
"كلمات الحرب"... قلم في مواجهة مدفع
"ألا تزال تعتقد بأن العالم شاسع؟ وأنه إن كانت هناك حرب في مكان ما، فليس لها تأثير في مكان آخر؟ وأنك تستطيع الجلوس بسلام حتى تنقضي، متجاهلاً كل ما تراه؟ نستغرق في النوم كما لو أن الحرب القائمة ضمن حدودنا لم تصل بعد إلى عامها الخامس أصلاً. كما لو أن الشيشان بعيدة من أوروبا بمثل بعد القمر".
بهذه الأسئلة يبدأ فيلم "كلمات الحرب" الذي يروي جزءاً من سيرة الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا. أسئلة لم تنتهِ صلاحيتها بعد، على رغم مرور أكثر من 20 عاماً عليها وعلى رغم تغير وجهات القتال.
العمل الذي أخرجه البريطاني جيمس سترونغ وكتبه إريك بوبن حول شجاعة آنا في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال حرب الشيشان الثانية وانتقادها العلني لنظام فلاديمير بوتين، يستكشف الفترة ما بين عام 1999 حتى عام 2006 ويتابع العنف المتصاعد الذي يهدد استقرار المنطقة، من خلال تقارير صحافية عرضت للعالم الظلم والانحطاط، مما جعلها في النهاية عدواً لبوتين وسلطته على البلاد.
جسدت ماكسين بيك شخصية آنا بوليتكوفسكايا وقام سياران هيندز بدور رئيس تحريرها دميتري موراتوف وجيسون إيزاك بدور زوجها ألكسندر بوليتكوفسكي.
ويعتمد سترونغ على أسلوب سردي يحاكي الوثائقيات، مما يضفي مصداقية وواقعية على الأحداث، مسلطاً الضوء على أهمية حرية الصحافة والتحديات التي يواجهها الصحافيون في بيئات قمعية.
الحرب
حرب الشيشان الثانية، نزاع عسكري بين القوات الروسية والجماعات المسلحة الشيشانية، امتد من عام 1999 حتى عام 2009 بصورة رسمية. وتميزت هذه الحرب بأنها أكثر دموية وتعقيداً من الحرب الأولى (1994-1996)، وأسفرت عن إعادة فرض السيطرة الروسية على جمهورية الشيشان بعدما كانت تمتعت بحكم شبه مستقل.
ويقدّر عدد القتلى بعشرات الآلاف، بينهم مدنيون كثر، وأدت الحرب إلى دمار هائل للبنية التحتية، بخاصة في غروزني التي اعتبرت آنذاك "أكثر مدينة مدمرة في العالم". وأسفر ذلك عن تصاعد القبضة الأمنية الروسية بقيادة فلاديمير بوتين الذي استخدم الحرب لصعوده السياسي ووصوله إلى الرئاسة، وسيطرة نظام قديروف على الشيشان، في ظل تحالف قوي مع الكرملين، وانتشار التطرف الإسلامي خارج حدود الشيشان نحو جمهوريات شمال القوقاز.
في أحد المشاهد، يقول صحافي، "لا أحتاج إلى مراسل حربي، فالجميع لديه واحد من هؤلاء. نحن بحاجة إلى مراسلة شعبية حساسة، متعاطفة، ولكن أيضاً صارمة العقل، مستعدة لمواجهة الأقوياء من خلال طرح الأسئلة الصعبة".
والمراسلة التي تنطبق عليها هذه المواصفات هي آنا بوليتكوفسكايا، وكانت تكتب عن أمور بسيطة في روسيا، لكن حين انغمست في حرب الشيشان، اكتشفت الفظائع التي يقوم بها الجيش الروسي هناك، وباتت صوتاً لمهمشي هذا البلد.
تضليل إعلامي
واللافت هنا أن الجمهور الروسي لم يكُن يعلم شيئاً عما يحصل في هذه الحرب لأن الإعلام بكل بساطة كان يستقي معلوماته من مصادر رسمية مضللة. ويقول المتهكمون إننا نعيش في عصر "ما بعد الحقيقة"، حيث مصادر الأخبار منقسمة ومنعزلة، ولا يوجد فهم مشترك للمفاهيم الرئيسة مثل الحقائق أو الإثبات أو المنطق النقدي.
وأحد أسباب ذلك، التضليل المتعمد الذي كان الاتحاد السوفياتي ينشره عبر محو الأشخاص الذين لا يحظون بالقبول في الصور التاريخية، قبل أيام الـ"فوتوشوب" بوقت طويل، حتى إن روسيا "الديمقراطية" الجديدة أوائل التسعينيات واصلت السيطرة على المعلومات في الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، كانت لدى ميخائيل غورباتشوف رؤية لصحافة أكثر استقلالية. فاستخدم الأموال التي حصل عليها من جائزة "نوبل" للسلام (1990) في إنشاء صحيفة لم تكُن الحكومة تسيطر عليها. وكانت تسمى "نوفايا غازيتا" التي تعني صحيفة على الطراز الجديد.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلم غورباتشوف أن المجتمع القائم على الثقة والعدالة والحقيقة، وحده الذي يمكن أن يحافظ على الديمقراطية. ومن خلال تقارير بوليتكوفسكايا، نشرت الصحيفة قصصاً عن الحرب الروسية في الشيشان. حاول الروس إيقافها بالتهديدات والإساءات والسموم. وحطموا جهاز التسجيل الخاص بها وتسببوا في طرد زوجها، وهو صحافي تلفزيوني روسي بارز، من العمل. وأخيراً، أطلقوا عليها النار.
أكثر الأجزاء المؤثرة في الفيلم تفاعلات بوليتكوفسكايا مع المدنيين في الشيشان الذين يشعرون في البداية بالقلق بسبب خبرتهم مع الصحافيين الذين لا يهتمون إلا بالدعاية. إن استماع بيك إليهم مؤثر للغاية، وتجعلنا نرى كيف أن تعاطف بوليتكوفسكايا مهم في كسب ثقتهم بقدر التزامها إخبار العالم بما تراه.
وهذا له نتيجة مفجعة في وقت لاحق من الفيلم عندما تخبرها السلطات الروسية بأنها تحتاج إليها للتفاوض حول وضع الرهائن لأنها الوحيدة التي يثق بها الإرهابيون. وأدى إيمانها بقدرتها على إيجاد حل سلمي والتزامها حماية حتى الإرهابيين من الشيشان إلى وضع ثقتها في المكان الخطأ.
يصف المنتج التنفيذي شون بن الفيلم بأنه "شخصي أكثر منه جدلي"، ومن الواضح أنه ليس جدلياً. فحجته الوحيدة هي قول الحقيقة. إنه فيلم درامي تقليدي يستند إلى قصة حقيقية، لكنه ليس شخصياً حقاً. فهو لا يُظهر لنا أبداً سبب استعداد بوليتكوفسكايا لتحمل أخطار نقل هذه القصة أو مدى تحملها المسؤولية عن وفاة كثير من الرهائن.
ضعف الحبكة
ومن أضعف أجزاء الفيلم المشاهد مع عائلة بوليتكوفسكايا، فمن المفهوم أن زوجها (جيسون إيزاك) وأطفالها البالغين منزعجون للغاية من الأخطار التي تتعرض لها والوقت الذي تقضيه بعيدة منهم، لكن هذه المقاطع تبدو وكأنها ساذجة.
وأفضل المشاهد مع رئيس تحريرها ديمتري (سياران هيندز) الذي يعجب بها ويدعمها ولكنه على استعداد للتصدي لها عندما تفقد وجهة نظرها. والمشهد الأقوى في العمل محادثتها الحذرة مع أحد الروس الذين أرسلوا لتخويفها، والذي يؤدي دوره إيان هارت بذكاء ماكر ولمسة من الذكاء.
يوصف بوتين ضمن العمل بـ"المستبد المتوحش المتعطش للسلطة"، "بوتين يحتقرنا نحن الشعب"، كما تقول بوليتكوفسكايا وهي تتعمق في الشكاوى ضد القوات الروسية في الشيشان، مع وصف مباشر للتعذيب والمجازر والمقابر الجماعية التي تنقلها مباشرة إلى الكاميرا بتأثير قوي.
وانتقدت تقارير بوليتكوفسكايا الجريئة والحماسية عن حرب الشيشان الثانية الكرملين والجيش الروسي وفلاديمير بوتين شخصياً بشدة. (وحقيقة أنها قتلت في يوم عيد ميلاده لم تكُن مصادفة بالتأكيد.) وبعد مرور 19 عاماً على وفاتها، لا تزال بطلة شعبية لمقاومة الاستبداد، بخاصة في ظل تصاعد القمع في كل مكان والتهديدات المستمرة للصحافيين.
بالنظر إلى كل ذلك، فإن الفيلم يستحق الاحترام لموضوعه، على رغم أنه عرض بسيط جداً لقصة بوليتكوفسكايا، لكنه عمل مليء بالعاطفة المبجلة والـ"كليشيهات". ويشار أيضاً إلى أن عائلة بوليتكوفسكايا لم تمنح الفيلم مباركتها، وقد لا يكون بعضهم سعيداً، على سبيل المثال، بالشخصيات المكتوبة بصورة ركيكة لنظرائهم الخياليين، كابنها إيليا (هاري لوتاي) الذي يبدو مزعجاً ومغروراً حتى عندما تكون مشاعره مفهومة.
عملت بوليتكوفسكايا كمفاوضة بين قوات الأمن الروسية والإرهابيين الشيشان، بخاصة خلال الحصار بمسرح دوبروفكا في موسكو، وهو حدث كارثي يستحق صناعة فيلم أكثر ديناميكية من الحركة البطيئة والصوت الخافت المقدم هنا.
سُمّمت الصحافية الروسية لاحقاً على متن طائرة متجهة إلى بيسلان، حيث قصفت مدرسة مليئة بالأطفال على يد الإرهابيين أيضاً. نجت بوليتكوفسكايا من محاولة الاغتيال تلك تحديداً، لكن المحاولة الثانية عام 2006 وخفت صوت الصحافية الاستقصائية أخيراً.
يُحسب للفيلم أنه يذكرنا قبل تتر النهاية، بأن بوليتكوفسكايا لم تكُن وحدها، إذ قُتل أكثر من 1700 صحافي خلال السنوات الـ25 الماضية بسبب تغطيتهم لقصص كان أصحابها على استعداد للقتل لإبقاء الأمر سراً.
ويقول منتج الفيلم شون بين إن "فيلم 'كلمات الحرب' تكريم لآنا بوليتكوفسكايا وللصحافيين في جميع أنحاء العالم الذين تعد تقاريرهم الشجاعة عن الحروب الوحشية وانتقادهم الصريح للقادة المتوحشين أمراً ضرورياً لحرياتنا جميعاً".
سيرة
آنا ستيبانوفنا بوليتكوفسكايا (1958 - 2006) صحافية وكاتبة وناشطة حقوق إنسان روسية عرفت بمعارضتها للحرب الشيشانية الثانية وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2006، تعرضت لإطلاق النار عليها وقتلت أمام المجمع السكني الذي تقطنه، وهي عملية اغتيال لم تُحل، وما زالت تثير اهتمام المجتمع الدولي.
صنعت بوليتكوفسكايا شهرتها من تغطية الأحداث في الشيشان. وتحولت مقالاتها بعد عام 1999، حول الأوضاع في الشيشان إلى كثير من الكتب التي نشر معظمها خارج روسيا، وتابع القراء الروس تحقيقاتها ومنشوراتها من خلال صحيفة "نوفيا غازيتا" الروسية المعروفة بتحقيقاتها التي تغطي الشؤون السياسية والاجتماعية الروسية الحساسة. ومنذ عام 2000، نالت كثيراً من الجوائز الدولية، بينها جائزة "يونيسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة عن سنة 2007 (بعد وفاتها).
وعام 2004، نشرت أشهر أعمالها كتاب "روسيا بوتين". ولفتت قصة آنا بوليتكوفسكايا انتباه العالم بعد أن ظهرت انتقاداتها الصريحة لحكم فلاديمير بوتين للشيشان والفظائع المكثفة التي ارتكبت خلال الحرب.
وفي شباط (فبراير) 2001، وبينما كانت تحقق في عمليات الاغتصاب والضرب والقتل التي ارتكبها الجيش الروسي في قرية خاتوني، اعتقلها الجيش الروسي واحتجزها لمدة ثلاثة أيام، بزعم أن أوراق اعتمادها الصحافية لم تكُن سليمة. وخلال تلك الفترة، ذكرت أن الجنود الروس هددوها بإطلاق النار عليها واغتصابها وإيذاء أطفالها.
تخرجت بوليتكوفسكايا في جامعة موسكو الحكومية بشهادة في الصحافة عام 1980، وعملت في كثير من الصحف التجارية قبل أن تنتقل إلى صحيفة "أوبشايا غازيتا" الأسبوعية التي عملت لديها من 1994-1999، ثم انتقلت إلى صحيفة "نوفايا غازيتا" عام 1999. وهي مؤلفة كتاب "حرب قذرة: مراسلة روسية في الشيشان".
قُتلت بوليتكوفسكايا في السابع من أكتوبر 2006، بعد إطلاق النار عليها أمام شقتها وسط موسكو. وقالت الشرطة إنه عُثر إلى جانب جثتها على مسدس وأربعة فوارغ رصاصات فارغة، وأشارت التقارير إلى أن عملية القتل تمت بالتعاقد.
واجهت بوليتكوفسكايا احتمال الموت برزانتها المميزة. وقالت خلال مقابلة مع صانع الأفلام إريك بيرغكراوت "يقولون إنك إذا تحدثت عن الكارثة يمكن أن تتسبب في وقوعها. وهذا هو السبب في أنني لا أقول أبداً بصوت عالٍ ما أخشاه. فقط حتى لا يحدث ذلك". كانت تعتقد بأن مهمتها تقديم تقرير عن "الحرب القذرة" في الشيشان التي شنها نظام بوتين في خريف عام 1999.
وبحلول وقت وفاتها، كانت بوليتكوفسكايا قامت بما لا يقل عن 50 رحلة إلى الشيشان، وهو مكان وحشي وخطر تجنب معظم الصحافيين الروس الآخرين القيام به.
ومن الخطاب الذي ألقته لدى قبولها جائزة الشجاعة في الصحافة "من المتعارف عليه أن الصحافيين يذهبون إلى الأماكن التي تندلع فيها الحروب والكوارث لأن الناس والعالم يريدون معرفة الحقيقة والأخبار عن هذه الأحداث. في روسيا الأمور اليوم عكس ذلك تماماً. فالناس لا يريدون معرفة الحقيقة حول الحرب الدائرة. لقد تعرضوا لعملية غسيل دماغ أيديولوجية قوية ودُفعوا إلى الاعتقاد بأن الأحداث في الشيشان ليست سوى عملية مكافحة الإرهاب، وهم لا يريدون معرفة حقيقة ما يحدث هناك. إنهم لا يريدون أن يسمعوا عن الجرائم التي يرتكبها الجيش أو عن معاناة السكان المدنيين أو عن آلاف الضحايا من جميع الأطراف. لذا، فإن شجاعة الصحافي في مثل هذه الظروف تتمثل في إعطاء هذه المعلومات إلى الناس، رغماً عنهم إلى حد كبير، وجعلهم يفكرون في المأساة التي تمر بها البلاد، والتفكير في ضرورة وقف ذلك".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
"كلمات الحرب"... قلم في مواجهة مدفع
"ألا تزال تعتقد بأن العالم شاسع؟ وأنه إن كانت هناك حرب في مكان ما، فليس لها تأثير في مكان آخر؟ وأنك تستطيع الجلوس بسلام حتى تنقضي، متجاهلاً كل ما تراه؟ نستغرق في النوم كما لو أن الحرب القائمة ضمن حدودنا لم تصل بعد إلى عامها الخامس أصلاً. كما لو أن الشيشان بعيدة من أوروبا بمثل بعد القمر". بهذه الأسئلة يبدأ فيلم "كلمات الحرب" الذي يروي جزءاً من سيرة الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا. أسئلة لم تنتهِ صلاحيتها بعد، على رغم مرور أكثر من 20 عاماً عليها وعلى رغم تغير وجهات القتال. العمل الذي أخرجه البريطاني جيمس سترونغ وكتبه إريك بوبن حول شجاعة آنا في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال حرب الشيشان الثانية وانتقادها العلني لنظام فلاديمير بوتين، يستكشف الفترة ما بين عام 1999 حتى عام 2006 ويتابع العنف المتصاعد الذي يهدد استقرار المنطقة، من خلال تقارير صحافية عرضت للعالم الظلم والانحطاط، مما جعلها في النهاية عدواً لبوتين وسلطته على البلاد. جسدت ماكسين بيك شخصية آنا بوليتكوفسكايا وقام سياران هيندز بدور رئيس تحريرها دميتري موراتوف وجيسون إيزاك بدور زوجها ألكسندر بوليتكوفسكي. ويعتمد سترونغ على أسلوب سردي يحاكي الوثائقيات، مما يضفي مصداقية وواقعية على الأحداث، مسلطاً الضوء على أهمية حرية الصحافة والتحديات التي يواجهها الصحافيون في بيئات قمعية. الحرب حرب الشيشان الثانية، نزاع عسكري بين القوات الروسية والجماعات المسلحة الشيشانية، امتد من عام 1999 حتى عام 2009 بصورة رسمية. وتميزت هذه الحرب بأنها أكثر دموية وتعقيداً من الحرب الأولى (1994-1996)، وأسفرت عن إعادة فرض السيطرة الروسية على جمهورية الشيشان بعدما كانت تمتعت بحكم شبه مستقل. ويقدّر عدد القتلى بعشرات الآلاف، بينهم مدنيون كثر، وأدت الحرب إلى دمار هائل للبنية التحتية، بخاصة في غروزني التي اعتبرت آنذاك "أكثر مدينة مدمرة في العالم". وأسفر ذلك عن تصاعد القبضة الأمنية الروسية بقيادة فلاديمير بوتين الذي استخدم الحرب لصعوده السياسي ووصوله إلى الرئاسة، وسيطرة نظام قديروف على الشيشان، في ظل تحالف قوي مع الكرملين، وانتشار التطرف الإسلامي خارج حدود الشيشان نحو جمهوريات شمال القوقاز. في أحد المشاهد، يقول صحافي، "لا أحتاج إلى مراسل حربي، فالجميع لديه واحد من هؤلاء. نحن بحاجة إلى مراسلة شعبية حساسة، متعاطفة، ولكن أيضاً صارمة العقل، مستعدة لمواجهة الأقوياء من خلال طرح الأسئلة الصعبة". والمراسلة التي تنطبق عليها هذه المواصفات هي آنا بوليتكوفسكايا، وكانت تكتب عن أمور بسيطة في روسيا، لكن حين انغمست في حرب الشيشان، اكتشفت الفظائع التي يقوم بها الجيش الروسي هناك، وباتت صوتاً لمهمشي هذا البلد. تضليل إعلامي واللافت هنا أن الجمهور الروسي لم يكُن يعلم شيئاً عما يحصل في هذه الحرب لأن الإعلام بكل بساطة كان يستقي معلوماته من مصادر رسمية مضللة. ويقول المتهكمون إننا نعيش في عصر "ما بعد الحقيقة"، حيث مصادر الأخبار منقسمة ومنعزلة، ولا يوجد فهم مشترك للمفاهيم الرئيسة مثل الحقائق أو الإثبات أو المنطق النقدي. وأحد أسباب ذلك، التضليل المتعمد الذي كان الاتحاد السوفياتي ينشره عبر محو الأشخاص الذين لا يحظون بالقبول في الصور التاريخية، قبل أيام الـ"فوتوشوب" بوقت طويل، حتى إن روسيا "الديمقراطية" الجديدة أوائل التسعينيات واصلت السيطرة على المعلومات في الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، كانت لدى ميخائيل غورباتشوف رؤية لصحافة أكثر استقلالية. فاستخدم الأموال التي حصل عليها من جائزة "نوبل" للسلام (1990) في إنشاء صحيفة لم تكُن الحكومة تسيطر عليها. وكانت تسمى "نوفايا غازيتا" التي تعني صحيفة على الطراز الجديد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلم غورباتشوف أن المجتمع القائم على الثقة والعدالة والحقيقة، وحده الذي يمكن أن يحافظ على الديمقراطية. ومن خلال تقارير بوليتكوفسكايا، نشرت الصحيفة قصصاً عن الحرب الروسية في الشيشان. حاول الروس إيقافها بالتهديدات والإساءات والسموم. وحطموا جهاز التسجيل الخاص بها وتسببوا في طرد زوجها، وهو صحافي تلفزيوني روسي بارز، من العمل. وأخيراً، أطلقوا عليها النار. أكثر الأجزاء المؤثرة في الفيلم تفاعلات بوليتكوفسكايا مع المدنيين في الشيشان الذين يشعرون في البداية بالقلق بسبب خبرتهم مع الصحافيين الذين لا يهتمون إلا بالدعاية. إن استماع بيك إليهم مؤثر للغاية، وتجعلنا نرى كيف أن تعاطف بوليتكوفسكايا مهم في كسب ثقتهم بقدر التزامها إخبار العالم بما تراه. وهذا له نتيجة مفجعة في وقت لاحق من الفيلم عندما تخبرها السلطات الروسية بأنها تحتاج إليها للتفاوض حول وضع الرهائن لأنها الوحيدة التي يثق بها الإرهابيون. وأدى إيمانها بقدرتها على إيجاد حل سلمي والتزامها حماية حتى الإرهابيين من الشيشان إلى وضع ثقتها في المكان الخطأ. يصف المنتج التنفيذي شون بن الفيلم بأنه "شخصي أكثر منه جدلي"، ومن الواضح أنه ليس جدلياً. فحجته الوحيدة هي قول الحقيقة. إنه فيلم درامي تقليدي يستند إلى قصة حقيقية، لكنه ليس شخصياً حقاً. فهو لا يُظهر لنا أبداً سبب استعداد بوليتكوفسكايا لتحمل أخطار نقل هذه القصة أو مدى تحملها المسؤولية عن وفاة كثير من الرهائن. ضعف الحبكة ومن أضعف أجزاء الفيلم المشاهد مع عائلة بوليتكوفسكايا، فمن المفهوم أن زوجها (جيسون إيزاك) وأطفالها البالغين منزعجون للغاية من الأخطار التي تتعرض لها والوقت الذي تقضيه بعيدة منهم، لكن هذه المقاطع تبدو وكأنها ساذجة. وأفضل المشاهد مع رئيس تحريرها ديمتري (سياران هيندز) الذي يعجب بها ويدعمها ولكنه على استعداد للتصدي لها عندما تفقد وجهة نظرها. والمشهد الأقوى في العمل محادثتها الحذرة مع أحد الروس الذين أرسلوا لتخويفها، والذي يؤدي دوره إيان هارت بذكاء ماكر ولمسة من الذكاء. يوصف بوتين ضمن العمل بـ"المستبد المتوحش المتعطش للسلطة"، "بوتين يحتقرنا نحن الشعب"، كما تقول بوليتكوفسكايا وهي تتعمق في الشكاوى ضد القوات الروسية في الشيشان، مع وصف مباشر للتعذيب والمجازر والمقابر الجماعية التي تنقلها مباشرة إلى الكاميرا بتأثير قوي. وانتقدت تقارير بوليتكوفسكايا الجريئة والحماسية عن حرب الشيشان الثانية الكرملين والجيش الروسي وفلاديمير بوتين شخصياً بشدة. (وحقيقة أنها قتلت في يوم عيد ميلاده لم تكُن مصادفة بالتأكيد.) وبعد مرور 19 عاماً على وفاتها، لا تزال بطلة شعبية لمقاومة الاستبداد، بخاصة في ظل تصاعد القمع في كل مكان والتهديدات المستمرة للصحافيين. بالنظر إلى كل ذلك، فإن الفيلم يستحق الاحترام لموضوعه، على رغم أنه عرض بسيط جداً لقصة بوليتكوفسكايا، لكنه عمل مليء بالعاطفة المبجلة والـ"كليشيهات". ويشار أيضاً إلى أن عائلة بوليتكوفسكايا لم تمنح الفيلم مباركتها، وقد لا يكون بعضهم سعيداً، على سبيل المثال، بالشخصيات المكتوبة بصورة ركيكة لنظرائهم الخياليين، كابنها إيليا (هاري لوتاي) الذي يبدو مزعجاً ومغروراً حتى عندما تكون مشاعره مفهومة. عملت بوليتكوفسكايا كمفاوضة بين قوات الأمن الروسية والإرهابيين الشيشان، بخاصة خلال الحصار بمسرح دوبروفكا في موسكو، وهو حدث كارثي يستحق صناعة فيلم أكثر ديناميكية من الحركة البطيئة والصوت الخافت المقدم هنا. سُمّمت الصحافية الروسية لاحقاً على متن طائرة متجهة إلى بيسلان، حيث قصفت مدرسة مليئة بالأطفال على يد الإرهابيين أيضاً. نجت بوليتكوفسكايا من محاولة الاغتيال تلك تحديداً، لكن المحاولة الثانية عام 2006 وخفت صوت الصحافية الاستقصائية أخيراً. يُحسب للفيلم أنه يذكرنا قبل تتر النهاية، بأن بوليتكوفسكايا لم تكُن وحدها، إذ قُتل أكثر من 1700 صحافي خلال السنوات الـ25 الماضية بسبب تغطيتهم لقصص كان أصحابها على استعداد للقتل لإبقاء الأمر سراً. ويقول منتج الفيلم شون بين إن "فيلم 'كلمات الحرب' تكريم لآنا بوليتكوفسكايا وللصحافيين في جميع أنحاء العالم الذين تعد تقاريرهم الشجاعة عن الحروب الوحشية وانتقادهم الصريح للقادة المتوحشين أمراً ضرورياً لحرياتنا جميعاً". سيرة آنا ستيبانوفنا بوليتكوفسكايا (1958 - 2006) صحافية وكاتبة وناشطة حقوق إنسان روسية عرفت بمعارضتها للحرب الشيشانية الثانية وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2006، تعرضت لإطلاق النار عليها وقتلت أمام المجمع السكني الذي تقطنه، وهي عملية اغتيال لم تُحل، وما زالت تثير اهتمام المجتمع الدولي. صنعت بوليتكوفسكايا شهرتها من تغطية الأحداث في الشيشان. وتحولت مقالاتها بعد عام 1999، حول الأوضاع في الشيشان إلى كثير من الكتب التي نشر معظمها خارج روسيا، وتابع القراء الروس تحقيقاتها ومنشوراتها من خلال صحيفة "نوفيا غازيتا" الروسية المعروفة بتحقيقاتها التي تغطي الشؤون السياسية والاجتماعية الروسية الحساسة. ومنذ عام 2000، نالت كثيراً من الجوائز الدولية، بينها جائزة "يونيسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة عن سنة 2007 (بعد وفاتها). وعام 2004، نشرت أشهر أعمالها كتاب "روسيا بوتين". ولفتت قصة آنا بوليتكوفسكايا انتباه العالم بعد أن ظهرت انتقاداتها الصريحة لحكم فلاديمير بوتين للشيشان والفظائع المكثفة التي ارتكبت خلال الحرب. وفي شباط (فبراير) 2001، وبينما كانت تحقق في عمليات الاغتصاب والضرب والقتل التي ارتكبها الجيش الروسي في قرية خاتوني، اعتقلها الجيش الروسي واحتجزها لمدة ثلاثة أيام، بزعم أن أوراق اعتمادها الصحافية لم تكُن سليمة. وخلال تلك الفترة، ذكرت أن الجنود الروس هددوها بإطلاق النار عليها واغتصابها وإيذاء أطفالها. تخرجت بوليتكوفسكايا في جامعة موسكو الحكومية بشهادة في الصحافة عام 1980، وعملت في كثير من الصحف التجارية قبل أن تنتقل إلى صحيفة "أوبشايا غازيتا" الأسبوعية التي عملت لديها من 1994-1999، ثم انتقلت إلى صحيفة "نوفايا غازيتا" عام 1999. وهي مؤلفة كتاب "حرب قذرة: مراسلة روسية في الشيشان". قُتلت بوليتكوفسكايا في السابع من أكتوبر 2006، بعد إطلاق النار عليها أمام شقتها وسط موسكو. وقالت الشرطة إنه عُثر إلى جانب جثتها على مسدس وأربعة فوارغ رصاصات فارغة، وأشارت التقارير إلى أن عملية القتل تمت بالتعاقد. واجهت بوليتكوفسكايا احتمال الموت برزانتها المميزة. وقالت خلال مقابلة مع صانع الأفلام إريك بيرغكراوت "يقولون إنك إذا تحدثت عن الكارثة يمكن أن تتسبب في وقوعها. وهذا هو السبب في أنني لا أقول أبداً بصوت عالٍ ما أخشاه. فقط حتى لا يحدث ذلك". كانت تعتقد بأن مهمتها تقديم تقرير عن "الحرب القذرة" في الشيشان التي شنها نظام بوتين في خريف عام 1999. وبحلول وقت وفاتها، كانت بوليتكوفسكايا قامت بما لا يقل عن 50 رحلة إلى الشيشان، وهو مكان وحشي وخطر تجنب معظم الصحافيين الروس الآخرين القيام به. ومن الخطاب الذي ألقته لدى قبولها جائزة الشجاعة في الصحافة "من المتعارف عليه أن الصحافيين يذهبون إلى الأماكن التي تندلع فيها الحروب والكوارث لأن الناس والعالم يريدون معرفة الحقيقة والأخبار عن هذه الأحداث. في روسيا الأمور اليوم عكس ذلك تماماً. فالناس لا يريدون معرفة الحقيقة حول الحرب الدائرة. لقد تعرضوا لعملية غسيل دماغ أيديولوجية قوية ودُفعوا إلى الاعتقاد بأن الأحداث في الشيشان ليست سوى عملية مكافحة الإرهاب، وهم لا يريدون معرفة حقيقة ما يحدث هناك. إنهم لا يريدون أن يسمعوا عن الجرائم التي يرتكبها الجيش أو عن معاناة السكان المدنيين أو عن آلاف الضحايا من جميع الأطراف. لذا، فإن شجاعة الصحافي في مثل هذه الظروف تتمثل في إعطاء هذه المعلومات إلى الناس، رغماً عنهم إلى حد كبير، وجعلهم يفكرون في المأساة التي تمر بها البلاد، والتفكير في ضرورة وقف ذلك".


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
صفقة ترمب لإنقاذ نتنياهو مقابل إنهاء حرب غزة
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإسرائيليين، مساء الأربعاء، بمنشور عبر موقع "تروث سوشيال"، دعا فيه إلى العفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتهم في قضايا فساد، واصفاً إياه بـ "المحارب". وكتب: "ينبغي إلغاء محاكمة بيبي نتنياهو على الفور، أو منحه عفواً، فهو بطل عظيم قدم كثيراً لدولة إسرائيل". جاءت تدوينة ترمب قبيل أيام من استئناف محاكمة نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، في محاكمة مستمرة منذ عام 2020. ووفقاً لترمب، فإن "الولايات المتحدة هي التي أنقذت إسرائيل، والآن ستكون هي التي ستنقذ بيبي نتنياهو". ربما يأمل ترمب في عفو رئاسي عن صديقه الإسرائيلي، إذ يملك الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ صلاحية العفو عن نتنياهو. لكن ترمب، المعروف بلقب "رجل الصفقات"، لن يجعل الأمر مجرد هبة في إطار الصداقة السياسية، بل صفقة تنطوي على "إنقاذ" نتنياهو من المحاكمة، مقابل تسوية الحرب في غزة ضمن اتفاق شامل يضمن الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس"، ويدفع سريعاً نحو المضي في خطة اتفاقيات السلام العربية - الإسرائيلية التي بدأها في ولايته الأولى. نوبل للسلام الصفقة التي يسعى إليها ترمب مع نتنياهو ربما ترتبط بطموحه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، إذ تباهى خلال الأيام الماضية بدوره في التوسط لاتفاقات تنهي صراعات، من بينها وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. كما كتب على "تروث سوشيال"، معبراً عن أسفه لعدم منحه جائزة نوبل للسلام لـ"وقفه" الحرب بين الهند وباكستان، أو بين صربيا وكوسوفو، ولسعيه إلى الحفاظ على السلام بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة. وتحدث أيضاً عن إبرامه "اتفاقات إبراهام" في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فإنها "ستتوج بانضمام دول أخرى، وستوحد الشرق الأوسط للمرة الأولى على مر العصور". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي منشوره أشار إلى الإعلان عن ترتيب معاهدة "رائعة" بين الكونغو ورواندا في شأن حربهما. وقال: "لا، لن أحصل على جائزة نوبل للسلام مهما فعلت، بما في ذلك روسيا - أوكرانيا، وإسرائيل - إيران، مهما كانت النتائج، لكن الناس يتفهمون، وهذا كل ما يهمني". وأشار في حديثه إلى الصحافيين الجمعة الماضية، إلى أن ثلاثة من الرؤساء الأربعة الفائزين بجائزة نوبل للسلام ينتمون للحزب الديمقراطي، قائلاً: "كان ينبغي أن أحصل عليها أربع أو خمس مرات، لن يمنحوني جائزة نوبل للسلام لأنهم يمنحونها لليبراليين فقط". صفقة كبرى وإضافة إلى مكاسبه الشخصية، فإنه وفق الصحافة الإسرائيلية يتعلق الأمر بجزء من إستراتيجية أوسع، وربما منسقة، تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، مع لعب نتنياهو دوراً محورياً فيها. فمنذ إعلانه عن وقف إطلاق النار بوساطة أميركية بين إسرائيل وإيران، أبدى ترمب نفاد صبر متزايد تجاه إسرائيل، وخصوصاً بسبب استمرار القتال في غزة. وتتمثل رؤيته، وفقاً لتصريحاته المتكررة، في إنهاء الحرب وضمان الإفراج عن الرهائن وتوسعة "اتفاقات أبراهام" لتشمل الشرق الأوسط وربما ما بعده. وألمح مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى ذلك، قائلاً إن التوصل إلى اتفاق مع "حماس" "أقرب من أي وقت مضى". وقال في تصريحات لقناة "سي إن بي سي" الأميركية أمس الأربعاء، إن الإدارة الأميركية بصدد "إعلان مهم" قريبا في شأن الدول المشاركة في "اتفاقات إبراهام"، مضيفاً "نتوقع تطبيع العديد من الدول (علاقاتها مع إسرائيل)". وتقول صحيفة يديعوت آحرينوت، إنه في هذا السياق، يمكن النظر إلى تدخل ترمب في المشكلات القانونية التي يواجهها نتنياهو كجزء من "صفقة شاملة" تنطوي على دعم علني، وربما عملي، لزعيم إسرائيل مقابل تعاون نتنياهو في إنهاء حرب غزة ودفع الأهداف الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة. ويعتقد بعض المحللين أن هذه الخطوة قد تكون مجرد بداية لحملة دبلوماسية أوسع لم يُكشف عنها بعد. غضب المعارضة الإسرائيلية وقد ألمح زعيم المعارضة يائير لابيد إلى هذا الاحتمال في مقابلة مع الصحيفة الإسرائيلية، قائلاً إنه "مع كامل الاحترام لترمب، عليه ألا يتدخل في مسار قانوني داخل دولة ذات سيادة. أعتقد أن هذه تعويضات، لأنه سيضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة. وهذا أسلوب ترمب المعتاد." واستخدمت النائبة نعما لازيمي من حزب الديمقراطيين لغة أكثر حدة في انتقاد الأمر قائلة بسخرية إن "نتنياهو بريء لدرجة أنه يستعين بترمب لإلغاء محاكمته. هذا المنشور (لترمب) يُظهر كيف تُحتجز أمة بأكملها رهينة بيد متهم جنائي. نتنياهو، أفرج عن قبضتك الخانقة على النظام الديمقراطي في إسرائيل. لا يمكن أن تُدمر المجتمع الإسرائيلي بسبب فساد رجل واحد. كفى." في المقابل، كانت ردود فعل حلفاء نتنياهو أكثر ترحيباً بتعليقات الرئيس الأميركي. وقال رئيس لجنة الدستور والقانون والعدالة في الكنيست سمحا روثمان، إن كلمات ترمب تعكس "حقيقة عميقة"، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن "من غير المناسب أن يتدخل الرئيس الأميركي في الشؤون القانونية لدولة إسرائيل. استقلال القضاء أمر حيوي حتي بالنسبة لنتنياهو." وبدلاً من ذلك، دعا روثمان الرئيس الإسرائيلي إلى منح نتنياهو عفواً: "امنحوا هذه الأمة العدالة ولحظات من الهدوء والرحمة." فيما لم يستبعد السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، احتمال ممارسة الولايات المتحدة ضغوطًا على الجهاز القضائي الإسرائيلي، جاء ذلك في تصريحات أدلى بها خلال زيارة إلى مركز سوروكا الطبي في بئر السبع عقب الضربة الصاروخية الإيرانية. اختباراً لاستقلالية القضاء ويواجه نتنياهو المحاكمة في ثلاث قضايا فساد، تتضمن اتهامات بالاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة. وتتعلق إحدى المحاكمات باتهامه وزوجته سارة بتلقي هدايا ثمينة بشكل غير قانوني من قطب الإعلام الهوليوودي أرنون ميلتشان، بقيمة تُقدر بنحو 700 ألف شيكل. وتشير لائحة الاتهام إلى أن نتنياهو خالف قوانين تضارب المصالح عندما سعى إلى مساعدة ميلتشان في تجديد تأشيرته الأميركية طويلة الأمد، وقدم له دعماً في قضايا ضريبية. وتعلق قضية أخرى بالاحتيال وخيانة الأمانة، إثر محاولة نتنياهو المزعومة التوصل إلى صفقة "مقايضة" مع ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت، أرنون (نوني) موزيس، بحيث تقدم الصحيفة تغطية إعلامية إيجابية لرئيس الوزراء مقابل سنّ قانون يضعف منافستها الرئيسة، صحيفة يسرائيل هيوم. والقضية الثالثة المعروفة باسم "قضية بيزك-واللا"، فهي الأخطر، إذ يُتهم نتنياهو فيها بإصدار قرارات تنظيمية أفادت مالك شركة بيزك العملاقة للاتصالات، شاؤول إلوفيتش، بمئات الملايين من الشواقل. وبالمقابل، يُزعم أنه حصل على تغطية إعلامية إيجابية من موقع واللا الإخباري، الذي كان أيضاً مملوكاً لإلوفيتش. ويقول موقع "تايمز أوف إسرائيل" إن هذه القضايا تُعد اختباراً رئيساً لاستقلالية النظام القضائي الإسرائيلي، في وقت يشهد تدخلات سياسية متزايدة وضغوطاً داخلية وخارجية على مجريات المحاكمة. وينفي نتنياهو جميع التهم المنسوبة إليه، ويؤكد أنه لم يرتكب أية مخالفة، ويزعم أن القضايا ضده ملفقة بالكامل ووُضعت في إطار "انقلاب سياسي" دبرته الشرطة والنيابة العامة بهدف الإطاحة به من الحكم. وبموجب القانون الإسرائيلي، لا يمكن منح العفو إلا بعد انتهاء الإجراءات القانونية. ومع ذلك، تقول يديعوت آحرينوت إنه في ظل السياق الأمني الحالي، لا سيما بعد الضربة الأميركية الناجحة ضد المنشآت النووية الإيرانية، قد يصبح منح العفو أمراً ممكناً سياسياً. وقد ألمح الرئيس يتسحاق هرتسوغ أخيراً إلى أنه سينظر بإيجابية في مثل هذا الطلب إذا قدم رسمياً.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
مسوغات قرارات ترمب هي الانطباع الذي تتركه
لا يلام الرؤساء الأميركيون على تكيفهم مع الظروف الدولية المتغيرة، فجيمي كارتر (1924- 2024) انتخب بناء على برنامج تعاون مع الاتحاد السوفياتي، وانتهى به الأمر إلى انتهاج سياسة متوترة غداة غزو الاتحاد السوفياتي أفغانستان. وانتخب رونالد ريغان (1911- 2004) بناء على نهج متشدد، تحول مفاوضاً رئيساً مع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيف. وتبوأ جورج دبليو بوش السلطة وبرنامجه المعلن يدعو إلى نهج شبه انعزالي يخالف السياسة التي انتهجها في أواخر ولايته، وخاض بموجبها حربين مدمرتين في أفغانستان ثم في العراق، غداة هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001. وعلى خلاف أسلافه، يشير جوستان فايس، المؤرخ ومؤسس منتدى باريس للسلام، في "لوموند الفرنسية" إلى أن اللافت في قرار دونالد ترمب المشاركة في هجمات إسرائيل على إيران، ليس اتخاذه من غير واقعة بارزة أو علة مباشرة تبرره، خمسة أشهر فقط بعد عودة للسلطة صحبها إعلان متكرر عن إرادة الإمساك عن التدخل العسكري في الخارج. ففي الـ20 من يناير (كانون الثاني)، صرح ترمب مفتتحاً تقلده الولاية: "لن نقيس نجاحنا بالمعارك التي ننتصر فيها فحسب، بل كذلك بالحروب التي ننهيها، وبما يفوق الأمرين أهمية، ربما أي بالحروب التي لا نخوضها أبداً". وينبه فايس إلى خروج ترمب عن وعوده الانتخابية بعد إرساله إشارة قبول إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أتاحت له الهجوم على إيران، مهدت لخطر الانزلاق جراء أمرين: الأول هو تعثر الحملة الإسرائيلية، والآخر هو انجرارها إلى ضرب البرنامج النووي الإيراني على نحو حاسم. وفي الأحوال كلها، ينبغي الإقرار لترمب بتماسك سياسته: فهو أراد على الدوام إلغاء البرنامج النووي الإيراني. وفي 2018، انسحب من خطة العمل الشاملة والمشتركة (الاتفاق النووي) التي فاوضت عليها الدول الكبرى إيران ووقعتها في 2015، على رغم إظهارها نجاعتها واتخذ ترمب قراره هذا باسم معاملة طهران معاملة متشددة. ولأن باراك أوباما كان المفاوض وصاحب التوقيع، إلا أن الإلغاء أدى إلى حرب 2025. الانزلاق ولكن من العسير أن يناقض تماسك نهج ترمب القرار على قدر مناقضة قرار الانخراط في الحرب هذا التماسك، وهو يخالف البرنامج الانتخابي الترمبي، ومزاج جمهور المؤيدين والناخبين المنضوين في حركة "ماغا" (مايك أميركا غرايت أغاين). والأمر لم يبلغ بعد حد الإعداد لغزو (إيران)، ولا حد إشراك قوات برية في العملية العسكرية. ولكن لا يغيب عن الأذهان أن الحروب يعلم أين تبتدئ وتبقى خاتمتها في طي المجهول. وإذا استدعى إنجاز تدمير المنشآت النووية الاستعانة بقوات خاصة؟ وإذا هاجم النظام (الإيراني) القواعد الأميركية أو حلفاً من غير أن تحول القنابل من دون ردعه؟ وإذا تفككت إيران وهدد تفككها البلدان المجاورة؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وحركة "ماغا" إنما تبلورت سنداً لترمب في مواجهة انزلاق مثل هذا ورفضاً لمغامرات عسكرية خارجية في أعقاب الحرب الباردة، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، والذريعة هي عدم جدواها، وعدم جدوى حروب تخاض في سبيل تغيير الأنظمة (وترمب لا يدعو علناً إلى مثل هذا التغيير، على خلاف نتنياهو). وتشترك هذه المواقف في موقف عام هو تخلي الولايات المتحدة عن الاضطلاع بدور شرطي العالم الذي تؤديه منذ 1945، ويلزمها بضمان النظام الدولي باسم نهج "أميركا أولاً"، وهو مزيج من الانعزالية والأحادية، على أن تستبدل هذا الدور بالاقتصار على خدمة المصالح الأميركية، الاقتصادية أولاً، وحدها. ولم يكتم إيديولوجيو حركة "ماغا"، من مقدم البرامج ثيو كيركارلسون إلى ممثلة ولاية جورجيا مارجوري تايلور غرين، خيبتهم العميقة. "الحروب العميقة، والعمليات العسكرية، وحملات تغيير الأنظمة، تؤخر مكانة أميركا، وتقتل الأبرياء، وتلحق الدمار بنا وتؤدي في نهاية المطاف إلى انهيارنا"، كتبت مارجوري تايلور غرين في الـ17 من يونيو (حزيران)، على منصة X. ونشر أليكس جونز، الناشط في "ماغا" ومعتنق نظرية المؤامرات، على X صورة مركبة تمزج وجه ترمب بقسمات بوش، دلالة على انعطاف صوب سياسة المحافظين الجدد. ولا شك في أن ترمب لم ينقلب إلى محافظ جديد: فهو، شأن نتنياهو، لا يأبه بفرض الديموقراطية على إيران، أو غيرها. ويدافع عن سياسته بالقول إنه "يحل السلام بواسطة القوة"، ويتباهى بتأييد الناخبين، خارج جمهور "ماغا" له. وهذا ما أوحى به نائب الرئيس، جي. دي. فانس، على رغم تشككه في سياسة الرئيس وضيقه بما يحصل ("لا شك في أن الناس محقون حين يقلقهم الانزلاق الخارجي بعد الأعوام الـ25 الأخيرة من انتهاج سياسة خارجية غبية"). وهو يعلن أن قصارى همه الدفاع عن المصالح الأميركية وحدها في الشرق الأوسط، واقتراح حل نهائي وناجز للخطر الذي يتهدد هذه المصالح في المنطقة، ويتهدد المنطقة معها. الوفاء للزعيم ويقر استراتيجي "ماغا" ستيف بانون بأن الحركة لا يسعها مخالفة ترمب، فالحركة يعرفها وفاؤها للرجل فوق تعريفها بالوفاء لأفكار أو مبادئ. أي أن انخراط الولايات المتحدة في حرب اختارت طوعاً الانخراط فيها، على مسرح الشرق الأوسط، يبدو على نقيض مبادئ "ماغا": وعلى رغم هذا، على المبادئ أن تماشي التغيير، وليس العكس، أياً كانت النتائج المترتبة عليه في مسألة مثل دور إسرائيل، وتلاعبها بترمب وجرها إياه إلى خوض الحرب في خدمة مصلحتها. ويبقى السؤال عما دعا الرئيس الأميركي إلى انتهاج سلوك يخالف ميول قاعدته الانتخابية، وطموحه المعلن إلى تقديم قضية السلم، وتفضيله عقد "الصفقات"؟ ويحسم فايس الجواب وينبه إلى عامل نفسي. ويقول: يقتضي فهم الأمر الانتباه إلى عدد من العوامل الشخصية جداً، بل النفسية (السيكولوجية)، وغير الجيوسياسية. فهو لاحظ نجاح الهجوم الإسرائيلي، ورغب في مشاطرة دور مجيد فيه. وأراد الظهور في مظهر رئيس حل معضلة تاريخية وعصية على الحل، ولم يقنع بإدارتها شأن سابقيه الكثرة واستهواه إثبات قوة قراره الشخصي، وقدرته على الإقناع بمجرد الوعيد أو التلويح بالمفاوضات المقبلة". فترمب، غالباً ما يعول على الانطباع المتخلف عن قوله أو فعله، فوق تعويله على المفعول نفسه. هذا بينما ينبغي التعامل مع نتائج عمليات القصف، على المدى الطويل، لأجل شق طريق إلى السلم في وقت يسلط مراقبون الضوء على رص العملية الإسرائيلية – الأميركية صفوف النظام الإيراني وترجيح كفة عزمه على التسلح النووي. وكان ريد سميث نبه في فورين أفيرز إلى ضرورة عدم الانجرار وراء حروب حلفاء الولايات المتحدة وشركائها. وإلى اليوم لم ينجم عن ضربات جوية أميركية ضد أهداف إيرانية مساع لتغيير النظام الإيراني وحرص ترمب على عدم نشر قوات أميركية برية في الميدان الإيراني. فهل نجح ترمب في الموازنة بين دواعي الحليف الإيراني ودواعي بلاده وتجنب أخطاء واشنطن في الشرق الأوسط؟