
5 مخاطر أمام سوق الأسهم الأمريكية في النصف الثاني من العام
يخشى بعضٌ من أكبر مديري الأموال في العالم من أن لا تواصل الأسهم الأمريكية ارتفاعاتها في النصف الثاني من 2025، لتشهد تقلبات أكبر.
تختتم الأسواق 6 أشهر عصيبة شهدت انخفاض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 19% من ذروته، قبل أن يعوض تلك الخسائر. أغلق المؤشر عند مستوى قياسي مرتفع يوم الجمعة بعد أن أعاد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران شهية الإقبال على المخاطرة.
لم يكن الارتفاع الأخير كافياً للعديد من المستثمرين المؤسسيين، مشيرين إلى سلسلة من المخاطر التي تواجه أسواق الأسهم. فخلال مقابلات مع المؤسسات الاستثمارية، برزت مواضيع على رأسها اقتراب الموعد النهائي لصفقات التعريفات الجمركية، والتوقعات المُتباينة للأرباح، والاستفسارات بشأن ديون الولايات المتحدة وقيادة "الاحتياطي الفيدرالي". وبينما لا تزال التوترات بين الولايات المتحدة والصين عامل القلق الأهم، إلا أنهم يدركون احتمالية أن تخف حدتها إلى حد ما بفضل إطار العمل التجاري الذي أعلن عنه البلدان مؤخراً.
قال جو غيلبرت، مدير المحافظ في "إنتغجريتي أسيت مانجمنت": "نحن نميل للحذر أكثر من التفاؤل". مضيفاً أن التوقعات للنصف الثاني من العام تتحدد دائماً بنقطة البداية، وهذه النقطة من منظور التقييم ونمو الأرباح ليست جذابة على الإطلاق".
تُجسّد وجهة نظر غيلبرت حالة التشاؤم السائدة بين المستثمرين المؤسسيين، من سنغافورة إلى لندن ونيويورك، بينما يقترب شهر يونيو من نهايته. وينعكس هذا الشعور أيضاً في تمركز مديري الأصول الدوليين في الأسهم، والتي لا تزال أقل بكثير من مستوياتها التاريخية.
فيما يلي تفصيل لـ5 عوامل تمثل مخاطر رئيسية يراقبها مستثمرو الأسهم عن كثب خلال بقية العام:
الموعد النهائي لمهلة الرسوم الجمركية
يُشكّل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس دونالد ترمب في 9 يوليو القادم للتوصل إلى اتفاقيات تجارية مع شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين تهديداً مباشراً لارتفاع أسعار الأسهم. تزداد المخاطر إذ ما تم فرض رسوم جمركية على المصدرين الذين لا يتوصلون إلى اتفاق أعلى بكثير من مستوى الـ10% الحالي المطبق على معظم الدول.
تُعدّ المملكة المتحدة استثناءً، بعد أن توصلت إلى اتفاق على الورق. ويعتقد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن بإمكانهما إبرام اتفاقية تجارية قبل الموعد النهائي، وفقاً لما ذكرته "بلومبرغ" يوم الجمعة، بينما تستمر المحادثات مع الهند واليابان ودول أخرى كثيرة. وأفادت وكالة "بلومبرغ" أيضاً أن الولايات المتحدة تقترب من إبرام اتفاقيات مع المكسيك وفيتنام.
رغم ذلك، تلقى المستثمرون تذكيراً بمخاطر الاضطرابات المفاجئة في العلاقات الدولية عندما أعلن ترمب يوم الجمعة أنه سيُنهي محادثات التجارة مع كندا رداً على ضريبة الخدمات الرقمية التي فرضتها أوتاوا على الشركات الأميركية بنسبة 3%.
يتفق المستثمرون بشكل عام على أن صدمة للاسواق مثل تلك التي حدثت جراء فرض الرسوم الجمركية "يوم التحرير" أوائل أبريل الماضي أمر غير مُرجّح، كما أن هناك آمالاً في إمكانية تأجيل الموعد النهائي. ومع ذلك، قالت أنثي تسوفالي، الخبيرة الاستراتيجية في إدارة الثروات العالمية في "يو بي إس"، إنه رغم أن "الأسواق لم تعد لتتجاهل المخاطر بعد الآن، إلا أن وجود مخاطر لا يزال قائماً حتى يتم الإعلان عن اتفاق حاسم".
وأضافت تسوفالي بأنها تتخذ موقفاً محايداً تجاه الأسهم. معللةً: "سيكون هناك الكثير من عدم اليقين والتقلبات. لذلك نحن لا نخاطر بشكل نشط".
نتائج أعمال الشركات
شكّلت مرونة الشركات دعماً رئيسياً للانتعاش الحاد الذي شهدته الأسهم الأمريكية منذ أبريل. ويتوقع المحللون ارتفاع أرباح شركات مؤشر "إس آند بي 500" في المتوسط بنسبة 7.1% هذا العام قبل أن تتسارع في 2026، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس".
ستخضع هذه التوقعات لاختبارات خلال أسابيع قليلة مع صدور نتائج الربع الثاني. وقد شهد موسم الأرباح الأخير قيام شركات من حول العالم بخفض توقعاتها للعام، وأرجعت ذلك إلى ارتفاع التكاليف وضعف ثقة المستهلكين.
أظهر استطلاع أجرته "بيزنس راوند تيبل" (Business Roundtable) في يونيو أن كبار المديرين التنفيذيين أظهروا تشاؤماً أكبر مما كانوا عليه قبل ثلاثة أشهر، حيث تراجع عدد من توقعوا زيادة في التوظيف أو الإنفاق الرأسمالي. ومع ذلك، فإن حزمة تخفيضات الضرائب التي أقرها ترمب بقيمة 4.2 تريليون دولار، والتي ستشهد تصويتاً رئيسياً عليها في مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل، قد تُعطي دفعة قوية للشركات التي تُعاني من ارتفاع الرسوم الجمركية وتكاليف إعادة ترتيب سلاسل التوريد الخاصة بها.
لويز دادلي، مديرة المحافظ الاستثمارية في "فيدريتد هيرمس"، قالت: "في ظل هذه البيئة المليئة بالتحديات، لا بد من خفض توقعات النمو". وأضافت: "بالنسبة للسوق الأوسع، ربما يكون أقصى ما يمكننا توقعه هو نطاق عرضي من المستويات الحالية".
التوترات الجيوسياسية
أدى توقف المواجهة بين إسرائيل وإيران إلى انخفاض أسعار النفط، وهو ما خفف من قلق مستثمري الأسهم من أن سعر الخام المرتفع سيوثر على التضخم وبالتالي يعقّد مسار الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة. ومع ذلك، لا يزال هذا العامل يمثل دعماً هشاً في ظل حالة عدم اليقين المحيطة بمستقبل البرنامج النووي الإيراني.
وقال فرانسيسكو سيمون، رئيس الاستراتيجية الأوروبية في "سانتاندر أسيت مانيجمنت": "رغم هذه الانفراجة المؤقتة، لا نزال نرى ارتفاعاً في المخاطر المتأصلة في البيئة الجيوسياسية". وأضاف أن الشركة تُبقي على موقفها من تقليل الحيازات في الأسهم، مفضلةً "نهجاً حذراً وانتقائياً".
وعلاوةً على ذلك، تبقى العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والصين المستثمرين في حالة من التوتر، مترقبين تفاصيل إطار الاتفاقية التجارية الذي أعلن الجانبان عن التوصل إليه هذا الأسبوع. ومن بين النقاط الرئيسية ما إذا كانت الاتفاقية ستُتيح للشركات الأمريكية الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة الصينية، وما إذا كانت ستُزيل العقبات أمام شركات التكنولوجيا الصينية للحصول على تقنيات الرقائق الأمريكية المتطورة.
الدين الأمريكي والاحتياطي الفيدرالي
فقدت الولايات المتحدة آخر أعلى تصنيف ائتماني لها في مايو وسط مخاوف متزايدة من المستثمرين بشأن تضخم ديونها. في غضون ذلك، يتوقع أن يضيف مشروع قانون ترمب للضرائب والإنفاق تريليونات الدولارات إلى الدين الفيدرالي خلال السنوات القادمة.
قال نيل روبسون، رئيس قسم الأسهم العالمية في "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنت" "ندرك أن المشكلة لن تختفي". وأشار إلى أن انهيار السوق الذي سيؤدي إلى ارتفاع عوائد السندات وانخفاض تقييمات الأسهم لا يزال احتمالاً ضئيلاً. مضيفاً: "لكن علينا أن نكون حذرين".
بالنسبة لنيكولاس وايلينزيك، الخبير الاستراتيجي في الاقتصاد الكلي في "ويلينغتون مانجمنت"، فإن التعامل مع موضوع خلافة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي يُعدّ أيضاً مسألةً مهمةً للمستثمرين. صرّح ترمب يوم الأربعاء بأنه يدرس ثلاثة أو أربعة أشخاص لخلافة جيروم باول عند انتهاء ولايته العام المقبل.
ومن المخاطر التي ذكرها بعض المستثمرين احتمالية مرور الولايات المتحدة بتجربة مماثلة لـ"لحظة ليز تروس" التي شهدتها المملكة المتحدة عام 2022. وقال وايلينزيك إن ذلك كان "يعود جزئياً إلى الإنفاق غير المنضبط، بجانب تساؤلات مرتبطة باستقلالية بنك إنجلترا".
وتساءل: "هل يُمكننا أن نشهد وضعاً مشابهاً؟". "هناك خطر من أن تبدأ الأسواق بشكل مفاجئ بالشعور بالقلق من أن استقلالية الرئيس القادم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي لن تكون كما كانت عليه في الماضي".
تقييمات الأسهم
مع تداول الأسهم عند مضاعف ربحية 22 مرة خلال الاثني عشر شهراً القادمة، فإن تقييم مؤشر "إس آند بي 500" سيكون أعلى بكثير من متوسطه لعشر سنوات والبالغ 18.6 مرة. وتُعد شركات مثل و"يلينغتون" و"ألاينس بيرنشتاين" من بين الشركات التي تتوقع بقاء المضاعف مرتفعاً بفضل تخفيضات أسعار الفائدة المستقبلية ومرونة شركات التكنولوجيا الكبرى. إلا أن شركات أخرى ترى أن السعر المرتفع يعيق شراء المزيد من الأسهم.
قال ديفيد تشاو، خبير استراتيجيات الأسواق العالمية في " إنفيسكو أسيت مانجمنت": "قد تحتاج تقييمات الأسهم الأمريكية، وخاصةً في الاستراتيجيات الموزونة بالقيمة السوقية مثل مؤشر إس آند بي 500، إلى مزيد من التعديل في حال تدهورت أوضاع الاقتصاد الأمريكي".
وأضاف: "تُتداول أسواق الأسهم خارج الولايات المتحدة في الغالب بمضاعفات أقل، ونعتقد أن الفجوة مع الولايات المتحدة ستستمر في التقلص".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 2 ساعات
- أرقام
ترمب: حددنا مشترياً لأعمال تيك توك في الولايات المتحدة
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه حدد جهة لشراء العمليات الأميركية لتطبيق "تيك توك" المملوك من شركة "بايت دانس" الصينية، لكنه لن يكشف التفاصيل قبل أسبوعين. وأضاف في مقابلة مع برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز" الذي تقدمه ماريا بارتيرومو عبر قناة "فوكس نيوز": "لدينا مشتر لـ(تيك توك)، بالمناسبة. أعتقد أنني سأحتاج على الأرجح إلى موافقة من الصين، وأعتقد أن الرئيس شي (جين بينغ) سيوافق على الأرجح". وتابع: "إنه تحالف من أشخاص أثرياء جداً". وقد تم تسجيل المقابلة يوم الجمعة، وبُثت يوم الأحد. كان ترمب قد قال في وقت سابق إنه سيمدد للمرة الثالثة المهلة الممنوحة لشركة "بايت دانس" لبيع الأنشطة الأميركية لـ"تيك توك"، ما يمنح الشركة 90 يوماً إضافياً بعد 19 يونيو. مفاوضات شراء عمليات التطبيق توقفت الكونغرس قد أقر قانوناً العام الماضي يلزم الشركة بالتخارج، مشيراً إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي. ويسمح القانون للرئيس بمنح تمديد واحد. وتوقفت المفاوضات حول الصفقة إلى حد كبير، بعدما اجتاحت التوترات الأوسع بشأن المفاوضات الجمركية العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقبل إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية الواسعة في أبريل، أفادت تقارير بأن الصفقة كانت قريبة من الاكتمال، عبر تحالف يضم مستثمرين أميركيين من بينهم "أوراكل كورب"، و"بلاكستون إنك"، وشركة رأس المال الاستثماري "أندريسن هورويتز". ولم يرد البيت الأبيض على طلب الحصول على مزيد من التفاصيل حول أحدث تصريحات ترمب.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
تعزيز التمويل الأخضر في الدول العربية
في جميع أنحاء منطقتنا العربية، تواجه الشعوب ضغوطاً متعددة مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة الحصول على وظائف لائقة، وتزايد الظواهر المناخية الحادة التي تخلف دماراً واسع النطاق. ولكن مع تعدد التحديات من جهة، تتوافر الحلول في الجهة المقابلة. والأهم أن رؤوس الأموال والموارد المالية اللازمة للتصدي لهذه التحديات متوفرة كذلك في منطقتنا العربية. فبينما تُقدر احتياجات المنطقة من التمويل للوفاء بالالتزامات المناخية بـ600 مليار دولار حتى عام 2030، تمتلك المنطقة أكثر من 4.5 تريليون دولار من الأصول المصرفية، بالإضافة إلى تريليونات أخرى موجودة لدى الصناديق الاستثمارية والصناديق السيادية. لكن ما ينقص هو الأنظمة التي يمكنها تحويل رؤوس الأموال المتاحة لتخدم الناس والمناطق الأكثر احتياجاً، وهنا يكمن التحدي الرئيسي الذي يتعين علينا معالجته. الاحتياجات حقيقية وعاجلة، والحلول متوفرة، ولكن ما ينقص هو المسارات وآليات التنفيذ لتحويل رؤوس الأموال إلى تنمية وتقدم وازدهار، وهنا يأتي دور «منصة التمويل الأخضر»، وهي ليست صندوقاً جديداً أو مؤسسة مستحدثة، بل هي آلية تحفيز مصممة لربط استراتيجيات التمويل برأس المال لتحقيق والوصول إلى الأهداف التنموية المطلوبة. وتهدف المنصة إلى مساعدة الحكومات على تذليل العقبات، وتوسيع الأحياز المالية، وبناء أنظمة مالية خضراء، وإطلاق استثمارات حقيقية قادرة على رفع مستوى معيشة شعوب المنطقة وتحسين حياتهم. ومع اقترابنا من المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية أمامنا اختيار واضح يفرض علينا تعجيل العمل على إطلاق العنان لقوة التمويل لتحقيق تحول جذري وإيجابي للمجتمعات وتعزيز العمل المناخي وخلق سبل العيش المستدامة. بلغ الدين العام في المنطقة العربية نحو 1.4 تريليون دولار، وبالنسبة للعديد من دول المنطقة تحول الدين من جسر للتقدم إلى حاجز يعوق النمو والتنمية. ستساعد منصة التمويل الأخضر حكومات المنطقة على جذب رأس المال الخاص من خلال طرح أدوات استثمارية ذكية مثل السندات الخضراء وتسعير الكربون ومبادلات الديون مقابل الطبيعة والحوافز الضريبية الهادفة. ويبقى الهدف ليس فقط زيادة الأموال، بل تحقيق تمويل أكثر ذكاءً وسرعة وأعمق تأثيراً على أرض الواقع. في كثير من الأحيان، نجد أن الأموال متوفرة ورأس المال موجود، لكنه لا يصل إلى القطاعات والمشاريع التي تحتاج إليه بشكل فعلي. وتكشف الإحصائيات أن الوضع الحالي في المنطقة العربية يشير إلى وجود نقص كبير في هذا المجال، حيث لا يتجاوز عدد الدول العربية التي تمتلك استراتيجيات واضحة للتمويل المستدام سبع دول فقط. أما بقية الدول العربية، فإنها تعاني من غياب الإطار التنظيمي الواضح، وعدم اكتمال البنية المؤسسية الأساسية التي تمكّنها من جذب الاستثمارات وتوجيهها نحو المشاريع المستدامة. وتأسيساً على القناعة الراسخة بأن التقدم الحقيقي والتنمية المستدامة لا يتحققان من خلال صفقات فردية أو مبادرات منعزلة، بل عبر أنظمة متكاملة ومؤسسات راسخة، فإن منصة التمويل الأخضر تولي اهتماماً خاصاً لتعزيز وتقوية المؤسسات المالية بمختلف أنواعها. ويشمل هذا الجهد المتكامل طيفاً واسعاً من المؤسسات، بدءاً من بنوك التنمية الكبرى، ووصولاً إلى آليات ضمان تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عصب الاقتصادات المحلية. وكل ذلك يهدف إلى إرساء نظام مالي متكامل يضمن تدفق رأس المال بيسر وفاعلية إلى حيث تكون الحاجة إليه أكبر. وبالتعاون الوثيق مع شركاء التنمية الدوليين والمحليين، ستقوم المنصة بدور محوري في مساعدة الدول العربية على تأسيس وتأهيل البنى المؤسسية المالية اللازمة لدعم هذه المنظومة. لقد آن الأوان للتمويل الأخضر أن يتجاوز حيز المخططات النظرية ليترجم إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع. وفي هذا الإطار، ستسهم منصة التمويل الأخضر في تسهيل إبرام صفقات استثمارية فعلية - استثمارات مجدية مالياً وقليلة المخاطر - في قطاعات حيوية مثل الطاقة الشمسية، ومواجهة شحّ الموارد المائية، وتعزيز الزراعة الذكية مناخياً. وتظهر الأرقام جدوى هذه الاستثمارات، حيث إن كل مليون دولار يُستثمر في الطاقات المتجددة يولّد فرص عمل تزيد بثلاثة أضعاف على تلك التي يوفرها قطاع الوقود الأحفوري. وهذا الجانب بالغ الأهمية في منطقة تعاني من أعلى معدلات بطالة الشباب، مما يجعل الربط بين الحلول المناخية وتحسين سبل العيش مسألة حيوية لمستقبل المنطقة. لكن الواقع يشير إلى تأخر المنطقة العربية بشكل ملحوظ في هذا المجال، حيث لم يتجاوز عدد صفقات التمويل المختلط 83 معاملة مالية فقط بقيمة 14.2 مليار دولار، أي ما يعادل أقل من 1 في المائة من حجم سوق التمويل المختلط العالمي الذي يبلغ 200 مليار دولار موزعة على 1061 معاملة مالية. وهذا الرقم يبدو ضئيلاً مقارنة بما تحققه مناطق نامية أخرى تجذب استثمارات مختلطة تزيد على مثيلاتها في العالم العربي بـ8 إلى 9 أضعاف. في مواجهة هذا الواقع، نطمح إلى تحويل منصة التمويل الأخضر في المنطقة العربية إلى نظام متكامل قائم على آليات السوق بحلول عام 2030. لا يمثّل مؤتمر تمويل التنمية الرابع مجرد لقاء عابر، بل يشكّل منعطفاً مصيرياً يدعونا لاتخاذ قرارات حاسمة تحدد مسارنا نحو المستقبل. فإما أن يستمر النظام المالي على حاله - يشوبه الجمود والتردد والبطء، ومنفصلاً عن الفئات التي يفترض أن يخدمها - أو أن يتحول إلى ما ينبغي أن يكون عليه كقناة تصل رأس المال بالمجتمع، وتجسر بين الفرص والاحتياجات، وتربط النمو بالأهداف المشتركة للتنمية. تتيح منصة التمويل الأخضر للدول تعزيز الآليات الناجحة في تحويل الموارد إلى أدوات تمكين. فالسندات الخضراء والتمويل الأخضر بشقيه الإسلامي والتقليدي، مع دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وأدوات التخفيف من المخاطر، ليست مجرد شعارات، بل هي بمثابة خطط تنفيذية عملية. يتمثّل التحدي الجمعي الذي نواجهه في مضاعفة الجهود وتسريع عملية إصلاح الأنظمة لمواكبة متطلبات المرحلة الراهنة. فما نستثمر فيه اليوم سيرسم ملامح الغد لأبنائنا، وتقع على عاتقنا مسؤولية تاريخية لعدم تفويت هذه الفرصة الفريدة لبناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة للأجيال القادمة. * الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
تراجع نفوذ النفط في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسطسوق الطاقة العالمي الأكثر إحكاماً واستقراراً «بقيادة المملكة»
على الرغم من التوقعات، لم تُواجه الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط -وخاصةً أحداث 7 أكتوبر 2023، والتصعيد بين إسرائيل وإيران- ضربةً قاسيةً لأسواق الطاقة العالمية. وبالمقارنة مع الأزمات الإقليمية السابقة أو الصدمات العالمية الكبرى مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كان التأثير ضعيفًا بشكل مفاجئ. وقد يُشير هذا العجز الواضح لدول الشرق الأوسط الغنية بالنفط عن استخدام نفوذها النفطي كسلاح سياسي إلى بداية تحول أعمق في الديناميكيات العالمية، تحول يُشجع الدول المتحالفة مع الغرب على السعي بثقة أكبر نحو التحول السياسي والاقتصادي في المنطقة، بحسب تقرير أويل برايس. منذ سبعينيات القرن الماضي، شكّلت الثروة النفطية العمود الفقري لقوة دول الشرق الأوسط، حيث شكّلت اقتصاداتها ونفوذها السياسي. وبفضل دورها المحوري في منظمة أوبك وقدرتها على التأثير في توازن الطاقة العالمي، اكتسبت هذه الدول نفوذًا لا يُنكر في الشؤون الدولية. في معظم دول الشرق الأوسط المُصدرة للنفط، تُمثل عائدات النفط أكثر من 70 % من دخل الحكومات ونحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي - بل إن دولًا مثل العراق والكويت تتجاوز هذه المستويات. ورغم التحولات السياسية في بعض الدول، مثل تغيير النظام في العراق، لا تزال حكومات المنطقة تعتمد بشكل كبير على قطاع النفط كركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي وأداة للحفاظ على السلطة والنفوذ في جميع أنحاء أراضيها.يعود الاستخدام السياسي للنفط إلى عام 1960، عندما انضمت دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط إلى فنزويلا لتأسيس منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك). إلا أن أول استخدام رئيسي للنفط كسلاح سياسي حدث خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، عندما فرضت الدول العربية حظرًا نفطيًا أدى إلى أزمة طاقة تاريخية، وارتفاع حاد في أسعار النفط من حوالي 3 دولارات أمريكية للبرميل إلى ما يقرب من 12 دولارًا أمريكيًا، أي أربعة أضعاف في غضون خمسة أشهر فقط.جاءت الصدمة الكبرى الثانية عام 1979 مع الثورة الإيرانية، التي خفضت صادرات النفط الإيرانية، وأعادت الأسعار العالمية إلى الارتفاع، مما أدى إلى مضاعفة الأسعار وهزّ الأسواق العالمية. بعد عام واحد فقط، اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، مما زاد من المخاوف من انقطاع الإمدادات الإقليمية، ودفع الأسعار إلى حوالي 40 دولارًا أمريكيًا للبرميل بحلول أوائل ذلك العام. بعد عقد من الزمان، وتحديدًا في عام 1990، أدى غزو العراق للكويت -وهي دولة خليجية غنية بالنفط- إلى ارتفاع أسعار النفط من 17 دولارًا أمريكيًا إلى 36 دولارًا أمريكيًا للبرميل. ودفع هذا الوضع الدول الغربية إلى سحب احتياطياتها النفطية الاستراتيجية للحد من أي ارتفاعات مفاجئة أخرى. أدى غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003 إلى تقلبات فورية في السوق وعدم يقين طويل الأمد. دفع هذا الاضطراب الجيوسياسي أسعار النفط من نطاق 26-30 دولارًا أمريكيًا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى أكثر من 31 دولارًا أمريكيًا في عام 2003، مواصلًا اتجاهًا تصاعديًا حادًا وصل إلى 66 دولارًا أمريكيًا بحلول عام 2006.وعلى عكس معظم الأزمات الاقتصادية العالمية، مثل الأزمة المالية في عامي 2008-2009 - التي أدت إلى انخفاض الطلب على النفط وانخفاض الأسعار لطالما تسببت صراعات الشرق الأوسط في ارتفاعات حادة في الأسعار. وحدث الارتفاع الكبير التالي في عام 2011 خلال الربيع العربي. دفعت الاضطرابات الأسعار من حوالي 90 دولارًا أمريكيًا في نهاية عام 2010 إلى 120 دولارًا أمريكيًا في أوائل عام 2011. وتسببت الحرب الأهلية في ليبيا في تعطيل تدفقات النفط إلى أوروبا، كما زادت المخاوف بشأن أمن قناة السويس من حدة المخاوف بشأن الإمدادات العالمية.وضربت موجة صدمة أخرى في عام 2019 عندما استهدفت غارة بطائرة مسيرة منشآت أرامكو السعودية في بقيق وخريص، مما أدى إلى توقف إنتاج 5.7 مليون برميل يوميًا - حوالي 5 % من المعروض العالمي. تسبب هذا الحدث في ارتفاع أسعار النفط بنسبة 19.5 % في يوم واحد، حيث قفزت من 60 دولارًا أمريكيًا إلى 72 دولارًا أمريكيًا - وهي أكبر زيادة مئوية في يوم واحد منذ حرب الخليج عام 1991. تبع ذلك حدث نادر غير شرق أوسطي في عام 2022 عندما غزت روسيا أوكرانيا. ارتفعت أسعار النفط إلى أكثر من 120 دولارًا أمريكيًا للبرميل في مارس، مسجلةً زيادة بنسبة 15% عن مستويات ما قبل الحرب، مما يؤكد حساسية السوق العالمية للاضطرابات الجيوسياسية الكبرى.ومع ذلك، كان رد الفعل على الصراعات الأحدث في الشرق الأوسط بعد عام 2023 - والتي شملت في الغالب ما يسمى "محور المقاومة" - خافتًا إلى حد كبير. في 7 أكتوبر 2023، شنت حماس هجومًا مفاجئًا على إسرائيل. في البداية، ارتفعت الأسعار من حوالي 80 دولارًا أمريكيًا إلى 90 دولارًا أمريكيًا للبرميل في غضون أسبوع، لكن الاتجاه الصعودي سرعان ما انعكس. وبحلول الأسبوع الثالث، انخفضت الأسعار إلى 74 دولارًا أمريكيًا للبرميل. على الرغم من أن منطقة الصراع لم تكن محورية لإنتاج النفط أو نقله عالميًا، إلا أن المخاوف بشأن التصعيد المحتمل بين إيران ولبنان والفصائل العراقية أثارت مخاوف - لكنها لم تدم طويلًا، واستقرت السوق سريعًا.لوحظ اتجاه مماثل في أعقاب الضربة الإسرائيلية على إيران: ارتفعت أسعار النفط بشكل طفيف - 7 % فقط في الأسبوع الأول - قبل أن تنخفض في الأسبوع الثاني. جاء هذا الرد الخافت على الرغم من مكانة إيران كرابع أكبر دولة في العالم من حيث احتياطيات النفط، وكونها منتجًا رئيسيًا للنفط، وثاني أكبر دولة في العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، وواحدة من أكبر خمس دول منتجة للغاز عالميًا. علاوة على ذلك، فإن الموقع الجيوسياسي الحساس لإيران - بقربها من مضيق هرمز، أهم نقطة عبور للنفط في العالم - يعزز المرونة المفاجئة لسوق الطاقة العالمي. حتى بعد أن هاجمت الولايات المتحدة المواقع النووية الإيرانية وردّت إيران، امتصّ السوق الصدمة بسرعة، وعادت الأسعار إلى مستويات ما قبل الصراع في غضون ساعات. وتشير هذه الاستجابات الأخيرة إلى تحول في حساسية سوق الطاقة العالمية تجاه التوترات في الشرق الأوسط، مما يعكس على الأرجح تغيرات في تنوع الإمدادات العالمية، والاحتياطيات الاستراتيجية، وإعادة التوازن السياسي لكبار مستهلكي ومنتجي الطاقة. في حين أن صراعات الشرق الأوسط لطالما تسببت في صدمات حادة وطويلة الأمد في أسعار النفط، فإن استجابة السوق للأزمات الإقليمية الأخيرة تعكس تحولاً ملحوظاً، سواء في نطاق زيادات الأسعار أو مدة تأثيرها. حتى عندما يكون مصدر رئيسي للنفط تاريخياً، مثل إيران، متورطاً بشكل مباشر، فقد أظهر السوق درجة ملحوظة من المرونة والتقلب قصير الأجل بدلاً من الاضطراب المستمر. منذ عام 2001، قلصت الولايات المتحدة اعتمادها على نفط الشرق الأوسط بشكل كبير، بينما نوّعت أوروبا مصادرها من الطاقة بنشاط، لا سيما استجابةً لتأثير روسيا على الغاز وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. نتيجةً لذلك، تميل التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط اليوم إلى إثارة ردود فعل أكثر اعتدالاً في سوق النفط العالمية، خاصةً عندما يظل مصدرو النفط المتحالفون مع الغرب بمنأى عن التأثيرات.