logo
فيزيائيو أكسفورد يصنعون ضوءا من "الفراغ الكمومي"

فيزيائيو أكسفورد يصنعون ضوءا من "الفراغ الكمومي"

الجزيرةمنذ يوم واحد
في سبق علمي جديد أعلن فريق من العلماء بجامعة أوكسفورد البريطانية عن تطوير أداة محاكاة حاسوبية قادرة على تتبع تفاعلات الضوء في الفراغ الكمي لحظة بلحظة، في 3 أبعاد وبدقة عالية غير مسبوقة. وقد نُشرت هذه الدراسة في دورية "كوميونيكيشن فيزيكس" التابعة لمجموعة "نيتشر".
تكشف الدراسة حقيقة "العدم" بالمعنى الفيزيائي (وليس الفلسفي)، حيث تقول زيكسين زانغ، الباحثة في قسم الفيزياء الذرية والليزر، في جامعة أكسفورد في تصريحات للجزيرة نت: "في المصطلحات اليومية، نعتقد أن العدم هو فضاء فارغ، لكن في الفيزياء الكمية، فإن 'اللا شيء' لا يكون فارغا حقا" مضيفة: "حتى في فراغ مثالي، هناك تقلبات طاقة صغيرة وسريعة تؤدي إلى ظهور جسيمات افتراضية تظهر وتختفي بسرعة كبيرة لدرجة يصعب معها رصدها مباشرة".
ورغم أن هذه الظواهر الكمومية كانت دائما حاضرة في النظريات، فإن الأدوات التجريبية لرصدها ظلت محدودة. لكن الليزر فائق القوة المستخدم حاليا يمكّن من التفاعل مع هذا الفراغ الكمومي، ورصد آثاره غير المباشرة، مثل تغيير خصائص نبضة ضوئية تمر خلاله.
حقيقة الفراغ
تقدم الدراسة أداة محاكاة جديدة تستند إلى نموذج يصف كيف يؤثر الفراغ الكمي على الضوء. تشرح زانغ: "لقد قدمنا في دراستنا أداة محاكاة جديدة تُمكّن من تتبع كيفية تفاعل نبضات الليزر مع الفراغ الكمومي. وتُظهر نتائجنا إعادة إنتاج الظواهر المعروفة مثل الازدواجية في الفراغ (حيث يتغير الضوء بسبب الفراغ) ومزج الموجات الأربع (حيث يتم توليد ضوء جديد من تداخل ثلاث نبضات ضوئية)، مما يؤكد أن النموذج يعمل بدقة ويمكنه مساعدتنا في استكشاف فيزياء أكثر غرابة مستقبلا".
في السابق، كانت النماذج التي تحاول محاكاة هذا التفاعل تعتمد على افتراضات غير دقيقة، مثل اعتبار الليزر موجة مثالية ومنتظمة، بينما الليزر الحقيقي أكثر تعقيدا. كما أن أدوات المحاكاة القديمة كانت بطيئة جدا أو لا تُظهر تفاصيل كافية. تضيف زانغ: "لذلك نلجأ إلى المحاكاة الرقمية، لكنها مكلفة حسابيا جدا، خاصة في 3 أبعاد".
وهنا جاءت فكرة الأداة الجديدة: أشبه بـ"كاميرا فائقة السرعة" تلتقط ما يحدث أثناء التفاعل، وتُظهر التفاصيل بوضوح وبتكلفة حاسوبية أقل، تقول زانغ: "أدوات المحاكاة الحالية إما بطيئة جدا، أو لا تُظهر ما يحدث داخل منطقة التفاعل. أما أداتنا الجديدة فهي أشبه بكاميرا عالية السرعة تتيح مشاهدة التفاعل لحظة بلحظة، مما يمنحنا فهما أعمق بكثير".
تم تطوير هذه الأداة ضمن بيئة تُسمى "أوزيريس"، وتم تعديلها بحيث تعمل بكفاءة عالية باستخدام موارد بسيطة، مما سيساعد العلماء على استكشاف ظواهر فيزيائية أكثر غرابة في المستقبل.
ليس انعكاسا ولا اتحادا!
من المظاهر المذهلة التي كشفتها المحاكاة هو أن الفراغ في ظل الضوء الكثيف يتصرف وكأنه وسط يتغير سلوكه تجاه الضوء، عندما تزداد شدة الضوء الداخل إليه، مما يسمح بتفاعلات ضوئية غير ممكنة عادة.
تتعجب زانغ، وتوضح "ما يثير الدهشة أن ظواهر ضوئية مثل الازدواجية أو مزج الموجات الأربع، والتي تحتاج عادة إلى مواد خاصة، يمكن أن تحدث هنا في غياب تام لأي مادة. كل ما نحتاجه هو فراغ وكثافة ضوء عالية".
يعني ذلك أن النبضة الضوئية الجديدة الناتجة من مزج الموجات الأربع ليست انعكاسا للنبضات الثلاث، ولا مجرد اتحاد مباشر بينها، بل هي وليدة تفاعل خاص يحدث داخل "العدم" أو الفراغ الكمي عندما تتقاطع هذه النبضات معا.
هذا التحول في تصور الفراغ له آثار عملية أيضا، خصوصا في تصميم التجارب المستقبلية في مرافق الليزر العملاق، وتشرح زانغ: "أداتنا متاحة عند الطلب ويمكنها محاكاة أي إعداد لليزر تقريبا. وهذا يعني أن الباحثين في المرافق الجديدة يستطيعون اختبار أفكارهم على الحاسوب قبل تنفيذها في الواقع، ومقارنة النتائج بما ننتجه نظريا"، مشيرة إلى أن الأداة تدعم أيضا نماذج فيزيائية بديلة.
كما تتيح الأداة تتبع الوقت الدقيق لوصول النبضات الضوئية إلى أجهزة الكشف، وهو أمر حاسم للتجارب التي تستخدم مجسات عالية الحساسية تعتمد على التوقيت، فمعظم النماذج السابقة لا تحدد متى ستصل الإشارة إلى الكاشف. أما الأداة الجديدة، فهي تتبع تطور النبضة لحظة بلحظة، مما يسمح بالتنبؤ الدقيق بزمن وصول الإشارة، وبالتالي تحسين فعالية التجارب، بحسب زانغ.
ضوء مقولب
وفي واحدة من أهم نتائج الدراسة، كشفت المحاكاة أن شكل النبضة الناتجة في تجربة مزج الموجات الأربع يتأثر مباشرة بشكل منطقة التداخل بين نبضات الليزر الداخلة. وتشرح زانغ: "الفكرة الأساسية أن الضوء الناتج يتشكل فقط في المنطقة التي تتقاطع فيها كثافات الليزر الداخلة. إذا كانت المنطقة غير منتظمة، فإن النبضة الخارجة تعكس هذا الشكل، كأنها قطعة بسكويت تأخذ شكل القالب. وقد أظهرت محاكاتنا هذا الترابط بشكل واضح".
يطمح الباحثون أن تصبح أداتهم أساسا لأدوات أوسع لمحاكاة الفراغ الكمي، ليس فقط في فراغ تام بل حتى عند وجود جسيمات، مما يفتح الباب أمام محاكاة التجارب المعقدة. وهكذا، لا يعود الفراغ مجرد غياب للمادة، بل يصبح ساحة تعج بصخب صنعته فيزياء الكم ولن تكف عنه في السنوات المقبلة، كما تشهد تفاعلات ضوئية دقيقة ومعقدة يمكن الآن، بفضل هذه المحاكاة، مشاهدتها بتفاصيل غير مسبوقة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»
ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»

جريدة الوطن

timeمنذ 12 ساعات

  • جريدة الوطن

ضـوء مـن «الفـراغ الكـمـومـي»

في سبق علمي جديد أعلن فريق من العلماء بجامعة أوكسفورد البريطانية عن تطوير أداة محاكاة حاسوبية قادرة على تتبع تفاعلات الضوء في الفراغ الكمي لحظة بلحظة، في 3 أبعاد وبدقة عالية غير مسبوقة. وقد نُشرت هذه الدراسة في دورية «كوميونيكيشن فيزيكس» التابعة لمجموعة «نيتشر». تكشف الدراسة حقيقة «العدم» بالمعنى الفيزيائي (وليس الفلسفي)، حيث تقول زيكسين زانغ، الباحثة في قسم الفيزياء الذرية والليزر، في جامعة أكسفورد: «في المصطلحات اليومية، نعتقد أن العدم هو فضاء فارغ، لكن في الفيزياء الكمية، فإن (اللا شيء) لا يكون فارغا حقا». مضيفة: «حتى في فراغ مثالي، هناك تقلبات طاقة صغيرة وسريعة تؤدي إلى ظهور جسيمات افتراضية تظهر وتختفي بسرعة كبيرة لدرجة يصعب معها رصدها مباشرة». ورغم أن هذه الظواهر الكمومية كانت دائما حاضرة في النظريات، فإن الأدوات التجريبية لرصدها ظلت محدودة. لكن الليزر فائق القوة المستخدم حاليا يمكّن من التفاعل مع هذا الفراغ الكمومي، ورصد آثاره غير المباشرة، مثل تغيير خصائص نبضة ضوئية تمر خلاله. حقيقة الفراغ تقدم الدراسة أداة محاكاة جديدة تستند إلى نموذج يصف كيف يؤثر الفراغ الكمي على الضوء. تشرح زانغ: «لقد قدمنا في دراستنا أداة محاكاة جديدة تُمكّن من تتبع كيفية تفاعل نبضات الليزر مع الفراغ الكمومي. وتُظهر نتائجنا إعادة إنتاج الظواهر المعروفة مثل الازدواجية في الفراغ (حيث يتغير الضوء بسبب الفراغ) ومزج الموجات الأربع (حيث يتم توليد ضوء جديد من تداخل ثلاث نبضات ضوئية)، مما يؤكد أن النموذج يعمل بدقة ويمكنه مساعدتنا في استكشاف فيزياء أكثر غرابة مستقبلا». في السابق، كانت النماذج التي تحاول محاكاة هذا التفاعل تعتمد على افتراضات غير دقيقة، مثل اعتبار الليزر موجة مثالية ومنتظمة، بينما الليزر الحقيقي أكثر تعقيدا. كما أن أدوات المحاكاة القديمة كانت بطيئة جدا أو لا تُظهر تفاصيل كافية. تضيف زانغ: «لذلك نلجأ إلى المحاكاة الرقمية، لكنها مكلفة حسابيا جدا، خاصة في 3 أبعاد». وهنا جاءت فكرة الأداة الجديدة: أشبه بـ «كاميرا فائقة السرعة» تلتقط ما يحدث أثناء التفاعل، وتُظهر التفاصيل بوضوح وبتكلفة حاسوبية أقل، تقول زانغ: «أدوات المحاكاة الحالية إما بطيئة جدا، أو لا تُظهر ما يحدث داخل منطقة التفاعل. أما أداتنا الجديدة فهي أشبه بكاميرا عالية السرعة تتيح مشاهدة التفاعل لحظة بلحظة، مما يمنحنا فهما أعمق بكثير». تم تطوير هذه الأداة ضمن بيئة تُسمى «أوزيريس»، وتم تعديلها بحيث تعمل بكفاءة عالية باستخدام موارد بسيطة، مما سيساعد العلماء على استكشاف ظواهر فيزيائية أكثر غرابة في المستقبل. ليس انعكاسا ولا اتحادا! من المظاهر المذهلة التي كشفتها المحاكاة هو أن الفراغ في ظل الضوء الكثيف يتصرف وكأنه وسط يتغير سلوكه تجاه الضوء، عندما تزداد شدة الضوء الداخل إليه، مما يسمح بتفاعلات ضوئية غير ممكنة عادة. تتعجب زانغ، وتوضح «ما يثير الدهشة أن ظواهر ضوئية مثل الازدواجية أو مزج الموجات الأربع، والتي تحتاج عادة إلى مواد خاصة، يمكن أن تحدث هنا في غياب تام لأي مادة. كل ما نحتاجه هو فراغ وكثافة ضوء عالية». يعني ذلك أن النبضة الضوئية الجديدة الناتجة من مزج الموجات الأربع ليست انعكاسا للنبضات الثلاث، ولا مجرد اتحاد مباشر بينها، بل هي وليدة تفاعل خاص يحدث داخل «العدم» أو الفراغ الكمي عندما تتقاطع هذه النبضات معا. هذا التحول في تصور الفراغ له آثار عملية أيضا، خصوصا في تصميم التجارب المستقبلية في مرافق الليزر العملاق، وتشرح زانغ: «أداتنا متاحة عند الطلب ويمكنها محاكاة أي إعداد لليزر تقريبا. وهذا يعني أن الباحثين في المرافق الجديدة يستطيعون اختبار أفكارهم على الحاسوب قبل تنفيذها في الواقع، ومقارنة النتائج بما ننتجه نظريا»، مشيرة إلى أن الأداة تدعم أيضا نماذج فيزيائية بديلة. كما تتيح الأداة تتبع الوقت الدقيق لوصول النبضات الضوئية إلى أجهزة الكشف، وهو أمر حاسم للتجارب التي تستخدم مجسات عالية الحساسية تعتمد على التوقيت، فمعظم النماذج السابقة لا تحدد متى ستصل الإشارة إلى الكاشف. أما الأداة الجديدة، فهي تتبع تطور النبضة لحظة بلحظة، مما يسمح بالتنبؤ الدقيق بزمن وصول الإشارة، وبالتالي تحسين فعالية التجارب، بحسب زانغ. ضوء مقولب وفي واحدة من أهم نتائج الدراسة، كشفت المحاكاة أن شكل النبضة الناتجة في تجربة مزج الموجات الأربع يتأثر مباشرة بشكل منطقة التداخل بين نبضات الليزر الداخلة. وتشرح زانغ: «الفكرة الأساسية أن الضوء الناتج يتشكل فقط في المنطقة التي تتقاطع فيها كثافات الليزر الداخلة. إذا كانت المنطقة غير منتظمة، فإن النبضة الخارجة تعكس هذا الشكل، كأنها قطعة بسكويت تأخذ شكل القالب. وقد أظهرت محاكاتنا هذا الترابط بشكل واضح». يطمح الباحثون أن تصبح أداتهم أساسا لأدوات أوسع لمحاكاة الفراغ الكمي، ليس فقط في فراغ تام بل حتى عند وجود جسيمات، مما يفتح الباب أمام محاكاة التجارب المعقدة. وهكذا، لا يعود الفراغ مجرد غياب للمادة، بل يصبح ساحة تعج بصخب صنعته فيزياء الكم ولن تكف عنه في السنوات المقبلة، كما تشهد تفاعلات ضوئية دقيقة ومعقدة يمكن الآن، بفضل هذه المحاكاة، مشاهدتها بتفاصيل غير مسبوقة.

فيزيائيو أكسفورد يصنعون ضوءا من "الفراغ الكمومي"
فيزيائيو أكسفورد يصنعون ضوءا من "الفراغ الكمومي"

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

فيزيائيو أكسفورد يصنعون ضوءا من "الفراغ الكمومي"

في سبق علمي جديد أعلن فريق من العلماء بجامعة أوكسفورد البريطانية عن تطوير أداة محاكاة حاسوبية قادرة على تتبع تفاعلات الضوء في الفراغ الكمي لحظة بلحظة، في 3 أبعاد وبدقة عالية غير مسبوقة. وقد نُشرت هذه الدراسة في دورية "كوميونيكيشن فيزيكس" التابعة لمجموعة "نيتشر". تكشف الدراسة حقيقة "العدم" بالمعنى الفيزيائي (وليس الفلسفي)، حيث تقول زيكسين زانغ، الباحثة في قسم الفيزياء الذرية والليزر، في جامعة أكسفورد في تصريحات للجزيرة نت: "في المصطلحات اليومية، نعتقد أن العدم هو فضاء فارغ، لكن في الفيزياء الكمية، فإن 'اللا شيء' لا يكون فارغا حقا" مضيفة: "حتى في فراغ مثالي، هناك تقلبات طاقة صغيرة وسريعة تؤدي إلى ظهور جسيمات افتراضية تظهر وتختفي بسرعة كبيرة لدرجة يصعب معها رصدها مباشرة". ورغم أن هذه الظواهر الكمومية كانت دائما حاضرة في النظريات، فإن الأدوات التجريبية لرصدها ظلت محدودة. لكن الليزر فائق القوة المستخدم حاليا يمكّن من التفاعل مع هذا الفراغ الكمومي، ورصد آثاره غير المباشرة، مثل تغيير خصائص نبضة ضوئية تمر خلاله. حقيقة الفراغ تقدم الدراسة أداة محاكاة جديدة تستند إلى نموذج يصف كيف يؤثر الفراغ الكمي على الضوء. تشرح زانغ: "لقد قدمنا في دراستنا أداة محاكاة جديدة تُمكّن من تتبع كيفية تفاعل نبضات الليزر مع الفراغ الكمومي. وتُظهر نتائجنا إعادة إنتاج الظواهر المعروفة مثل الازدواجية في الفراغ (حيث يتغير الضوء بسبب الفراغ) ومزج الموجات الأربع (حيث يتم توليد ضوء جديد من تداخل ثلاث نبضات ضوئية)، مما يؤكد أن النموذج يعمل بدقة ويمكنه مساعدتنا في استكشاف فيزياء أكثر غرابة مستقبلا". في السابق، كانت النماذج التي تحاول محاكاة هذا التفاعل تعتمد على افتراضات غير دقيقة، مثل اعتبار الليزر موجة مثالية ومنتظمة، بينما الليزر الحقيقي أكثر تعقيدا. كما أن أدوات المحاكاة القديمة كانت بطيئة جدا أو لا تُظهر تفاصيل كافية. تضيف زانغ: "لذلك نلجأ إلى المحاكاة الرقمية، لكنها مكلفة حسابيا جدا، خاصة في 3 أبعاد". وهنا جاءت فكرة الأداة الجديدة: أشبه بـ"كاميرا فائقة السرعة" تلتقط ما يحدث أثناء التفاعل، وتُظهر التفاصيل بوضوح وبتكلفة حاسوبية أقل، تقول زانغ: "أدوات المحاكاة الحالية إما بطيئة جدا، أو لا تُظهر ما يحدث داخل منطقة التفاعل. أما أداتنا الجديدة فهي أشبه بكاميرا عالية السرعة تتيح مشاهدة التفاعل لحظة بلحظة، مما يمنحنا فهما أعمق بكثير". تم تطوير هذه الأداة ضمن بيئة تُسمى "أوزيريس"، وتم تعديلها بحيث تعمل بكفاءة عالية باستخدام موارد بسيطة، مما سيساعد العلماء على استكشاف ظواهر فيزيائية أكثر غرابة في المستقبل. ليس انعكاسا ولا اتحادا! من المظاهر المذهلة التي كشفتها المحاكاة هو أن الفراغ في ظل الضوء الكثيف يتصرف وكأنه وسط يتغير سلوكه تجاه الضوء، عندما تزداد شدة الضوء الداخل إليه، مما يسمح بتفاعلات ضوئية غير ممكنة عادة. تتعجب زانغ، وتوضح "ما يثير الدهشة أن ظواهر ضوئية مثل الازدواجية أو مزج الموجات الأربع، والتي تحتاج عادة إلى مواد خاصة، يمكن أن تحدث هنا في غياب تام لأي مادة. كل ما نحتاجه هو فراغ وكثافة ضوء عالية". يعني ذلك أن النبضة الضوئية الجديدة الناتجة من مزج الموجات الأربع ليست انعكاسا للنبضات الثلاث، ولا مجرد اتحاد مباشر بينها، بل هي وليدة تفاعل خاص يحدث داخل "العدم" أو الفراغ الكمي عندما تتقاطع هذه النبضات معا. هذا التحول في تصور الفراغ له آثار عملية أيضا، خصوصا في تصميم التجارب المستقبلية في مرافق الليزر العملاق، وتشرح زانغ: "أداتنا متاحة عند الطلب ويمكنها محاكاة أي إعداد لليزر تقريبا. وهذا يعني أن الباحثين في المرافق الجديدة يستطيعون اختبار أفكارهم على الحاسوب قبل تنفيذها في الواقع، ومقارنة النتائج بما ننتجه نظريا"، مشيرة إلى أن الأداة تدعم أيضا نماذج فيزيائية بديلة. كما تتيح الأداة تتبع الوقت الدقيق لوصول النبضات الضوئية إلى أجهزة الكشف، وهو أمر حاسم للتجارب التي تستخدم مجسات عالية الحساسية تعتمد على التوقيت، فمعظم النماذج السابقة لا تحدد متى ستصل الإشارة إلى الكاشف. أما الأداة الجديدة، فهي تتبع تطور النبضة لحظة بلحظة، مما يسمح بالتنبؤ الدقيق بزمن وصول الإشارة، وبالتالي تحسين فعالية التجارب، بحسب زانغ. ضوء مقولب وفي واحدة من أهم نتائج الدراسة، كشفت المحاكاة أن شكل النبضة الناتجة في تجربة مزج الموجات الأربع يتأثر مباشرة بشكل منطقة التداخل بين نبضات الليزر الداخلة. وتشرح زانغ: "الفكرة الأساسية أن الضوء الناتج يتشكل فقط في المنطقة التي تتقاطع فيها كثافات الليزر الداخلة. إذا كانت المنطقة غير منتظمة، فإن النبضة الخارجة تعكس هذا الشكل، كأنها قطعة بسكويت تأخذ شكل القالب. وقد أظهرت محاكاتنا هذا الترابط بشكل واضح". يطمح الباحثون أن تصبح أداتهم أساسا لأدوات أوسع لمحاكاة الفراغ الكمي، ليس فقط في فراغ تام بل حتى عند وجود جسيمات، مما يفتح الباب أمام محاكاة التجارب المعقدة. وهكذا، لا يعود الفراغ مجرد غياب للمادة، بل يصبح ساحة تعج بصخب صنعته فيزياء الكم ولن تكف عنه في السنوات المقبلة، كما تشهد تفاعلات ضوئية دقيقة ومعقدة يمكن الآن، بفضل هذه المحاكاة، مشاهدتها بتفاصيل غير مسبوقة.

دراسة تصحح إحدى أفكار أينشتاين وتحل مشكلة عمرها 120 عاما
دراسة تصحح إحدى أفكار أينشتاين وتحل مشكلة عمرها 120 عاما

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

دراسة تصحح إحدى أفكار أينشتاين وتحل مشكلة عمرها 120 عاما

في إنجاز علمي مثير للجدل، أعلن الأستاذ المتفرغ في قسم فيزياء المادة المكثفة بجامعة إشبيلية الإسبانية خوسيه ماريا مارتين أولايا عن طرحه حلا لمسألة حيّرت العلماء لأكثر من قرن عبر إثبات جديد لنظرية تُعرف باسم "نظرية نرنست"، داحضًا في الوقت ذاته فكرة سابقة وضعها ألبرت أينشتاين قبل أكثر من قرن. في ورقته العلمية المنشورة مؤخرًا في "يوروبيان فيزيكال جورنال بلس"، يوضح أولايا أن مبرهنة نرنست، التي تقول بأن التغيرات في العشوائية الحرارية (الإنتروبيا) تميل إلى الصفر عند اقتراب درجة الحرارة من الصفر المطلق، ليست قانونًا مستقلا كما افترض أينشتاين، بل يمكن اشتقاقها مباشرة من القانون الثاني للديناميكا الحرارية. بهذا الطرح، قد يضع أولايا حدًا لفصل طويل من الجدل الفيزيائي، ويعيد ترتيب قوانين الديناميكا الحرارية التي تشكل إحدى ركائز فهمنا للطبيعة، ويقول في تصريحات حصرية للجزيرة نت "يصحح هذا الإثبات خطأً في مسألة جوهرية. مع هذا الإثبات، سنحتاج إلى عبارات (قوانين) أقل لفهم الديناميكا الحرارية، أي لفهم تطور العمليات الطبيعية". بين نرنست وأينشتاين تعود جذور المسألة إلى مطلع القرن العشرين حين قدّم الكيميائي الألماني فالتر نرنست ملاحظاته حول تصرف المواد عند درجات حرارة تقترب من الصفر المطلق (أي -273 درجة مئوية). فعند تسخين مادة ما تتحرك جزيئاتها وتصبح أكثر عشوائية، من ثمّ تزداد الإنتروبيا (مقياس للفوضى في المنظومة المغلقة)، وعند تبريدها تقل الحركة ويقل التبعثر، فتنخفض الإنتروبيا. دفع ذلك نرنست لاستنتاج أن الوصول للصفر المطلق، وهو أدنى درجة حرارة ممكنة نظريًا، سيدفع الجزيئات إلى أن تتوقف حركتها بالكامل تقريبًا، أي تصل الطاقة الحركية إلى الحد الأدنى. بالتالي، يجب أن ينعدم التغير في العشوائية الحرارية عند هذه النقطة، حيث فقدت الجزيئات الطاقة اللازمة لتحريكها. نال نرنست جائزة نوبل في الكيمياء عام 1920 بسبب تمكنه من صياغة القانون الثالث للديناميكا الحرارية، الذي مكّن من حساب التوازنات الكيميائية بناءً على التبادل الحراري. وقد حقق ذلك من خلال دراسة الظروف عند درجات حرارة منخفضة جدًا. لكن المحرك الحراري الذي تخيله ويُعرف باسم "مُحرك كارنو" حيث لا يُفقد أي قدر من الطاقة، لا يمكن بناؤه عمليًا بحسب أينشتاين، ومن ثمّ لم يتفق أينشتاين على إمكانية استخدامه لإثبات المبرهنة من خلال تناقض مع القانون الثاني. نقطة التحول يقول أولايا، في تصريحات حصرية للجزيرة نت، "إن انعدام التغير في الإنتروبيا (نظرية نرنست) هو إحدى الخاصيتين العامتين للمادة عند الاقتراب من درجة الحرارة صفر (الصفر المطلق)" ويضيف "بعبارة بسيطة، يجب أن تختلف الأجسام الباردة عن الأجسام الساخنة. وهذا أمر شائع في حياة الناس اليومية". والحرارة النوعية هي كمية الحرارة التي يحتاجها كيلوغرام واحد من المادة ليرتفع 1 درجة مئوية في حرارته، ولفهم الفكرة تخيّل أنك أمام قطعة من الحديد وكوب من الماء، كل كيلوغرام واحد، وسخنتهم بالنار بالقوة نفسها، ستجد أن الماء يسخن ببطء والحديد يسخن بسرعة، السبب أن الماء له حرارة نوعية عالية، مما يعني أنه يحتاج طاقة كثيرة ليسخن. الجديد في إثبات أولايا يكمن في أنه لا يفترض وجود حرارة نوعية منعدمة، ولا يستخدم حججًا تعتمد على عدم قابلية بناء المحرك الحراري، بل يعتمد على تفسير أكثر دقة للصفر المطلق بناءً على مقياس ترمومتر كارنو، وهو مقياس تجريبي نظري مستمد من القانون الثاني للديناميكا الحرارية. لا يمكن تحقيق محرك كارنو في عالمنا الواقعي لأن كل العمليات فيه يجب أن تكون قابلة للعكس بالكامل، بحيث يعود النظام وكل ما حوله إلى حالته الأصلية دون أي أثر أو فقد في الطاقة، ولا يوجد فيه احتكاك، مما يحقق كفاءة كاملة، وهو أمر مستحيل في عالمنا الحقيقي حتى الآن. ومن محرك كارنو، جاء ترمومتر كارنو، وهو أداة مُجردة خيالية تستخدم خصائص محرك كارنو لقياس درجة الحرارة بدقة مطلقة، وهو المفتاح لفهم معنى الصفر المطلق من منظور الفيزياء النظرية وليس الشعور البشري بالبرد. يرى أولايا أن غياب فهم عميق لتعريف درجة الحرارة في السياق الديناميكي الحراري هو ما عطّل إثبات المبرهنة لعقود. ويؤكد أن المحرك الافتراضي الذي تخيله نرنست، رغم أنه لا ينتج شغلًا أو حرارة، يظل صالحًا منطقيا وكافيًا للاستنتاج. يقول أولايا عن دور ترمومتر كارنو عند الصفر المطلق "هذا هو التغيير الجذري، إذ لم تأخذ البراهين والتفنيدات السابقة قيمة درجة الحرارة بصفر على محمل الجد، كانت مجرد شرط رياضي، وكانوا يتحدثون عنها دون مراعاة ما يجب أن تكون عليه قيمتها وفقًا للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، وكيفية تحديدها". ضد الفرضية الكلاسيكية واحدة من العقبات التي لطالما أربكت الباحثين هي ملاحظة نرنست بأن الحرارة النوعية تميل إلى الصفر عند الاقتراب من الصفر المطلق، يتفق سلوك الحرارة النوعية والتغير في الإنتروبيا، أي يقترب كلاهما من الصفر عند الاقتراب من الصفر المطلق، وهو سلوك لم تستطع الفيزياء الكلاسيكية تفسيره حتى جاءت ميكانيكا الكم. اعتقد العلماء أن الحرارة النوعية للصلب هي قيمة ثابتة، وكانت التجارب تؤيد هذا عند درجات الحرارة المتوسطة والعالية. لكن عند درجات الحرارة الشديدة الانخفاض، بدأت التجارب تُظهر أن الحرارة النوعية لا تبقى ثابتة، بل تنخفض بشكل كبير كلما اقتربت درجة الحرارة من الصفر، وكان هذا تناقضًا كبيرا مع الفيزياء الكلاسيكية، ولا تفسير له آنذاك. وقد أسهم أينشتاين في حل مشكلة الحرارة النوعية باستخدام نموذجه للأجسام الصلبة الكميّة، فعند درجات الحرارة المنخفضة لا تمتلك الذرات طاقة كافية للقفز إلى المستويات الأعلى، وبالتالي لا تمتص حرارة كثيرة، مما يؤدي إلى انخفاض الحرارة النوعية. لكن يفصل أولايا بين هذه الملاحظة ومبرهنة نرنست نفسها، ويشير إلى أن انعدام الحرارة النوعية، رغم كونها حقيقة تجريبية، لا تشكل جزءًا ضروريا في إثبات المبرهنة. لذا يعتقد أنه يمكن إثبات مبرهنة نرنست بشكل مستقل عنها، ويقول "لعل إحجام أينشتاين عن قبول دليل نرنست كان مدفوعا بحقيقة مفادها أن اختفاء الحرارة النوعية ليس له تفسير في الفيزياء الكلاسيكية (على النقيض من الفيزياء الكمية)". ومن أكثر ما يثير الاهتمام في ورقة أولايا هو زعمه أن القانون الثالث للديناميكا الحرارية، كما نعرفه اليوم، لم يعد ضروريًا، ويختتم "بغض النظر عن مبدأ حفظ الطاقة (القانون الأول)، لأنه مشترك بين جميع فروع الفيزياء، احتاجت الديناميكا الحرارية إلى قانونين، مبدأ زيادة الإنتروبيا (القانون الثاني) والقانون الثالث. والآن، نحتاج إلى قانون واحد فقط (بجانب القانون الأول)، في رأيي. يحب الفيزيائيون توحيد النظريات. فهي تأتي بتحسين في معرفتنا بالطبيعة وتبسيط في طريقة وصفنا لها". يعتقد أولايا أن قبول فكرته في المجتمع الأكاديمي قد يستغرق وقتًا، إلا أنه متفائل بأن نشر ورقته العلمية سيُمهّد الطريق نحو إعادة النظر في المفاهيم الأساسية للحرارة. ربما يفتح هذا الباب لفهم أعمق للكون عند أقصى حالاته، حيث تلامس درجات الحرارة الصفر المطلق، وتختفي العشوائية، وتنهار القوانين التقليدية الكلاسيكية، ويبدأ الفيزيائيون في رسم خريطة جديدة للحرارة أكثر دقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store