
في البدء كان احترام الملكية الفردية
من المفيد أن نتذكر هاتين القاعدتين في جميع المعارف: البساطة كمقدمة حتمية للتعقيد، ومنزلة المريض من المعرفة بموضوع مرضه. فنسعى إلى تحديد الهيكل قبل أن نخوض في التفاصيل وإلى المعلومات الأساسية قبل الرأي. فإن احتجنا الأخير تخيرنا مصدره.
وبناء على هذا، من الصعب أن نصل إلى علاج سياسي اقتصادي دون أن نمر على الإطار العام للتطور الذي حدث حولنا. ولنبدأ من بريطانيا. كانت حتى عصر النهضة إقطاعيات يملكها نبلاء، والبقية يعملون أجراء في الأرض، أو فرسانا وجنودا يدافعون عنها، أو في مهن محدودة تخدم هذا الترتيب. لكن التغير الكبير جاء مع توسع النشاط المهني، ظهرت نشاطات مثل البِحارة، واتسعت التجارة. فحاز مزيد من الأفراد ثروات صغيرة. ابتكر هؤلاء الأفرادُ مفهوما جديدا غيَّر معادلة النفوذ الاقتصادي. الآن يستطيع مجموعة من الأفراد ذوي الثروات الصغيرة الالتئام في كيان اعتباري أضخم من أيهم منفردا، يستطيع أن ينافس النبلاء وأصحاب الأملاك الضخمة. هذا الكيان يسمى الشركة. وظهرت البورصة، فتوسع مفهوم الملكية الفردية، وصار بمقدور مزيد من الناس من صغار الملاك أن يحوزوا أنصبة في شركات، تنمي رؤوس أموالهم. وهذه الشركات خلقت مزيدا من الوظائف. وهلم جرا.
النقطة الجوهرية هنا ليست فقط الثروة، وإنما خلق مصلحة حقيقية لمزيد من الأفراد في النجاح الاقتصادي والثراء.
حوْل هذه النقطة بنت أوروبا الغربية رؤيتها السياسية الاقتصادية. من ناحية، احتاجت إلى التمثيل النيابي لتوزيع النفوذ السياسي بما يتناسب مع تنوع النفوذ الاقتصادي. ومن ناحية، تدرج الحق الفردي في الانتخاب متماشيا مع توسع الملكية. وظهرت مقولة ديمقراطية أصحاب الممتلكات. فكان حق الانتخاب في البداية مرتبطا بالتملك الفردي، لكي يقترن تصويته بالمصلحة في النجاح، وليس بالسعي إلى تحجيم الناجحين، لأن من لا يملك شيئا قد يؤيد إسقاط ما لا يملكه. فخلقت الدولة منظومة حوافز يغذي بعضها بعضا.
كان هذا نموا طبيعيا، طريقا مفتوحا لمن يجتهد. هؤلاء من صنعوا الثورة الصناعية، وهي بدورها صنعت مزيدا من الأثرياء ممن تكيفوا معها وفهموا متطلباتها. كان الشعار «اسع إلى المزيد أيها الفرد» فهذا من مصلحة الجميع. الدولة ليست مشغولة بتقييدك ولا تحجيم ثروتك.
عند هذا المفترق، تباينت طرق غرب أوروبا وشرقها الاشتراكي. نموذج الكتلة الثانية سعى إلى تفتيت الثروات عمدا، وتوزيعها على من لم يجتهد لبنائها، بدعوى المساواة. وقرن هذا بدعاية استحقاق تغذي النقمة. فضمنت الدولة أن تكون صاحبة النفوذ الاقتصادي الوحيد.
ومع تحكم الدولة، بقيت الثروات المفتتة على حالها، دون أن تتطور. ولم يكن مرغوبا لها تجاوز عتبات الاستثمار والتحول إلى مراكز نفوذ اقتصادي. حتى صغار الملاك لم يسلموا من نفس السياسة التأميمية من باب خلفي، جردتهم الدولة من عوائد ممتلكاتهم الصغيرة، وأشركت فيها المستأجرين. فخلقت نمط المالك المستأجر والمستأجر المالك، وكلاهما بلا مصلحة في الاستثمار في الممتلكات. الأول لأنه فقد العائد منها، والثاني لأنه يعلم أنها لن تؤول إليه يوما. من هنا ظهر القبح في المباني، والتدهور في مستوى الجميل منها، وهو ما نراه اليوم في أحياء كانت يوما رمزا للجمال المعماري. وظهر التجريف في الأرض الزراعية، حيث - يا للعجب - صار تجريفها أكثر عائدا لصاحبها من الاستثمار فيها.
من تحليل هذا الإطار إلى عناصره الأولية خلص العقل السليم إلى أنه «في البدء كان احترام الملكية الفردية»، حجر الأساس لبناء مجتمع ناجح اقتصاديا وسياسيا. لكن المتحدث المؤدلج ينطلق في وصفاته الاقتصادية من موقع المتألم بالداء، المذكر بالمعاناة. ومع الزخم الشعبوي حل محل خبراء الصحة، وطردهم من سوق الاستشارة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
هذه العلامات قد تعني أن حرقة معدتك تخفي مرضاً خطيراً
تحث حملة صحية الناس على عدم تجاهل حرقة المعدة، لأنها قد تكون علامة على سرطان المعدة أو المريء. وفقاً لهيئة الصحة العامة في إنجلترا، يجب على الأشخاص مراجعة الطبيب إذا كانوا يعانون من حرقة مستمرة أو صعوبة في بلع الطعام لمدة ثلاثة أسابيع أو أكثر. لكنها أشارت إلى أن معظم الناس لا يدركون هذه الأعراض. وبحسب «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، يُعد سرطان المعدة والمريء من أكثر أنواع السرطان شيوعاً في إنجلترا. تشير أرقام هيئة الصحة العامة في إنجلترا إلى أنه يتم تشخيص حوالي 12900 شخص بهذه السرطانات سنوياً، ويموت حوالي 10 آلاف شخص بسببها سنوياً. ومع ذلك، يمكن إنقاذ حوالي 950 شخصاً كل عام إذا كانت معدلات النجاة من سرطان المريء والمعدة مطابقة لأفضل المعدلات في أوروبا، وفقاً للهيئة. في الوقت الحالي، تُسجّل المملكة المتحدة أعلى معدل إصابة بسرطان المريء بين الرجال والنساء في الاتحاد الأوروبي، وقد يُعزى ذلك إلى التدخين، وارتفاع معدلات السمنة، ونقص الفاكهة والخضراوات في نظامنا الغذائي، واستهلاك الكحول بانتظام. كلما شُخّص السرطان مبكراً، تحسنت فرص نجاح العلاج. ولهذا السبب، تُركّز حملة «كن واضحاً بشأن السرطان» التابعة لهيئة الصحة العامة في إنجلترا على كيفية اكتشاف علامات سرطان المريء أو المعدة. قال شون دافي، المدير في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا، إن التشخيص المبكر للسرطان أمر بالغ الأهمية لتحسين فرص النجاة. يجب على المرضى الذين يُحتمل ظهور علامات وأعراض مبكرة زيارة طبيبهم العام لإحالتهم لإجراء الفحوصات اللازمة، وبدء العلاج بسرعة. بحثت دراسة نُشرت في المجلة البريطانية للطب العام، ومُوّلت من قِبل أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، في أسباب تجاهل الناس للأعراض الواضحة للسرطان. في بعض الأحيان، كان ذلك بسبب خوفهم من تشخيص السرطان أو بسبب تجاهلهم لمشاكلهم الصحية. في حين افتقر آخرون للثقة في طبيبهم العام أو افترضوا ببساطة أن المشكلة ناجمة عن التقدم في السن. تقول الدكتورة كاترينا ويتاكر، مؤلفة الدراسة وزميلة باحثة أولى في كلية لندن الجامعية: «اتخذ بعض الأشخاص قرار فحص الأعراض بعد مشاهدة حملة توعية بالسرطان أو تشجيعهم على ذلك من قِبل العائلة أو الأصدقاء، ويبدو أن هذا يُضفي شرعية على أعراضهم كأمر مهم». وقالت سارة هيوم، مديرة التشخيص المبكر في مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، إن النتائج تُقدم نظرة ثاقبة مفيدة على الحالة النفسية البريطانية. وأضافت: «أظهرت لنا المقارنات الدولية بالفعل أن الجمهور البريطاني أكثر قلقاً بشأن كونهم عبئاً على النظام الصحي أو إضاعة وقت الطبيب مقارنةً بالدول المتقدمة الأخرى». وأضافت أن الدراسة يمكن أن تُساعد في إيجاد سبل لتشجيع كل من يُعاني من أعراض مُقلقة على طلب المساعدة في أقرب وقت ممكن.


الرجل
منذ 20 ساعات
- الرجل
أضواء الليل تُهدد قلبك: دراسة تربط الإنارة الليلية بـ 5 أمراض خطيرة
في دراسة جديدة تُعد الأكبر من نوعها، وجد باحثون من معهد فليندرز للأبحاث الطبية، بالتعاون مع جامعات بريطانية وأميركية، أن التعرّض للضوء الصناعي خلال الليل يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بخمسة أمراض قلبية رئيسة، تشمل مرض الشريان التاجي، والنوبة القلبية، والفشل القلبي، والرجفان الأذيني، والسكتة الدماغية. الدراسة التي أُجريت على أكثر من 88,000 مشارك من بنك البيانات الحيوية البريطاني، ونُشرت على منصة medRxiv، توصلت إلى أن خلل الإيقاع اليومي (الساعة البيولوجية) الناتج عن الإنارة الليلية، قد يكون له أثر بيولوجي مباشر على القلب والأوعية الدموية. خلال الفترة بين 2013 و2016، ارتدى المشاركون أجهزة استشعار ضوئية في المعصم لقياس التعرّض للضوء على مدار أسبوع كامل. ومن خلال ربط البيانات الطبية الممتدة حتى عام 2022، وُجد أن أولئك الذين تعرّضوا لأعلى مستويات الضوء الليلي (ضمن أعلى 10%)، سجلوا زيادات واضحة في خطر الإصابة مقارنة بمن هم في أدنى النسب: 32% زيادة في خطر الإصابة بمرض الشريان التاجي 47% للنوبات القلبية 56% للفشل القلبي 32% للرجفان الأذيني 30% للسكتة الدماغية وحتى بعد ضبط النتائج لعوامل مثل السن، النشاط البدني، التدخين، النظام الغذائي، العوامل الوراثية، ونمط النوم، بقيت العلاقة قوية ودالة إحصائيًا. النساء والشباب أكثر تأثرًا كشفت التحليلات أن النساء أظهرن ارتباطًا أقوى بالفشل القلبي ومرض الشريان التاجي، فيما بدت العلاقة أوضح لدى المشاركين الأصغر سنًا في ما يتعلق بالفشل القلبي والرجفان الأذيني. ويرى الباحثون أن الضوء الصناعي قد يُربك الساعة البيولوجية للجسم، ما يؤدي إلى تغيرات في ضغط الدم، وتشوّش الإشارات الكهربائية في القلب، وزيادة الالتهابات، وربما خلل في عملية التمثيل الغذائي للسكر، وهي كلها عوامل ترفع خطر الإصابة بأمراض القلب. يُوصي معدّو الدراسة بتجنّب الإنارة الساطعة خلال ساعات النوم المعتادة، معتبرين ذلك خطوة بسيطة ومؤثرة في الوقاية القلبية، خاصة في بيئات مثل المنازل، المستشفيات، والمناطق الحضرية المضيئة بشكل مفرط. كما دعوا إلى إدخال اعتبارات "ضوئية بيولوجية" ضمن سياسات تخطيط المدن والتصميم الداخلي للمنازل، لدعم نمط حياة متوافق مع الإيقاع الطبيعي للجسم.


صحيفة سبق
منذ 20 ساعات
- صحيفة سبق
شبكة الـ BBC: هل البكاء في العمل مقبول؟.. نظرة حديثة لمشاعر الموظفين بين الضعف والقوة
في تقرير نشرته شبكة BBC، طرحت تساؤلاً حول ما إذا كان البكاء في بيئة العمل يُعدّ ضعفًا يجب كتمه، أم دلالة على قوة إنسانية وذكاء عاطفي في مواجهة الضغوط. وتروي كلارا، 48 عامًا، أنها انفجرت بالبكاء في مقر عملها بعد تلقيها أخبارًا سيئة من المنزل، وغادرت على الفور. كما تذكرت كيف كانت عاطفية عند تخرجها، وتعرضت لانتقادات أثّرت فيها نفسيًا. وفي المقابل، تحدّثت إيما، التي تعمل في بيئة عمل 'ذكورية وصعبة'، عن محاولتها المستمرة لكبت مشاعرها، لأنها شعرت بأن البكاء يُفهم كضعف قد يؤثر على صورتها المهنية. ورغم الصورة النمطية، أكّد رجال أيضًا أنهم بكوا في العمل، مثل الطبيب جاي كلايتون الذي وصف مواقف إنسانية جمعته مع مرضى وزملاء. وآخر يعمل في مجال التمويل بلندن، شعر بأن بكاءه في ظل ضغوط شخصية لم ينتقص من مهنيته. وتقول مدربة النجاح شيرين هوبان: 'ربط الاحترافية بترك المشاعر خارج العمل هو مفهوم قديم. في عالم اليوم، التعبير عن المشاعر دليل وعي وذكاء عاطفي، لا ضعف.' وتتفق معها جورجيا بلاكبيرن، مدربة التطوير الوظيفي، مضيفة: 'الشركات التي تُظهر تعاطفًا مع موظفيها تحقق نتائج إيجابية على المدى الطويل.' وترى آن فرانك، المديرة التنفيذية لمعهد الإدارة المعتمد البريطاني، أن المجتمع لا يزال يحمل تحيّزًا، فالنساء يُنظر إليهن على أنهن 'عاطفيات'، والرجال الذين يبكون 'ضعفاء'. وتضيف أن بكاء مسؤول كبير قد يُنظر إليه على أنه صادم، لكنه عندما يُعبّر عنه بصدق، يعكس إنسانية وتأثيرًا.لكنها تحذّر من أن بعض المؤسسات لا تزال تقيّم الصلابة أكثر من التعبير العاطفي، ما قد يؤثر على فرص الترقية أو التقدّم. - خذ وقتًا للتنفس والتأمل. - لا تخجل من مشاعرك.. فقد تكون دليلاً على اهتمامك الحقيقي بعملك. - تحدث مع زميل تثق به أو استعن بالموارد البشرية. - على المديرين والزملاء إبداء التعاطف، لا التجاهل. وعموماً البكاء في العمل لا يُلغي كفاءتك، ولا يهدد مستقبلك المهني. هو لحظة إنسانية، المهم أن تتوازن بعدها، وتواصل طريقك بوعي وثقة. العالم يتغيّر.. وكذلك مفاهيمنا عن القوة والاحتراف.