
12 خلاصة من حرب الـ 12 يوما
أثبت ترمب باتصاله المدوي ونهره اللفظي لنتنياهو وفرض وقف إطلاق النار عليه أن إسرائيل لا يمكنها الاستمرار والأمن والبقاء من دون حماية غربية أميركية بالدرجة الأولى
تبحث خدمات الطوارئ وضباط الأمن الإسرائيليون عن ضحايا بين أنقاض مبنى أصابه صاروخ إيراني في بئر السبع، 24 يونيو 2025 (أ ف ب)
ملخص
أظهر الخليجيون رباطة جأش وتماسكاً خلال هذه الحرب، ولم يدب الهلع في الأجواء الخليجية التي ترقبت وراقبت التطورات، فكانت سوق الأسهم الكويتية، على سبيل المثال، في صعود أوقات تصاعد الصواريخ والطلعات الجوية الإسرائيلية، ولم تغلق دول الخليج بعض مطاراتها سوى بضع ساعات، وقربت هذه الحرب الخليجيين من بعضهم بعضاً بتضامنهم السريع مع قطر في وجه العدوان الإيراني، ليثبتوا مرة تلو أخرى بأن التضامن الخليجي يتعزز وقت الأزمات، وبأنه أحد أهم ركائز الأمن الإستراتيجي للمنطقة ولدول الخليج.
انتهت الحرب الإسرائيلية - الإيرانية بوقف إطلاق نار هش ضامنه الوحيد هو الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومن تلك الحرب التي استمرت 12 يوماً يمكن استخلاص 12 خلاصة:
1- ليس هناك منتصر ومهزوم في هذه الحرب، والقصد هنا أنه لم يكن هناك طرف أعلن استسلامه وطرف آخر أعلن انتصاره، فبغض النظر عن المهرجانات الدعائية والاستعراضات الاحتفالية، فقد انتهت هذه الحرب بنتيجة خاسر وخاسر أكبر.
2- انتهت أسطورة إسرائيل الآمنة التي لا يمكن ضربها في عمقها وتلاشى وهم بنيامين نتنياهو بـ "بيتاخون"، أي الأمن، فقد جاءت الضربات الصاروخية الإيرانية في عمق تل أبيب لتثبت ألا نظام دفاع صاروخي يمكن أن يمنع الصواريخ الباليستية 100 في المئة، كما انتهى بذلك شعار إسرائيل أرض اللبن والعسل، فقد عاش الإسرائيليون أياماً في الملاجئ من دون عمل أو دراسة أو مقاه أو سياحة أو مطارات مدنية أو طيران وسفر، ووجدوا أنفسهم في خوف وحصار وقلق استمر أياماً، ومن يعش حال الهلع والخوف لا يمكن له أن يستمتع "باللبن والعسل".
3- لا يزال مأزق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو السياسي قائماً، فقد كان يأمل بأن تستمر الحرب أو أن تستسلم إيران لكن ذلك لم يتحقق، مما يعني عملياً أنه لا يزال يراوح بأزماته في الداخل السياسي، ومأزق غزة التي مضى على حربه عليها نحو عامين من دون أن يخلص الرهائن أو يقضي على "حماس"، وازدادت عزلة إسرائيل عالمياً بعد عدوانها على إيران، وثبتت صورتها كدولة عدوانية لا تنشد السلام وتفتح جبهات الحرب طمعاً في تفوقها وهيمنتها على المنطقة.
4- كان الاختراق الجاسوسي الإسرائيلي لإيران فضيحة بكل المعايير، فقد ثبت أن الجبهة الأمنية الداخلية الإيرانية مثل الجبنة السويسرية، تعاني الثقوب والشقوق في كل جهة ووزارة ومؤسسة ومنشأة داخل إيران، وما تصفية قادة الجيش والحرس الثوري والاستخبارات والعلماء النوييين مع بداية الحرب بشكل "هوليوودي" متزامن إلا دليل على هذا الاختراق الخطر، كما أعلنت إيران إعدام عملاء للـ "موساد" الإسرائيلي والقبض على 700 متهم بالتجسس لمصلحة إسرائيل، ولك أن تتخيل حجم هذا الرقم.
5- لم تسقط الدفاعات الإيرانية طائرة واحدة من بين مئات الطائرات الإسرائيلية التي استمرت طلعاتها وغاراتها ليلاً ونهاراً، وسيطرت سيطرة تامة على الأجواء الإيرانية في بلد تبلغ مساحته 1.650 مليون كيلومتر مربع، وعربد الطيران الحربي الإسرائيلي كيفما يشاء مستبيحاً سماء إيران من دون رادع أو دفاع، وهو نقيصة عسكرية هائلة لإيران وأمنها القومي والإستراتيجي، أظهرت مدى انكشافها وهشاشة دفاعاتها من أية هجمات قادمة.
6- الاعتداء الإيراني على قطر يعد رسالة بأن التحدي الإيراني لمنطقة الخليج هو في حقيقته خطر قائم، وأن إيران التي ضربت قطر ذات الصلة القوية معها، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، والتي وصفها مندوبها في الجامعة العربية يوماً بأنها "دولة شريفة"، قد تتحول بين ليلة وضحاها إلى دولة معتدية من دون سابق إنذار، ويذكر أن العدوان على قطر هو الثاني على دولة خليجية بعد عدوانها على بقيق وخريص عام 2019.
7- من أغرب غرائب هذه الحرب أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اتصل بعد الاعتداء على قطر بأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني معتذراً من اعتداء بلاده، ومصرحاً بأن بلاده حريصة على العلاقات مع دولة قطر الشقيقة، فلم يسبق أن اعتذرت دولة لدولة أخرى لأنها دافعت عن نفسها، أو لأنها كانت تحارب من يعتدي عليها، أي القاعدة الأميركية في العديد بعد القصف الأميركي للمفاعلات النووية الإيرانية، فقد كان الخطاب للداخل أننا دافعنا عن أنفسنا وضربنا قواعد أميركا في قطر، لأن أميركا قصفت مفاعلاتنا النووية، ولا أدري لماذا اعتذر الرئيس بزشكيان عن الدفاع عن بلاده إن كان ذلك حقاً ما جرى.
8- ضربت الولايات المتحدة الأميركية للمرة الأولى إيران في عقر دارها وقصفت مفاعلاتها النووية، وهي سابقة لم تقم بها أميركا من قبل ضد إيران أو ضد أية مفاعلات نووية في أي بلد في العالم.
9- لم تشترط إيران لوقف الحرب تقديم المساعدات الإنسانية لأهل غزة المحاصرة، ناهيك عن أن تطلب وقف حرب الإبادة ضدهم، وكان هم إيران الوحيد هو إيقاف الحرب عليها.
10- باتصاله المدوي ونهره اللفظي لبنيامين نتنياهو، مع فرض وقف إطلاق النار عليه، أثبت الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرة أخرى أن إسرائيل لا يمكنها الاستمرار والأمن والبقاء من دون حماية غربية أميركية بالدرجة الأولى.
11- لم يدخل الحرب مع إيران أي من عناصر محورها للمقاومة، لا "حزب الله" ولا "الحشد الشعبي" في العراق، وهو دليل على تلاشي قوتها التدخلية في لبنان وسوريا، ودليل على أنها لن تثق بـ "الحشد الشعبي" العراقي بعد هذه الحرب، وقد لوحظ بأن بعض عناصره خرج في العراق احتفالاً بما قال إنه انتصار إيران، لكنهم لم يبادروا بضرب القواعد الأميركية هناك مساندة لطهران بعد ضرب مفاعلاتها النووية.
12- أظهر الخليجيون رباطة جأش وتماسكاً خلال هذه الحرب، ولم يدب الهلع في الأجواء الخليجية التي ترقبت وراقبت التطورات، فكانت سوق الأسهم الكويتية، على سبيل المثال، في صعود أوقات تصاعد الصواريخ والطلعات الجوية الإسرائيلية، ولم تغلق دول الخليج بعض مطاراتها سوى بضع ساعات، وقربت هذه الحرب الخليجيين من بعضهم بعضاً بتضامنهم السريع مع قطر في وجه العدوان الإيراني، ليثبتوا مرة تلو أخرى بأن التضامن الخليجي يتعزز وقت الأزمات، وبأنه أحد أهم ركائز الأمن الإستراتيجي للمنطقة ودول الخليج.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 17 دقائق
- Independent عربية
ما دلالة غضب ترمب وكلامه البذيء على علاقته بنتنياهو؟
مشهد رئيس أميركي يظهر غضباً جامحاً على الملأ أمر استثنائي، بل ربما لا سابقة له، ففي الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض وقف حشد من الصحافيين ووجهوا لدونالد ترمب سؤالاً عن الخرق الإسرائيلي والإيراني لوقف إطلاق النار الذي أعلنه بفخر للتو على وسائل التواصل الاجتماعي، فرد ترمب الغاضب بأن الدولتين تتناحران "منذ زمن بعيد وبشدة لدرجة أنهما لا تعلمان ما الذي تفعلانه، بحق الجحيم"، وتابع بحنق "هل تفهمون ذلك؟" قبل أن يحث الخطى نحو مروحيته. في اللحظات السابقة لذلك، كرر أربع مرات في غضون دقائق قليلة أنه غير راض عن إسرائيل، أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إن لم يكن في العالم بأسره، وقال للمراسلين وهو يزداد انفعالاً بصورة ملحوظة، "أنا غير راض عن إسرائيل، عندما أقول 'حسناً لديكم الآن 12 ساعة' فهذا لا يعني أن تسقطوا كل ما لديكم (من ذخيرة) في الساعة الأولى (على إيران)، لذلك أنا لست راض عنهم"، مضيفاً "أنا مستاء فعلاً إن كانت إسرائيل قد شنت هجوماً هذا الصباح بسبب صاروخ واحد لم يصب هدفه، وربما أُطلق من طريق الخطأ، أنا غير راض عن ذلك". كانت اللغة التي استخدمها، بالنسبة إلى رئيس اشتهر بسلوكه المتقلب، حادة جداً، وقالت باربرا ليف التي شغلت منصب مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى حتى وقت سابق من هذا العام لـ "اندبندنت"، "إنه لأمر استثنائي فعلاً أن يوبخ الرئيس الإسرائيليين بصوت عال ويطلب منهم التوقف وعدم مواصلة القصف، من الواضح أن ترمب داخل شخصياً جداً في هذا الموضوع، لكننا سنرى، الوضع هش وأوقفنا كل شيء في ذروة نزاع ساخن". ليس ترمب غريباً عن المشادات العلنية والحادة مع قادة يفترض أن يكونوا من حلفاء واشنطن، ومن أبرز هذه الحوادث المؤتمر الصحافي المحرج الذي عقد في فبراير (شباط) الماضي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي تحول إلى مشادة كلامية صاخبة بين الزعيمين، فيما جلست السفيرة الأوكرانية وقد وضعت رأسها بين يديها، لكن لجوءه إلى استخدام عبارة نابية لوصف تصرفات حليف بهذه الدرجة من القرب، جاء بعد أشهر من تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد شن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرات عدة حملات قصف إقليمية مدمرة، مرة تلو الأخرى، وغالباً، كما يبدو، خلافاً لرغبة ترمب الذي خاض حملته الرئاسية بصفته "رئيساً يسعى إلى السلام". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويعكس هذا التحول تغيراً أشمل في الرأي العام الأميركي، فقد أظهرت دراسة أجرتها "مؤسسة غالوب" في مارس (آذار) الماضي أن الدعم لإسرائيل داخل الولايات المتحدة تراجع إلى أدنى مستوى له منذ 25 عاماً، ويعزى ذلك على ما يبدو للحرب الكارثية في غزة وما بعدها، ومهما بلغت دموية وهول هجمات "حماس" على جنوب إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإن قرار نتنياهو بمحو وتجويع سكان غزة الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة قد خلف آثاراً عميقة. ومع بدء انقشاع غبار المعارك فإن إحدى النتائج المترتبة على هذه "الحرب التي استمرت 12 يوماً"، كما يسميها ترمب بفخر، ستكون مزيداً من التوتر في العلاقة بين بلدين بلغت علاقتهما بالفعل أدنى مستوياتها، ويبدو لافتاً أن بيان نتنياهو الذي أعقب انفجار ترمب الغاضب سعى إلى التقليل من أهمية العمليات العسكرية الإسرائيلية بعد وقف إطلاق النار، فقد زعم أن الهجوم استهدف منصة رادار واحدة رداً على الانتهاكات الإيرانية، وشكّل ذلك تبايناً واضحاً مع الخطاب الناري لوزير الدفاع يسرائيل كاتس في وقت سابق، عندما قال إنه أعطى أوامر للجيش الإسرائيلي "بالرد بقوة وتنفيذ ضربات عنيفة ضد أهداف للنظام في قلب طهران". وختم نتنياهو بيانه بالتعهد بأن تمتنع إسرائيل عن شن أي ضربات إضافية، مضيفاً بنبرة تأكيد متكررة أن "الرئيس ترمب أعرب عن تقديره الكبير لإسرائيل التي حققت جميع أهدافها من الحرب، وعن ثقته في استقرار وقف إطلاق النار". قبل ثلاثة أسابيع من إطلاق إسرائيل هذا الصراع بالغ الخطورة، أفادت مصادر استخباراتية أميركية لشبكة "سي أن أن" بأن تل أبيب تستعد لشن هجوم على إيران، وفي ذلك الوقت علق المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، دنيس روس، بأن قرار مشاركة هذه المعلومات الاستخباراتية مع شبكة إعلامية كبرى لم يكن على الأرجح بهدف "تيسير أو تشجيع مثل هذا الهجوم"، بل كان "لعكس ذلك تماماً"، وختم قائلاً "إذا كانت إسرائيل تنوي التحرك فإنها سترغب في منع الإيرانيين من الاستعداد لتعظيم عنصر المفاجأة وضمان عدم قدرتهم على نقل أجهزة الطرد المركزي وإخفائها". في الواقع تبلورت صورة لعملية مطولة وجد فيها الرئيس الأميركي نفسه ممزقاً بين الخيار الدبلوماسي الذي روج له خلال حملته الانتخابية، ودعم عمل عسكري من جانب حليف لا يبدو أنه قادر على السيطرة الكاملة على أفعاله، وقالت مصادر عسكرية ودبلوماسية لوكالة "رويترز" إن الـ "بنتاغون"، وربما على مضض، بدأ في إعداد خطط طوارئ مفصلة لدعم إسرائيل في حال مضت قدماً في تحقيق طموحها القديم بضرب المنشآت النووية الإيرانية. وتشير هذه المصادر إلى أنه في نهاية المطاف لم يرفض ترمب الفكرة، لكن لا توجد مؤشرات على أنه أقرها بصورة كاملة أيضاً، وبعد ذلك شنت إسرائيل هجومها على إيران قبل أيام فقط من موعد الجولة السادسة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران التي كانت سلطنة عُمان تستعد لاستضافتها، وجاء كل هذا في أعقاب سلسلة من التوترات السابقة وما بدا أنها إهانات متعمدة. في أول جولة خارجية كبرى له، زار ترمب الشرق الأوسط في مايو (أيار) الماضي، لكن من اللافت أنه تعمد عدم زيارة إسرائيل، وبدلاً من ذلك وقّع ترمب، الذي يعرف في جوهره بأنه رجل صفقات، عقوداً بتريليونات الدولارات مع قادة الخليج في احتفالات براقة تفاخر خلالها بتلقيه طائرة مجانية من قطر. وفي التوقيت نفسه تقريباً، أجرى فريقه مفاوضات مباشرة مع حركة "حماس" في شأن الإفراج عن رهائن والتوصل إلى هدنة محتملة، على ما يبدو من دون التنسيق مع إسرائيل، وهو أمر لم تقدم عليه أية إدارة أميركية سابقة. ولهذا، وبينما يبدو أننا أمام نهاية غير مستقرة لحرب كان من الممكن أن تكون مرعبة وتجر الجميع إلى أتونها، فإن هذا النزاع، بحسب تعبير ليف، "قد توقف لكنه لم يُحسم بعد"، وقد تكون إحدى القضايا العالقة هي طبيعة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة.


Independent عربية
منذ 17 دقائق
- Independent عربية
العقبة الحقيقية أمام السلام مع إيران
بعد يومين فحسب من إصداره أوامر بشن ضربات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو وأصفهان ونطنز، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انتهاء الحرب الجوية بين إيران وإسرائيل، مصرحاً بأن الوقت حان لإحلال السلام. وكتب على منصته الرقمية "تروث سوشيال"، "ربما تستطيع إيران الآن المضي قدماً نحو السلام والوئام في المنطقة". ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد، ولكن إذا كان ترمب يأمل في عودة سريعة إلى الدبلوماسية، فمن المرجح أن يصاب بخيبة أمل. يجد ترمب وفريقه للأمن القومي أنفسهم في مأزق. فقد اعترف مسؤولون في الإدارة بأن مخزونات إيران من اليورانيوم العالي التخصيب ومكونات أجهزة الطرد المركزي ربما نجت من العمليات العسكرية التي نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة. ومن أجل تحديد مواقعها وتأمينها، ستحتاج واشنطن إلى تعاون طهران. غير أن ترمب ومفاوضيه لم ينجحوا حتى الآن في إقناع القادة الإيرانيين بتقديم تنازلات كبيرة. والأهم من ذلك، أن الإيرانيين يواصلون رفض الدعوات للتخلي بالكامل عن تخصيب اليورانيوم. وقد يأمل ترمب في أن يؤدي استعراضه الأخير للقوة العسكرية الأميركية، إلى جانب الحملة العسكرية الإسرائيلية العدوانية خلال الأسبوعين الماضيين، إلى إجبار إيران على التنازل، ولكن هذا أمر مستبعد. بل على النقيض من ذلك، من المحتمل أن يكون القادة الإيرانيون أكثر تردداً في الدخول في مسار دبلوماسي بعدما سمح ترمب مرتين بإفشال المفاوضات الجارية مع إيران من خلال العمل العسكري، أولاً من طريق منح الضوء الأخضر للغارات الجوية الإسرائيلية، وثانياً بالانضمام إلى الحرب مباشرة. كما أن تحذيراته التي تتوعد بمزيد من العقوبات العسكرية، وتصريحاته التي تلمح إلى احتمال تغيير النظام، فهي لا تساعد أيضاً. والتحدي الذي تواجهه إدارة ترمب الآن لا يكمن في شدة التهديدات التي أطلقتها، بل في مدى صدقية الضمانات التي يمكن أن تقدمها لنظام إيران. ولكي تنجح مقاربة ترمب القسرية للدبلوماسية في دفع إيران نحو اتفاق نووي قوي، هناك شرطان أساسيان لا بد منهما. أولاً، يجب أن تصدر الولايات المتحدة تهديدات قابلة للتصديق بفرض عواقب شديدة ومؤلمة إذا تجاهلت إيران المطالب الأميركية أو انتهكتها. وفعل ترمب ذلك، من خلال منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، وحشد القوات الأميركية في المنطقة، وبصورة أكثر وضوحاً، من خلال ضرباته على المنشآت النووية الإيرانية. لكن هذه التحذيرات والإجراءات قد يكون لها تأثير محدود على السلوك الإيراني من دون توفر الشرط الثاني وهو ضمانات أميركية موثوقة بأن إيران لن تعاني العواقب التي جرى تهديدها بها، أو غيرها من التداعيات، إذا امتثلت للمطالب الأميركية. في الواقع، يحتاج قادة إيران إلى أن يثقوا في أنه إذا رضخت بلادهم وأظهرت نوعاً من المرونة، فلن تحاول الولايات المتحدة كسرها. ومن يذكر أن قرار ترمب باستخدام القوة العسكرية الأميركية جعل تهديداته أكثر صدقية، لكنه جعل من الصعب عليه تقديم ضمانات موثوقة. ومع ذلك، لا تزال واشنطن تمتلك خيارات إذا كانت تأمل في إعادة قادة إيران إلى مفاوضات مثمرة نحو اتفاق نووي جديد. سيتعين على ترمب أن يضمن إنهاء إسرائيل لحملتها العسكرية بصورة دائمة، بما في ذلك من خلال تقييد إعادة تزويدها بالذخائر الهجومية إذا استأنفت حربها الجوية. ويجب على الرئيس وفريقه للأمن القومي أن يعلنوا بصورة قاطعة أن تغيير النظام ليس هدفاً أميركياً، وأن يثبتوا جديتهم من خلال سحب القوات الجوية والبحرية التي جرى تعزيزها حديثاً في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، ينبغي على واشنطن أن تقدم تخفيفاً فورياً للعقوبات يبدأ بمجرد توصل إيران والولايات المتحدة إلى إطار عام للاتفاق. ولا شك في أن إعادة إطلاق المسار الدبلوماسي الذي أوقفته واشنطن بصورة مفاجئة منتصف يونيو (حزيران) سيكون أمراً صعباً ويتطلب صبراً، لكن حل معضلة الضمانات الموثوقة هو السبيل الوحيد لتحقيق هدف ترمب النهائي المتمثل في وضع حد للطموحات النووية الإيرانية. تهديدات مقرونة بضمانات لا يزال ترمب يركز على منع إيران من امتلاك سلاح نووي. في الواقع، يمكن تحقيق هذا الهدف بصورة أفضل من خلال الدبلوماسية، وليس الوسائل العسكرية، نظراً إلى القيود الجوهرية التي تعانيها القوة الجوية في تدمير المنشآت النووية المطمورة بعمق ومخزونات اليورانيوم بصورة مؤكدة ونهائية. وتبرز الهجمات الأميركية على فوردو ونطنز وأصفهان هذه المشكلة بوضوح. فعلى رغم أن تقييم الأضرار الميدانية لا يزال جارياً، يبدو أن موقع فوردو تضرر، لكنه لم يُدمر بالكامل. وأشار المتخصص النووي في جامعة هارفرد غاري سامور في تحليل نشرته "فايننشال تايمز"، إلى أن النظام الإيراني نقل أجهزة الطرد المركزي وربما مواد أخرى من منشأة فوردو قبل استهدافها، مما يعني أن مكونات البرنامج النووي الإيراني نجت على الأرجح من الهجوم. وصرح مفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة ديفيد أولبرايت لشبكة "سي أن أن" يوم الإثنين الماضي بأن بعض أجهزة الطرد المركزي "لا يمكن تحديد مكانها"، وأن بعض مخزونات اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 60 في المئة "نقلتها إيران، ولا نعلم مكانها". ووفقاً لتحليل نشره المتخصص النووي جيفري لويس على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن آخر موقع معروف لهذه المخزونات كان في أنفاق داخل مدينة أصفهان ويبدو أن الولايات المتحدة لم تستهدفها في ضرباتها. وعلى نطاق أوسع، لا يقتصر البرنامج النووي الإيراني على هذه المواقع الثلاثة بل يمتد إلى ما هو أبعد منها بكثير. ففي الحقيقة، تعلمت إيران من الهجوم الإسرائيلي على مفاعل "أوزيراك" العراقي عام 1981، فصممت برنامجها النووي ليكون موزعاً ومتكرراً [أي مزوداً بأنظمة بديلة واحتياطة] وذات قدرة عالية على الصمود. فالوظائف الحيوية مثل البحث والتطوير وعلم تعدين اليورانيوم وهندسة أجهزة الطرد المركزي، مدمجة ضمن مؤسسات حكومية وشركات هندسية وجامعات إيرانية. لذا، لا بد أن تأتي بعد الضربات الجوية الأميركية جهود دبلوماسية تقنع إيران بالتعاون في تفكيك برنامجها النووي. من الواضح أن إيران تخشى خوض حرب طويلة مع الولايات المتحدة. ولهذا السبب، فإن رد طهران على الضربات الجوية الأميركية اقتصر على هجوم صاروخي غير مفاجئ على قاعدة "العديد" الجوية الأميركية في قطر، أبلغت عنه إيران قبل شنه، وجرى اعتراضه بسهولة من دون وقوع إصابات في صفوف العسكريين الأميركيين. لكن حتى لو كان قادة إيران على استعداد للتخلي عن كثير من مطالبهم من أجل تجنب الحرب مع الولايات المتحدة، فإن اعتماد ترمب المفرط على التهديدات لن يعيدهم إلى طاولة المفاوضات. وأشار الباحث المرموق في العلاقات الدولية والحائز جائزة نوبل توماس شيلينغ إلى أن التهديدات الفعالة يجب أن تقترن بضمانات موثوقة، لإقناع الخصم بالاستسلام. وبعبارة أخرى، لكي تنجح سياسة الإكراه يجب أن ترفق بوعود تضمن للخصم أنه إذا امتثل للمطالب سيتجنب العواقب التي هدد بها. بإمكان إدارة ترمب إقناع إيران بأن التسوية ستكون مجدية فالمسألة إذاً لا تقتصر على إقناع إيران بأن الولايات المتحدة ستهاجمها إذا لم تتخل عن برنامجها النووي، بل يجب على واشنطن أيضاً إقناع طهران بالضمانة المشمولة، فإذا تخلت عن برنامجها النووي لن يحدث أي هجوم. أما إذا اعتقدت إيران أن إسرائيل أو الولايات المتحدة ستلجآن إلى استخدام القوة العسكرية في كل الأحوال، فلن يكون لديها أي حافز لتقديم تنازلات. هناك أسباب عدة تجعل مستحيلاً اعتبار إيران صدقية الضمانات الأميركية أمراً مسلماً به. أولاً، تعيش الدول في نظام دولي فوضوي لا توجد فيه سلطة عليا تضمن الاتفاقات وتعاقب من ينكث بها. بالتالي، لا تملك إيران أي ملاذ خارجي تلجأ إليه إذا ما خدعتها الولايات المتحدة وسعت إلى تغيير النظام بعد أن تكون طهران تخلت عن طموحاتها النووية. ثانياً، هناك معضلة الاتساق الزمني، مما يعني فقط بعد أن تتخلى إيران عن أقوى ورقة ضغط تملكها، وهي برنامجها النووي، سيجب على الولايات المتحدة الوفاء بوعودها. أخيراً، تخشى إيران أن تؤدي التنازلات النووية إلى تشجيع إسرائيل والولايات المتحدة على السعي إلى مطالب أوسع في المستقبل. وبالمجمل، فإن الامتثال للشروط الأميركية يشكل مخاطرة بالنسبة إلى إيران، لأن الولايات المتحدة سيكون لديها حافز أقل لضبط النفس بعد حصول ترمب على مراده. واستطراداً، يمكن للدول أن تنكث وعودها فوراً أو بعد فترة من الزمن. وخير مثال على ذلك هو مذكرة بودابست للضمانات الأمنية عام 1994، عندما سلمت أوكرانيا الأسلحة النووية السوفياتية إلى روسيا مقابل تعهد من روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة باحترام سيادتها ووحدة أراضيها. لم يدم هذا التعهد سوى 20 عاماً، إذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم غزت عمق الأراضي الأوكرانية مجدداً خلال فبراير (شباط) 2022. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في حالة إيران، فإن النظام يبدو مقتنعاً بصورة واضحة بأن الولايات المتحدة ربما تكون عازمة على تغيير النظام، سواء وافقت طهران على تفكيك برنامجها النووي أم لا. وهي اليوم تملك ورقة مهمة، معرفتها بمواقع مكونات البرنامج النووي المفقودة. فإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من تتبع جميع مكونات البرنامج ومصادرتها، فإنها تخاطر باحتمالية أن تحاول فلول الحكومة الحالية المحاصرة السعي بسرعة إلى صنع قنبلة نووية سراً، أو أن تقع هذه المكونات المفقودة في أيدي جماعات مسلحة لا يمكن التنبؤ بسلوكها. ولذلك، فإن لدى واشنطن دافعاً لعدم التسرع في محاولة تغيير النظام الآن. لكن إذا سلمت إيران تلك المكونات أو كشفت عن أماكن وجودها، فسيكون لدى قادتها ما يدعوهم للقلق على بقائهم السياسي، ما لم تقدم لهم الولايات المتحدة ضمانات حقيقية. مشكلة الصدقية حتى لو كانت إدارة ترمب مستعدة وراغبة في تقديم ضمانات موثوقة لإيران، فإنها ستواجه صعوبة في تحقيق ذلك لأسباب عدة. أولها وجود تناقض جوهري بين التهديدات والضمانات. فالإجراءات التي تتخذها دولة ما لجعل تهديداتها أكثر إقناعاً، مثل نشر القوات العسكرية في مواقع استراتيجية أو استخدام "نظرية الرجل المجنون" كتكتيك لإقناع الخصم بأنها "مجنونة بما يكفي" لتنفيذ تهديداتها المتطرفة، تضعف في الوقت نفسه صدقية التزاماتها بأن التعاون سيكافأ ولن يستغل. في تعامله مع إيران، اعتمد ترمب بصورة أساس على التهديدات، سواء تلك التي وعد بها أو تلك التي نفذها فعلاً. فقد أغرق الشرق الأوسط بالأصول العسكرية الأميركية، بما في ذلك مزيد من الدفاعات الجوية ومقاتلات أميركية إضافية ومجموعة حاملة طائرات هجومية ثانية تابعة للبحرية الأميركية. واستعمل ترمب وسائل التواصل الاجتماعي والتصريحات العلنية لتوضيح استعداده لاستخدام القوة العسكرية الأميركية الكاملة ضد إيران. وحرص على أن يرى قادة إيران تهديداته على أنها جدية من خلال تنفيذ ضربات على مواقع نووية إيرانية. كذلك، أظهر ترمب أنه فاعل لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، مستخدماً الخداع لمباغتة إيران، خلال وقت كان يدعو فيه علناً إلى المفاوضات. والآن لم يعد لدى إيران أي شك في أن ترمب مستعد لتنفيذ تهديداته العسكرية. لكن هذه الإجراءات نفسها جعلت أي وعود بالتعاون من جانب ترمب وفريقه للأمن القومي غير موثوقة. فمع استمرار وجود عسكري أميركي كبير ومتأهب في المنطقة، من المرجح أن يشك قادة إيران في التزام واشنطن بالسلام، ويخشون أن يؤدي الانصياع لمطالب واشنطن إلى ترك بلادهم ضعيفة وعرضة للخطر أمام جولة جديدة من الضربات. أما التحدي الثاني الذي يواجهه ترمب فليس من صنعه بالكامل، بل يرجع إلى سلسلة طويلة من المرات التي تراجع فيها رؤساء الولايات المتحدة السابقون عن وعودهم أو قدموا ضمانات تبين أنها جوفاء في نهاية المطاف. على سبيل المثال، تؤثر حرب العراق عام 2003 على التفاعلات الحالية بين إيران والولايات المتحدة. ففي الفترة التي سبقت الحرب، طالب الرئيس جورج دبليو بوش صدام حسين بالسماح لمفتشي الأسلحة الدوليين بالدخول إلى العراق لإثبات مزاعم صدام بأنه لم يكن يسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل. وبعد أشهر من الخلاف، سمح العراق أخيراً بعودة المفتشين خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، مستجيباً لحملة الضغط التي شنها بوش على أمل تجنب ضربة عسكرية. لكن بوش هاجم العراق على أية حال، على رغم أن المفتشين لم يعثروا على أي دليل على وجود مثل تلك الأسلحة. وأشارت وثائق لاحقة، مثل مذكرة "داونينغ ستريت"، إلى أن بوش كان مصمماً على مهاجمة العراق بغض النظر عما يجده المفتشون. بالتالي، لدى إيران كل الأسباب التي تجعلها تخشى تكرار نفس السيناريو. ففي النهاية، سمح ترمب لإسرائيل بشن عمليات عسكرية منتصف يونيو الجاري، حتى بينما كانت فرق التفاوض الأميركية والإيرانية تخطط لجولة أخرى من المحادثات بعد أيام قليلة. وهو أيضاً من انسحب من الاتفاق النووي الأصلي المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وفرض عقوبات "الضغط الأقصى" القاسية على رغم التزام إيران بشروط اتفاق عام 2015. وفي ضوء هذه التجارب، سيكون من المبرر لطهران أن تشك في أن واشنطن ربما تكون قررت بالفعل استخدام القوة العسكرية مرة أخرى في المستقبل بغض النظر عن حجم التنازلات الإيرانية. وأخيراً، وربما يكون هذا هو التحدي الأكثر تعقيداً وصعوبة، فإن ضمانات ترمب لإيران يجب أن تشمل إسرائيل أيضاً. لكي تنجح الدبلوماسية، على ترمب أن يقنع إيران بأن التنازلات لن تمنع هجوماً أميركياً مستقبلياً فحسب، بل أيضاً ستجبر إسرائيل على احترام وقف إطلاق النار الجديد وتمنعها من شن عمليات عسكرية جديدة خلال وقت لاحق. وهذه مهمة صعبة لأن إسرائيل أثبتت بالفعل قدرتها واستعدادها للتصرف بصورة منفردة، في حين أظهر ترمب رغبة محدودة (أو ربما قدرة محدودة) في كبح جماح إسرائيل تحت الضغط. إن إقناع إيران بأن الولايات المتحدة قادرة ومستعدة لمنع إسرائيل من تنفيذ عمليات عسكرية مستقبلية ضدها ما دامت طهران تلتزم بالشروط الأميركية، سيتطلب، في أقل تقدير، رئيساً عازماً على استخدام النفوذ الأميركي على إسرائيل، ليس في ما يتعلق بأنشطتها تجاه إيران فحسب، بل أيضاً في عموم الشرق الأوسط. إن تقديم ضمانات موثوقة لطهران يمثل مهمة شاقة بالنسبة إلى واشنطن، تزداد تعقيداً بسبب سلسلة طويلة من خيارات السياسة الخارجية الأميركية السابقة. لكنها ليست مهمة مستحيلة، ويمكن لإدارة ترمب إقناع إيران بأن التسوية ستكون مجدية. استئناف الدبلوماسية ستتطلب إعادة إشراك إيران دبلوماسياً مزيجاً من الضمانات العسكرية والاقتصادية التي تكون واضحة ولا يمكن التراجع عنها، بعضها تقدمه الولايات المتحدة بصورة أحادية، وبعضها الآخر بالتعاون مع دول أخرى. ويجب على ترمب أولاً أن يتعهد بكبح جماح إسرائيل. وسيكون ذلك تحدياً سياسياً صعباً، لا سيما أن ترمب سبق أن خضع مرتين في الأقل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن يسحب ترمب المساعدات الدفاعية خلال وقت لا تزال فيه إيران تشكل تهديداً لإسرائيل. ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن توجه رسالة إلى إسرائيل (وإيران) بأنها لن تعيد تزويد إسرائيل ببعض القدرات الهجومية، مثل القنابل والصواريخ الدقيقة، في حال حاولت إسرائيل استئناف حربها الجوية ضد إيران أثناء المفاوضات أو أثناء التزام إيران بشروط الاتفاق الجديد. وهذا سيحد في الأقل من نطاق الغارات الجوية الإسرائيلية المستقبلية ومدتها. ثانياً، يجب على ترمب وغيره من المسؤولين الأميركيين أن يؤكدوا بوضوح وثبات أنهم لا يسعون إلى تغيير النظام في إيران، وأن تركيزهم منصب فقط على البرنامج النووي الإيراني. لكن التصريحات الكلامية وحدها لن تكون كافية، لذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تعزز أقوالها بخطوات ملموسة من خلال تعديلات في الوجود العسكري الأميركي بالمنطقة، تشير بوضوح إلى أن واشنطن لا تستعد لخوض حرب جديدة من أجل تغيير النظام في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة في المدى القريب سحب القوات الجوية والبحرية التي نشرتها في المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة، ومع استقرار الأوضاع، أن تعيد مستويات الجاهزية والتهديد في القواعد العسكرية الإقليمية إلى وضعها الطبيعي، إضافة إلى ذلك يمكن لواشنطن أن تعيد تأكيد نيتها سحب القوات من سوريا والعراق، كمؤشر إلى أن الولايات المتحدة تعتزم مواصلة إعادة تموضعها الاستراتيجي عالمياً بعيداً من الشرق الأوسط، بمجرد انتهاء الأزمة الحالية. ويمكن إشراك شركاء الولايات المتحدة داخل المنطقة لتعزيز الرسالة التي تفيد بأن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران، من خلال رفضهم السماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيهم أو مجالهم الجوي في عمليات تستهدف النظام الإيراني. وأخيراً، ينبغي على إدارة ترمب تقديم تخفيف فوري للعقوبات بمجرد أن تتفق إيران والولايات المتحدة على إطار عام لأي اتفاق، حتى وإن لم يكن تفصيلياً. وهذا يتماشى مع تصريحات ترمب بأنه يأمل في رؤية إيران ناجحة ومزدهرة، كما أنه سيوفر لقادة إيران بعض الأدلة على أن واشنطن لا تسعى إلى إسقاط النظام. وفي الواقع، سيسهم توقيع الشركاء الأوروبيين على هذا التعهد في تعزيز صدقية أي التزام أميركي ويزيد من الفوائد التي يمكن أن يجنيها الإيرانيون من رفع العقوبات. ومن يذكر أن آثار رفع العقوبات يمكن أن تظهر بسرعة، فقد أتمت سوريا أخيراً أول معاملة مصرفية باستخدام نظام "سويفت"، بعد شهر واحد فقط من إعلان ترمب عن خططه لرفع العقوبات الأميركية. وبينما يقدم ترمب هذه الضمانات الثلاثة، عليه أيضاً أن يتخلى عن سياسة الإنذارات القائمة على معادلة "إما الاتفاق أو إلقاء القنابل" التي لا يزال يوجهها إلى قادة إيران. فمع تراجع البرنامج النووي الإيراني وتضرر البنية التحتية للصواريخ الباليستية بصورة كبيرة، لم تعد هناك حاجة ملحة لاتفاق فوري أو لعمل عسكري إضافي. يتمتع ترمب الآن برفاهية الوقت، وعليه أن يستغلها. وتبنى شعار "السلام من خلال القوة"، لذا، عليه أن يتذكر خلال الأيام والأسابيع المقبلة، أن القوة لا تُقاس باستخدام السلاح فحسب، بل أيضاً بالقدرة على الامتناع عنه بصورة موثوقة. جينيفر كافانا هي زميلة بارزة ومديرة التحليل العسكري في مؤسسة "أولويات الدفاع"، وأستاذة مساعدة في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون. روزماري كيلانيك هي مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة "أولويات الدفاع". مترجم عن "فورين أفيرز"، الـ25 من يونيو (حزيران) 2025


Independent عربية
منذ 17 دقائق
- Independent عربية
الأرباح والخسائر في لعبة أكبر
الرئيس دونالد ترمب أمسك باللعبة من أيدي القوى الإقليمية في المنطقة، وأعاد الدورين الروسي والصيني إلى مسافة طويلة وراء الدور الأميركي. وما كان من الصعب عليه الانتقال سريعاً من توجيه ضربة هائلة للمنشآت النووية الإيرانية إلى فرض وقف النار على إسرائيل وإيران، المتعبتين من تبادل التدمير في حرب قاسية. ولم يكن خارج التوقعات إعلان ثلاثة "منتصرين" في حرب هي عملياً حرب "منتصر" واحد وعاجزين اثنين عن الانتصار. فليس في حرب كالتي بدأتها إسرائيل بالطائرات وردت عليها إيران بالصواريخ انتصارات، بل مجرد أرباح وخسائر لدى كل طرف. ولا شيء يمنع من الادعاء أن نتنياهو "ملك إسرائيل" وأن المرشد الأعلى علي خامنئي "إمبراطور غرب آسيا"، وأن ترمب "ملك العالم"، لكن على الجميع الجلوس في هدوء و"البحث عن الحقيقة في الوقائع" حسب الحكمة الصينية. ذلك أن حسابات الأرباح والخسائر ليست نهائية ولا كاملة في حرب ناقصة، حرب هي الأولى بين دولتين وجيشين في المنطقة بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بين التحالف المصري-السوري وإسرائيل، لأن كل الحروب الأخرى كانت بين إسرائيل ومجرد فصائل مثل "حزب الله و'حماس' وأنصار الله الحوثيين"، حرب لا تستطيع أطرافها تحمل دمارها وكلفتها ومضاعفاتها طويلاً، وليسوا قليلي الرغبة في إكمالها حين تسمح الظروف. وما تقوله الوقائع واضح، بصرف النظر عن القراءات المتسرعة والقراءة الأيديولوجية. إسرائيل ربحت إبعاد الكابوس النووي وتدمير جزء من منصات الصواريخ، مقابل خسارتها لما روجت له من كونها "القلعة الحصينة"، وانكشاف ضعف قدرتها على حماية أصولها الاستراتيجية من ضرب الصواريخ الباليستية. إيران ربحت تأكيد القدرة على الصمود وإلحاق الأذى بإسرائيل، وما لم يكن على جدول الأعمال أمام أميركا وإسرائيل، وهو بقاء النظام، لكنها خسرت أسطورة الاقتدار، وبدت مكشوفة أمام الطيران الإسرائيلي من دون حماية فعلية، بحيث دفعت في الضربات اليومية أثماناً لا تقل عن الأثمان التي دفعتها في "الضربة الاستباقية" لجهة اغتيال القادة الكبار وعلماء الذرة، كما أن قوتها الصاروخية لفتت أنظار أوروبا والعرب إلى أخطار الصواريخ الباليستية على أمن أوروبا والمنطقة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ترمب ربح الحرب عبر الضربة العسكرية التي شكلت مشهد الذروة في التراجيديا القتالية، ويريد أن يربح السلام. ومن المبكر رسم السيناريوهات حول الصورة الجديدة للشرق الأوسط، فلا تقسيمات سايكس-بيكو كانت ممكنة لولا الحرب العالمية الأولى وهزيمة السلطنة العثمانية والإمبراطورية النمسوية-المجرية والإمبراطورية البروسية ثم القيصرية. ولولا الحرب العالمية الثانية لما حصلت البلدان العربية على الاستقلال، ولما كان من السهل أن تولد إسرائيل. والتطورات الدراماتيكية التي يتحدث عنها أصحاب الخيال، وبينهم أصحاب رؤية بعيدة، تحتاج إلى حرب أكبر من حرب غزة ولبنان وحرب إسرائيل وإيران وإن دخلتها أميركا مباشرة. وما حدث ليس السيناريو الخطر الذي تصوره بعض، وهو أن تسجل إسرائيل نصراً مطلقاً على الجمهورية الإسلامية أو بالعكس أن تلحق طهران بإسرائيل هزيمة كاملة. ففي مثل هذا السيناريو تقع المنطقة من المتوسط إلى الخليج، وحتى من المحيط إلى الخليج بحسب الشعار القديم، تحت هيمنة قوة إقليمية واحدة تتحالف مع قوة دولية واحدة أو أكثر. وهذا هو الخطر الأكبر الذي يتطلب التخلص منه عقوداً وتضحيات وعذابات. وليس سراً أن كثراً في المنطقة راهنوا على أن تنتهي الحرب بخسارة الطرفين، مقابل قلة راهنت على ربح إيران وقلة راهنت على ربح إسرائيل، ولكل أسبابه وظروفه وموقفه المبني على تجارب الماضي وما فعلته في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وسواها هيمنة إسرائيل وهيمنة إيران. والسؤال المباشر الآن هو ماذا بعد وقف النار؟ هل تنتهي الحرب أم أن المنطقة في استراحة محارب قبل معاودة القتال، وما التسوية التي تقود إليها المفاوضات بين أميركا وإيران؟ طهران توحي أنها ستكمل برنامجها النووي وأن الأضرار التي وقعت في المنشآت لم تدمر كل شيء، كما أنها لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم. وترمب يقول إن الضربة الأميركية دمرت المنشآت النووية بالكامل، وسط تشكيك حتى في أوساط الاستخبارات الأميركية، ويهدد بضرب أية منشأة تحاول طهران إعادة بنائها وإحياء وظيفتها، ونتنياهو يهدد بما هو أكثر، وهما معاً يصران على شعار "صفر تخصيب" داخل إيران. وإذا كان أنصار إيران يتصورون أن الجمهورية الإسلامية ستخرج من المفاوضات مع أميركا، لا فقط برفع العقوبات عنها بل أيضاً بإطلاق يدها في المنطقة، فإن الأوساط الأميركية والإسرائيلية تضع على جدول الأعمال ثلاث لاءات، لا للمشروع النووي الإيراني ولا لتطوير البرنامج الصاروخي ولا للمشروع الإقليمي الإيراني وأذرعه. الحرب التي كشفت نقاط القوة والضعف لدى كل من إسرائيل وإيران، تركت لدى بعض انطباعاً خلاصته أن الجمهورية الإسلامية خسرت دور القوة الإقليمية، ولم تعد قادرة على حماية الرأس ولا الأذرع من إسرائيل. ومقابل الرهانات على الطائرات والصواريخ لصنع التاريخ، يقول هيغل "الفلسفة وحدها تستطيع قراءة ما خفي من التاريخ".