
شاهد.. موجة غضب متصاعدة في باريس ضد الإبادة بغزة
وشهدت ساحة الجمهورية وسط باريس منذ الاثنين الماضي وقفة احتجاجية لطلبة الجامعات، تضامنا مع المدنيين الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف المتواصل ويعانون من ظروف إبادة جماعية ، بحسب وصف المنظمين.
وقدّرت الشرطة الفرنسية عدد المشاركين في مظاهرة باريس بنحو 9 آلاف متظاهر، بينما أشارت النقابة العمالية "سي جي تي" (CGT) وحزب " فرنسا الأبية" إلى أن العدد تجاوز 150 ألف مشارك.
المبيت في خيام
واختار عدد من طلاب الجامعات افتراش الأرض والمبيت في خيام بسيطة نُصبت وسط ساحة الجمهورية، تعبيرا عن التضامن مع أهالي غزة، وللتنديد بالحرب المفروضة على القطاع المحاصر.
وقالت كاميليا بلغالي، الطالبة في مدرسة الفنون بباريس، في حديثها للجزيرة نت "نتمسك باعتصامنا رغم المضايقات التي نتعرض لها أحيانا، ونقضي الليالي في الخيام، مدركين أن ما نمر به لا يقارن مطلقا بمعاناة أهل غزة".
وأضافت "رغم سلمية تحركنا، لا نجد آذانا مصغية من الحكومة الفرنسية، لا نسعى إلى إثارة الشغب، لكننا نريد أن يسمع صوتنا، ولن نتراجع ما دامت غزة بلا دعم دولي حقيقي".
إعلان
من جانبه، انتقد غابان، طالب في جامعة "ساينس بو"، اعتماد الحكومة الفرنسية الرواية الإسرائيلية، مشيدا برمزية رحلة سفينة "مادلين" التي قال إنها كشفت تغوّل الاحتلال الإسرائيلي وحصانته حتى في المياه الدولية.
وقال غابان للجزيرة نت "في العام الماضي، حاولت الشرطة اقتحام عدة جامعات فرنسية، في كل مرة كانت تنتهك حرمة المؤسسات التعليمية التي يُفترض أن تكون أماكن مستقلة عن السلطة التنفيذية، وخاصة بوجود غابرييل أتال رئيس الوزراء حينها".
لكن عقب انتهاء المسيرة يوم السبت، أصدرت الشرطة أمرا بإخلاء الساحة من الخيام والمتظاهرين، وأعلنت حظر رفع الأعلام الفلسطينية.
أصوات ضد الحصار
وشهدت المظاهرة مشاركة شخصيات سياسية بارزة، من بينها النائبة الأوروبية ريما حسن، التي كانت قد اعتُقلت 3 أيام في إسرائيل عقب مشاركتها في رحلة سفينة "مادلين".
وقالت ريما حسن "مسؤوليتنا السياسية والأخلاقية تفرض علينا العصيان المدني واتخاذ خطوات جريئة لدعم القانون الدولي ووقف الإبادة الجماعية".
وحمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها شعارات من قبيل "أوقفوا الإبادة الجماعية"، و"نتنياهو مذنب وماكرون متواطئ"، و"أطلقوا سراح جورج عبد الله"، في إشارة إلى المناضل اللبناني المعتقل منذ عقود في فرنسا.
وفي تغريدة لها، أشادت ألما دوفور، النائبة عن حزب "فرنسا الأبية"، بالمشاركة الواسعة قائلة "150 ألف متظاهر في شوارع باريس: موجة غضب متصاعدة ضد الإبادة في غزة".
وأضافت "رغم عنف الشرطة غير المبرر، يتزايد عدد المطالبين بمحاسبة نتنياهو ووقف تواطؤ ماكرون. إسرائيل تقتل، ووزير الداخلية الفرنسي برونو ريتلو يقمع من يرفع صوته".
إعلان
توثيق عنف الشرطة
رغم سلمية المسيرة، لجأت الشرطة إلى تفريق الحشود باستخدام الغاز المسيل للدموع، وسط شكاوى من استخدام مفرط للقوة، وثقتها مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع.
ويظهر في أحد المقاطع شرطي يوجه لكمة مباشرة إلى وجه متظاهر، قبل أن يهمس له زميله قائلا "انتبه، هناك كاميرات"، في إشارة إلى وجود مصورين يوثقون ما يجري.
وخلال التظاهرة، رفع أحد السكان علما إسرائيليا من شرفة منزله، مما أثار حفيظة المحتجين ودفع قوات الأمن للتدخل سريعا، منعا لحدوث مواجهات أو محاولات اقتحام للمبنى.
اللافت أن هذه المظاهرة نُظمت قبل التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، مما يزيد من حدة التوترات في المنطقة، ويثير مخاوف متزايدة من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة إقليمية مفتوحة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 17 دقائق
- الجزيرة
ميناء غزة.. واجهة بحرية تحولت إلى أنقاض تحت القصف الإسرائيلي
ميناء يطل على البحر الأبيض المتوسط ، دمرته إسرائيل كليا أثناء عدوانها على قطاع غزة الذي اندلع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحولته إلى كومة من الحجارة. وتحولت منطقة الميناء إلى بقعة خيام عشوائية للنازحين، وتتعرض بين الفينة والأخرى إلى القصف من الغواصات البحرية و الطائرات المسيرة الإسرائيلية. وتقدر مساحة هذا الميناء بنحو كيلومتر مربع، ويغطي الجزء الشمالي الغربي من مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، ويرتفع ما بين 17 و20 مترا عن مستوى سطح البحر. الميناء قديما يحتضن قطاع غزة منذ القدم، أحد أبرز الموانئ المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والشريان الرئيس الذي يربطه بدول أوروبا، ففي عام 800 قبل الميلاد احتضن القطاع ميناء "أنثيدون"، الذي ظل سنوات طويلة محطة مهمة للتجارة في القطاع. وفي فترة العصر الروماني في فلسطين ، الذي بدأ سنة 63 قبل الميلاد، أنشئ شمال غربي مدينة غزة ميناء "مايوماس" وهي كلمة مصرية تعني "المكان البحري". وفي هذه الفترة، كانت تُصدر من ميناء غزة التوابل والأعشاب العطرية والبخور والأقمشة والزجاج والمواد الغذائية التي كانت تصل إليه على ظهور الجمال من جنوب شبه الجزيرة العربية عبر البتراء ، ومن ثم وادي عربة عبورا بصحراء النقب ثم إلى غزة. تعطيل إسرائيلي أصبح الميناء مدينة ساحلية مزدهرة، ومحطة مهمة للتجار حتى عام 1967 حينما احتلت إسرائيل قطاع غزة، فعطلت الميناء وحولت بحر غزة إلى منطقة عسكرية مغلقة يمنع الاقتراب منها. وأثناء مفاوضات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، طُرحت مسألة بناء ميناء بحري في غزة، وقتها ووعدت الدول الأوروبية ببنائه شمال القطاع. وفي سبتمبر/أيلول سنة 1999، طرحت الفكرة مرة أخرى أثناء اتفاق شرم الشيخ بين المنظمة وإسرائيل، لتوافق الأخيرة على عملية البناء. حلم وئد في مهده عام 1999 أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية"سلطة الموانئ البحرية" التي تتمثل مهامها في توفير نظام نقل بحري في فلسطين ذي كفاءة وإمكانيات عالية عبر إنشاء وإدارة وتشغيل المرافق البحرية بما في ذلك الموانئ البحرية التجارية والسياحية والصيد. إعلان وأُصدر الرئيس الفلسطيني حينئذ ياسر عرفات المرسوم الرئاسي رقم (1) بتاريخ 30 أبريل/نيسان 2000، ونص على إنشاء ميناء في غزة يتبع لسلطة الموانئ البحرية. وفي منتصف عام 2000، باشرت السلطة الفلسطينية في بناء الميناء وسط مدينة غزة بميزانية تبلغ نحو 83 مليون دولار. وخُصصت أراضي حكومية قُدرت بحوالي ألفي دونم (الدونم= 100 متر مربع) لاستخدامات الميناء، بينما قُيّد استخدام حوالي 2500 دونم لتكون حرم الميناء. وقد أشرفت شركة "بالاست نيدم" الهولندية على المشروع الذي وضع حجر أساسه الرئيس عرفات ورئيس فرنسا آنذاك جاك شيراك. لم تدم فرحة الفلسطينيين كثيرا، فبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/أيلول 2000 بأيام قصفت إسرائيل الميناء ودمرته. استأنفت السلطة الفلسطينية بناء الميناء بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة عام 2005، وذلك بعدما حصلت على تعهد إسرائيلي بعدم تدميره مرة أخرى، على إثر اتفاقية المعابر بين الجانبين. وعقب فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا مشددا على القطاع وأدى ذلك إلى توقف عمل ميناء غزة. وتصدر طلب إنشاء ميناء لغزة مطالب المقاومة الفلسطينية خلال مفاوضات وقف إطلاق النار غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي أثناء الحروب المختلفة على القطاع، غير أن الاحتلال كان يرفض في كل مرة مناقشة الفكرة بشكل قاطع. خطط عدة في فبراير/شباط 2014، كشف وزير النقل الفلسطيني حينئذ نبيل ضميدي أن السلطة الفلسطينية ومصر تعملان على خطط لبناء ميناء بحري في قطاع غزة، لكن المخطط لم ير النور. وفي مارس/آذار 2017، اقترح وزير الاتصالات والاستخبارات في إسرائيل حينئذ يسرائيل كاتس إنشاء جزيرة تضم ميناء في ساحل القطاع، بحجة أن هذا المشروع "كفيل بإعفاء إسرائيل من المسؤولية عن غزة ويوفر للقطاع حلولا اقتصادية، كما أنه يدحض شكوى الفلسطينيين من الحصار المفروض". ونص الاقتراح على إنشاء جزيرة مساحتها 8 كيلومترات مربعة، على أن تضم في مرحلة أولى ميناء للمسافرين يخضع لرقابة أمنية دولية ومطارا مستقبليا لكن حكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية – رفضت المقترح. وفي21 يونيو/حزيران 2018، أعادت الحكومة الإسرائيلية مناقشة فكرة الميناء، بعد أن طرحها وزير الدفاع الإسرائيلي حينئذ، أفيغدور ليبرمان ، في زيارته إلى قبرص. خطوة رمزية في يناير/كانون الثاني 2017، اتخذت الهيئة الوطنية لكسر الحصار وإعادة الإعمار واللجنة الحكومية لكسر الحصار في غزة خطوة رمزية عندما أعلنت البدء في أعمال تأهيل ميناء غزة الدولي، استعدادا لانطلاق أول سفينة تقل مرضى وجرحى إلى أحد الموانئ الأوروبية. ووضعت في ميناء غزة لافتات كُتب عليها "مكان الوصول" وأخرى "مكان المغادرة"، وفي مكان آخر "مكتب التسجيل للسفر وختم الجوازات"، للضغط على الأطراف المحاصرة. إعلان وقالت الهيئة الوطنية لكسر الحصار، إنها اتفقت مع مقاولين على "تنفيذ أعمال بناء بهدف البدء الفعلي لإنشاء الميناء الدولي الذي سيكون نافذة غزة إلى العالم في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع". وأوضحت الهيئة أنها تواصلت مع العديد من الموانئ الأوروبية التي أبدت موافقتها على إنشاء الميناء البحري في غزة والتعامل معه؛ لكن هذا الأمر لم ير النور. تدمير كامل وتعرض ميناء غزة القديم إلى تدمير كامل أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ قصف طيران الاحتلال البنية التحتية له بشكل مباشر، مخلفا دمارا هائلا في أرصفته ومرافقه الحيوية. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو)، فإنه أثناء العدوان على القطاع، تعمدت إسرائيل تدمير بقايا ميناء غزة القديم "أنثيدون" التي تشمل الجزء الشمالي الغربي من مخيم الشاطئ للاجئين ومنطقة المشتل. وقالت اليونسكو إن منطقة الميناء كانت مؤهلة للانضمام إلى قائمتها التمهيدية للتراث العالمي، إثر طلب تقدم به الوفد الدائم لفلسطين لدى المنظمة في أبريل/نيسان 2012. وقد اضطر آلاف النازحين من شمال القطاع للجوء إلى الميناء، الذي تحول إلى بقعة خيام عشوائية تتعرض بين الفينة والأخرى إلى قصف الغواصات البحرية والطائرات المسيرة الإسرائيلية.


الجزيرة
منذ 21 دقائق
- الجزيرة
خبير: إسرائيل تسعى لتحويل الضفة لـ"معازل" ومنع قيام دولة فلسطينية
أفاد المدير العام لمعهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، جاد إسحاق، بأن إسرائيل تعمل بشكل منهجي على تفريغ الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين، وتحويلها إلى "معازل" منفصلة، ضمن خطة تستهدف السيطرة الكاملة على المنطقة "ج"، بما يُنهي عمليا أي أفق لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وقال إسحاق، خلال مقابلة مع وكالة الأناضول من مكتبه في مدينة بيت لحم، إن الحكومة الإسرائيلية -بضغط من وزرائها المتطرفين وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش – تسعى للسيطرة الرسمية على جميع مناطق "ج"، بما يشمل المحميات الطبيعية، في خطوة تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني. وأوضح إسحاق أن المخطط الإسرائيلي يشمل إبقاء الفلسطينيين في تجمعات ضيقة، مرتبطة بطرق أو أنفاق أو جسور، لكنها تفتقر إلى مقومات الاستدامة أو النمو. ولفت إلى أن ما تشهده الضفة من عمليات هدم ومداهمات وتهجير قسري، وخاصة في مخيمات الشمال مثل جنين ونابلس وطولكرم، هو جزء من هذا التوجه. وبالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصاعدت دعوات إسرائيلية لضم الضفة الغربية. وفي مطلع يوليو/تموز، وقع 14 وزيرا إسرائيليا، بالإضافة إلى رئيس الكنيست (البرلمان) أمير أوحانا، رسالة دعت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة. تهجير قسري للفلسطينيين وأشار إسحاق إلى أن إسرائيل عملت مؤخرا على تفريغ 32 تجمعا بدويا في السفوح الشرقية للضفة، في عملية تهجير قسري لم تلقَ الاهتمام الدولي الكافي. واعتبر أن ما يجري بالضفة يمثل "جريمة حرب" تهدف إلى تقليل عدد الفلسطينيين في مناطق "ج" واستبدالهم بالمستوطنين، حتى لو كان ذلك عن طريق تحويل الأراضي إلى بؤر رعوية تضم ماشية وأبقار في ظل عدم توفر عدد كاف من المستوطنين. وكشف إسحاق أن نحو 133 بؤرة رعوية تستولي حاليا على أكثر من 250 ألف دونم من أراضي الأغوار، فضلا عن مناطق جنوب الخليل، خاصة مسافر يطا، التي تتعرض لحملات تهجير شبه يومية. وفي سياق متصل، أوضح إسحاق أن ما تسميه إسرائيل بـ"تسوية الأراضي" هو في الحقيقة عملية مصادرة منظمة تجري تحت غطاء قانوني مزيف. وقال إن المملكة الأردنية كانت قد بدأت عام 1963، خلال إدارتها للضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، مشروع تسجيل الملكيات العقارية، لكن المشروع توقّف مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، حيث أوقفت إسرائيل أعمال التسوية بشكل فوري. ولفت إسحاق إلى أن إسرائيل بدأت منذ عام ونصف تنفيذ إجراءات تسوية في القدس الشرقية المحتلة، شملت إعادة فحص وتسجيل الأراضي والملكيات المسجلة باسم الأجداد. وبيّن أن هذه العملية أدّت إلى تحويل الملكيات المسجلة باسم الأجداد إلى الأبناء أو البنات الموجودين حاليا في القدس ، فقدان كثير من الفلسطينيين المقيمين خارج المدينة حقوقهم العقارية. واعتبر إسحاق أن إسرائيل تمنح نفسها بصورة غير قانونية صلاحية تسوية الأراضي في مناطق محتلة، في مخالفة واضحة للقانون الدولي الذي يحظر على قوة الاحتلال إجراء تغييرات دائمة في الأراضي التي تحتلها. كما أشار إلى أن الكنيست الإسرائيلي صادق على تنفيذ عمليات تسوية مشابهة في مناطق "ج" بالضفة الغربية، رغم أن السلطة الفلسطينية كانت قد شرعت بتسوية الأراضي هناك ضمن صلاحياتها، لكن إسرائيل لا تعترف بها. وأضاف أن الإدارة الإسرائيلية باتت تفرض شروطا ومتطلبات جديدة للتسجيل، مما يهدد بمصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية. وختم إسحاق بالتحذير من خطورة هذه العملية، قائلا إنها "تُضفي شرعية زائفة على سيطرة إسرائيل الكاملة على أراض محتلة، في وقت يلتزم فيه العالم صمتا مخزيا، لا يرى ولا يسمع ولا يتحرك". وتشهد الضفة الغربية، بما فيها القدس، عدوانا إسرائيليا متواصلا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة، حيث استشهد ما لا يقل عن 998 فلسطينيا وأصيب آلاف آخرون، في ظل تصاعد اعتداءات الجيش والمستوطنين، بحسب بيانات فلسطينية.


الجزيرة
منذ 36 دقائق
- الجزيرة
حين تجاوزت فرانشيسكا كل الخطوط الحمراء
في سابقة تهزّ أركان المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وجّهت الولايات المتحدة ضربة غير معهودة لاستقلالية منظومة حقوق الإنسان الأممية، بفرضها عقوبات مباشرة على المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي؛ بسبب تقاريرها التي اتهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. لم يكن الأمر مجرد خلاف دبلوماسي، بل تحوّل إلى مواجهة قانونية وسياسية تهدد حيادية الأمم المتحدة ذاتها. فحين تصبح مهمة حقوقية أممية محفوفة بالعقوبات والمنع من السفر، فإننا أمام منعطف خطير يُعيد تعريف حدود مساءلة الدول الكبرى في العصر الحديث. في هذا المقال، نحلل أبعاد هذا التطور غير المسبوق، ونرصد الأسس القانونية التي تم انتهاكها، والرسائل السياسية الكامنة وراء العقوبات، مستعرضين حالة ألبانيزي كنموذج حي لصراع بين الضمير الحقوقي وسيف القوة، ومقترحين سبلًا لحماية منظومة الأمم المتحدة من هذا النوع من التهديدات المستترة. لماذا فرانشيسكا حصرًا؟ استُهدفت فرانشيسكا ألبانيزي لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، من خلال تقارير صريحة اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ودعت إلى محاسبة قادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما اتهمت أكثر من 60 شركة، بينها شركات أميركية كبرى، بالتربح من العدوان والمساهمة فيه، وهو ما اعتبرته واشنطن تهديدًا مباشرًا لمصالحها السياسية والاقتصادية. جاءت العقوبات الأميركية يوليو/ تموز 2025، ضمن أمر تنفيذي يسمح بمعاقبة من يدعم جهودًا قانونية ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل في المحافل الدولية، لتتحول ألبانيزي إلى أول مقررة أممية تُدرج رسميًا على لوائح العقوبات. ورغم الهجمة، واجهت ألبانيزي القرار بثبات، وواصلت مهمتها الحقوقية، مؤكدة أن الضغط لن يثنيها عن قول الحقيقة. وقد أثار هذا الاستهداف ردود فعل أممية وحقوقية غاضبة، واعتُبر تهديدًا لاستقلالية نظام المقررين، ولسيادة القانون الدولي، ولحق الضحايا في العدالة. ردود الفعل الأممية والحقوقية: إجماع أخلاقي في مقابل غياب أدوات الردع أثارت العقوبات الأميركية على فرانشيسكا ألبانيزي ردود فعل واسعة؛ إذ أعرب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان عن "قلقه العميق"، مؤكّدًا أن العقوبات تمسّ استقلالية منظومة المقررين الأمميين. كما عبّر مجلس حقوق الإنسان عن رفضه المساس بخبرائه، داعيًا إلى احترام حصاناتهم. أما منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فوصفتا الخطوة بأنها "سابقة خطيرة" تهدف إلى إسكات الأصوات الحقوقية الناقدة. وأكد المتحدث باسم الأمين العام أن العقوبات "غير مقبولة على الإطلاق"، وتمثل تهديدًا جوهريًا لعمل المنظومة الحقوقية. تعكس هذه المواقف إجماعًا دوليًا أخلاقيًا على رفض استهداف المقررين، لكنها تبقى في إطار الإدانة الرمزية دون أدوات تنفيذية تلزم الدولة المعتدية بالتراجع. ورغم أهميتها المعنوية، لا تملك الأمم المتحدة أو منظماتها الحقوقية وسائل قسرية لإلغاء العقوبات، ما يجعل الحماية الفعلية مرهونة بتكثيف الضغط السياسي والإعلامي. العقوبات المفروضة على مقرري الأمم المتحدة: الطبيعة والدلالة القانونية مقررو الأمم المتحدة الخاصون هم خبراء مستقلون تعيّنهم منظمة الأمم المتحدة – عادة عبر مجلس حقوق الإنسان – لتولي ولايات محددة تتعلق برصد حالة حقوق الإنسان في بلد معين أو بشأن قضية موضوعية محددة. لا يعتبر المقررون موظفين تقليديين لدى الأمم المتحدة ولا يتلقون تعليماتهم من الدول؛ بل يقومون بعملهم بصفة تطوعية ومستقلة لضمان الموضوعية والحياد. ورغم استقلاليتهم، فإنهم يعملون تحت مظلة الأمم المتحدة ويتمتعون بدعمها الأدبي والقانوني. ومن المهم التأكيد أن آراء المقررين الخاصين لا تعبر بالضرورة عن رأي الأمم المتحدة كمنظمة، بل تعكس اجتهاداتهم المبنية على المعايير الدولية. تقارير المقررين وتوصياتهم لا تملك قوة إلزام قانونية مباشرة، لكنها تكتسب أهمية معنوية وأخلاقية كبيرة، حيث تسلّط الضغط على الدول المعنية، وتوجّه أنظار المجتمع الدولي إلى الانتهاكات أو القضايا المثارة. فرض عقوبات على مقرري الأمم المتحدة يعني أن تقوم دولة ما باتخاذ إجراءات عقابية ضد شخص يشغل منصب المقرر الخاص بسبب عمله ضمن ولايته الأممية. عادة تتخذ العقوبات شكل إدراج الاسم على قوائم سوداء وطنية، وما يترتب على ذلك من تجميد أصول مالية- إن وجدت- وحظر السفر إلى تلك الدولة، وربما أيضًا منع المواطنين والشركات من التعامل معه. هذه الأدوات كثيرًا ما تستعملها الدول ضد منتهكي حقوق الإنسان أو خصومها السياسيين؛ غير أن استخدامها ضد خبير حقوقي تابع للأمم المتحدة يمثل خرقًا للأعراف الدبلوماسية والقانونية المستقرة. فعلى المستوى القانوني، يتمتع مقررو الأمم المتحدة بحصانات وامتيازات تهدف إلى حمايتهم من أية مضايقات أو تبعات قانونية نتيجة قيامهم بمهامهم. اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946 تنص صراحةً على منح الخبراء الموفدين في مهام أممية ما يلزم من حصانة لضمان استقلالهم، بما في ذلك الحصانة من أي شكل من أشكال الإجراءات القانونية أو المضايقات؛ بسبب ما يصدر عنهم من أقوال أو كتابات أو أفعال أثناء تأدية مهامهم. وبناء عليه، فإن فرض عقوبة على مقرر خاص بسبب تقرير رفعه أو تصريح أدلى به يعدّ مساسًا مباشرًا بتلك الحصانة القضائية التامة المكفولة له، ويثير التساؤل حول مدى احترام الدولة المعنية لالتزاماتها الدولية. الدلالة القانونية لمثل هذا الإجراء خطيرة ومتعددة الأوجه. فمن جهة، يعني ذلك أن الدولة الفارضة للعقوبات لا تعترف ضمنيًا باستقلالية المقرر الخاص وتعامله كخصم سياسي أو أمني، وليس كخبير محايد تعمل تقاريره ضمن الأطر الأممية. ومن جهة أخرى، يهدد هذا الإجراء مبدأ التعاون الدولي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. فالمادة 105 من الميثاق- مع اتفاقية 1946- أقرّت بوجوب تمتع مسؤولي الأمم المتحدة وخبرائها بالامتيازات الضرورية لأداء وظائفهم باستقلالية. تنص اتفاقية امتيازات وحصانات الوكالات المتخصصة لعام 1947 على تمتع خبراء المنظمات التابعة للأمم المتحدة، كمجلس حقوق الإنسان، بالحصانة من الإجراءات القانونية أثناء تأدية مهامهم الدولية. إن تحدي هذه الضمانات القانونية عبر عقوبات أحادية يبعث برسالة مفادها أن الدولة مستعدة لتجاوز القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية إذا تعارضت آراء الخبير الأممي مع سياساتها. وعليه، يعدّ فرض العقوبات هنا انتهاكًا لمبدأ أساسي في القانون الدولي يتمثل بضرورة احترام الدول لالتزاماتها التعاقدية تجاه المنظمة الدولية وخبرائها، ويشكل أيضًا طعنًا في منظومة سيادة القانون على المستوى العالمي. سابقة تهز الثوابت: هل كُسرت حصانة المقررين الأمميين؟ يصف كثير من المحللين واقعة فرض عقوبات أميركية على المقررة الأممية بأنها غير مسبوقة. فخلال العقود الماضية، لم تُسجّل حالات معروفة عمدت فيها دولة إلى إدراج مقرر خاص أممي في قائمة عقوبات رسمية. وقد أكدت الأمم المتحدة نفسها أن هذا الإجراء يمثل سابقة خطيرة يجب ألا تتكرر. ومع ذلك، يمكن الإشارة إلى بعض الحوادث ذات الصلة التي تعكس توترًا بين دول ومقرري الأمم المتحدة، حتى لو لم تصل حد العقوبات المالية المباشرة. على سبيل المثال، كثيرًا ما رفضت بعض الدول السماح لمقرري الأمم المتحدة بدخول أراضيها أو التعاون معهم، كنوع من الإعاقة غير المباشرة لعملهم. إسرائيل- على سبيل المثال- كثيرًا ما اتهمت المقررين المكلفين بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية بالانحياز، ورفضت استقبالهم أو التعاون معهم. وفي حالة فرانشيسكا ألبانيزي نفسها قبل فرض العقوبات الأميركية، أعلنت إسرائيل في مطلع 2024 حظر دخولها إلى الأراضي المحتلة، بل ودعت علنًا إلى إنهاء ولايتها عقب تصريحات لها اعتُبرت غير مقبولة من جانب الحكومة الإسرائيلية. مثل هذا الحظر مثّل محاولة لعزل المقررة وشل قدرتها على جمع المعلومات ميدانيًا، ولكنه بقي ضمن نطاق الإجراءات الدبلوماسية الاعتيادية (كعدم إصدار تأشيرة دخول) ولم يصل إلى تجريمها أو معاقبتها ماليًا. من السوابق الأخرى الجديرة بالذكر رفض روسيا التعاون مع المقررة الخاصة بحالة حقوق الإنسان في روسيا. فعندما عيّن مجلس حقوق الإنسان الخبيرة ماريانا كاتزاروفا لمتابعة الانتهاكات في روسيا، أعلنت موسكو عدم اعترافها بالولاية ومنعتها من زيارة البلاد. ورغم حدة هذا الموقف، امتنعت روسيا حتى الآن عن اتخاذ خطوة إضافية بمعاقبة المقررة بشكل مباشر. ولكنّ مراقبين حذروا من أن الخطوة الأميركية قد "تفتح الأبواب" أمام دول أخرى لتحذو حذوها، ما ينذر بتفاقم ظاهرة الانتقام من المقررين الخاصين على مستوى عالمي. ويعتبر خبراء في الأمم المتحدة أن إقدام أي دولة على معاقبة خبير أممي مستقل هو هجوم على منظومة الأمم المتحدة ككل، لأنه يقوّض الآلية التي أرستها الدول ذاتها لمساءلة بعضها البعض في مجال حقوق الإنسان. وربما يمكن إيجاد شبيه جزئي لهذه الواقعة في سياسة الإدارة الأميركية السابقة (خلال ولاية الرئيس ترامب الأولى 2020) حين فرضت عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية (مثل المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا)؛ بسبب تحقيقاتهم في جرائم حرب مزعومة، إذ جُمّدت أصولهم ومُنعوا من دخول الولايات المتحدة آنذاك. وقد رأى كثيرون في تلك الخطوة استهدافًا لاستقلال القضاء الدولي. وفي السيناريو الحالي (عودة إدارة ترامب للسلطة 2025)، توسعت تلك السياسة لتشمل معاقبة خبراء أمميين مثل ألبانيزي. وتشير التقارير إلى أن الإدارة الأميركية ذاتها التي عاقبت ألبانيزي كانت قد فرضت قبلها بشهر عقوبات على عدد من قضاة المحكمة الجنائية الدولية إثر إصدار المحكمة مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ومسؤولين آخرين. هذه الخطوات تعكس نهجًا متصاعدًا يعتبره المنتقدون "حربًا قانونية" أو Lawfare تستخدمها دولة قوية لحماية حلفائها من المحاسبة، عبر تجريم من يسعى لتحقيق تلك المحاسبة دوليًا. وعلى الرغم من الاختلاف البنيوي بين محكمة دولية ومقرري الأمم المتحدة، فإن الفلسفة واحدة: استخدام العقوبات الوطنية سلاحًا لعرقلة أدوات العدالة الدولية. ورغم وجود أمثلة سابقة على محاولات تعطيل عمل المقررين أو تهديدهم من قبل دول منزعجة من تقاريرهم، فإن تحويل هذا الرفض أو الإحباط إلى عقوبات اقتصادية وقانونية رسمية ضد خبير أممي يمارس مهامه ضمن ولايته هو تطور جديد ومقلق. إنه تجاوز واضح لحدود الاحتجاج الدبلوماسي التقليدي إلى مستوى الإجراء العقابي الانتقامي المباشر. ولهذا السبب، اعتُبرت العقوبات المفروضة على ألبانيزي سابقة غير معهودة في تاريخ الأمم المتحدة، وحذّرت المنظمة الدولية من خطورتها وانعكاساتها السلبية على استقلالية نظامها الحقوقي. يتضح أن فاعلية النظام الأممي في حماية المقررين مرهونة بتعاون الدول واحترامها للقانون. فعندما تنتهك إحدى الدول- خصوصًا إن كانت كبرى وذات نفوذ- تلك الضوابط، لا تستطيع الأمم المتحدة إجبارها بالقوة على التراجع، بل تعتمد على الضغط الدبلوماسي والإعلامي ومكانة الدولة المعنوية. في حالة ألبانيزي، أحدثت الإدانة الأممية والإحراج الدولي بعض التأثير؛ فقد وجدت واشنطن نفسها معزولة في هذا الموقف وتحت وابل من الانتقادات من الحلفاء والخصوم على حد سواء. وهذا بحد ذاته جزء من الحماية المعنوية التي يوفرها النظام الأممي لمقرريه: أي جعل ثمن استهدافهم سياسيًا ومعنويًا عاليًا بما يكفي لردع الدول الأخرى عن تكرار الأمر. في ضوء هذه السابقة الخطيرة، تبرز حاجة ملحّة لتحصين منظومة المقررين الأمميين من التسييس والانتقام، من خلال إنشاء آليات حماية مؤسسية أكثر صلابة، وضمان تضامن دولي فاعل يجرّم استهداف الخبراء الحقوقيين بسبب مواقفهم. كما ينبغي على مجلس حقوق الإنسان تطوير بروتوكول طارئ للرد على مثل هذه الحالات، بما يشمل تفعيل المساءلة المعنوية للدول المنتهكة. فاستمرار الصمت أو الاكتفاء بالإدانة اللفظية يهدّد بانهيار جدار الحماية الأخير لمنظومة حقوق الإنسان، ويُغري دولًا أخرى بتكرار الفعل، ما يضع النظام الدولي برمّته أمام مفترق وجودي.