقف عقود الأسلحة مع الحكومة والشركات الإسرائيلية. تعليق التعاون الاستخباري. قطع التبادل التجاري والثقافي والبحثي مع المؤسسات العامة والخاصة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. دعم التطبيق الصارم للقانون الدولي، بما يشمل دعم القضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وتنفيذ أوامر القبض الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. خرق فاضح حاليًا، الاتحاد الأوروبي في خرق فاضح لواجباته القانونية وللقواعد التي وضعها بنفسه. وهو نتيجة مباشرة لعقود من تجاهل الانتهاكات الجسيمة من قبل إسرائيل. لا يمكن لأي قدر من "تأويل" القانون أو التذرّع بالإجراءات الشكلية أن يُخفي حقيقة أن الاتحاد ينتهك التزاماته القانونية وروح قواعده. وهو يمتلك سجلًا طويلًا من غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الشريكة. وقد بلغ هذا السجل ذروته المذلّة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. إن التقاعس عن غزة يكشف حدود التزام أوروبا بقيمها المعلنة: فبتضحيتها بفلسطين، تخون أوروبا نفسها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store